أستاذ علم الاجتماع: تربية الأجيال الجديدة على المنهج العلمي للتمييز بين الحقيقة والشائعة
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
أكدت د. هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسى، أن الحرب النفسية ليست كالحروب المعتادة التى تعتمد على استخدام السلاح فى مواجهة السلاح، والجيوش فى مواجهة الجيوش، بل إنها لا تقتصر على الجيوش التى تواجه بعضها فى الحدود أو فى مواقع معيّنة، وإنما تمتد لتشمل الشعوب التى تنتمى إليها الجيوش.
وقالت «هدى»، فى حوارها مع «الوطن»، إن فكرة الحرب النفسية بدأت فى القرن العشرين لتصدير الخوف والفزع، وإحداث حالة من الفتنة بين الشعوب وجيوشها، فى نوع جديد يُضاف إلى أنواع الحروب، ونوّهت بأن تربية الأجيال الجديدة على المنهج العلمى القويم، تتيح لهم تحليل المعلومات والتمييز بين الحقيقة والشائعة.
ما أبرز أساليب الحرب النفسية التى تمارسها الدول؟
- الحروب غير المرئية تستهدف تأليب الرأى العام وتغيير السلوكيات والقناعات، وعند الحديث عن أبرز الأساليب التى تم استخدامها فى الحرب النفسية، يمكن أن نأخذ مثالاً من الحركة الصهيونية سنة 1948، حيث كانت الحرب النفسية التى انتهجتها الحركة آنذاك تهدف إلى بث رسالة «لن تستطيع أن تقاومنا»، فى محاولة لبث فكرة أنهم القوة الغاشمة بالمنطقة، التى لا يمكن الانتصار عليها، فى وقت كانت فيه أعداد الجيوش العربية وإمكانياتها محدودة جداً، وتمثّل الجانب النفسى من تلك الحرب فى تهجير القرى من سكانها وتشريدهم خارجها، ورغم أن السكان كانوا يقاومون، إلا أنهم تعرّضوا لأشكال من التهجير من بلادهم وأوطانهم، منتهجين سياسة المغول فى مثل تلك الحروب النفسية، حيث كانوا يدخلون قرية ضعيفة ومسالمة ويقترفون فظائع، مثل قتل الرجال بشكل وحشى واغتصاب النساء، ثم يتركون بعض الناجين، ليبلغوا الرسالة إلى الباقين من أبناء الشعب.
كيف تختلف الحرب النفسية عن الحروب التقليدية أو العسكرية؟ وما الذى يجعلها أكثر خطورة على المجتمع؟
- الحروب النفسية مختلفة تماماً عن الحروب التقليدية، فهى ليست بالسلاح أو المدافع، ولكن عن طريق زعزعة النفوس وبث الأفكار الهدّامة فى الشعوب، ومن المهم أن نفهم كيف يمكن أن تؤثر الحرب النفسية على المجتمع، فالأعداء يسعون لضرب ملامح الشخصية الوطنية، التى تُعرف بالشخصية المنضبطة، حيث يتم ترويضها تجاه الخطر. وعندما يتعرّض المجتمع لخطر ما، يتجلّى ذلك فى تصرّفات الأفراد. وبالتالى نجد أن تلك الحرب النفسية تستهدف تفكيك الضمير الجمعى للشعب، مما يؤدى إلى فقدان الإحساس بالأمان الفردى والمجتمعى. فنحن نرى كيف أن الحرب النفسية يمكن أن تجعل الأفراد يشعرون بعدم الأمان حتى فى منازلهم، بسبب تلك الممارسات النفسية التى تمارس عليهم.
ما أهم الأدوات المستخدَمة فى الحروب النفسية لتأليب الرأى العام وتغيير قناعات الأفراد؟
- بالنسبة للأدوات المستخدمة فى الحرب النفسية، فهى تتنوّع إلى عدة أساليب، من أبرزها المنابر البعيدة التى يمكن أن تكون خارج نطاق رقابة المؤسسات الدينية. تُستخدم هذه المنابر لنشر الأفكار والأيديولوجيات التى يمكن أن تُؤدى إلى تفكيك التماسك الاجتماعى ووحدة الأفراد من خلال بث الأفكار الخبيثة، حيث يستخدم أصحاب الآراء تلك المنابر للتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم الهدّامة، ومن هذا المُنطلق يمكننا أن نُدرك أن الحرب النفسية لها تأثير عميق على المجتمع والأفراد، وتتطلب وعياً جماعياً لمواجهتها.
كيف تستغل القوى التى تشن حروباً نفسية وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى لتحقيق أهدافها؟
- وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى تُعد بيئة نشطة لشن الحروب النفسية والشائعات، حيث تُستخدم هذه المنصات كمنابر لتوجيه أفكار المواطنين، من خلال نشر أفكار خبيثة لتحقيق أهداف الدول التى تمارس تلك الحروب. كما أنّ من بين الأدوات التى تُسهم فى تشكيل وعى المواطن بجانب الإعلام، هناك دور للمدارس كذلك.
ماذا عن دور الشائعات والمعلومات الزائفة فى هذه الحروب؟ وكيف يمكن للمجتمع مواجهتها؟
- لمواجهة الشائعات وتأثيراتها الخطيرة، يجب تقديم الحقائق المجرّدة باستمرار، والرد على الشائعات والأكاذيب من خلال منابر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، التى تُعد الوسيلة الأكثر انتشاراً فى المجتمعات.
كما أنّه من المهم أيضاً تربية الأجيال على المنهج العلمى القويم، مما يتيح لهم تحليل المعلومات والتمييز بين الحقائق والشائعات.
لذا يجب تعزيز ثقافة التحرّى عن الدقة فى المجتمعات من خلال تكثيف مبادرات التوعية بخطورة الشائعات فى هدم وتفكيك ثوابت المجتمع ووحدته، لا سيما فى المجتمعات التى تعانى من الأمية وانعدام التعليم.
إحداث تغيير حقيقىيمكن للحروب النفسية إحداث تغيير فى سلوكيات الأفراد، وبالتالى فى قيم المجتمع. فالتواصل مع المجتمعات الريفية هو أمر حيوى، وهناك حاجة للاستماع إليهم وفهم ثقافاتهم، للتعرّف على الآليات المناسبة لحمايتهم من الأفكار الخبيثة وزيادة الوعى لديهم. فالتوجّه من القمة إلى القاعدة دون الاستماع إلى الناس قد يُفقد الرسائل أهميتها، وهو ما يتطلب تبنى استراتيجية التوجّه من القاعدة إلى القمة، بمعنى البدء بتوعية المجتمعات الريفية التى لم تحظَ بقسط كبير من التعليم، وزيادة توعيتها، وصولاً إلى النُّخب.
ففى فترات الأزمات، إذا ما توافرت مقاومة من الأفراد والمجتمعات، فإن تلك الحروب النفسية لن تجد بيئة خصبة لتنمو فيها، لذا يجب تعزيز الهوية الجماعية والوعى العام لمواجهة التأثيرات السلبية لتلك الحروب.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الشائعات الإخوان الإرهابية نشر الفوضى الحروب النفسیة الحرب النفسیة تلک الحروب یمکن أن ت من خلال التى ت
إقرأ أيضاً:
ألف قناص في السماء.. هذه هي الحرب الجديدة في أوكرانيا
عندما انفجرت قذيفة هاون فوق مركبتهم القتالية المدرعة "برادلي" الأمريكية الصنع، شعر الجنود الأوكرانيون داخلها بالاهتزاز، لكنهم لم يكونوا قلقين كثيراً، إذ اعتادوا على قصف المدفعية على مدار 3 سنوات من الحرب. لكن سرعان ما بدأت الطائرات المسيّرة الصغيرة بالهجوم.
استهدفت هذه الطائرات أضعف نقاط المدرعة "برادلي" بدقة قاتلة تتجاوز ما تمتلكه قذائف الهاون. أصابت إحدى الطائرات الانتحارية المتفجرة الفتحة العلوية فوق مكان جلوس القائد. "مزقت ذراعي"، قال الرقيب تاراس، القائد البالغ من العمر 31 عاماً، الذي فضل استخدام اسمه الأول وفقاً لبروتوكولات الجيش الأوكراني.
أثناء محاولته العثور على عاصبة لإيقاف النزيف، لاحظ أن سائق المركبة أصيب أيضاً، إذ فقئت عينه من الانفجار.
Astonishing and grim statistic: Drones now cause about 70 percent of deaths and injuries in the Ukraine war.
https://t.co/eS0xD2MaX8
نجا كلا الجنديين، لكن الهجوم كشف كيف أصبحت الطائرات المسيّرة، وهي في الغالب تقنيات متاحة تجارياً تُحول إلى آلات قتل، عاملاً يجعل السنة الثالثة من الحرب أكثر دموية من السنتين السابقتين وفقاً للتقديرات الغربية، بحسب تقرير تحليلي في صحيفة "نيويورك تايمز".
هيمنة الطائرات المسيّرةوتقول الصحيفة إن المدفعية الثقيلة لم تعد هي السلاح الأكثر فتكاً في هذه الحرب، إذ إن الطائرات المسيّرة تسبب الآن حوالي 70% من الإصابات بين القوات الروسية والأوكرانية، وفقاً لرومان كوستنكو، رئيس لجنة الدفاع والاستخبارات في البرلمان الأوكراني. في بعض المعارك، تصل النسبة إلى 80%، كما يقول القادة العسكريون.
عندما أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قواته إلى أوكرانيا قبل 3 سنوات، سارعت الدول الغربية إلى تزويد كييف بأسلحة تقليدية بمليارات الدولارات، مثل المدافع والدبابات، على أمل صد الغزو الروسي. لكن الحاجة الميدانية الهائلة استنفدت مخزون حلف الناتو تقريباً.
في عام 2022، كانت المعارك تعتمد على المدفعية والخنادق والدبابات، لكن بحلول 2025، باتت الطائرات المسيّرة العنصر الحاسم في ساحة المعركة.
وتشمل الأدوات الحربية الحديثة الطائرات الانتحارية، والأنظمة المضادة للطائرات المسيرة، والطائرات المسيرة المجهزة برؤية الشخص الأول (FPV)، والطائرات البرية المسلحة.
وبحسب التقرير، فقد أصبحت المعارك عبارة عن سباق بين روسيا والغرب لتوريد الأسلحة التقليدية، مما حول شرق أوكرانيا إلى ميدان نيران مدفعية. لكن الآن، الطائرات المسيّرة تسيطر على الميدان، متجاوزة الأسلحة التقليدية في فعاليتها القاتلة.
We are grateful to our partners for strengthening Ukraine's defense capabilities. ???????? warriors and western-made weapons are the best combination to drive the enemy out of our land.
????: UA Land Forces pic.twitter.com/uX1Q7HBqLZ
تسببت الحرب في مقتل وإصابة أكثر من مليون جندي، وفقاً للتقديرات الأوكرانية والغربية. لكن الطائرات المسيّرة أصبحت الآن مسؤولة عن قتل عدد أكبر من الجنود وتدمير عدد أكبر من المركبات المدرعة مقارنة بجميع الأسلحة التقليدية الأخرى مجتمعة، بما في ذلك القناصة والدبابات ومدافع الهاوتزر وقذائف الهاون.
كان دوي المدفعية المتواصلة في السابق السمة المميزة للقتال، لكن اليوم أصبح الخطر شخصياً للغاية، حيث تطارد الطائرات المسيّرة الجنود وتستهدف المركبات بسرعة فائقة، مما أجبر القوات على المشي لمسافات طويلة والاختباء من هذه الأجهزة القاتلة. "يمكنك الاختباء من المدفعية"، يقول القائد الميداني الأوكراني بوهدان، "لكن الطائرات المسيّرة كابوس مختلف تماماً".
⚡️ Zelenskyy: F-16s arrived too late, but they are extremely effective.
???? "We have a very little number of F-16s. What they do now? Destroyed 7 ballistic [cruise missiles] missiles two nights ago." pic.twitter.com/gXXfQRhqRZ
ووفقاً للصحيفة، أنتجت أوكرانيا أكثر من مليون طائرة مسيّرة من طراز FPV في عام 2024، بينما تدعي روسيا أنها تصنع 4.000 طائرة يومياً، وتسعى كلتا الدولتين إلى إنتاج ما بين 3 إلى 4 ملايين طائرة في 2025.
ومع زيادة الهجمات بالطائرات المسيرة، تصاعدت أيضاً المواجهات الإلكترونية، حيث تنتشر أنظمة التشويش التي تعطل إشارات التحكم بالطائرات المسيرة، مما يجعل عمليات الاستهداف أكثر صعوبة.
للتعامل مع هذه التطورات، طورت أوكرانيا وروسيا تقنيات مضادة للطائرات المسيّرة، مثل الطائرات المسيّرة المزودة ببنادق لإسقاط الطائرات الأخرى، والليزر المضاد للطائرات منخفضة الارتفاع، والدروع الواقية المصنوعة من الشباك المعدنية لحماية المركبات من الهجمات الجوية.
⚡️BREAKING: Ukraine has stated that it wants 40-50 F-16 fighter jets.
If new F-16’s are provided, it would cost ~$11 Billion USD. If used F-16’s are provided instead, then it would cost ~$2 Billion USD. https://t.co/7rceufZUZF pic.twitter.com/F3AasWNxMJ
وتقول الصحيفة إن ظهور الطائرات المسيّرة كالسلاح الرئيسي في الحرب الأوكرانية يعيد تشكيل الاستراتيجيات العسكرية حول العالم. وتسعى دول مثل إيران وكوريا الشمالية والصين إلى استيعاب الدروس المستفادة من هذه الحرب.
يقول الأدميرال بيير فاندير، قائد التحول العسكري في الناتو: "الحرب في أوكرانيا تمزج بين تكتيكات الحرب العالمية الأولى والثالثة، ما يحدث قد يكون نموذجاً لحروب المستقبل".