شخصيا كنت أتمنى أن أراه جنجويديا جيدا مثل البيشي؛ ولكن بالنسبة للجيش كيكل الحي أفضل من كيكل الجيد لأسباب إستراتيجية.
صحيح الطريقة التي استلسلم أو/و انضم بها للجيش كانت مرتبكة ونتجت عنها حملات إنتقامية من الجنجويد ضد مواطني شرق الحزيرة وما زالت مستمرة. وهو أمر مأساوي، ولكن في النهاية يتحمله بشكل أساسي الجنجويد الذين استهدفوا المواطنين في كل مكان دخلوه، وذلك مع الأقرار بأن استسلام كيكل أو قل انضمامه للجيش ربما كان يُمكن أن يتم بصورة أفضل.
بالرجوع إلى كيكل، مقتله قبل الاستسلام كان سيكون مكسبا مثل مقتل البيشي، ولكن بما أنه لم يُقتل وسلم للجيش فإن قبوله كمقاتل بقواته هو إضافة حقيقية. أن تكره كيكل كشخص خان وتمرد هذا شيء، الإضافة التي يحققها باضمامه وقتاله مع الجيش هذا شيء آخر.
من يعترضون على التسامح مع كيكل (أعني بالتسامح هنا قبوله هو وقواته كمقاتل بما يعني في النهاية غسل خيانته وإعادة إنتاجه من جديد في إطار حرب الكرامة كأحد أبطالها) قد يرون في ذلك تساهلا مع التمرد والخيانة، وأن ذلك يضر بهيبة الدولة وأنه يكافئ الخونة ويتيح لهم الإفلات من العقاب. وهذا الكلام صحيح.
ولكن من ناحية أخرى هناك رؤية هي تقريبا رؤية الجيش تتعامل مع الأمر من زاوية أخرى. فهدف الجيش في الوقت الراهن هو هزيمة مليشيا الدعم السريع. إستيعاب كيكل يحقق عدة أهداف، منها:
1- كيكل قائد استطاع قيادة قواته لتتمرد وتحارب الدولة وهو بالتالي قادر على قيادة قوات للحرب مع الدولة وبدعم منها. هذه دفعة عسكرية للمجهود العسكري في قتال الجنجويد.
2- كذلك الاعتبارات الجهوية والمناطقية والقبلية وما تمثله منطقة نفوذ كيكل من أهمية عسكرية من الناحية الجغرافية والاجتماعية.
3- تشجيع المزيد من الانشقاقات والانضمام إلى الجيش من قادة المليشيا بما يؤدي إلى تفكك الدعم السريع أكثر مما هو متفكك الآن. لو تعامل الجيش بقسوة مع كيكل فذلك لن يشجع القادة الآخرين لكي يحذوا حذوه.
بالنسبة لهدف تفكيك المليشيا فيجب أن يُقرأ في إطار أوسع من الحرب بين الجيش والجنجويد كجنجويد؛ أنت هنا تفكك أداة يستخدمها أعداءك ضدك. أعداء لهم أموال طائلة ونفوذ سياسي ودبلوماسي. أداة قتالها مكلف ماليا وبشريا وتهدد كيان الدولة.
تفكيك الدعم السريع كمليشيا يقلل تكاليف الحرب ويقلل زمنها ويسرع بنهايتها ويحرم العدو من سلاحه الأساسي ضد السودان. وفي المقابل الثمن الذي ندفعه هو القبول بالخونة السابقين في حضن الوطن مرة أخرى بكل ما يعنيه ذلك وأيضا بكل ما يترتب عليه من تداعيات مستقبلية؛ تعدد جيوش ومليشيات داخل جلباب الجيش إلى آخره. ولكن هذه مشكلة يمكن التغلب عليها لاحقا. مليشيات تحت أمرة الجيش تقاتل في معركة الكرامة أفضل من مليشيات تحت أمرة قوة خارجية تقاتل الشعب السوداني بسلاح العدو وتهدد الشعب وكيان الدولة نفسه. نحن هنا نتكلم عن أخف الضررين.
ولا يجب أن ننسى أيضا أن من يستلسم ويأتي ليقاتل في صف الجيش هو قد رضخ بشكل مسبق لشرط الدولة وشرط الجيش. هنا لا يوجد تفاوض واقتسام سلطة ومناصب واتفاق محروس ببندقية وضمانات دولية وحلفاء ووو. نحن نتكلم عن أشخاص قرروا العودة إلى صف الوطن ووضع بنادقهم وأنفسهم في خدمة الوطن مقابل عفو القائد العام. شخص كان يحمل البندقية ضدك ويقتل جنودك أصبح الآن يقاتل معك ويوجه بندقيته ضد العدو، هو مكسب عسكري بكل تأكيد، هذا فضلا عن المكسب السياسي. لكل شيء ثمن بالتأكيد والحكمة أن تدفع الثمن الأقل.
هذه تقديرات سياسية وعسكرية، قد تكون خاطئة ولكنها مبنية على تفكير وحجج ويجب على من يرفضها تفنيدها بشكل موضوعي وتقديم حجج مضادة وذلك ضمن الهدف العام وهو كسب الحرب ثم بناء دولة قوية مستقرة.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
واشنطن تطرح صفقة طويلة الأمد مع إيران.. لا حرب ولكن!
بغداد اليوم - بغداد
كشف مصدر مطلع، اليوم الثلاثاء (28 كانون الثاني 2025)، عن رسالة شفوية مقتضبة من البيت الأبيض إلى طهران تتضمن رؤية الرئيس الأمريكي الجديد لطبيعة العلاقة مع إيران.
وقال المصدر، لـ"بغداد اليوم"، إن "رسالة شفوية وصلت مساء الأحد من البيت الأبيض إلى بغداد، ومنها إلى وسطاء عراقيين لنقلها إلى طهران، تضمنت نقاطًا محددة تمثل خلاصة موقف واشنطن تجاه إيران".
وأضاف المصدر أن "الرسالة أكدت أن الرئيس الأمريكي لا يسعى إلى الحرب مع طهران، بل يهدف إلى التوصل إلى صفقة طويلة الأمد تنهي حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، مع التشديد على حماية المصالح الأمريكية في المنطقة".
وأشار إلى أن "رؤية الرئيس الأمريكي تتركز على منع إيران من الوصول إلى القدرة على إنتاج أسلحة نووية، في إطار صفقة شاملة تضمن تفوق حليفته في المنطقة، في إشارة إلى إسرائيل".
ولفت إلى أن "إيران تضررت بشدة في العديد من المحاور الإقليمية، مما يتيح فرصة جديدة لواشنطن لتحقيق تفاهمات طويلة الأمد معها، رغم أن الرسائل الأمريكية لا تزال غير علنية وتعتمد على وسطاء متعددي الأطراف".
وفي 22 كانون الأول الجاري، كشف مصدر مقرب من حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب سلم طهران رسالة عبر سلطنة عمان في الأيام القليلة الماضية بهدف التفاوض على ملفات عديدة من بينها الملف النووي.
وقال المصدر مشترطاً عدم الإفصاح عن هويته لأنه غير مخول بالتصريح الرسمي لـ"بغداد اليوم"، إنه "في الأيام القليلة الماضية تسلمت إيران رسالة من الإدارة الأمريكية المنتخبة عبر سلطنة عمان وهي من القنوات المهمة في تبادل الرسائل بين طهران وواشنطن".
وأضاف، إن "رسالة ترامب التي كتبها إلى المسؤولين الإيرانيين يؤكد فيها استعداد للتفاوض مع طهران وإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي غير الاتفاق الذي جرى التوصل إليه عام 2015 وانسحب منه ترامب شخصياً عام 2018".
وأوضح المصدر الإيراني إن "ترامب لن ينتظر أكثر من بضعة أشهر لتسلمه الرد من المسؤولين الإيرانيين بشأن استعدادهم للتفاوض على جملة من الملفات من أبرزها الملف النووي".
ووفق المصدر إن الرسالة الأمريكية توحي بأن "ترامب جاد للغاية لحوار مباشر ورفيع المستوى مع إيران في بداية عمله، وإذا قبلت إيران فإن هناك احتمالاً للتوصل إلى اتفاق، رغم أنه لن يكون هناك ما يضمن أنه حتى في حال التوصل إلى اتفاق فإن أمريكا ستلتزم به".
ويرى المصدر إن حكومة بزشكيان تعتقد بأن مواصلة التصعيد النووي من قبل طهران لن يؤدي إلى نتيجة وربما سيتم إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي وعلى شكل فصول سبعة من مواثيق الأمم المتحدة باعتبارها تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وستقع البلاد في فخ العقوبات الدولية واسعة النطاق، كما ستنضم روسيا والصين إلى الغرب في هذا الأمر، وللأسف ما كان يجب أن يحدث وخلال أقل من ثماني سنوات، انخفضت قيمة العملة الوطنية للبلاد بحوالي 300%".
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي خلال الاثنين الماضي خلال مؤتمر صحفي على ما ذكرته "بغداد اليوم"، بالقول إنه "لا يعلم بتسلم طهران رسالة من ترامب".
وفي الأسبوع الماضي، سافر الوفد التجاري العماني برئاسة نائب وزير التجارة العماني إلى طهران والتقى وناقش مع وزير الصناعة والتعدين والتجارة.
من جانبه، قال سفير إيران لدى عُمان موسى فرهنك، أول أمس الأحد، "على أعتاب العام الجديد، ومع زيارة وزير خارجية سلطنة عمان إلى طهران، سنشهد مرحلة جديدة من العلاقات بين طهران ومسقط وجولة جديدة من التعاون الإقليمي بين إيران وجيرانها".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن لدى إيران خلافات مع الولايات المتحدة "جوهرية وأساسية للغاية" و"قد لا يتم حلها، لكن يجب علينا إدارتها بحيث يتم تقليل التكاليف والتوترات".
وأكد على هامش لقاء الوفد الحكومي أن قناة سلطنة عمان نشطة، وقال إن هناك دائما قنوات اتصال بين إيران وأمريكا، مبيناً "إن إمكانية تبادل الرسائل بين البلدين عبر السفارة السويسرية وطرق أخرى لا تزال قائمة".