حكايات نازحي شمال غزة بين الكراجات المهجورة ومحطات الوقود
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
غزة- تحت وطأة الليل، وداخل محطة وقود مهجورة، يجتمع نادر أبو حميدان وأسرته متراصين، بلا فراش وأغطية كافية تحميهم من قسوة البرد، بعد أن نزحت الأسرة، من شمال القطاع إلى مدينة غزة، هربا من مجازر الاحتلال التي يرتكبها ضد السكان منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
عائلة أبو حميدان ليست الوحيدة من تعيش هذا المصير، فكثير من العائلات المشردة بحثت عن مأوى في زوايا مدينة غزة المنكوبة بعدما ضاقت بهم مراكز الإيواء، فلجؤوا إلى كراجات مهجورة ومبان متهالكة، كانت يوما ما جزءا من حياة نابضة، وها هي الآن شاهدة على حياتهم الجديدة.
وتعاني هذه العائلات المنسية في قلب وأطراف مدينة غزة بصمت، تفتقد الطعام والماء، والأفرشة والأغطية والأدوية. يقول عدد من أفرادها للجزيرة نت إن المساعدات الإنسانية على قلّتها، لا تصل إليهم، وتُوجّه إلى مراكز الإيواء التي ضاقت بنزلائها واعتذرت عن استقبالهم لعدم وجود متسع.
معاناة بكل شيءيذكر نادر أبو حميدان (31 عاما) أنه نزح مع عائلته المكونة من 4 أفراد من شمال القطاع، بعد أن عايشوا حصارا دام 12 يوما، رأوا فيه وجها قاسيا للحياة، حيث كانت القذائف تسقط عليهم بلا هوادة، ولا تُفرق بين حجر وبشر.
وفَقَد نادر 32 شهيدا من عائلته، بينهم أمه وأخوه، ولا ينسى الشاب الفلسطيني كيف كان يستجدي الصليب الأحمر ومنظمات الإغاثة مرارا، للتدخل لإنقاذهم وانتشال الشهداء والجرحى، دون جدوى.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، عملية التهجير القسري للفلسطينيين من محافظة شمال قطاع غزة التي تتعرض لإبادة جماعية وتطهير عرقي منذ أكثر من شهر، ويلقي الجيش عبر طائراته منشورات ورقية على مناطق وأحياء سكنية في شمال القطاع تنذر سكانها بالإخلاء الفوري، بالتزامن مع قصف وإطلاق للنيران يستهدف هذه المناطق بشكل عشوائي.
ويضيف أبو حميدان للجزيرة نت "نحن هنا 12 أسرة تضم 85 شخصا، كنّا في مركز إيواء ولم نستطع العيش هناك لسوء الأوضاع فيه، ثم أتينا هنا، المكان غير آمن ولا يحمينا من الحر أو البرد، هذه محطة وقود، غير مؤهلة للسكان لكننا مضطرون للعيش هنا".
وبحسب أبو حميدان، فإن الصعوبات التي تواجههم تشمل "كل شيء" حسب قوله، ويتابع "في الليل ننام على الأرض، لا أغطية من البرد، ولا يوجد أي وسائل تدفئة"، ويُذكر أن إسرائيل قطعت التيار الكهربائي عن قطاع غزة مع بدء شن حربها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما تمنع إدخال الوقود.
تزداد معاناة النازحة ولاء نعيم (29 عاما) والأم لـ5 أطفال نظرا لكونها مرضعة لطفل يبلغ من العمر شهرين، وتقول للجزيرة نت إنها لا تجد حليبا صناعيا لتغذية طفلها ولا حفاضات، وهو ما يزيد من معاناتها.
وعقب نزوحها من الشمال، أقامت نعيم في خيمة بمركز إيواء، قبل أن تقرر مغادرته إلى كراج مهجور، ورغم صعوبة الحياة فيه فإنه يبقى أفضل من الخيمة حسبما تقول.
وكغيرها من النازحين، تفتقد نعيم بشكل أساسي للفراش والأغطية إلى جانب الطعام والشراب، خاصة مع زيادة برودة الجو، ورغم أنها حصلت على بعض ما يغطيهم من بعض الجيران الموجودين في المنطقة، لكنه غير كاف لتدفئة جميع أفراد العائلة.
وتضيف "الطقس بارد جدا في الليل، والهواء يدخل إلينا لأن الكراج غير مغلق بشكل جيد، ونعاني جدا لعدم وجود أغطية وفراش كاف"، وتشير نعيم إلى أولادها الخمسة وتقول "كلهم مصابون بالزكام، بمن فيهم الرضيع، وأبحث عن دواء له".
ونظرا لافتقاد الكراج للمرحاض، تضطر العائلة للتوجه إلى مدرسة قريبا لاستخدام حماماتها، وتعدد نعيم احتياجاتها قائلة "نريد أولا مكانا دافئا غير هذا، وطعاما وشرابا، وأغطية وفراشا وأدوية، نريد كل شيء".
وفي كراج آخر، قريب من مكان سكن نعيم، تُقيم 5 عائلات، تضم نحو 40 شخصا، في وضع بالغ الصعوبة، وتقول ريم البسيوني، المقيمة في الكراج إنها نزحت قبل 12 يوما من شمال القطاع مشيا على الأقدام إلى مدينة غزة، هربا من مذابح الاحتلال.
وتستذكر في حديثها للجزيرة نت "كنا في عيادة الفاخورة في مخيم جباليا، وأطلقوا علينا القذائف، هربنا بعد أن أصبت أنا بشظايا قنبلة"، وتضيف أن عائلتها نزحت دون أن تتمكن من حمل أغراضها.
وخشية من الاستهداف والقتل المتعمد، اضطر آلاف الفلسطينيين إلى حمل أمتعتهم القليلة والنزوح إلى خارج محافظة الشمال، عبر طريق حدده جيش الاحتلال يمر بأحد حواجزه.
ويفتقد الكراج الذي تقيم فيه البسيوني للمرحاض، وللشبابيك التي تحمي من برد الليل، وينام النازحون داخله على الأرض، دون فراش أو أغطية كافية، وتضيف "من استطاع تدبير فرشة، فهو محظوظ، ومن لم يستطع يرتدي كامل ملابسه كي يخفف من تأثير البرد بسبب النوم على الأرض".
وتقول البسيوني "لا أحد يساعدنا، ولا أحد يأتي يسألنا ماذا تريدون؟"، وتشير إلى أن منظمات إغاثية أقامت مركز إيواء كبير للنازحين من الشمال داخل ملعب كرة قدم وسط غزة، لكنه امتلأ بالسكان ولم يعد فيه متسع، مشيرا إلى أن المساعدات تتوجه نحوه، وتستثنيهم.
قبل الحرب كان زوج ابتسام المطوّق المقيم في بلدة جباليا، يعمل في محل لتنظيف وكي الملابس في مدينة غزة، وحينما اشتد العدوان على شمال القطاع، نزحت الأسرة وأقامت داخل المحل، لكنها فوجئت بوجود 3 عائلات أخرى تسكن داخله.
وللمطوّق (40 عاما)، المريضة بالقلب وارتفاع ضغط الدم، 7 أبناء أكبرهم يبلغ من العمر 18 عاما، واستشهد شقيقها، وأُصيب زوجها، خلال العدوان الأخير على شمال القطاع.
وذكرت للجزيرة نت أن منزلها في جباليا تعرض للقصف والحريق، وأنها نزحت دون القدرة على أخذ أي شيء من أغراضها، وتعاني السيدة الفلسطينية كثيرا في تدبير الطعام لأسرتها، خاصة مع ارتفاع سعر الحطب المستخدم للطهي، مما يضطرها للبحث عن "تكيات" توزع طعاما يوميا، يتكون غالبا من "شوربة العدس".
وتعرض الكراج الذي تُقيم فيه المطوّق للإحراق من قبل قوات الاحتلال بداية الحرب، ويقيم فيه حاليا 26 شخصا، وتضيف "هذه مش عيشة، بناتي يسحبن الماء من معهد الأمل (مؤسسة قريبة) أنا لا أستطيع لأني مريضة قلب، ولا تأتينا أي مساعدات".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات من شمال القطاع للجزیرة نت مدینة غزة
إقرأ أيضاً:
حكايات الأسرى
حكايات الأسرى
من غياهب السجون والمعتقلات إلى فضاءات الحرية والتعافي ..!!
يرويها - صديق السيد البشير*
Siddigelbashir3@gmail.com
(1)
في فناء مفتوح، وعلى الهواء الطلق، وداخل خيام مصنوعة من القماش لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ، وعلى بعد خطوات من قسم الباطنية (رجال) بمشفى كوستي التعليمي بولاية النيل الأبيض السودانية يرقد أكثر من عشرين مريضا من فئة الأسرى، الذين حررهم الجيش السوداني من سجون ومعتقلات قوات الدعم السريع، عقب تحرير منطقة القطينة شمالي الولاية وجنوبي العاصمة السودانية الخرطوم.
حين وصل الأسرى إلى ولاية النيل الأبيض، الذين تجاوزت أعدادهم المئات، ثم إنخفض العدد قليلا، ليتم توزيعهم على مراكز علاج وإيواء بمناطق الولاية المختلفة، لكنهم في حالات تحتاج للكثير من العلاج البدني والنفسي إلى جانب الغذاء والدواء ومواد الإيواء.
(2)
الأسرى الذين ذاقوا آلام الحبس، طيلة شهور الحرب، يفتقدون للكثير من المعينات، خاصة أولئك الذين يتلقون العلاج بمشفى كوستي، وهم في حاجة ماسة للأسرة والأدوية والأغذية، رغم المساعدات التي تقدمها منظمة أطباء بلا حدود، ومنظمات أخرى، ساهمت منظمة كوستي للثقافة والتنمية التي قدمت حقائب لحفظ المقتنيات الشخصية، إلى جانب تجهيزها للأسرة والأدوية التي تسلم لهم في الأيام القادمة.
(3)
الأحد السادس من أبريل 2025
كانت فريق من منظمة كوستي للثقافة والتنمية في زيارة لمراكز إيواء الأسرى المحررين بمعسكر (سيد الشهداء) بمدينة ربك، التابع لقيادة الفرقة الثامنة عشرة مشاه بكوستي، زيارة تحمل رسائل التضامن والمحبة والإخاء والإنسانية، إلى جانب تقديم حزمة من المواد الغذائية للأسرى، فضلا عن ترتيبات تجريها المنظمة، وتتعلق بتقديم جرعات للدعم النفسي لهم، بعد الصدمات النفسية التي تعرض لها الأسرى في السجون والمعتقلات.
حين وصل الأسرى إلى مركز (سيد الشهداء)، كان تعدادهم بالمئات، لكن عددهم الآن أكثر من 130
أسيرا، وهم في وضع صحي حرج، وآخرين يزدادون تحسنا يوما بعد يوم، وغيرهم تم التعرف عليهم، ليتم تسليمهم إلى أسرهم.
(4)
تسعة وعشرون أسيرا، وفرت لهم لجنة استقبال الأسرى بولاية النيل الأبيض مركزا بمستشفى الشرطة الكائن بمدينة ربك عاصمة الولاية، لتلقي العلاج والغذاء اللازمين، وهم في معنويات عالية، وذلك بفضل مجهودات تبذلها المقدم شرطة طبيب سناء مصطفى أحمد مدير إدارة الخدمات الصحية بشرطة النيل الأبيض وفريق عمل المستشفى وتفانيهم في خدمة هؤلاء بمحبة وإنسانية وأمل.
حيث قدمت منظمة كوستي للثقافة والتنمية مجموعة من الحقائب الشخصية لهم، إلى جانب أزياء قدمتها شرطة محلية كوستي بولاية النيل الأبيض السودانية عبر مديرها العميد شرطة علي محجوب، وهو عضو لجنة استقبال الأسرى بالولاية.
(5)
عبر قالب ما قل ودل، كان العميد شرطة علي محجوب عضو لجنة استقبال الأسرى بولاية النيل الأبيض، يثمن في كلمات، المجهوات التي تبذلها منظمة كوستي للثقافة والتنمية، و أجسام تطوعية أخرى في سبيل تقديمها لمساعدات غذائية وطبية للأسرى، داعيا الجميع لبذل المزيد من الجهد، ما يمكن الأسرى من التعافي والإندماج في المجتمع.
(6)
بطاقات شكر وعرفان، يقدمها عضو لجنة الأسرى بولاية النيل الأبيض، مدير الإدارة العامة للمرور بالولاية، العميد شرطة دكتور خواض الشامي، بطاقات مهداة لأجهزة الإعلام والمنظمات العاملة في الحقل الإنساني، ذلك لدعمهم الكبير للأسرى، في ظل دعواته للجميع بتقديم المزيد من المعينات في قادم الأيام، وصولاً إلى وطن ينعم بالأمن والسلام والإستقرار في قادم السنوات.
(7)
يأتي ذلك في ظل تأكيدات قاطعة، أعلنها نائب رئيس منظمة كوستي للثقافة والتنمية خالد كمبال ، بسعيهم الدؤوب لتقديم مساعدات إضافية للأسرى، بما يمكن من إحداث تغيير في أوضاع الأسرى بمراكز الولاية المختلفة، مثمنا دور داعمي المنظمة في الداخل والخارج، ما أسهم في تسليم مساعدات مختلفة للأسرى
(8)
المعينات التي سلمتها منظمة كوستي للثقافة والتنمية للأسرى، ضمن دعم مقدم من منظمة كوستي فاونديش، إلى جانب جهات أخرى داعمة، مثل دكتور معتصم إسماعيل والنجومي الطيب البشير، أبناء مدينة كوستي بالداخل والخارج.
مع جهود مبذولة لمساعدة الأسرى، علاجا وغذاء ومأوى، هي أمنيات ودعوات ببلوغ الأهداف وتحقيق الغايات، وصولاً إلى سودان ينعم بالأمن والتنمية والتطور والإستقرار.
*صحافي سوداني