منيابوليس/سانت بول، مؤخرا. ومحمد فرح كما هو معروف في بعض الدوائر، مستهلك نهم، أو به لوثة ولع ربما، للثقافة. ذكرتني الفترة التي قضيتها معه بفترة أخرى كنت قد تعودت فيها ربط الثقافة، الفن والسينما والمسرح والموسيقى، بالصحبة الطيبة. إلا أن الذكرى أفضل من الحاضر، إذ الأولى كانت في الخرطوم. المدينة التي لبست بالفعل ثوبها ك"مدينة مستحيلة" مؤخرا.



على العموم. أخذني محمد لعرض موسيقي أقامته جمعية الثقافة الأفغانية في مينيابوليس. وقد أثار دهشتي منذ البداية روعة الأداء الموسيقي. وروعة الفن هي في الاساس في تعقيده. التعقيد، الذي يأتي، في معظم الاحيان، من قدم الثقافة والتقليد الفني، هو سابق للجمال. الجمال هو القدرة على الامساك "ببساطة" بشبكة التقنية الفنية. وهو الجديد متولدا من التليد.

الآلة في هذا الفيديو هي الرُبابة (بضم الراء) كما يسميها الافغان. وهي آلة قديمة تمثل تنويعة خاصة عن الربابة الشرقية. وكانت الرُبابة تستعمل في الموسيقى الصوفية وربما يفسر هذا هدوء الموسيقى الناتجة عنها، الشعائري. والفنان هو قريشي رويا. وهو في هذا الفيديو يعرف بنفسه

في منتصف الليلة اعتلت المنصة آنسة أفغانية فهمت انها مشرفة أو مؤسسة مساهمة في الجمعية الثقافية. وقد قدمت كلمة جميلة عن الثقافة الأفغانية وغناها وأنها أداه ربما لمكافحة ليس الطالبان فقط وغلظتهم الاصولية الفجة تجاه الثقافة، بل كذلك، مكافحة النظرة المبسترة الانسانوية الامريكية لهم. فالافغان اصبحو في منظور الاعلام الامريكي مجرد "مواضيع" للشفقة بلا ذاتية. والفن هو في أول تعريفاته التأسيسية: مكنوز الذاتية الانسانية Subjectivity.

وكانت الآنسة رصينة الكلمة. حاسرة الرأس. ترتدي زيا أفغانيا جميلا. تمثل في شخصها ربما كل ما لا تريد الطالبان السماح به. وقد يظن ظان أنها بذلك أصبحت مجرد متغربة عن ذاتها متأثرة بالغرب خادمة له .. ألخ. إلا أنها أكملت كلمتها بذكر القضية الفلسطينية والتضامن معها. ربما وتحديدا من موقعها كأفغانية. فالأفغان كما الفلسطينيين وغيرهم، هم في النهاية ضحايا أختلال ميزان قوة جبار مصحوب بحالة امبريالية جنونية.

فكرت وأنا أشاهد عرض الرُبابة السحري. خاصة ما وضح عبره من عراقة مختلطة مع عناد تاريخي للثقافة. فكرت في أنه، في نهاية الأمر، وعلى الرغم من أصرار بعض الناس على فعل كل ما من شأنه هدم التمدن والإلفة الإنسانية، فإن الشعوب تأبى إلا أن تظهر بنفسها جميلة بثقافتها. وفكرت أنه ربما في تجمع الأفغان هذا تذكير لنا كسودانيين بأن أحدى وسائل هزيمة حالات التعبد بالعنف هو الفن. والثقافة.

بعد الرُبابة. صعد للمسرح فنان أكثر "شبابية" و "ربة". لكن بلا تفاهة. ولاحظت أنه كان الجمهور يطلب منه الغناء بلغات مختلفة. وواصل الجمهور طلب الاغاني الواحدة تلو الأخرى حتى تظن أن الحفلة لن تنتهي أبدا. ومع مرور الوقت بدأوا في الرقص على طريقتهم أفرادا وجماعات.

وعرفت بعدها أن أفغانستان هي أرض تلاقي للحضارات. الفارسية والصينية والهندية والمسلمة. فتجد الناس يتكلمون اللغات المختلفة ويجلبون تواريخ شعوب عديدة في داخل البوتقة الأفغانية.

وكانت أفغانسان في الحقيقة في مسار أصيل في التحديث في بداية القرن العشرين. فهي نجحت ببسالة في مقاومة التمدد البريطاني. وقامت فيها بالتالي ملكية مستقلة. وربما دفعت أفغانستان ثمن مبالغة الملكية في التحديث وليس العكس. أولا بحصول ردود فعل ثقافية محافظة أنتجت في النهاية وللأسف الاصولية الطالبانية من جهة. ومن جهة أخرى أنتجت نخبة يسارية (شيوعية أحيانا) متسرعة عقدت فوق رأس الافغان الانقلابات واحدها تلو الآخر حتى استعصى حبل العنف على الربط وتدخل السوفييت في ١٩٧٩… والباقي تاريخ.

وبالعنف المبالغ فيه. تم تسطيح الثقافة الأفغانية عبر الطالبان، من ثقافة هجين عريقة بكل عواملها التاريخية: البوذية، الهندوسية، الزرادشتية، الصوفية، المسلمة. لكاريكاتور الدولة الدينية والمجتمع المبالغ في المحافظة الطالباني. الذي هو ربما شكل فعال في الحرب إلا أنه يظل مجرد كذبة مرعوبة من أي مواجهة مع الاخر. ولا يعني ذلك أن التحديث الامريكي الاجباري هو الحل. ولكن يعني أنه بالامكان اقتلاع البلاهة الاصولية ذاتيا. ويتم تفكيك بيت العنكبوت الاصولي عبر العمل البطيء الرصين، بالفن والثقافة، على أحياء الروح (أو العقل) الانسانية وتنميتها وتربيتها حتى لا تصير النصوصية مما يرويها أو حتى يثير اهتمامها.

مع ذلك بقي من "التحديث" ربما ثقافة أصيلة في الفنون. هي رصيد راسخ رصين متى نظر له كحلقة وصل روحية بين الماضي والمستقبل.

خرجت من الليلة ممتلأ بشعور بالسعادة. فحتى تلك اللحظة عرفت عن أفغانسان الموت ومتعلقاته فقط. والحياة، مقارنة بالموت، هي الحقيقة بالنسبة للشعوب. حقيقة الشعوب هي الحياة كصناعة للفرح. والأمل.

ولا نامت أعين الجبناء.

www.Zalam-Blog.com

محمود المعتصم - مدونة ظَلام

كاتب سوداني - شيوعي - أفريقي

mahmoud.elmutasim@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إلا أن

إقرأ أيضاً:

هل تعاني من الحكة؟ ربما بسبب الهواء

كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون من كلية الطب في جامعة ييل في الولايات المتحدة أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق ذات مستويات عالية من تلوث الهواء هم أكثر عرضة للإصابة بالأكزيما. ونُشرت نتائج الدراسة في مجلة بلس ون في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وكتب عنها موقع يوريك أليرت.

الحكة المزعجة والأكزيما

تعرف الأكزيما، أو التهاب الجلد التأتبي، بأنها حالة جلدية مزمنة شائعة يمكن أن تؤدي إلى التهابات متكررة وسوء في الحياة ومعاناة إذا تركت دون علاج. يعبر الناس عن الأكزيما بأنها "الحكة التي تسبب الطفح الجلدي"، والسمة المميزة للأكزيما هي الجلد الجاف والحكة والعرضة للعدوى.

والتهاب الجلد التأتبي هو نوع من الالتهابات الجلدية المزمنة التي تسبب جفافا وحكة شديدة في الجلد، وقد تظهر على شكل طفح أحمر. هذا النوع من الالتهاب يعتبر شائعا، خاصة بين الأطفال، وقد يستمر مع البعض حتى مرحلة البلوغ. ومن أعراضه الحكة الشديدة والجفاف والطفح الأحمر الذي يظهر غالبًا في ثنيات المرفقين والركبتين والعنق والوجه. ومن الأعراض أيضا البثور والتقشر.

تلعب العوامل البيئية دورا في تطور الأكزيما، ويعاني مرضى الأكزيما من خلل في وظيفة حاجز الجلد، مما يؤدي إلى زيادة فقدان الماء والحساسية للمهيجات البيئية ومسببات الحساسية. تشمل المحفزات الشائعة لتفاقم الأكزيما التعرض لمهيجات مثل المنظفات والصابون والمذيبات ومسببات الحساسية مثل وبر الحيوانات الأليفة وبعض الأطعمة.

تشمل العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم أعراض الأكزيما الإجهاد والتغيرات في درجات الحرارة والرطوبة والالتهابات. ولكن ماذا عن التلوث؟

تشمل العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم أعراض الأكزيما الإجهاد والتغيرات في درجات الحرارة والرطوبة والالتهابات (وكالة الأنباء الألمانية) تلوث الهواء قد يسبب لك الأكزيما

زاد انتشار الأكزيما عالميا في عصر التصنيع، مما يشير إلى مساهمة محتملة من العوامل البيئية. في الدراسة الجديدة، استخدم الباحثون بيانات من برنامج أبحاث تابع للمعاهد الوطنية للصحة بالولايات المتحدة، الذي يغطي مئات الآلاف من البالغين في الولايات المتحدة. شملت الدراسة الحالية ما يزيد على 280 ألف شخص كانت بياناتهم الديمغرافية والرمز البريدي والسجلات الصحية الإلكترونية متاحة للباحثين.

بشكل عام، تم تشخيص إصابة 12 ألفا و695 مشاركا (4.4%) بالأكزيما. بعد وضع التركيبة السكانية وحالة التدخين في عين الاعتبار أثناء التحليل، ظهر أن احتمالية عيش الأشخاص المصابين بالأكزيما في مناطق ذات مستويات عالية من الجسيمات الدقيقة في الهواء مرتفعة. ومع كل زيادة في ​​تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة كان الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالأكزيما.

ويستنتج المؤلفون أن زيادة تلوث الهواء قد تؤثر على خطر الإصابة بالأكزيما، ربما يكون ذلك من خلال تأثيراته على الجهاز المناعي.

ويضيف المؤلفون: "إن إظهار أن الأفراد في الولايات المتحدة الذين يتعرضون للملوثات هم أكثر عرضة للإصابة بالأكزيما يعمق فهمنا للآثار الصحية المهمة لتلوث الهواء المحيط".

مقالات مشابهة

  • السكة الحديد تكشف أسعار تذاكر كافة قطاراتها بعد التحديث الأخير
  • وزارة الثقافة تنظم أكثر من 300 فعالية ثقافية وفنية بأنحاء الجمهورية احتفاء بأعياد الطفولة 
  • خبير آثار: مدينة طيبة القديمة تراث عالمي يجب الحفاظ عليه
  • توكل كرمان تسلم الأفغانية نيلا إبراهيمي جائزة السلام الدولية للأطفال 2024
  • الخارجية الفرنسية: حزب الله ربما هو من نفذ الهجوم على اليونيفيل أمس
  • التحديث الأخير لـ سعر الريال السعودي اليوم الأربعاء 20 نوفمبر 2024
  • هل تعاني من الحكة؟ ربما بسبب الهواء
  • توكل كرمان تسلم الأفغانية "نيلا إبراهيمي" جائزة السلام الدولية للأطفال
  • مدينة الأقصر تحتفي بانطلاق مهرجان الأقصر للشعر العربي
  • ذياب بن محمد بن زايد: ترسيخ مكانة أبوظبي وجهة ثقافية عالمية ملهمة