عربي21:
2024-11-08@04:41:02 GMT

ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ«ماغا»!

تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT

بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار «المشبوهين المعتادين» القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز، الذي يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.



ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: «بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ».

ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد «غضب» شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.

في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 في المئة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها «جزيرة القمامة» مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.

وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA هي «أعظم حركة سياسية في التاريخ»؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها (جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.

وفي قلب الـ»ماغا» كان يتنامى هوس «القومية الأمريكية» الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات «التفوّق» العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من «القِيَم» الأمريكية.
: سطوة أمريكا العظمى!
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ«ماغا» فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من «واجب مقدّس» أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل «الإمبراطورية بالصدفة العمياء» و«الإمبريالية بالتطوّع» و«العبء الجديد للرجل الأبيض». وفي كتاب بعنوان «السلام الأمريكي» صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فييتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: «على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا»!

والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟

للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّ سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟

من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار «نطاسيي» الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ»ماغا» في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.

وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه هاريس الولايات المتحدة ترامب الولايات المتحدة الإنتخابات الأمريكية ترامب هاريس مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة رياضة رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحزب الدیمقراطی

إقرأ أيضاً:

الانتخابات الأمريكية 2024.. الحزب الديمقراطي بواشنطن يؤكد ثقته بفوز هاريس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد رئيس الحزب الديمقراطي في واشنطن تشارلز ويلسون، اليوم الأربعاء، ثقته الكاملة في فوز المرشحة كامالا هاريس على منافسها دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقال ويلسون، في مقابلة خاصة مع قناة (الحرة) الإخبارية، إن "مدينة واشنطن تدعم دائما المرشحين الديمقراطيين، وبالتالي ستصوت لصالح المرشحة كامالا هاريس في الانتخابات الأمريكية"، معربا في الوقت نفسه عن مخاوفه من سيطرة الجمهوريين على مجلسي الشيوخ والنواب. 
واعتبر أن فوز الجمهوريين في الانتخابات وسيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ سيكون عبئا كبيرا على مدينة واشنطن في محاربة الجريمة، خاصة بعد الإنجازات الهائلة التي تحققت خلال السنوات الماضية في هذا الصدد، كما اعتبر أن فوز هاريس في الانتخابات بمثابة نجاح لواشنطن في تخفيف التوترات وتحقيق التطلعات المستقبلية. 
ويأتي هذا في الوقت الذي اقتربت فيه مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، من معادلة الأصوات التي حصل عليها، منافسها مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، في نتائج الانتخابات الأمريكية حتى الآن، بعد فوزها بولايتي كاليفورنيا وواشنطن.
وحسمت هاريس أيضا فوزها في ولايات فيرمونت وماريلاند كونيتيكت وماساتشوستس ورود آيلاند ونيوجيرسي وديلاوير وإلينوي ونيويورك وكولورادو وديلاوير، كاليفورنيا، واشنطن.

مقالات مشابهة

  • مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس تقر بالهزيمة أمام دونالد ترامب في سباق الرئاسة الأميركية
  • الانتخابات الأمريكية 2024.. الحزب الديمقراطي بواشنطن يؤكد ثقته بفوز هاريس
  • الحزب الديمقراطي بواشنطن يؤكد ثقته بفوز هاريس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
  • انتخابات أمريكا|بعد فرز الأصوات في 27 ولاية.. 188 صوتًا لـ«ترامب» مقابل 99 لـ«هاريس»
  • رئيس الحزب الديمقراطي بواشنطن: القضايا الداخلية تشكل همّ الناخب الأمريكي
  • هاريس تفاجئ مؤيديها بمقر الحزب الديمقراطي
  • عضو بالحزب الديمقراطي الأمريكي: تعرضت لتهديدات من الجمهوريين بعد دعمي لـ هاريس
  • قصة رمز الحزب الديمقراطي الأمريكي.. الحمار الذي تحول إلى أيقونة سياسية
  • رئيس الحزب الديمقراطي بواشنطن: القضايا الداخلية تهم الناخب الأمريكي حاليا