ليلة أفغانية في مينيابوليس: ويبقى ما ينفع الناس .. تقرير عن ليلة ثقافية أفغانية في مدينة منيابوليس
تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT
منيابوليس/سانت بول، مؤخرا. ومحمد فرح كما هو معروف في بعض الدوائر، مستهلك نهم، أو به لوثة ولع ربما، للثقافة. ذكرتني الفترة التي قضيتها معه بفترة أخرى كنت قد تعودت فيها ربط الثقافة، الفن والسينما والمسرح والموسيقى، بالصحبة الطيبة. إلا أن الذكرى أفضل من الحاضر، إذ الأولى كانت في الخرطوم. المدينة التي لبست بالفعل ثوبها ك"مدينة مستحيلة" مؤخرا.
على العموم. أخذني محمد لعرض موسيقي أقامته جمعية الثقافة الأفغانية في مينيابوليس. وقد أثار دهشتي منذ البداية روعة الأداء الموسيقي. وروعة الفن هي في الاساس في تعقيده. التعقيد، الذي يأتي، في معظم الاحيان، من قدم الثقافة والتقليد الفني، هو سابق للجمال. الجمال هو القدرة على الامساك "ببساطة" بشبكة التقنية الفنية. وهو الجديد متولدا من التليد.
الآلة في هذا الفيديو هي الرُبابة (بضم الراء) كما يسميها الافغان. وهي آلة قديمة تمثل تنويعة خاصة عن الربابة الشرقية. وكانت الرُبابة تستعمل في الموسيقى الصوفية وربما يفسر هذا هدوء الموسيقى الناتجة عنها، الشعائري. والفنان هو قريشي رويا. وهو في هذا الفيديو يعرف بنفسه
في منتصف الليلة اعتلت المنصة آنسة أفغانية فهمت انها مشرفة أو مؤسسة مساهمة في الجمعية الثقافية. وقد قدمت كلمة جميلة عن الثقافة الأفغانية وغناها وأنها أداه ربما لمكافحة ليس الطالبان فقط وغلظتهم الاصولية الفجة تجاه الثقافة، بل كذلك، مكافحة النظرة المبسترة الانسانوية الامريكية لهم. فالافغان اصبحو في منظور الاعلام الامريكي مجرد "مواضيع" للشفقة بلا ذاتية. والفن هو في أول تعريفاته التأسيسية: مكنوز الذاتية الانسانية Subjectivity.
وكانت الآنسة رصينة الكلمة. حاسرة الرأس. ترتدي زيا أفغانيا جميلا. تمثل في شخصها ربما كل ما لا تريد الطالبان السماح به. وقد يظن ظان أنها بذلك أصبحت مجرد متغربة عن ذاتها متأثرة بالغرب خادمة له .. ألخ. إلا أنها أكملت كلمتها بذكر القضية الفلسطينية والتضامن معها. ربما وتحديدا من موقعها كأفغانية. فالأفغان كما الفلسطينيين وغيرهم، هم في النهاية ضحايا أختلال ميزان قوة جبار مصحوب بحالة امبريالية جنونية.
فكرت وأنا أشاهد عرض الرُبابة السحري. خاصة ما وضح عبره من عراقة مختلطة مع عناد تاريخي للثقافة. فكرت في أنه، في نهاية الأمر، وعلى الرغم من أصرار بعض الناس على فعل كل ما من شأنه هدم التمدن والإلفة الإنسانية، فإن الشعوب تأبى إلا أن تظهر بنفسها جميلة بثقافتها. وفكرت أنه ربما في تجمع الأفغان هذا تذكير لنا كسودانيين بأن أحدى وسائل هزيمة حالات التعبد بالعنف هو الفن. والثقافة.
بعد الرُبابة. صعد للمسرح فنان أكثر "شبابية" و "ربة". لكن بلا تفاهة. ولاحظت أنه كان الجمهور يطلب منه الغناء بلغات مختلفة. وواصل الجمهور طلب الاغاني الواحدة تلو الأخرى حتى تظن أن الحفلة لن تنتهي أبدا. ومع مرور الوقت بدأوا في الرقص على طريقتهم أفرادا وجماعات.
وعرفت بعدها أن أفغانستان هي أرض تلاقي للحضارات. الفارسية والصينية والهندية والمسلمة. فتجد الناس يتكلمون اللغات المختلفة ويجلبون تواريخ شعوب عديدة في داخل البوتقة الأفغانية.
وكانت أفغانسان في الحقيقة في مسار أصيل في التحديث في بداية القرن العشرين. فهي نجحت ببسالة في مقاومة التمدد البريطاني. وقامت فيها بالتالي ملكية مستقلة. وربما دفعت أفغانستان ثمن مبالغة الملكية في التحديث وليس العكس. أولا بحصول ردود فعل ثقافية محافظة أنتجت في النهاية وللأسف الاصولية الطالبانية من جهة. ومن جهة أخرى أنتجت نخبة يسارية (شيوعية أحيانا) متسرعة عقدت فوق رأس الافغان الانقلابات واحدها تلو الآخر حتى استعصى حبل العنف على الربط وتدخل السوفييت في ١٩٧٩… والباقي تاريخ.
وبالعنف المبالغ فيه. تم تسطيح الثقافة الأفغانية عبر الطالبان، من ثقافة هجين عريقة بكل عواملها التاريخية: البوذية، الهندوسية، الزرادشتية، الصوفية، المسلمة. لكاريكاتور الدولة الدينية والمجتمع المبالغ في المحافظة الطالباني. الذي هو ربما شكل فعال في الحرب إلا أنه يظل مجرد كذبة مرعوبة من أي مواجهة مع الاخر. ولا يعني ذلك أن التحديث الامريكي الاجباري هو الحل. ولكن يعني أنه بالامكان اقتلاع البلاهة الاصولية ذاتيا. ويتم تفكيك بيت العنكبوت الاصولي عبر العمل البطيء الرصين، بالفن والثقافة، على أحياء الروح (أو العقل) الانسانية وتنميتها وتربيتها حتى لا تصير النصوصية مما يرويها أو حتى يثير اهتمامها.
مع ذلك بقي من "التحديث" ربما ثقافة أصيلة في الفنون. هي رصيد راسخ رصين متى نظر له كحلقة وصل روحية بين الماضي والمستقبل.
خرجت من الليلة ممتلأ بشعور بالسعادة. فحتى تلك اللحظة عرفت عن أفغانسان الموت ومتعلقاته فقط. والحياة، مقارنة بالموت، هي الحقيقة بالنسبة للشعوب. حقيقة الشعوب هي الحياة كصناعة للفرح. والأمل.
ولا نامت أعين الجبناء.
www.Zalam-Blog.com
محمود المعتصم - مدونة ظَلام
كاتب سوداني - شيوعي - أفريقي
mahmoud.elmutasim@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: إلا أن
إقرأ أيضاً:
النيجر تقرر اعتماد الهوسا لغة وطنية وهوية ثقافية
في خطوة تاريخية تحمل دلالات عميقة على المستوى الثقافي والسياسي، قررت حكومة النيجر جعل لغة الهوسا لغة وطنية، مما يقلص من استخدام اللغة الفرنسية التي كانت سائدة في البلاد طوال سنوات الاستعمار الفرنسي وبعده.
هذا التحول اللغوي يأتي في وقت يشهد فيه المجتمع النيجري تغييرات كبيرة على جميع الأصعدة، بما في ذلك التوجهات الثقافية والسياسية.
دعم الهوية الثقافية الوطنيةحسب تقرير نشرته إذاعة فرنسا الدولية، فإن النيجر أعلنت رسميا عن تحويل لغة الهوسا إلى لغة وطنية، مما يعكس التزامها بدعم الهوية الثقافية المحلية.
ولغة الهوسا، التي يتحدث بها ملايين الأشخاص في النيجر ومناطق واسعة من غرب أفريقيا، ستكون الآن جزءا من النظام التعليمي والإداري في البلاد.
تعتبر هذه الخطوة بمنزلة إعادة الاعتبار لهذه اللغة التي لطالما كانت مرتبطة بالثقافة المحلية، في حين كانت الفرنسية تحتل مكانة مهيمنة في التعاملات الرسمية والتعليمية. هذا التحول يهدف إلى تعزيز مكانة اللغة الوطنية في المجتمع وحمايتها من الاندثار.
الفرنسية تقتصر على كونها لغة عملورغم هذا التغيير الكبير، فإن الحكومة أكدت أن اللغة الفرنسية ستظل لغة عمل في البلاد، مما يعني أنها ستظل مستخدمة في المؤسسات الحكومية، والمراسلات الرسمية، والأنشطة التجارية.
إعلانهذا القرار قد يكون خطوة نحو تقليص الاعتماد على الفرنسية تدريجيا في الحياة اليومية، مع تركيز أكبر على تعزيز لغة الهوسا في المجالات التعليمية والإدارية.
وتعكس هذه السياسة الجديدة تزايد تأثير الحركات الثقافية التي تدعو إلى تعزيز اللغات المحلية في مواجهة الهيمنة الغربية، حيث يطمح المواطنون والسياسيون إلى بناء هوية وطنية مستقلة بعيدا عن التأثيرات الاستعمارية.
النيجر والتوجهات الإقليميةالقرار النيجري يأتي في سياق أوسع من التحولات السياسية في المنطقة. ففي مارس/آذار الماضي، أعلنت النيجر وبوركينا فاسو ومالي عن انسحابهم المشترك من منظمة الفرانكوفونية، في خطوة تعكس تزايد الحركات الإقليمية المطالبة بالاستقلال الثقافي والسياسي عن فرنسا.
وكانت بوركينا فاسو قد بدأت خطوة مماثلة في وقت سابق، إذ قلصت في عام 2023 مكانة اللغة الفرنسية، وأعادت النظر في وضعها بصفتها "لغة رسمية"، في إطار إصلاحات لغوية تهدف إلى تعزيز الهوية الثقافية المحلية.
تفسير اختيار لغة الهوسا في النيجر يكمن في قوتها التمثيلية العالية بين السكان، إذ يتحدث بها نحو 55% من السكان، مما يجعلها اللغة الأكثر انتشارا في البلاد، متفوقة على لغات أخرى مثل الديرما-صونراي التي تُستخدم من قبل نحو 23% من السكان.
هذه النسب المرتفعة تعكس أهمية الهوسا في الحياة اليومية للنيجريين، وتضعها في موقع متقدم لتعزيز مكانتها اللغوية في مؤسسات الدولة والمجتمع.
الآثار الاجتماعية والسياسيةمن جانب آخر، يتوقع عديد من المحللين أن يكون لهذا التحول اللغوي تأثيرات كبيرة على المستوى الاجتماعي، فلغة الهوسا تمثل جزءا كبيرا من حياة الناس اليومية في النيجر، وهي وسيلة للتواصل بين مختلف المجموعات العرقية في البلاد.
لهذا، يمكن أن يؤدي هذا التغيير إلى تعزيز التماسك الاجتماعي والتقليل من الفجوات اللغوية التي قد تكون قد تسببت في الانقسامات بين المواطنين في الماضي.
إعلانأما من الناحية السياسية، فإن القرار يعكس رغبة الحكومة في تقليل الاعتماد على فرنسا، وبالتالي تعزيز سيادة النيجر الثقافية واللغوية.
هذه الخطوة قد تكون بمنزلة نموذج يحتذى به في باقي دول القارة الأفريقية التي لا تزال اللغة الفرنسية جزءا أساسيا من حياتها اليومية.
تأثير القرار على التعليم والإعلامأحد أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة النيجرية هو كيفية تطبيق هذا القرار على أرض الواقع، خاصة في النظام التعليمي.
فمع تعزيز مكانة لغة الهوسا في المناهج الدراسية، قد تكون هناك حاجة لإعادة تدريب المعلمين وتطوير مواد تعليمية جديدة تتماشى مع هذا التوجه. هذا التحول قد يتطلب استثمارا كبيرا في البنية التحتية التعليمية لتوفير الموارد اللازمة لتعليم لغة الهوسا.
وفيما يتعلق بالإعلام، من المتوقع أن يتم تكييف البرامج الإعلامية لتشمل مزيدا من المحتوى بلغة الهوسا، مما قد يسهم في نشر الثقافة المحلية وتعزيز الفهم العام بين المواطنين حول هذا القرار الهام.