لن يكون الكاتب الجزائرى المولد الفرنسى الإقامة «كمال داود» الأخير فى مرمى الاتهامات بالعمالة والدعم للكيان الصهيونى ، وإصدار العديد من الفتاوى بإهدار دمه وغيرها من الهرج النقدى داخل المشهد الثقافى العربي، طالما الرجل فاز بجائزة «جونكور» للعام الجارى 2024، التى تعد من أبرز الجوائز الأدبية الفرنكفونية، عن روايته الصادرة عن دار جاليمار باللغة الفرنسية تحت عنوان «الحوريات» والتى ترصد ما مرت به الجزائر من حرب أهلية خلال عقدين من الزمن، تحديدا تسعينيات القرن الماضى، أو ما اصطلح على تسميتها بـ»العشرية السوداء».
الرواية كتبت باللغة الفرنسية ولم تترجم بعد إلى اللغة العربية ولكن هناك الكثير من الدراسات النقدية التى قدمتها للقارئ العربى ، حيث تدور حول قصة أوب، وهى فتاة جزائرية تم ذبحها على يد المتطرفين فى تسعينيات القرن الماضى عندما كانت فى الخامسة من عمرها، وهى الآن تعيش بقناة تنفس بدلاً من حنجرتها، مما جعلها صامتة، تبدأ أوب رحلة داخلية طويلة، تشكل محور الرواية، حيث تتحدث إلى جنينها الذى لم يولد بعد وتفكر فى إمكانية إجهاضه لحمايته من المعاناة التى عاشتها، تعود أوب إلى مكان الجريمة، حيث قتلت أختها، وتقوم بجولة عبر الجزائر من وهران إلى حد الشكالة تتناول تاريخ الجزائر منذ الاستقلال وحرب التسعينيات الأهلية التى كانت قد طمست، بما فى ذلك التهديدات والمآسى التى تعرضت لها النساء فى ظل التطرف الدينى.
وقد تم منع الرواية من التناول فى المكتبات الجزائرية، وبعد أسابيع من صدور قرار منع مشاركتها فى صالون الجزائر للكتاب.
وكانت السلطات الجزائرية قد منعت دار النشر الفرنسية «غاليمار» من المشاركة فى الدورة السابعة والعشرين للصالون الدولى للكتاب بالجزائر المقرر انعقاده بين 6 و16 نوفمبر 2024 بسبب رواية كمال داود، وفى تصريح خلال مهرجان كوريسبوندانس الأدبى فى مانوسك الفرنسية فى نهاية سبتمبر ، أعرب صاحب الرواية عن أسفه لحظر مؤلفه فى بلاده قائلا إنّ «كتابى يُقرأ فى الجزائر لأنه مُقرصن. لكن لم يُنشر فيها للأسف، ويتعرض للنقد وتبرز تعليقات بشأنه».
ويحظر القانون الجزائرى التطرّق فى الكتب إلى الأحداث الدموية التى شهدتها تلك العشرية السوداء من تاريخ الجزائر، ما يمنع من نشر أو تصدير «الحوريات» فى الجزائر.
فى تصورى تحليق المبدع العربى خارج السرب هو ما يخلق هذا الجدل حوله، ولتوضيح ما أرمى اليه علينا ان نتذكر كواليس فوز الكاتب المصرى الكبير «نجيب محفوظ» بجائزة نوبل عام 1988 عن روايته «أولاد حارتنا» والثلاثية: بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية»، حينها أعلن الأديب يوسف إدريس صراحة انه كان الأحق بالجائزة وأنه كان بالفعل مرشحا لها.
وانقسمت الحياة الثقافية فى مصر بل والعالم العربى إلى فريقين أحدهما يرى أن نجيب محفوظ هو الأحق بحكم تاريخه ورصيده الإبداعى الكبير، بينما يرى فريق آخر أن الكاتب يوسف إدريس هو الأحق لما له من تنوع فى إبداعه الثقافى والأدبى.
وفى أحد حوارات الكاتب الكبير يحيى حقي، سأله الصحفى الأستاذ عبد المنعم عوض عن رأيه فيما كتب عنه من أنه من الشامتين فى الأديب يوسف إدريس فقال: أنا لست شامتا ابدًا فى يوسف إدريس.. أنا قلت لإحدى الصحف التى أجرت معى حوارا حول ما قاله يوسف ادريس بخصوص فوز نجيب محفوظ بجائزه نوبل، إن (هذه نكبة لا علاج لها إلا بالصمت وإسدال الستار)، لكنهم حذفوا كلمات «إلا بالصمت وإسدال الستار» فاصبحت كلمة نكبة فقط هى البارزة.. وهذا شيء محزن جدًا، فيجب ان ترجع للكاتب اذا ما أردت ان تحذف من أقواله شيئا.. فاذا لم تفعل هذا فليس لك حق ان تحذف حرفا واحدا.. هذا اعتداء مهين على الحريه الشخصية.
وفى أكتوبر 1995 طُعن نجيب محفوظ فى عنقه على يد شابين قررا اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل «أولاد حارتنا»، ونظرا لطبيعة نجيب محفوظ علق قائلا على هؤلاء الشباب «أنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنهما لم يُعدما»، ولكن فيما بعد أُعدم الشابان المشتركان فى محاولة الاغتيال.
لم يمت نجيب محفوظ كنتيجة للمحاولة، وخلال إقامته الطويلة فى المستشفى زاره محمد الغزالى الذى كان ممن طالبوا بمنع نشر أولاد حارتنا وعبد المنعم أبو الفتوح القيادى السابق فى حركة الإخوان وهى زيارة تسببت فى هجوم شديد من جانب بعض المتشددين على أبو الفتوح.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كمال داود نجیب محفوظ یوسف إدریس
إقرأ أيضاً:
الداخلية الفرنسية: الإخوان الإرهابيون يقتحمون الدولة من بوابة التعليم
حذّرت وزارة الداخلية الفرنسية من استمرارية خطط تنظيم الإخوان الإرهابي في اقتحام الميدان التعليمي بهدف خلق جيل جديد من "سفراء" الإسلام السياسي، والذين من المُحتمل أن يتولّوا مناصب إدارية وسياسية مُهمّة في العديد من المؤسسات والوزارات الفرنسية.
وأكد محامي وزارة الداخلية أمام قُضاة المحكمة الإدارية في مدينة ليون هذا الأسبوع، أنّ "الثانويات الإخوانية ستُنتج كوادر الغد، لكنّها إلى جانب التدريس التربوي تحشو رؤوس الناس بمبادئ من عصر آخر"، وهو ما يعني اقتحام الإخوان للعديد من مؤسسات الدولة عبر هؤلاء الطلبة بعد تخرّجهم من الجامعة.
Le dernier lycée musulman sous contrat #AlKindi dénonce une «décision politique» pour contester sa fermeture en justice.
C'est vraiment pas de chance, des ouvrages prônant le djihad violent avaient été retrouvés dans la bibliothèque de ce lycée.https://t.co/bQ13EcUc3W
وفي إطار تشديد قبضتها على إخفاقات المدارس الإسلاموية الخاصة في الالتزام بعلمانية الدولة الفرنسية وقوانينها، وخشية التغاضي عن محاولات التطرّف، أنهت الحكومة الفرنسية عقدها مع مجموعة مدارس الكندي الإسلامية قرب ليون على أن يبدأ تنفيذ القرار مع بداية العام الدراسي 2025-2026.
إلا أنّ إدارة مجموعة الكندي التابعة للإخوان في فرنسا، رفعت قضية في المحاكم ضدّ وزارة الداخلية للاحتجاج على القرار، زاعمة اتخاذ إجراءات تصحيحية ردّاً على انتقادات من محافظة إقليم الرون، التي ترغب في إنهاء عقد ثانوية الكندي مع الدولة الفرنسية. وهو ما يعني إنهاء الاعتماد الرسمي للمدرسة، الأمر الذي يُعتبر ذات أهمية كبيرة، فبالإضافة لفُقدان الاعتراف من قبل وزارة التعليم، تسمح اتفاقية الشراكة مع نظام التعليم الوطني للمؤسسة بتلقي 1.75 مليون يورو من الأموال العامة لدفع رواتب معلميها.
Cette enquête très éclairante invite à développer des cadres de concertation et des mesures d'accompagnement plus efficientes entre l'Etat et l'enseignement privé. Un cadre assurant la vigilance est préférable à toute "présomption de culpabilité"...https://t.co/UtVo4RiABo
— frère Jean-François Bour (@frJFBour) March 9, 2025 الفكر الإخواني لا يتغيّرمن جهته، أشار محامي وزارة الداخلية الفرنسية، أمام المحكمة الإدارية، إلى أنّ "هذه الإخفاقات ليست معزولة بل هي جزء من منظومة مؤسسة تعليمية مُخترقة من قبل جماعة الإخوان"، مُذكّراً بقرب عدد من مؤسسي مدارس الكندي من هذه الحركة التي تتبنّى الإسلام السياسي والفكر المُتشدد.
وأكد المحامي أنّ هذه المؤسسة غير قادرة على العمل بشكل صحيح وسوف تستمر في ارتكاب الأخطاء، وتابع يقول "مُجرّد أننا سنقوم بإزالة بعض الكتب لا يعني أنّ الأمر سيكون على ما يرام. لا يُمكن أن يتغيّر هذا الفكر لأنّه موجود في أعماق جماعة الإخوان".
بالمُقابل أكدت إدارة ثانوية الكندي أمام محكمة ليون "نحن لا نُريد أن ننشئ نُخبة مسلمة في فرنسا"، مُكررة مزاعم البُعد عن تنظيم الإخوان. ومن المتوقع صدور القرار خلال أسبوع، لكنّه بالتأكيد لن يكون موعد المحكمة الأخير نظراً لتصميم الأطراف على مواصلة النزاع حتى النهاية، والفوز بالقضية.
Le dernier lycée musulman sous contrat dénonce une «décision politique» pour contester sa fermeture en justicehttps://t.co/RkAcPkFafX
par @Le_Figaro
وكان قد تمّ التنديد بإدارة المدرسة من قبل محافظة إقليم الرون في الخريف الماضي بعد تقرير تفتيش أكاديمي سلّط الضوء، على الفشل في احترام القيم الجمهورية. كما تمّ العثور على كتب تدعو إلى الجهاد العنيف وتُروّج لفكر الإخوان.
كما لم تُقدّم الثانوية بياناتها المالية إلى السلطات الضريبية، وقامت بخلط الدعم المالي الحكومي بين 80% من الفصول المُتعاقدة والفصول الأخرى، وهو أمر ممنوع من الناحية القانونية.
واستنكر المدافعون عن الكندي ما أسموه "المُحاكمة السياسية" وأشاروا إلى أنّ الفكرة تتمثّل فقط في مُهاجمة تنظيم الإخوان من خلال قرار الإيقاف هذا.
وتُواجه المدارس الإسلاموية الخاصة التي تعمل بموجب عقود مع الدولة مشاكل كثيرة في فرنسا. فبعد فسخ العقد مع ثانوية أبن رشد في مدينة ليل مع بدء العام الدراسي 2024-2025 ، قررت الحكومة إنهاء العقد الذي يربطها بمجموعة مدارس الكندي في ضواحي ليون، مع بدء العام الدراسي القادم.
وفي نظر الدولة الفرنسية، التي تخشى عواقب عدم الاكتراث بتصاعد التطرّف، فإنّ التعليم الإسلامي الخاص الذي يتم بموجب عقد معها، ينمو منذ 20 عاماً، لكنّه بات يُكافح اليوم من أجل الحفاظ على نفسه. وبعد القرارين الأخيرين اللذين يتم الطعن عليهما أمام المحاكم، لا تزال تعمل 7 مدارس إسلامية لديها فصول دراسية بموجب عقود مع الدولة، بما في ذلك مدرسة ثانوية واحدة، وجميعها تحت المُراقبة الأمنية والأكاديمية.