حصارُ غزوة الخندق وغزة: دروسٌ من التاريخ تتجدد في الحاضر
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
شاهر عمير
تظل غزوة الخندق رمزًا خالدًا في تاريخ الإسلام، فقد جسدت قوة الصمود والإيمان العميق بالله أمام تحالفات معادية اجتمعت للقضاء على المسلمين في المدينة المنورة. ففي تلك المعركة، تحالفت قريش وغطفان واليهود من مختلف القبائل ليشكلوا جيشًا ضخمًا من عشرة آلاف مقاتل، وأحاطوا بالمدينة من كُـلّ الجهات. واجه المسلمون موقفًا شديد الصعوبة، ولكن بإيمانهم الراسخ، وتوجيه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومشورة الصحابي سلمان الفارسي، اعتمدوا على حفر الخندق كاستراتيجية دفاعية لم تُعرف من قبل في الجزيرة العربية.
وصف الله تعالى ذلك الموقف العصيب بقوله: “إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا”. تجسد الآية حال الخوف والقلق الذي مر به المسلمون؛ فقد بلغت القلوب الحناجر، وارتبكت الأبصار تحت وطأة الرعب من جيشٍ عظيم يفوقهم عدة وعتادًا. لكن مع ذلك، صبر المسلمون، وواجهوا الحصار بإيمان وثبات حتى كتب الله لهم النصر بفضل عزيمتهم وتوكلهم.
واليوم، يشهد التاريخ أحداثًا مشابهة من حَيثُ الحصار والتحالفات المعادية، حَيثُ يتكرّر هذا المشهد في غزة المحاصرة منذ سنوات، بظروف تذكرنا بغزوة الخندق. فالتحالفات الدولية والإقليمية تدعم الاحتلال الإسرائيلي في تضييق الخناق على غزة، ليحرم سكان القطاع من حقوقهم الأَسَاسية ويعيشوا تحت حصار خانق. وعلى الرغم من القصف والتجويع، يثبت الفلسطينيون في غزة، متمسكين بحقهم في المقاومة والحرية، تمامًا كما ثبت المسلمون في المدينة، حَيثُ اعتمدوا على أنفسهم ووضعوا ثقتهم في الله.
وكما واجه المسلمون التحالفات التي سعت لتدميرهم في المدينة المنورة، نجد اليوم أن الشعب الفلسطيني يواجه تحالفات عدة تساند الاحتلال وتضغط عليهم، وفي نفس السياق، نجد ما يجري في اليمن ولبنان، حَيثُ تستهدف قوى مختلفة صمود الشعوب الحرة التي ترفض الخضوع وتصر على حقها في العيش بكرامة.
إن دروس غزوة الخندق تُعلمنا أن الانتصار لا يعتمد فقط على العدد أَو القوة المادية، بل على الإيمان والصبر والوحدة. فالتاريخ يعيد نفسه، ويذكرنا بأن الشعوب التي تمتلك إيمانًا قويًّا وتتحلى بالصبر تستطيع الصمود أمام أعتى التحالفات وأقسى الظروف.
ومهما اشتدت الظروف، فَــإنَّ غزة، على غرار غزوة الخندق، تظل رمزًا للمقاومة والصمود، لتعلم العالم أن الشعوب الحرة، حتى وإن حوصرت، تمتلك من القوة والإيمان؛ ما يجعلها عصية على الانكسار.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
غزة.. صمود يتحدّى الحصار والمعاناة
في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل، تعيش غزة أوضاعا إنسانية هي الأكثر قسوة منذ عقود، إذ تتشابك أزمات الحرب مع قسوة الشتاء لتزيد من معاناة السكان الذين يواجهون أبشع صور الحصار والتدمير.
الدمار الذي طال المنازل والبنية التحتية حوّل المدينة إلى مشهد مأساوي، إذ أصبحت النسبة الكبرى من المساكن غير صالحة للسكن، بينما تعاني البنية التحتية من انهيار شبه كامل، مما يدفع الآلاف من العائلات إلى النزوح.
النازحون، الذين فقدوا منازلهم، يعيشون في خيام بدائية مصنوعة من القماش وقطع النايلون، أو في مدارس مكتظّة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. هذه الملاجئ المؤقتة تعاني من غياب الكهرباء والمياه، ونقص حادّ في الغذاء والأدوية، مما يجعل الظروف أكثر قسوة مع دخول الشتاء. في ظل هذا الوضع، تصبح أبسط الاحتياجات مثل التدفئة أو مياه الشرب النظيفة ترفا بعيد المنال.
انقطاع الكهرباء المستمر يزيد من قتامة المشهد، إذ يعتمد السكان على وسائل بدائية لتدفئة أطفالهم، كحرق الحطب أو المواد البلاستيكية، على الرغم من مخاطرها الصحية. كما أن تدمير شبكات الصرف الصحي أدى إلى انتشار المياه الراكدة والطين، مما ساهم في تفشي الأمراض بين الأطفال وكبار السّن، الذين يدفعون الثمن الأكبر في هذه الظروف القاسية.
ورغم هذه المحنة، يواصل سكان غزة تقديم دروس في الصمود والتحدي. المبادرات المحلية والجمعيات الخيرية تعمل على توزيع الملابس الشتوية والبطانيات والمواد الغذائية، في محاولة لتخفيف وطأة المعاناة، إلا أن هذه الجهود تظل محدودة مقارنة بحجم الكارثة.
على الصعيد الدولي، تبدو المواقف مترددة وغير فعالة، إذ تتوالى المناشدات الحقوقية من دون أي خطوات عملية لإنهاء الحصار أو وقف العدوان. الاحتلال الإسرائيلي مستمرّ في سياساته العدوانية، متجاهلا القوانين الدولية، في حين يتحمل سكان غزة وحدهم أعباء هذه الحرب الوحشية.
غزة، التي اعتادت مواجهة الموت والدمار، تثبت مجدّدا أنها عصيّة على الانكسار. مع كل شتاء يعصف بها، ينهض أهلُها بإصرار من تحت الركام، متحدين الحصار والجوع والبرد، ومتمسكين بحقهم في الحياة والحرية. إن صمودهم اليوم يعكس إرادة شعب لا يعرف الاستسلام، ويؤكد أن الاحتلال مهما طال لن يكسر عزيمتهم.
في كل يوم يمر، تظل غزة شاهدا على معاناة إنسانية وقضية سياسية تستدعي تحركا دوليا فوريا لإنهاء الحصار وضمان حق الفلسطينيين في حياة كريمة. ومع ذلك، يبقى الأمل قائما بأن غزة ستنهض من تحت الركام لتعيد بناء حياتها وتواصل مسيرتها نحو الحرية والاستقلال.
الشروق الجزائرية