سلط الباحث في العلاقات الدولية، سلمان رافي شيخ، الضوء على تشكل ملامح عالم متعدد الأقطاب وتأثيره على سياسات الدول في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن صفقة تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، والاتفاق الذي توسطت فيه روسيا بين السعودية وسوريا، يعطيان لمحة عن الديناميكيات المتغيرة للجغرافيا السياسية العالمية والتحالفات الإقليمية.

وذكر شيخ، في تحليل نشره بموقع "نيو إيسترن أوتلوك" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الصين وروسيا تحتاجان الشرق الأوسط إلى جانبهما ليكونا قادرين على تحدي النظام الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة بشكل فعال، لافتا إلى أن الأشهر القليلة الماضية شهدت بعض النجاح في هذا الصدد، إذ لم تعد العديد من دول المنطقة تابعة لإملاءات الولايات المتحدة، وبعضها يتحدى الولايات المتحدة، مثل السعودية، ويسعى للحصول على تنازلات منها، مثل تركيا، فضلا عن وجود دول في صراع دائم مع واشنطن منذ سنوات عديدة، مثل إيران.

غير أن ما يحدث في الشرق الأوسط ليس مجرد نتيجة للنفوذ الصيني والروسي، إذ يرتبط الكثير منه بالسياسات المحددة لبلدان المنطقة وحسابات إعادة الإستراتيجية الخاصة بها، استجابة للسياسات العالمية، حسبما يرى شيخ، الذي ضرب مثالا بالاحتضان الأخير بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

وأوضح أن أنقرة انتقلت من موقع المعارض القوي لبن سلمان، بعد جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، إلى المفوض لمحاكمة المتهمين إلى الرياض، ما يُظهر تحول شامل في العلاقات الثنائية بين البلدين.

ومع اقتراب انتهاء الحروب في ليبيا واليمن وسوريا، ومع انتهاء حمى "الربيع العربي''، بات لدى كل من أنقرة والرياض أسباب لإنهاء فترة العداء، التي استمرت بين 2010 و2020، وإعادة تشكيل العلاقات بينهما، بما يتناسب مع الواقع الإقليمي والعالمي الجديد.

اقرأ أيضاً

البريكس.. قوة جديدة مع تصور نظام عالمي متعدد الأقطاب

وفي العقد الماضي، اتبعت تركيا سياسة خارجية سعت إلى جعل أنقرة زعيمة للعالم الإسلامي، لكنها اليوم بعيدة كل البعد عن تحقيق هذا الهدف، في ظل اقتصاد يعاني من معدل تضخم يزيد عن 60% وفقدان عملتها لكثير من قيمتها عدة مرات.

وفي الوقت نفسه، تتعرض تركيا للكثير من الضغوط الجيوسياسية من دول شرق البحر المتوسط، ومن الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتسهيل عضوية السويد.

ومن ناحية أخرى، تعمل السعودية على تنويع علاقاتها في أعقاب تضاؤل علاقاتها مع الولايات المتحدة، ويصب سعيها لزيادة قدرتها العسكرية وتطوير نهج عسكري مستقل في صميم صفقاتها الدفاعية الأخيرة مع تركيا، وبالتالي، فإن المصلحة المتبادلة تقرب بين الخصمين السياسيين والأيديولوجيين السابقين.

تعاون دفاعي

وفي السياق، أعربت السعودية وتركيا عن "تصميمهما" على تعزيز التعاون والتنسيق في الصناعات الدفاعية، وتفعيل اتفاقياتهما "بما يخدم ويحقق المصالح المشتركة للبلدين ويسهم في تحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم "، بحسب بيان مشترك صدر في 19 يوليو/تموز الماضي.

وفي الوقت نفسه، جددت تركيا علاقاتها مع الإمارات، خلال زيارة أردوغان الأخيرة، ووقعت الدولتان صفقات تجارية بقيمة 50 مليار دولار أمريكي.

وأعلنت أنقرة أنها تتوقع استثمارات أجنبية بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي من دول الخليج، مع استثمارات إضافية تصل إلى 30 مليار دولار أمريكي متوقعة على مدى فترة أطول في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والدفاع في تركيا.

مع تركيز السعودية نفسها على إعادة تقديم نفسها، من كونها الداعية الرئيسي للوهابية في جميع أنحاء العالم إلى أن تصبح مركزًا حديثًا للعالم الإسلامي، مع احتلال الإسلام نفسه مقعدًا خلفيًا، فهي حريصة على الحد من مشاركتها المباشرة في النزاعات بشكل كبير.

ويتجلى ذلك بشكل واضح في اليمن، حيث تراجعت الحرب إلى حد كبير، رغم أن البلد لا يزال بعيدًا عن السلام.

اقرأ أيضاً

الانكفاء الأمريكي… يقود لنظام متعدد الأقطاب!

وفي هذا السياق، تركت الصفقة بين السعودية وإيران تأثيرًا حاسمًا على حالة الحرب، وفي الوقت نفسه تحرز السعودية تقدمًا دبلوماسيًا تجاه المتمردين الحوثيين.

ورغم أن الرياض لم تحقق أي نجاح ذي مغزى بعد، فلا أحد ينكر أن نهج الرياض تجاه اليمن يتغير وأنها حريصة على الخروج من هذا الصراع بكرامة، بحسب شيخ.

حالة الحرب

ويلف الباحث في العلاقات الدولي إلى سببين لخروج الرياض من حالة الحرب، الأول هو أن الدعم الأمريكي لم يعد متاحًا، والثاني هو تسبب الحرب في خسائر فادحة بموارد المملكة المالية، ما يؤثر على تطوير بنيتها التحتية في إطار تحويل نفسها إلى "دبي جديدة".

ولا يعني أي من هذا أن الشرق الأوسط آخذ في التوحد ككتلة على غرار الاتحاد الأوروبي أو رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، فالشرق الأوسط "بعيد كل البعد عن ذلك"، حسبما يرى شيخ، "لكن التطورات التي شهدناها أو سنشهدها، بما في ذلك زيادة التعاون الدفاعي بين دول مثل السعودية وتركيا، تشير إلى تحول دقيق نحو مثل هذا الاحتمال في المستقبل" حسب قوله.

ولكي تظهر مثل هذه الكتلة، يجب أن تختفي خطوط الصدع الإقليمية، مثل الانقسام الأيديولوجي الذي يفصل بين تركيا والسعودية وإيران وقطر، ورغم أن هذه الخطوط لم تختف، إلا أن دول المنطقة تعلمت تجاوزها لتطوير العلاقات بطرق مفيدة، كما فعلت الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية.

ويرى شيخ أن دول الشرق الأوسط لديها فرصة لفعل الشيء نفسه في أعقاب خروج الولايات المتحدة من المنطقة، وإمكانية عقد تحالفات متنوعة مع القوى العظمى، والإرادة لتحويل اقتصاداتها السياسية بعيدًا عن الاعتماد على النفط.

والأهم من ذلك، أنه كلما زاد تركيز الشرق الأوسط على تحييد خطوط الصدع الداخلية، زاد تعزيزه لسياسات عالم متعدد الأقطاب.

ويشير شيخ إلى أن فرص دول المنطقة في الظهور والبقاء كمركز قوة مرتبطة بهذا العالم متعدد الأقطاب، إذ ستبقى لاعباً صغيراً غير قادر على التأثير، ضمن عالم أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً

كيف يمكن لدول الخليج فرض نفسها كفاعل دولي في عالم متعدد الأقطاب؟

المصدر | سلمان رافي شيخ/نيو إيسترن أوتلوك - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية إيران روسيا الشرق الأوسط عالم متعدد الأقطاب الولایات المتحدة الشرق الأوسط إلى أن

إقرأ أيضاً:

بعد زيارة السعودية وغزة..مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط يلتقي نتانياهو

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في بيان اليوم الأربعاء، إنه سيجتمع في القدس مع مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بالتزامن مع وقف إطلاق النار في غزة، ووسط حملة دبلوماسية في المنطقة.

وبعد يوم من زيارته للسعودية، قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن ويتكوف زار أيضاً غزة، اليوم الأربعاء، للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار هناك، والذي قال ترامب إنه يريد الاستفادة منه في اتفاق إقليمي أوسع يشمل إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإسرائيل.

Prime Minister Benjamin Netanyahu is currently meeting, in his Jerusalem office, with US President Donald Trump's special envoy to the Middle East, Steve Witkoff. pic.twitter.com/qC1vxalvc7

— Prime Minister of Israel (@IsraeliPM) January 29, 2025

ورفض متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية كشف تفاصيل زيارة ويتكوف إلى غزة، والتي قالت القناة الإسرائيلية الـ13، إنها شملت تفقد محور نتساريم، الذي عبره عشرات آلاف الفلسطينيين النازحين أثناء عودتهم إلى منازلهم في الجزء الشمالي من القطاع.

وبدأت إسرائيل الانسحاب من الممر يوم الإثنين والسماح بعودة النازحين ضمن المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، والتي ستشهد أيضاً إطلاق سراح 33 رهينة مقابل الإفراج عما يقرب من 2000 سجين ومعتقل فلسطيني.

وأُطلق سراح 7 رهائن بالفعل منذ سريان وقف إطلاق النار في 19 يناير (كانون الثاني).

مقالات مشابهة

  • إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية.. بين التصعيد الأمريكي والانعكاسات الإقليمية
  • مبعوث ترامب للشرق الأوسط: إعادة إعمار غزة قد تستغرق من 10 إلى 15 عاما
  • ويتكوف : لم أناقش مع ترامب فكرة نقل الفلسطينيين من غزة
  • مبعوث ترامب للشرق الأوسط: إعادة إعمار غزة يستغرق من 10 إلى 15 عامًا
  • العراق يعزي الولايات المتحدة في ضحايا حادث تحطم طائرتين
  • وزيرا خارجية السعودية وروسيا يبحثان هاتفيا المستجدات الإقليمية
  • بقيادة ماني ورونالدو.. تشكيل النصر المتوقع أمام الرائد في الدوري السعودي
  • الرئيس الألماني يعتزم زيارة السعودية والأردن وتركيا
  • بعد زيارة السعودية وغزة..مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط يلتقي نتانياهو
  • بقيادة صلاح.. تشكيل ليفربول المتوقع لمواجهة آيندهوفن في دوري أبطال أوروبا