أمجد توفيق ساحر اللغة والباحث عن شرف الكلمة وعن الحرية
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
نوفمبر 7, 2024آخر تحديث: نوفمبر 7, 2024
عادل إبراهيم
هل يستطيع الطائر ان يحلق في الهواء دون أن يبسط جناحيه ؟
وهل يمكن أن يكون الأنسان مبدعا ،ويرتقي الى فضاء الجمال ويقدم أعمالا فنية مهمة دون أن يمتلك حريته ؟
ودون أن تكون له رسالة صادقة منتمية للأنسان ومتعاطفة مع همومه ولتحدياته؟
إذن حرية المبدع ورسالته هما جناحاه ،ولكن هل هذا يمنحه القدرة على الانطلاق في سماء الأبداع والأنتشار ،كضوء نجمة أو ربما كنبع ماء أو حلم جميل متحقق في زمن أصبحت فيه الشهرة والأنتشار لاتتطلب موهبة ولا كفاءة
ولا ابداع ؟
نحن نتحدث عن كاتب حقيقي وأديب وروائي وسارد منحنا الجمال والقيمة الفنية في أعماله التي استطاعت أن تستجيب للقلق الأنساني وللذاكرة حين تكتوي بنار الحروب والأزمات وتنهش فيهاكل مظاهرالتخلف والسرقات والأفكار السوداء .
نحن نتحدث عن امجد توفيق مبدعاً وانسانا نبيلا.
قبل اكثر من ثلاثين سنة عرفت أمجد توفيق ،وتعمقت علاقتي معه من خلال عملنا في دار الشؤون الثقافيةالعامة..ومايثير الانتباه امتلاكه رصيدا كبيرا من الحب والعشق للحياة ومحبة الناس واصدقائه وقيم الوفاء والرجولة..وكنت أحيانا أستغرب كيف يمكن لرجل مثله مرت عليه ظروف قاسية وصعبة أن لاأراه لحظة منفعلا أو عصبيا في تعامله مع الاخرين حتى وان أختلف معهم موقفا وفكرا ،لكنه لايختلف معهم انسانيا.
صفة الوفاء تنسجم كثيرا مع اخلاق أمجد توفيق وسلوكه وأبداعه ، ولا أشك ان اصول تربيته في اسرة اهتمت بالأدب والثقافة قد صقلت لديه القيم الأخلاقية الانسانية ،وساهمت في توهج ابداعه .
ولنعود الى أمجد توفيق كاتبا وأديبا وروائيا فهو يمتلك سفر من الانجاز الابداعي بدأه بمجموعته القصصية : الثلج الثلج عام 1974 ، والجبل الابيض 1977 ، وقلعة تارا عام 2000 ، وهي مجموعات قصصية تستوحي من طبيعة المنطقة الجبلية التي عاش فيها في محافظة دهوك قصصها وشخصياتها .
ليمنحنا أول رواياته عام 2000 وهي رواية برج المطر ،ثم طفولة جبل ،والطيور الحرة ،والظلال الطويلة ، والساخر العظيم ، والخطأ الذهبي عام 2020، ثم رواية ينال ،والحيوان وأنا ،وكتب نقدية أخرى.
في كل رواياته لم تكن شخصياته مجرد أناس عاديين ، بل أصحاب مشاريع وعشاق وهم صناع حياة.
فالحياة في منظورهم تستحق أن تعاش رغم قسوتها ورغم ادراكهم انه في هذه الحياة يجب دفع ثمن كل شيء بطريقة ما، فلاشيء مجاني.
وللزمن حكاية في اعمال امجد توفيق ، فهو يخبرنا في روايةالساخر العظيم ،بأن الزمن هو الذي يسخر من الجميع .
العمق في الكتابة عند الكبير امجد توفيق ،يأتي من مخزون التجربة لديه وهو دائما ما يؤكد بأنه يعيش الحياة ليكتب عنها. فوظيفة الأدب عنده ليس في وصف ماحدث كنشرة أخبارية، بل كشف مايحدث وطرح الأسئلة ، لكنه لا يقفز على وصف الواقع للوصول الى تخيل المستقبل.
ليس هذا فقط وانما نجد التأمل الفلسفي والاسلوب الرشيق في صياغة افكاره ، ولغته المتميزة التي هي من مقومات تحقيق المتعة في رواياته وقصصه ..فهو ساحر اللغة ،اضافة الى مايطرحه من تساؤلات تكون اجاباتها اسئلة جديدة تبحث عن جواب. وكأنه يريد أن يقول : كنت ابحث عن اجابات فوجدت كثيرا من الأسئلة .
ولعل التساؤل الذي طرحه بطل روايته دانيال في اخر صفحات الرواية :ما الحل؟ يوضح ماأراد السارد ان يقوله فهو يرى
” ان لا خطأ هناك الا إذا فتشت عنه ، عندها يمكن ان تجد الأخطاء وستصطاد عيناك الخطأ في كل شيء”.
والاستاذ امجد توفيق يفرق بين نوعين من الخطأ حسب تصنيفه : فهناك أخطاء ترابية صغيرة تنال من قيمة من يرتكبها ،وأخطاء عظيمة ترفع من قيمة الاشخاص ،وهي الاخطاء الذهبية ، كما هي في رواية الخطأ الذهبي.
وتساؤلات امجد توفيق وأخطاءه الذهبية في معظم اعماله هي محاولة لفهم الواقع باتجاه رؤية قادمة .
فهو دائما يردد ان الاجابات على الاسئلة لم تكن مؤهلة لاطفاء شرارة السؤال.
وهو في اعماله يحاول الخروج من قائمة الصيغ الثابتة والكلاسيكية التي تحذر من الممنوعات ،وهو الباحث عن شرف الكلمة وعن الحرية.فهو يؤكد ان الابداع ” يمنحني ما ينقصني من الحرية التي افتقدها في حياتي اليومية”.
وكأنه يذكرني باحدى شخصيات رواية زوربا عندما يقول :
– انا حر يازوربا.
فيجيب زوربا :كلا لست حرا ، كل مافي الامر إن الحبل المربوط الى عنقك أطول قليلا من حبال الاخرين .
وترتبط اعمال امجد توفيق الابداعية بعمق تجربته وموهبته الحقيقية ،اي ان موهبته معمدة بتجربته انتجت لنا ابداعه المبهر .
لكن يبقى السؤال :هل حظي امجد توفيق كروائي وسارد مبدع بما يستحقه من الاهتمام والتسويق والترويج لاعماله؟
بكثير من الاصرار ،استطيع ان اقول ان هناك العديد من الكتاب العالميين نالوا شهرة كبيرة وطبعت اعمالهم وترجمت الى عدة لغات ليسوا أفضل ابداعا من المبدع امجد توفيق.
ان لم يكن احيانا اكثر عمقا وبراعة وجمالا منهم ..لكن هناك دعم كبير يحظون به ،فيما نحن نترك مبدعينا بلا دعم حقيقي ولا نتذكرهم او نبدي بعض الاهتمام الاعلامي الا بعد رحيلهم .
واعود الى روايته الاخيرة ” زمن الارجوان ” ، حيث كتب في صفحة غلافها :
الكلمة لاتفعل فعلها الا عندما تسمع او تقرأ ..هي ليست زهرة لتشمها او تتأمل جمالها ، وليست نهرا لتبحث عن اعمق نقطة فيه ،ولاقشرةجوز قاسية لتكسرها، ولا فاكهة طرية لتقشرها او تعصرها ،وليست سما لتجربة تأثيره ..انها كل ذلك.
ويبقى السؤال ؛ هل مهمة المثقف ان يغير الواقع ويقلب الكون ام يصرخ ويشير الى الخلل ويدلي بشهادته ويمضي ربما اكثر رعبا او حزنا..
ربما هذا السؤال كثيرا مايرد في وعي امجد توفيق وفي اعماله.
وأختم :هنك مثل صيني يقول إذا أردت سماع صوت الطيور فأزرع الاشجار .
وقيل ان لم يكن الانجاز صعبا ،فلا يسمى انجازا.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
وزير التربية الوطنية يعجز عن الجواب على سؤال لـ”أطفال البرلمان”
زنقة 20 | الرباط
عجز محمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، عن الجواب على سؤال طرحه أطفال خلال الدورة الوطنية لبرلمان الطفل، التي عقدت اليوم الأربعاء برئاسة رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي.
برادة ، و جوابا على سؤال لأطفال البرلمان ، حول الذكاء الإصطناعي في التعليم ، قال أنه لم يحضر جوابا على هذا السؤال و سيمكنهم لاحقا من جواب كتابي.
برادة، ذكر أن ” الذكاء الإصطناعي أمر جديد و لا يوجد أجوبة يومية تعطي لنا الحل”.
و في جواب مرتبك غير واضح ، زاد برادة : ” يبقى السؤال دائما هل هناك إمكانية لتحسين الاجوبة في الامتحانات”.
و توجه الوزير لـ”برلمان الطفل” بالقول : ” الله يخليكوم ايلا بغيتو غنعطيكوم تفاصيل أكثر من بعد كتابة”.