غزة.. قممٌ عربية و “شرق أوسط جديد”!
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
دينا الرميمة
من بين أحضان الموت الذي أسقطه الصهاينة على غزة واستوطن فيها طيلة شهر وعام، بكل وسائله من القنابل والصواريخ، إلى الجوع والحصار، وكلاب ضارية حيوانات وبشر يتلذذون بالقتل ومشاهد التدمير، تقف غزة شامخة وحيدة تقاوم مشروع التهجير والاستيطان والتمدد إلى ما بعدها من أراض لدول يفصل ما بينهما جدار؛ في حال هي سقطت بأيديهم ضمن مشروع توسعي تقوم على إثره دولة “إسرائيل الكبرى” والممتدة من النيل إلى الفرات، تتحكم بالمنطقة وتخضعها لهيمنتها سياسيًّا واقتصاديًّا بخط يربط بين الهند وغزة، وحتى ثقافيًّا تتحكم بالمناهج والإعلام وكلّ ما يغرس في الأذهان أفكارهم حول مسمى الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنت عنه “كونداليزا رايس” عقب حرب تموز 2006 بالقضاء على المقاومة والفوضى الخلاقة!!
وهو ما أعلنه “ناتن ياهو” بعد اغتيال السيد نصر الله، عن شرق أوسط ليس فيه فلسطين ولا مقاومة!! وربما كان سموتريتش أكثر تواضعاً حين حدّد امتداد دولته إلى جزء من لبنان والأردن وسوريا ومصر والسعوديّة والعراق!!
غير أن غزة التي تبرق للعالم رسائل عن أسمى معاني الحرية والكرامة والتشبث بالهوية هي اليوم العائق والمترس في وجه المشروع الصهيوني، تكافح لأجل كرامة أُمَّـة، وتخفي في باطنها وجع الخذلان بمقاومة يسعى الصهاينة لمحو أثرها كخطوة استباقية تمنع تشكيل أية مقاومة على بقية الأرض التي ينوون التمدد إليها.
كان يستدعي على العرب أن يقفوا في وجهه ويتمترسون معها في معركة هي معركتهم كما تمترس الغرب مع “إسرائيل” إلا أنهم تركوها تعتصرها المأساة والخذلان بين فَكَّي الصهاينة وأسلحة الغرب وقمم مجلس الأمن العاجز عن اتِّخاذ قرار يكسر عنجهية نتن ياهو، وعلى شبيهتها قمم عربية لا تأتي لفلسطين بخير، لن يكون آخرها القمة التي تنوي السعوديّة عقدها في الحادي عشر من نوفمبر الجاري، للمطالبة بحل الدولتين مقابل إعلان تطبيع ليس وليد القمة، وهي من فتحت جسرًا بريًّا للكيان تعويضاً عما منعه عنه اليمن في حصاره للسفن في البحار!!
تأتي هذه القمة والكيان الصهيوني يحاصر ليس فقط غزة، بل كُـلّ فلسطين مؤخّرًا عبر حظر خدمات الأونروا عن غزة وكلّ فلسطين، كان الأحرى أن تكون مطالبها وقف الحرب والحصار مقابل قطع العلاقات السابقة مع الكيان والدول الداعمة له؛ كون التطبيع لن يأتي إلا بما أتت به اتّفاقيات السلام والتطبيع السابقة من تقييد الأيادي عن نصرة فلسطين، وأن حَـلّ الدولتين هو نفسه ما جاءت به أوسلو والذي لم يكن سوى اعتراف بالحكم الذاتي للكيان الصهيوني على معظم أرض فلسطين، لم يوقف شهيتهم عن قضم البقية من فلسطين في القدس والضفة الغربية، التي تبعثرها إلى أشلاء مستوطنات هنا وهناك، بها أَيْـضًا حاصروا غزة وجعلوها أشبه ما يكون بسجن مفتوح تمهيدًا لاحتلالها عبر الإجرام الذي يمارس اليوم عليها تحت عنوان القضاء على حماس وشعار لتصل صرخة الدم إلى السماء.
وبالتالي فهذه القمة ومطالبها ليست إلا مبرّرات وذرائع تعفيهم من الدخول في المعركة وتخلق أهدافاً لمعركة جديدة مع محور المقاومة!!
غير أن ما لا يفهمه الصهاينة والمطبِّعون أن المقاومة لم تكن يومًا مرتبطة بشخص أَو جماعة إنما هي فكرة ولدت من رحم الاحتلال والتآمر على الأرض وظلم الأنظمة التي تستبد بالشعوب، امتلأت قلوب حامليها قادة وجندًا حُبًّا للأرض وشغفًا بالكرامة، تشتد كلما سقطت الدماء وارتقت الأرواح، وتكبر في قلب جيل حين يرى دم أهله مسفوكًا على الأرض، لن يجبن بل سيكبر ويكبر معه الحقد والثأر وإرادَة تضاهي بها قوة الغرب، التي مدوا بها الكيان ولهم مآربهم من مشروع الشرق الأوسط!!
ومن يتوجب على الشعوب العربية أن تنتفض في وجه أنظمتها العميلة وتكالب بتوحيدٍ للصف ومعركة تحرير غزة وكلّ فلسطين؛ الأمر الذي سيكفيهم شر دور ينتظرهم لا يقل مأساة عما تعيشه غزة، وربما لم يصمدوا كما صمدت غزة، التي جرعت الكيان الصهيوني مر الهزائم وجعلته يترنح في موازين الخلافات مؤشرًا كَبيرًا على اقتراب الزوال والعودة إلى سابق عهده بلا دولة ولا وطن.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
حرب ضد الهوية الإسلامية .. المساجد هدف الصهاينة من اليوم الأول
يمانيون – متابعات
تاريخيًا، كانت المساجد والمقدسات الإسلامية في فلسطين شاهدة على عمق الهوية الثقافية والدينية للشعب الفلسطيني. ولأنها كذلك، فقد ركّز عليها العدو المحتل باكرًا حين مارس عليها صنوف الاعتداءات بهدف تهويدها ومحوها. ونذكّر هنا بحادثة إحراق المسجد الأقصى الشهيرة (صباح يوم الخميس 21 أغسطس 1969/ 7 جمادى الآخرة 1389هـ). ورغم أنه من أقدس المواقع الإسلامية، فقد تكررت الاعتداءات الصهيونية عليه مرارًا، ناهيك عن الاقتحامات المتواصلة بشكل أصبح مؤخرًا شبه يومي، ولا يُخفي اليهود رغبتهم الشديدة في فرض السيطرة عليه وتهويد محيطه، علاوة على أعمال الحفريات التي تهدد بانهياره.
احراق المساجد الأقصى عام 1969
المدينة المقدسة برمتها تتعرض معالمها الإسلامية للتهديد بشكل يومي، ويمارس العدو المحتل صنوف الانتهاكات على قاصديها يوميًا. هذا الوضع يعكس استراتيجية العدو الإسرائيلي في السيطرة على المدينة، ومحاولة فرض واقع جديد يهدف إلى تهويدها. وجدير بالذكر هنا أن المسجد الأقصى، برمزيته الدينية الكبيرة في الوعي الإسلامي، اتخذ منه اليهود المحتلون معيارًا لقياس ردّة الفعل، ليس الفلسطينية وحسب، بل في عموم العالم الإسلامي.
ويظهر ذلك جليًا من خلال تتبع حوادث الاعتداء المختلفة على المسجد الأقصى في سبعة عقود من الاحتلال، والنتيجة الكارثية تظهر نجاح اليهود في كي الوعي الإسلامي وترويضه بالتدريج على القبول بالانتهاكات، والتي أضحت مؤخرًا مجرد خبر يومي لا يثير المشاعر الدينية ولا يستنهض الغيرة القومية. وهذه واحدة من نتائج العمل التراكمي لليهود على تغفيل الأمة وتخديرها وفصلها عن مقدساتها ورموزها.
وهنا الدور يناط بوسائل الإعلام العربية التي قدمت الخبر مجردًا عن سياقه الصدامي الحضاري الديني. والأصل أن أخبار الاعتداءات على المسجد الأقصى يجب أن تحظى بخصوصية بالغة في التقديم والترتيب، إذ إن الاعتداء على المقدسات لا يُمثل فقط اعتداءً على مبنى عادي أو حتى موقع عبادة، بقدر ما هو هجومٌ على الهوية الإسلامية بأكملها.
إبادة الفلسطينيين وإعدام هويتهم:
في غزة، وقبل معركة الطوفان، شهدت المساجد والمقدسات هجمات متكررة، حيث يتم استهدافها بشكل مركز مع كل عدوان إسرائيلي. في العدوان على غزة في عام 2014، تم تدمير عدد من المساجد بشكل كامل وعلى نحو متعمد. ودائمًا كانت إحصاءات الدمار التي طالت المساجد تنسجم تمامًا مع أهداف الإسرائيلي ونواياه في استئصال جذور الوجود الفلسطيني بهويته الإسلامية، وصولاً إلى خلق واقع جديد يتجاهل تاريخ الشعب الفلسطيني المسلم وحقوقه، واستبداله بالمغتصبين اليهود.
في معركة الطوفان، وفي فصول الاعتداءات والإبادة الجماعية الصهيونية على غزة وسكانها وهويتها، وجد العدو الصهيوني فرصته لتطال نيرانه كل مساجد القطاع بالتدمير الجزئي أو الكلي. في أحدث بياناتها، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بقطاع غزة، قبل أيام، أن جيش العدو الإسرائيلي دمر خلال حرب الإبادة الجماعية على القطاع 79 بالمئة من مساجد القطاع و3 كنائس، واستهدف 19 مقبرة.
وقالت الوزارة في بيان لها: “جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر 814 مسجداً من أصل 1245، بما نسبته 79 بالمئة، وتضرر 148 مسجداً، بالإضافة إلى 3 كنائس، واستهدف 19 مقبرة من أصل 60 بشكل ممنهج ومتعمد.” وأضافت: “تكلفة الخسائر والأضرار التي تعرضت لها الوزارة نحو 350 مليون دولار.” وتابعت: “خلال حرب الإبادة، قام جيش الاحتلال بنبش القبور وسرقة الآلاف من جثامين الأموات والشهداء، والتمثيل بها بعد قتلهم بطرائق همجية وحشية.”
ولفت بيان الأوقاف إلى أن العدو الإسرائيلي دمر 11 مقراً إداريًا وتعليميًا، ما نسبته 79 بالمئة من إجمالي المقرات بالقطاع البالغة 14 مقرًا. وقالت الوزارة إن الجيش الإسرائيلي قتل 238 من موظفيها، واعتقل 19 آخرين خلال عملياته البرية بالقطاع.
حرب على الهوية الإسلامية لن تنتهي في فلسطين:
إن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في سياق الحرب على هويتهم ودينهم ومعالمهم الإسلامية هي جزء من صراع حضاري وحلقة من حرب قديمة متجددة على الإسلام والمسلمين. هذه الحرب لا تستهدف فقط المباني، بل تهدف إلى محو الذاكرة الجمعية للفلسطينيين واستئصال جذور وجودهم الإسلامية. وهي بالأولى تعبير عن صدام ديني، ليس الفلسطينيين إلا أول ضحاياه، ويأتي الدور حتمًا على الجميع بدءًا من دول محيط فلسطين.
لم يكن حرق المسجد الأقصى إلا مشهدًا ضمن مسلسلٍ لا ينتهي، قامت عليه ما تُسمى إسرائيل، بدأ صباح الواحد والعشرين من أغسطس عام 1969 حين أضرموا النار في المسجد الأقصى. شجعهم أن نار إحراق المسجد لم تصل حرارتها إلى صدور الأنظمة العربية، ولم تبعث فيهم أي حمية لبيت مقدسهم المبارك. نتيجة لذلك الهوان، تلا الحرق اقتحاماتٌ لباحات المسجد الأقصى، وتجريف لمعالمه وطمس لآثاره وحفر أنفاقٍ أسفله تهدده بالسقوط، بينما يقاوم الفلسطينيون وحدهم بما تيسر من حجارة، يمنعون تدنيس وتهويد ما تبقى من شرف الأمة، فلا يجدون من حكامها سوى الصمت والتطبيع!
ولأن الصهاينة يتحركون من منظور ديني، تجدهم في غزة يقصفون أينما سمعوا مساجد يُذكر فيها اسم الله، بذريعة أو بدون مبررات. تارةً يفتشون عن المساجد، يقصفون جوامع غزة التي تأوي النازحين بحجة أنها تأوي مقاتلي حماس، كما فعلوا في وقائع عدة منها قصف جامع شهداء الأقصى ومسجد الشيخ رضوان ومسجد العطار. وكان حقدهم بيّنًا في قصفهم للجامع العمري التاريخي الشهير، الطاغي بقدمه على زيف تاريخهم ووجودهم المؤقت.
تدمير العدو الإسرائيلي للمساجد في غزة
في جوامع الضفة، يتعمّد الصهاينة بين فينة وأخرى اقتحامها تدنيسًا لها واستهزاءً واستفزازًا لمشاعر الفلسطينيين، في مشهد بات جزءًا من يوميات أهالي الضفة القابعين تحت قبضة المحتل وسطوة المستوطنين اليهود. كذلك الحال في جوامع جنوب لبنان في بلدة مجدل سلم، وجامع الزهراء وجامع الظهيرة، الذي تغنوا على دخانه وتعمدوا نشر مقاطع الفيديو المصورة لهذه الانتهاكات، ومنها مشاهد صعود المنابر والغناء منها، وكذلك إحراق المصاحف داخل المساجد، والذي تكرر في غير مسجد من غزة، واليوم في قرى جنوب لبنان.
العدو يدنس مسجدا بالضفة الغربية، ويرفع «العلم الإسرائيلي» على مئذنة مسجد معاذ بن جبل في مخيم الفوار بمدينة الخليل
من نافل القول إن استمرار الاعتداءات على المساجد والمقدسات الإسلامية وتكررها على هذا النحو الواضح المتعمد والممنهج وغير المسبوق يعكس عقيدة العدو الإسرائيلي المحرفة وخرافاته التوراتية الباطلة في تحقيق مشروع الصهاينة “إسرائيل الكبرى” عبر التأسيس لواقع جديد يتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني بهويته الإسلامية. لكن في ظل هذه الظروف، يبقى الأمل معقودًا على صمود الفلسطينيين في الدفاع عن هويتهم ومقدساتهم، وعلى فعل المحور المساند والمنخرط بالفعل في معركة تتجلى أكثر بطبيعتها الدينية الحضارية، وفيها امتحان عسير وفرز خطير، لعله غير مسبوق في تاريخ الصراع.
——————————————-
موقع أنصار الله – يحيى الشامي