الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: في حديث جبريل (2)
تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT
حقاً إنه حدَثٌ غريبٌ رُوِى لنا فى حديث شريف مشهور، إنه ذلك الحديث الذى ذكر لنا فيه سيدنا عمر بن الخطاب حضورَ سيدنا جبريل عليه مجلسَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم فى صورة رجل شهده الحاضرون وسمعوا حديثه ووَعَوه.
لقد حضر سيدنا جبريل فى صورة رجل غريب لا يعرفه أحد من الحاضرين، فلا بد إذن من أن يكون آتياً من سفر، ولكنه لم يُر عليه شىءٌ من آثارِ السفر من الغبار والعرق، فثيابه بيضاء شديدة البياض، وشعره أسود شديد السواد، ومظهره نظيف.
ثم سلم واستأذن فى الاقتراب من سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجلس فى صورة تزيد من لفت انتباه الجالسين، فقد جاء فى رواية أخرى للحديث: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بينَ ظَهْرانَى أصحابه [أى: بينَهم]، فيجىءُ الغريب فلا يَدرى أيُّهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم [أى: استأذناه] أن نجعلَ له مجلساً يعرفُهُ الغريب إذا أتاه، فبَنيْنَا له دُكَّاناً مِن طين [أى: دَكَّةً يقعد عليها] كان يجلس عليه، وإنا لجلوس ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى مجلسِه إذ أقبل رجلٌ أحسنُ الناس وجهاً، وأطيب الناس ريحاً، كأنَّ ثيابه لم يمسّها دنَس، حتى سلَّمَ فى طرَفِ البساطِ فقال: السلام عليك يا محمدُ، فردَّ عليه السلام، قال: أَدنُو يا محمد؟ قال: «ادنُ». فما زال يقول: أدنو؟ مِراراً، ويقول له: «ادنُ»، حتى وضع يده على ركبتى رسول الله صلى الله عليه وسلم» [النَّسائى].
ثم دار الحوار فى صورة سؤال وجواب؛ سؤال من الرجل الغريب، وجواب من سيدِ الخلق صلى الله عليه وسلم، وهذه الصورة من الحوار كافيةٌ لجذب انتباه الجالسين، وكيف إذا عرفنا أن هذا الأمر جاء وفْقَ ما يُحبُّه الصحابة الكرام رضى الله عنه، فقد كانوا يتحرجون من الإثقال على سيدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بكثرة السؤال، ويُعجبُهم أن يأتى الرجل العاقل من أهل البادية يسأل وهم يسمعون، فكان مجىء سيدنا جبريل بهذه الصفة أيضاً يُلبى هذه الحاجة فى نفوسهم.
أمورٌ ملفتة جاذبة؛ رجلٌ غريب، حسَنُ الوجه، طيّبُ الريح، نظيفُ الثياب، لا تبدو عليه آثار السفر، يسلّم على سيدنا رسول الله، ويستئذنُه فى الاقتراب منه مِراراً، وهيئة جلوسه، ووضعه يديه، طريقة الحوار، رده على أجوبةِ سيدِنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصديق؛ إنها أمور يؤازر بعضُها بعضاً على جذب انتباه كل واحد من الجالسين، وهذا يدل على أن ما سيقال من الأهمية بمكانٍ عظيم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأحاديث الصحيحة الله صلى الله علیه وسلم رسول الله فى صورة
إقرأ أيضاً:
شخصيات إسلامية.. أبوموسى الأشعري
الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري، الفقيه، المقرئ، هو أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس رضي الله عنه ابن سليم بن حضار بن حرب صاحب رسول الله -ﷺ- حدث عنه: بريدة بن الحصيب، وأبو أمامة الباهلي، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وسعيد بن المسيب، والأسود بن يزيد، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وزيد بن وهب، وأبو عثمان النهدي، وأبو عبد الرحمن النهدي، ومرة الطيب، وربعي بن حراش، وزهدم بن مضرب، وخلق سواهم، وهو معدود فيمن قرأ على النبي -ﷺ- أقرأ أهل البصرة، وفقههم في الدين.
وقرأ عليه حطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو رجاء العطاردي، وفي (الصحيحين): عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه: أن رسول الله - ﷺ- قال: (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما، وقد استعمله النبي -ﷺ- ومعاذا على زبيد، وعدن، وأن النبي ﷺ لما بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن، فقال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا».
وولي إمرة الكوفة لعمر، وإمرة البصرة، وقدم ليالي فتح خيبر، وغزا، وجاهد مع النبي -ﷺ- وحمل عنه علما كثيرا. قال سعيد بن عبد العزيز: حدثني أبو يوسف حاجب معاوية: أن أبا موسى الأشعري قدم على معاوية، فنزل في بعض الدور بدمشق، فخرج معاوية من الليل ليستمع قراءته، قال أبو عبيد: أم أبي موسى هي: ظبية بنت وهب، كانت أسلمت، وماتت بالمدينة.
وقال ابن سعد: أسلم أبو موسى بمكة، وهاجر إلى الحبشة، وأول مشاهده خيبر، ومات سنة اثنتين وأربعين.. وقال أبو أحمد الحاكم: أسلم بمكة، ثم قدم مع أهل السفينتين بعد فتح خيبر بثلاث، فقسم لهم النبي -ﷺ- ولي البصرة لعمر، وعثمان، وولي الكوفة، وبها مات.
وروى: أبو بردة، عن أبي موسى، قال: خرجنا من اليمن في بضع وخمسين من قومي، ونحن ثلاثة إخوة: أنا، وأبو رهم، وأبو عامر، فأخرجتنا سفينتنا إلى النجاشي، وعنده جعفر وأصحابه، فأقبلنا حين افتتحت خيبر.. فقال رسول الله -ﷺ-: (لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلي».
فضائله وقومه:
وعن أنس، قال: قال رسول الله -ﷺ-: «يقدم عليكم غدا قوم، هم أرق قلوبا للإسلام منكم»، فقدم الأشعريون، فلما دنوا، جعلوا يرتجزون: غدا نلقى الأحبه... محمدا وحزبه فلما أن قدموا، تصافحوا، فكانوا أول من أحدث المصافحة. وعن شعبة: عن سماك، عن عياض الأشعري، قال: لما نزلت: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة: 57]، قال رسول الله - ﷺ -: (هم قومك يا أبا موسى.. وأومأ إليه صححه: الحاكم، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: خرجت ليلة من المسجد، فإذا النبي -ﷺ- عند باب المسجد قائم، وإذا رجل يصلي، فقال لي: (يا بريدة، أتراه يرائي؟).قلت: الله ورسوله أعلم.قال: (بل هو مؤمن منيب، لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود). فأتيته، فإذا هو أبو موسى، فأخبرته.