لماذا وكيف أصبح الدب رمزا لروسيا؟
تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT
الدب واحد من رموز الدولة الروسية وأقدمها على الإطلاق، وشكل لقرون طويلة بطاقة اتصالها بالعالم الخارجي وجزءا من تصورات شعوب العالم عنها. وفي النظرة الأسطورية لإنسان العصر الحجري، كان الدب حيوانا مقدسا، كما يتضح من اللوحات الصخرية في العصور الحجرية القديمة والمتوسطة والحديثة.
وكان هذا الوحش الضخم المنتشر بكثرة على الأراضي الروسية مرتبطا دائما في تصورات الروس القدماء بكونه ملك الغابة عندهم وحاكما للأراضي والأقاليم.
ورغم أن شعار النبالة الروسي، الذي يتكون من نسر برأسين يتجه كل منهما إلى جهة معاكسة للآخر -في دلالة على تموضع روسيا في قارتي آسيا وأوروبا- هو الشعار المعترف به رسميا، فإن الدب بقي أول ما يرتبط بتصورات شعوب العالم عن روسيا، منذ العصور الأولى أثناء تكون العقلية القومية في الوعي السلافي القديم.
بلاد الدببةالأصول الدقيقة لهذا الارتباط ليست واضحة تماما. ويعتقد بعض المؤرخين أن الدب أصبح رمزا للبلد الأكبر مساحة في العالم نظرا لكثرة الدببة التي كانت تعيش في غاباته، مما جعله حيوانا مألوفا لدى الروس.
كما أن هذا الحيوان كان يشكل في أذهان الشعوب السلافية القديمة رمزا للعديد من الخصائص الفريدة، كالقدرة على إبطال مفعول التعاويذ الشريرة، وكان يعتقد أن الدب يتمتع بحكمة خاصة وعلم كلي وقدرة على الحماية من السحر والمرض وغيرها من المشاكل.
ومما كانت تؤمن به هذه الشعوب أيضا أنه حتى الشيطان كان يخاف من الدب، وأن مخلب هذا الأخير تميمة قوية ضد جميع أنواع المصائب، لذلك احتفظ العديد من السلاف بهذه التعويذة في منازلهم.
كان لدى شعوب الشمال الروسي اعتقاد بأن أسلافهم ينحدرون من سلالة الدببة. ويؤكد المؤرخون أنه في العصور القديمة كان هذا الحيوان رمزا للقوة والرفاهية والصحة، بل إن شعوب سيبيريا القديمة عاشت على ما كان يسمى بـ"قسم الدب"، إذ يجب على الشخص الذي يريد إثبات براءته أداء طقوس كتناول اللحم النيء لدب ضخم.
وكان لهذه الطقوس تأثير قوي ورهيب على الناس لدرجة أنهم كانوا على استعداد للاعتراف بالجريمة، فقط حتى لا يغضبوا الدببة الأخرى لاحقا.
وتعامل الروس القدماء مع الدببة بطريقة خاصة، فكانوا يذبحونها ويستخدمون أحشاءها لقراءة الطالع. وفي وقت لاحق ظهرت تمائم الدببة في العديد من المنازل، إذ كان يُعتقد أنها تمنح الناس المثابرة والقوة والتحمل والشجاعة وتحميهم من الأمراض والشدائد.
ووفق الأساطير الروسية القديمة، كان يتم تعليق أنياب الدب فوق حمالات الأطفال حديثي الولادة أو حول أعناقهم لدفع الأمراض والحسد.
كان للأجانب أنفسهم دور كبير في أن يصبح الدب رمزا لروسيا. ففي القرن الـ16 ظهر هذا الحيوان لأول مرة على رسم لمدينة موسكو. كما ظهر على خريطة شمال أوروبا التي جمعها المؤرخ والكاهن السويدي أولاف ماغنوس عام 1539، والتي تضمنت رسما تفصيليا للأراضي الشمالية بناء على المعلومات التاريخية والإثنوغرافية عن المنطقة، وتم تمثيل أراضي موسكو بزوجين من الدببة يأكلان العسل.
كما ظهر الدب في أعمال أنتوني فيد، رسام الخرائط الألماني الذي اشتهر بإنشاء خريطة روسيا في النصف الأول من القرن الـ16.
مرحلة التسييسسرعان ما أصبحت صورة الدب مرتبطة ارتباطا وثيقا بروسيا، لدرجة أنه في القرن الـ18 نُشرت رسوم ساخرة في إنجلترا، تم فيها تصوير روسيا على هيئة دب، تارة وهو مكمم وتارة أخرى وهو مقيد، وفي أحيان أخرى يحمل سلاحا.
أثناء الحرب الباردة استخدم الأميركيون والغرب عموما هذا الرمز مرارا وتكرارا في المقالات والرسوم الكاريكاتيرية عن روسيا، إذ كان "الدب الروسي" برأيهم يشكل تهديدا.
واختار الاتحاد السوفياتي الدب رمزا للألعاب الأولمبية التي جرت في موسكو عام 1980، والتي تابع مراسم الافتتاح والختام فيها أكثر من ملياري شخص من جميع أنحاء العالم.
أظهرت دراسة أجراها المركز الروسي لاستطلاعات الرأي عام 2022 أن نظرة المواطنين الروس متباينة تجاه الدب باعتباره رمزا للبلاد، رغم أن أغلبية من شاركوا في الاستطلاع أبدوا رضاهم عن ذلك. وجاءت خلاصات الاستفتاء كالتالي:
قوي وجبار مثل بلادنا 33%. هذا هو وحشنا 7%. هادئ ويتحمل لفترة طويلة، لكن بعد ذلك يرد 7%. ارتبط منذ قرون طويلة بروسيا 6%. شرس ومخيف 5%. يعرف كيف يدافع عن نفسه 4%. جميل الشكل 3%. شعبنا مثل الدببة 2%. ذكي وحكيم وماكر 2%. رمز جيد للبلاد 2%. شجاع 1%. ثابت وحازم 1%. محب للحرية ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته 1%. لا توجد حيوانات أخرى مناسبة لتكون رمزا لروسيا 1%. من الصعب الإجابة 1%. لا إجابة 7%.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
التصعيد اليمني أصبح محرجا لأمريكا
تقرير/وديع العبسي
الكيان الصهيوني الذي تهابه الأنظمة العربية، يتلقى الضربة تلو الضربة من القوات المسلحة اليمنية، و”مستوطنوه” اعتادوا الذهاب والإياب إلى الملاجئ، وأحيانا يبدو الأمر كسباق ماراثوني، والملايين منهم يتسابقون من يصل أولا فيسلم من مخاطر الزائر اليمني الناري.
وتأخذ تحذيرات الكيان لمستوطنيه أشكالا متعددة تبعا لمستوى الخطر حسب تقييم قادة الحرب الصهاينة، وفي المحصلة ومع تراجع الثقة بقدرة منظومة الدفاعات الجوية الإسرائيلية على الوقوف أمام السلاح اليمني، يتحدد المطلوب بالحذر والانتباه، و اللجوء إلى الملاجئ إذا انعدمت الوسيلة.
التصعيد بالتصعيد
صعّد العدو الصهيوني ضد الفلسطينيين الأبرياء، فيما صعّدت المارقة أمريكا من هجماتها على الأعيان المدنية اليمنية، ليأتي الرد اليمني مواجها الجبهتين ومصعّدا من ضربات الصواريخ والطائرات المسيرة.
وخلال الأيام الماضية، زاد اليمن في التأكيد على أن خذلان العرب والمسلمين لفلسطين، لن يكون موقف اليمن، فتواصلت العمليات خلال شهر رمضان وعيد الفطر ليأتي هذا الفعل مصداقا للوعد بمقابلة التصعيد بالتصعيد، ليس ذلك وحسب وإنما كان في الفعل أيضا ترجمة صريحة وواضحة لرفض معادلة الاستباحة التي كشف عنها السيد القائد عقب تصاعد أعمال البلطجة من قبل العدو الإسرائيلي من جهة، واعتداءات الجيش الأمريكي من جهة أخرى.
زاد الأمر من إحراج وقلق واشنطن، وهي ترى أن اليمن يصنع لها واقعا جديدا وقد قلّم مخالبها وأنيابها، وباتت عاجزة عن تعيين الرد المناسب لإيقاف اليمن عن الاستمرار. وكلما طال أمد المواجهة انحشرت أمريكا في زاوية الفشل، خصوصا مع تصاعد نبرة التذمر الإسرائيلية بسبب تصاعد وتيرة العمليات اليمنية.
يبقى الفشل مع ذلك حليف قوي وملازم لإجراءات أمريكا والكيان الإسرائيلي العدوانية، ففي غزة فشلت كل جهود العدو ومن معه في إنهاء المقاومة، وظلت حماس وباقي الفصائل تقصف داخل الكيان بالرشقات الصاروخية الموجعة والمحبطة للعدو. وفي اليمن تفننت أمريكا في استهداف الأعيان المدنية مع تصويرها للعالم بأن أهدافها لها علاقة بالقدرات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية، ليصفعه استمرار العمليات المباشرة بضربات باليستية ومسيرة متصاعدة على مستوى الكم والكيف وكذا على مستوى زمن الاستهداف، ولا يبدو أن الأمر سيكون بأي حال في صالح أمريكا و”إسرائيل”، واستمرارهما بالاستخفاف بقدرة هذه الضربات على إحداث متغيرات استراتيحية، وبالتالي الاستمرار في الغيّ، سيقود حتما كلا الكيانين إلى بداية النهاية وسيكشف الغطاء عن الأنظمة المشاركة في قتل الفلسطينيين واستهداف اليمن.
تؤكد الجبهة اليمنية أنَّ “عشراتِ الغاراتِ اليوميةَ لن تثنيَ القواتِ المسلحةَ عن تأديةِ واجباتِها الدينيةِ والأخلاقيةِ والإنسانيةِ وستواصلُ بعونِ اللهِ عملياتِها ضدَّ العدوِّ الإسرائيليِّ حتى وقفِ العدوانِ على غزةَ ورفعِ الحصارِ عنها”، وهذه مسألة محسومة هزت أروقة الساسة في أمريكا، التي ما انفكت عن استهداف اليمن منذ عشرة أعوام مع ذلك لم تتمكن من إحداث أي تغيير لصالح أمريكا أو “إسرائيل”.
نتنياهو: لا تراجع عن خطة ترامب
بالنظر إلى الإجرام الصهيوأمريكي يتضح تشابه البشاعة والوحشية، حيث الاستهداف يختار بعناية الأهداف المدنية أو خيام النازحين، ويزيدون عليها باستهداف طواقم العمل الإنساني، فضلا عن البلطجة الإسرائيلية في لبنان وسوريا. وهذا التوافق في قتل العرب وتدمير الأعيان المدنية يعزز من واقعية التوجه الفعلي لأعداء الأمة في تكريس معادلة الاستباحة.
مع ذلك فإن اليمن يبقى على الموقف ثابتا، وكلما استمر هذا الموقف الإنساني والأخلاقي زاد تآكل الأعداء، في هيبتهم وحضورهم، وهذه الوتيرة ومع أي مفاجآت أخرى قادمة لا شك بأن الواقع سيشهد تقزُما أكثر لأمريكا قائدة الحملة العدائية على العرب والمسلمين.
تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن “الإدارة تواجه تساؤلات حول استراتيجيتها العامة في اليمن، خاصة بعد فشل الضربات الأمريكية السابقة في عهد إدارة بايدن في تحقيق أهدافها. ولم تقدم الإدارة الحالية ما يثبت اختلاف نهجها أو قدرته على تحقيق نتائج أفضل، في وقت تشير فيه تقارير محلية إلى سقوط ضحايا مدنيين في بعض الضربات دون أي تعليق رسمي من القيادة المركزية الأمريكية” بحسب تقرير نيويورك تايمز.
ونقلت الصحيفة عن خبراء في شؤون الشرق الأوسط بأن هزيمة اليمن “ليست مهمة سهلة، خاصة في ظل صمودهم خلال سبع سنوات مضت أمام الحملات العسكرية السعودية والضربات الأمريكية في عهد بايدن”.
تهديدات ترامب.. “بندقية بلا رصاص”
داخل الميان المحتل تتندر النخب من تشنجات ترامب وتجديده في كل مرة يتلقى فيها صفعة جديدة سواء بتعرض بارجات للقصف أو وصول الصواريخ والمسيرات إلى أهدافها داخل الكيان، على تصعيده وجديته في إنهاء “الخطر اليمني”،
يقول العميد (احتياط) في الجيش “الإسرائيلي” والمستشار الاستراتيجي، “زفيكا هايموفيتش”، والذي شغل سابقاً منصب “قائد الدفاع الجوي” قي “جيش” العدو تعليقا على تهديدات ترامب “لقد مررنا بخمسة أيام متوالية من الإطلاقات، ومرة أخرى (للمرة الألف) يُنظر إلى تهديد الرئيس ترامب على أنه بندقية بلا رصاص”. ويؤكد هايموفيتش: “إن الحوثيين الذين ربطوا مصيرهم بالفلسطينيين منذ أكتوبر 2023، لا يشكلون تهديداً مقلقاً لإسرائيل فحسب، بل يتحدون التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ويضعون الرئيس ترامب على المحك”. حسب تعبيره. ومع فشل الزوبعة الترامبية عن إحداث تغييرات جذرية ملموسة، يرى الإسرائيلي “هايموفيتش” بأنهم داخل الميان “مضطرون إلى الاعتماد على قدرات الدفاع والإنذار المبكر للمدنيين”.
اليمن.. لا حياد عن المبدأ
سيبقى حصار البحر الأحمر مفروضا على العدو الإسرائيلي والكيان الأمريكي وكل من تعاون معهما في استباحة الأمة، وسيبقى الحظر قائما على حركة مطار اللُد “بن غوريون”.. فالمسألة مبدأ لا يمكن الحياد عنه، ولن تظل أمريكا تبيح وتشرعن لنفسها دعم الكيان الصهيوني في منهجية حرب الإبادة الجماعية في غزة، ثم تمنع على أي أحد الدفاع عن المستضعفين الفلسطينيين.
وسيبقى الأمل قائما بحدوث صدمة في الواقع العربي تعيد أنظمة وشعوب المنطقة إلى منطلقاتها الأصيلة الدينية والأخلاقية الإنسانية فتعمل على نجدة النساء والأطفال والمسنين في غزة والضفة، والمسألة ليست بحاجة إلى مبررات لاتخاذ هذا الموقف الجاد، فنتنياهو يعلن صراحة أنه لن يغادر غزة إلا بعد الإفراج عن الأسرى الصهاينة مجانا، وتسليم المقاومة للسلاح وإخراج جميع قادتها خارج البلاد. ولا يقف الأمر عند هذا الحد في تصريحات نتنياهو، وإنما يضيف إلى ذلك “تنفيذ خطة ترامب” وخطة ترامب ليست بالخفية وإنما يعلم بها الجميع.