سؤال كبير في التاريخ: لماذا لم تستمر مدنية كبيرة كالصين والحكم الإسلامي بقيادة المدنية؟ (2-2)
تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT
مدنية الحكم الإسلامي:
الإسلام ليس مدنية ولا أيديولوجيا حزبية ولا هو شريعة تراثية، هو منهج الإنسان كامل الأهلية في كل مفاصل الحياة وقيم تعطي الأهلية والكرامة. وهنا أركز على الأهلية لأنها مهمة لاختبار المنظومة العقلية التي هي سبب وجود الآدمية على الأرض، بأن تكون هنالك سلالة تعمر الأرض، فكل ما يتعلق بالحياة وإدارتها مدنيا هو اجتهاد بشري، والسياسة منها، من أجل هذا كان القرآن مثاني أي طيات حمال أوجه من التفسير والاستفادة منه للتنظير عبر العصور وليس تقديس عصر أو شخصية أو مجتهد أو فقيه.
ولعل تنحّي الأمة عن ريادة العالم هو فشلها في الإصلاح الهادئ، بل نشطت الانقسامات على الرأي والظن بامتلاك الحقيقة فكانت فرق انقسمت سياسيا ثم راحت تؤصل لنفسها في الشرع والدين ليكون التكفير. وهنا عند هذا المفصل كانت الكارثة والعجز والتنحي التدريجي عن ريادة المدنية في العالم؛ لأن العمل السياسي كان بمعزل عن الأمة بل ملغي دورها واعتبرت في كثير من الاجتهادات أن لا إرادة لها ولا اختيار، بل كان السلطان وكأنه متزوج من الأمة لتتبعه وخروجها عليه كفر. ونرى القرآن ينص على الشورى والتي هي أوسع من مصطلح الديمقراطية، بل إن السيرة تؤكد وجوب رجوع الحاكم إلى الشعب في كل مستجد، وهذا ما رأيناه في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يقل لهم أنا نبي وأتصرف بالحق الإلهي، وإنما من يبايع، أو بايعوني؛ وهو أمر واضح في تفاصيل -مثلا لا حصرا- أحداث غزوة بدر والخندق.
لعل تنحّي الأمة عن ريادة العالم هو فشلها في الإصلاح الهادئ، بل نشطت الانقسامات على الرأي والظن بامتلاك الحقيقة فكانت فرق انقسمت سياسيا ثم راحت تؤصل لنفسها في الشرع والدين ليكون التكفير. وهنا عند هذا المفصل كانت الكارثة والعجز والتنحي التدريجي عن ريادة المدنية في العالم؛ لأن العمل السياسي كان بمعزل عن الأمة بل ملغي دورها واعتبرت في كثير من الاجتهادات أن لا إرادة لها ولا اختيار
الحكم في الإسلام ليس بشكله وإنما بمحتواه وغايته، فهو يتطور كأي أمر مدني مع الزمن لكن يحتفظ بأساس مهم وهو الشورى، والانتخابات جزء من الشورى وهي ليست شكلية أو حيلة شرعية كما يخدع البعض أنفسهم بمقاربة الحكم الشرعي مع الواقع دون فهم واستقراء ومن ثم استنباط، وإنما تعامل مع النص بمنطوقه ثم مراوغته. اختيار الحاكم هو عقد خدمة للأمة وفق شروط تدخل بها عدة عوامل منها الزمان والمكان ونوع المهمة وما يواجه الحاكم، وتمكن إقالته وتعيين غيره من الشعب.. هذه نقطة مهمة.
الإسلام مر بعصور وأفهام واجتهادات بعضها مقبول في عصرنا وبعضها لا يفي في معالجة الواقع ومواكبة نوع العيش وصغر العالم وتقارب الوقت، فالمسلمون لو كانوا على قلب رجل واحد فهم خُمس العالم، وهذا يعني وجوب الاستقراء والفهم لمعنى الإسلام وسنن الكون وكيفية التعامل مع المدنية الحديثة وعلوم الاقتصاد والتجارة وتصريف الحالة البنكية، وكيفية حماية المواطنين وسلامة علاقتهم مع الله من خلال المواءمة الإيجابية باجتهاد للعصر وليس الذهاب إلى الرموز والمجتهدين عبر العصور لنبحث عندهم عن حل.
وهنا نذهب للإجابة عن سؤال لِمَ لمْ يستمر الحكم الإسلامي في قيادة المدنية؟.. سنلاحظ أن كل القواعد فُقدت، الحكم فقد، الظلم بدأ يشيع، ولولا أن هنالك قناعات ارتكزت على التدين الغريزي وليس الدين لانفرط العقد مبكرا، لكن ما حصل خلق فرقا ومعتقدات دخيلة؛ منها الثائر بلا عقل للأمور ومنها المستسلم المستكين وكلها لا تعطي أهمية للإنسان وأهليته. فهنالك انفصال بين الأمة والحكم، وهنالك ضياع في الفكرة الأساس، لهذا بدأ الجهل يسود ويحكم الجاهل المتغلب، ويركن إليه العالم ليقنع الجمهور أن يرضى بالاستبداد، فأضحت الأمة عقيمة وتدهورت فكريا ومدنيا وأضحت قابلة للاستعمار، وهي مستعمرة أصلا، فحلّ الخراب بدل العمران والجهل بدل العلم، وتغلبت أحادية القيمة حيث تزاح النخب من حب تسلط ذوي الأمراض.
وبذلك تخسر الأمة أملها بسبب جرأة الفاشل وعجز العالم عن الدفاع عن نفسه، فما نحتاجه أن نبني تاريخنا اليوم بلا تعلق برموز أو تقديس بشر لمجرد أنه قديم، ومنع الجهلة من صراخ يغطي على همس العلم ونقاهته. نحن بحاجة إلى قوارب يقظة تعيد النظر في كل شيء ورفع التقديس عما ليس مقدسا، وإبطال ما أحدث في التاريخ من سلبيات وفرق ومحن وخزعبلات تجرنا إلى التخلف وتنزع الآدمية عنا لننهض، وإلا كل قوالب أتى بها العجز من أفكار وأيديولوجيات ليست إلا أوهاما تزيد الألم بالانشقاقات وتعطل الطاقات بالانطباعات.
نحو اليقظة:
الصين عندما غادرت سلبيات التاريخ لتكون أمة وليست قبائل؛ عادت لصدارة العالم وبطريقتها السلمية وقوتها الاقتصادية وحنكتها في الإدارة.
أمريكا لولا أنها تخلت عن عوالق الغرب واعتبرت نفسها أمه لم تصل إلى صدارة العالم، كذلك ارتقت اليابان والاتحاد السوفييتي وكل كون مكانته وفق جذوره ومعظمهم يستند إلى مدنيات وليس أفكارا حضارية.
العالم الإسلامي يختلف بوجود الفكر الحضاري، لكن هذا الفكر نفسه فيه إشكالية عندما أصر الناس على تقديس البشر وامتلاكهم للحقيقة، فكانوا كزنابير من خلايا متعددة وُضعوا في حاوية واحدة لتشتعل بينهم معركة تدمر بعضهم ولا يستطيعون بناء خلية وكل يظن أن هذه خليته ولا بد أن يدافع عنها.
لا بد من إصلاح للجهاز المعرفي وتحويله إلى منظومة معرفية تتفاعل مع الحياة والإنسان، ومخرجات أية مدنية تدل عليها ومكانتها تدل على مشاركتها في الجهد البشري ككل، ولا بد من التمييز بين النص الإلهي وتفسير واجتهاد البشر
إذا أردنا الارتقاء فلا بد من التخلي عن:
- الموروث البشري الذي لم يعد مناسبا من تفسيرات للقرآن واجتهادات فقهية.
- التخلي عن الروابط الهابطة التي ترسبت نتيجة الإخفاقات كالقومية والطائفية وتقديس الرموز.
- استعادة أصل الإسلام كقرآن وسنة وسيرة وتجاوز اجتهادات قاصرة مهما كانت تسميتها غير الإسلام، فلا مذاهب ولا طوائف أو تمجيد، فهذه كلها تمثل مفرزات أزمات التاريخ أو الاصطدام بالمدنيات الأخرى، لا بأس من اجتهادات متعددة تقود العصر وصالحة لبنائه.
- الاعتماد على الإنسان والموارد وتجنيد الهمم للاستفادة من الوقت في النهضة بعد اليقظة، وهذه بإدارة حكومية تتبنى رعاية مصالح الأمة في الداخل والخارج والسعي لتسهيل الحياة لمواطنيها.
لا بد من إصلاح للجهاز المعرفي وتحويله إلى منظومة معرفية تتفاعل مع الحياة والإنسان، ومخرجات أية مدنية تدل عليها ومكانتها تدل على مشاركتها في الجهد البشري ككل، ولا بد من التمييز بين النص الإلهي وتفسير واجتهاد البشر، فالأول يستنبط منه ومقدس والثاني يتغير ويبدل مع الزمن ولا يؤول أو يقدس.. وإزالة أثر سوء الأفهام على الجهاز المعرفي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الإصلاح التاريخ الصين الصين الاسلام تاريخ حضارة إصلاح مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عن ریادة لا بد من
إقرأ أيضاً:
«محمد بن راشد للمعرفة» تختتم ملتقى شباب العالم الإسلامي
اختتمت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، أعمال ملتقى شباب المعرفة للعالم الإسلامي، الذي نظمته مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» في المملكة المغربية تحت شعار «المعرفة هي المستقبل».
وجاء الملتقى في إطار جهود المؤسسة الرامية لدعم قطاع الشباب وتحفيزهم إلى الإبداع والابتكار في المجالات المعرفية والفكرية وإعدادهم للمسارات المهنية التي يتطلبها المستقبل وشهد الحدث استعراض قصص نجاح ونماذج شبابية ملهمة تسلط الضوء على تجارب ريادية ومبادرات مؤثرة من مختلف دول العالم الإسلامي.
وقال جمال بن حويرب المدير التنفيذي للمؤسسة: إن هذا النجاح اللافت الذي حققه الملتقى يعكس الأهمية الكبيرة التي توليها المؤسَّسة للمعرفة لتمكين الشباب وتعزيز قدراتهم وتنمية الحس الإبداعي لديهم إيماناً منها بدورهم المحوري في صناعة مستقبل أكثر ازدهاراً ويؤكد هذا التفاعل الواسع والمشاركة الدولية الكبيرة مدى تعطش الشباب في العالم الإسلامي للمعرفة والتطور وحرصهم على استكشاف آفاق جديدة في مختلف المجالات العلمية والفكرية.
وأضاف: إن المؤسسة تلتزم بمواصلة العمل على إطلاق مبادرات ومشاريع رائدة تسهم في دعم الشباب وتمكينهم ورفدهم بالأدوات والمهارات التي يحتاجون إليها لتحقيق طموحاتهم ومواكبة التحولات المتسارعة في عالم المعرفة والابتكار.
من جهته، أكد الدكتور هاني تركي رئيس المستشارين التقنيين ومدير مشروع المعرفة ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن البرنامج يتوجه الآن إلى إطلاق منصة رقمية لاستقبال مقترحات الشباب حول سبل تعزيز المعرفة ونشرها لتخضع هذه المقترحات للدراسة والتقييم بهدف تنفيذها على أرض الواقع بفاعلية وكفاءة.
بدورها أشادت الدكتورة سالي مبروك مديرة مكتب المدير العام للإيسيسكو، بالنجاح الكبير الذي حققه الملتقى، والحضور المكثف للشباب وتفاعلهم الواسع عبر البث المباشر والذي تجاوز حاجز المليونَي متابعة خلال يومي الملتقى، وهو مؤشر مهم على الأهمية المتزايدة لهذه الفعاليات.
وشهد الملتقى مشاركة مئات الشباب من مختلف أنحاء العالم الإسلامي وبلغ عدد الحضور في اليوم الأول 600 شخص وفي اليوم الثاني 400 شخص. (وام)