سرد القرآن على جلسة واحدة.. أطفال ومسنّون يخوضون "التجربة الفريدة"
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
غزة-فضل مطر - صفا
باجتهادٍ كبير؛ تسرد المسنة شفا عوض الله (68 عامًا) القرآن الكريم على جلسة واحدة بمسجد فلسطين وسط مدينة غزة ضمن مشروع "صفوة الحفاظ 2"، فيما واصلت التسميع إلى الجزء الـ 12 على التوالي.
وتقول عوض الله لمراسل "صفا" إنها حفظت كتاب الله منذ 5 أعوام باجتهاد شخصي، وبعد أن وصلت إلى نصفه شجعها أبناؤها وأحفادها لمواصلة حفظ القرآن كاملاً.
وانطلق منذ فجر اليوم الثلاثاء، فعاليات مشروع "صفوة الحفاظ 2" بمشاركة 1471 حافظًا وحافظة للقرآن الكريم في قطاع غزة.
ويسرد المشاركون في المشروع تسميع القرآن على جلسة واحدة، في تظاهرة قرآنية فريدة، تنظمها دار القرآن الكريم والسنة بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالقطاع، وهو المشروع القرآني الأضخم على مستوى فلسطين ودول عربية وإسلامية.
وتضيف عوض الله: "فرحتي اليوم لا توصف، وأنا أسرد كتاب الله غيبًا في عمري هذا؛ أريد أن أكون قدوة لأحفادي كي يحفظوا القرآن، وأن العمر مهما تقدم لن يقف عائقًا عند طموح الحفظ".
وتطمح الحافظة للالتحاق بدورة السند المتصل للرسول الأعظم، موجهةً رسالة إلى كل أب وأم لدفع أبنائهم لحفظ القرآن الكريم، لأنه أساس التوفيق في الحياة، وهو سعادة لا يشعر بها إلا من أتم حفظ كتاب الله".
صغار الحفّاظ
وفي مسجد الشافعي جنوب غزة؛ يسرد أصغر طفل في مشروع "صفوة الحفاظ 2" أحمد عمر القرآن كاملاً على جلسة واحدة، إذ أنه أتم تسميع 13 جزءًا بعد ساعات من انطلاق المشروع.
وكان أحمد حفظ كتاب الله وهو بعمر 5 أعوام، حيث أتم الحفظ خلال 7 أشهر، وينحدر من عائلة متدينة إذ أن والدته وشقيقاته حافظين لكتاب الله.
ويقول عمر لمراسل "صفا": "أسرد اليوم لأول مرة القرآن الكريم كاملاً على جلسة واحدة، لتثبيت هذا الحفظ في قلبي، ويكون سر النجاح في حياتي.
ويشير محفّظه أبو محمد إلى أن أحمد كان أتم الحفظ في مدرسة التابعين، وكان ذلك أول سردٍ له في مشروع صفوة الحفاظ 2، مشيرًا إلى أنه حصل على درجة امتياز مع مرتبة الشرف حين خاض اختبار بحفظ كتاب الله.
أما الحافظة لكتاب الله ميرا كحيل (13عام) أصغر حافظة في مشروع "صفوة الحفاظ 2"، وتشير إلى أن مشاركتها بالمشروع هو أول لها بسردة للقرآن الكريم كاملاً على جلسة واحدة.
وتوضح كحيل في حديثها لمراسل "صفا" أنها حفظت كتاب الله منذ تعلمها القراءة والكتابة، مؤكدةً أنها أخذت على عاتقها حفظ القرآن لتكون قدوة لأشقائها الأصغر منها سنًّا، وتشجيعًا لهم لحفظه.
وتطمح إلى الالتحاق بدورة أحكام عليا لتتقن تجويد القرآن الكريم بحرفية عالية، لافتةً إلى أنها تحفظ أكثر من 200 حديث شريف عن الرسول الكريم.
مشروع وطني
ويصف وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عبد الهادي الأغا مشروع "صفوة الحفاظ 2" بالمشروع الوطني القرآني المتميز، حيث يعقد بالتعاون مع دار القرآن الكريم والسنة ومؤسسات قرآنية أخرى شريكة.
ويوضح الأغا - رئيس المشروع -إلى أن الهدف من المشروع الوصول إلى صفوة الحفاظ، وهذا يدخل ضمن رؤية ومنهجية الوزارة للوصول من الصحوة إلى الصفوة، وهي خطة وضعناها وتلتزم بها كل مساجد غزة.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: صفوة الحفاظ القرآن الكريم القرآن الکریم صفوة الحفاظ 2 کتاب الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
الصحابي أبو ذؤيب والغزي أبو مهادي.. فرقهما التاريخ وجمعتهما الفجيعة بالأبناء
استقرت عيْنِية أبي ذؤيب الهذلي منذ أن ودع بها أبناءه الخمسة، ذات فجيعة غائرة إلى ترنيمة للحزن، وصولجان بيد الأسى تتقاذف كرته اللاهبة أيدي الأيام وسنوات الفجيعة على أكباد الآباء والأمهات المفجعين بفظائع فقد الأبناء دفعة واحدة.
كان أبو ذؤيب -وهو صحابي جليل وعربي بدوي يجري في دمه عبق الضاد وأريج الأخلاق البدوية، ويمثل ديوانه أحد أهم مناجم التكوين اللغوي والذائقة الشعرية- قد تربع على عرش الأسى وتوجه الفقد تاجا من دموع ونياشين من جمر الفجيعة، بعد أن خسر أبناءه الخمسة موتا بالطاعون وهو في رحلة جهاد إلى شمال أفريقيا.
غير أن أبا ذؤيب الهذلي تراجع إلى الرتبة الثانية، بعد الفاجعة المؤلمة التي ألمت ببيت الحاج إبراهيم أبو مهادي، الذي فقد أبناءه الستة بغارة إسرائيلية باغتتهم دون إنذار وهم يتجهون نحو مركز لتحضير وجبات ومساعدات غذائية إلى أبناء القطاع، حيث كانوا يعملون متطوعين في منظمة خيرية تؤدي بعض خدمات الإغاثة لشعب يقتات اللهب منذ أكثر من عام ونصف.
في دير البلح، وقف الأب إبراهيم أبو مهادي في مشهد يُنقَش في ذاكرة الألم،
يؤمّ الصفوف في وداعٍ ثقيل،
يصلي الجنازة على أبنائه الستة
ستة نعوش أمامه،
ستة أرواح كانت تملأ بيته ضحكًا، فإذا بها تصطف أمامه صمتًا ووداعًا.
هُنا في المدينة ماتوا كلهم، قتلهم المجرم دفعة واحدة
قتل محمد… pic.twitter.com/fCP2e0aZrX
— Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) April 13, 2025
إعلان أبو ذؤيب الجديد.. حزن وصمودصرخ الصحابي الجليل أبو ذؤيب في الدنيا ذات مساء وهو يجيب قرينته المفترضة:
أمن المنون وريبها تتوجع… والدهر ليس بمعتب من يجزعُ
قالت أمامة ما لجسمك شاحبا… منذ ابتذلت ومثل مالك ينفعُ
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا… إلا أقض عليك ذاك المضجعُ
فأجبتُها أن ما لجسمي أنه… أودى بني من البلاد فودعوا
أما أبو مهادي -الذي فقد كل أبنائه دفعة واحدة وفي لحظة واحدة- فلا يخفي حزنه العميق بعد أن انهدت أركان بيته، وخطف الاحتلال منه أعز ما يملك؛ لكنه يلوذ بركن مكين من الصبر، مرددا مع أبي ذؤيب من جديد كلمته الخالدة في قصيدته الباكية:
وتجلدي للشامتين أريهم… أني لريب الدهر لا أتضعضع
قتَلُوا أعمِدة البيت السِتَّة،
أفرغُوا المَقاعِد مِن أصحَابهَا، وأزهَقُوا الأروَاحَ دُفعةً واحِدة. خَطفُوا أنفاسَهُم، وحَبسُوا ضَجِيجهُم،
وتركُوا الدُّنيَا مِن بعدهم خَاوِيَة إلا مِن وَجع الفقْد وثقْل الغيَاب.
ستَّة مِن الأبناء .. نُحِروا فِي لحظَة واحِدة، بضَربة واحِدة، #غـــزة pic.twitter.com/Y8LAiszz6m
— آية المصري (@ayatalmasr79701) April 13, 2025
غير أن قرع الحزن يحول قلب الأبوين إلى ذات الصورة التي رسمها أبو ذؤيب حين قال:
فَالعَينُ بَعدَهُمُ كَأَنَّ حِداقَها… سُمِلَت بشوك فهي عور تدمع
حتى كأني للحوادث مروة.. بصفا المُشَرَّقِ كل يوم تُقرَعُ
وعلى المنوال نفسه يقف الرجلان عاجزين عن مواجهة موت زؤام نازل من السماء أو نابع من الأرض محيط بالأجسام اللينة والأرواح الشابة من حيث لا يغني مدفع ولا مواجهة:
وَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُ… فَإِذا المَنِيِّةُ أَقبَلَت لا تُدفَعُ
إنها المنية ذاتها ذلك الغول ذو الأنياب اللاهبة، كما رآه أبو ذؤيب، ورآه أبو مهادي؛ أزيز صاروخ يحول تلك الأجسام الفارعة والوجوه الناضرة إلى أشلاء متناثرة، وقصص حزن حبكتها دون نهاية ضربة غادرة من عدو يحرق الأرض ومن وما عليها.
كلا الرجلين عاذ بالصبر، وثوى إلى ركن من التسليم، فطفق أبو ذؤيب يعيد تفسير الحياة، وصراع البقاء والمغالبة، ليستعرض أفواجا متعددة ممن أنزلهم الموت من علالي أبراجهم، وفرق جماعاتهم من وعول راتعة في شَعَف الجبال، أو حمر وحشية تعودت أن ترعى الطبيعة، فيترصد بها سهم قانص لا يتقن غير صناعة الموت، أو فارسين مقنعين تساقيا رحيق القتل الزؤام.
أما أبو مهادي، فيحمل في قلبه لوعة الحزن وفي ضميره شرف المقاومة وعنفوان التصدي وهو يودع الستة من فلذات كبده، بعد أن اختار لهم أحسن الأسماء: أحمد، ومحمود، ومحمد، ومصطفى، وزكي، وعبد الله، إلى جانب صديقهم عبد الله الهباش، ثم رباهم على الصمود وترقب منهم أن يسندوا كاهله بعد أن أخذت الأيام من قوته ورسم الشيب خطوطه على تلك الهامة المكتنزة حزنا وأسى ومقاومة.
إعلانويتساءل أبو مهادي لماذا قتلوا أقماره الستة وهم لا يحملون سلاحا ولا يستقلون سيارة عسكرية، ومالذي يمكن أن يقوم به أصغرهم وهو ابن 12 سنة، وكأنه أيضا يجدد سيرة أبي ذؤيب عندما يبكي ابنه نشيبة:
يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت… نُشَيبَةُ وَالطُرّاقُ يَكذِبُ قيلُها
ولو أنني استودعته الشمس لارتقت… إليه المنايا عَينُها وَرَسولُها
على حين ساواهُ الشَبابُ وقاربت… خُطايَ وَخِلتُ الأَرضَ وَعثاً سُهولُها
حَدَرناهُ بالأَثوابِ في قَعرِ هُوَّة… شديدٍ على ما ضُمَّ في اللَّحْدِ جُولُها
ربما لم يتح أيضا لأبي مهادي أن يشرح كيف بنى ضريح أبنائه، منذ أن غدت غزة بكاملها قصة شعب يعيش فوق الأرض صمودا وجهادا، وتحتها شهادة وإلهاما؛ ولكنه اختار أن يؤم صلاة الجنازة على جثامينهم بنفسه، معتبرا أن ذلك أقل ما يمكن أن يقدمه لهم.
بعد أن وارى أبناءه تحت الثرى في ودع ثقيل قال أبو امهادي "الحمد لله الذي منحني القوة كي أصلي عليهم، وهذه كرامة من الله، أرجو أن يتقبلهم في عليين مع الشهداء والصالحين"، قبل أن ينتفض في قلبه لهب الثورة والمقاومة "ما كتب الله لنا هو ما يكون، ونحن قوم لا نركع إلا لله"، لن نتخلى عن شبر من أرضنا، ومهما ارتكب الاحتلال من جرائم فلن يستطيع اقتلاعنا، ربنا أعطانا الأمانة واستردها، ونسأل الله أن يتقبلهم جميعا في الفردوس الأعلى".
عن أي وجع تتحدثون؟ كيف لقلب أمٍ أن يتحمل خبر استشهاد فلذات كبدها الستة دفعة واحدة؟ لم يتبقَ لها أحد… ستة إخوة ارتقوا في قصف إسرائيلي استهدف سيارتهم في دير البلح#غزة_تُباد
— ????أسماء | Asma'a ???? (@asm42444) April 13, 2025
ليس الأول وقد لا يكون الأخيرليس أبو مهادي "أبا ذؤيب" الغزي الأول، فقبله -ومنذ أن افترت شفتا الغول الإسرائيلي عن أنياب ومخالب الإبادة الجماعية قبل أكثر من 80 عاما- ما زال الموت يقتلع العائلات الفلسطينية في جذورها ويفجع الآباء في أبنائهم وأسرهم في موعد مع الأسى لا يتخلف ولا يستأذن.
فقبل أبو مهادي كانت عائلة سالم الكبيرة الموزعة بين شمال غزة وجنوبها فقدت 237 فردا من العائلة، لتزف إلى الجنان أكبر عدد من الشهداء، مما وصلت بهم الحياة رحمها الولود، ثم جمعتهم رحم الشهادة ولهب العدوان الإسرائيلي.
إعلانووفق الأرقام الرسمية في غزة، فإن مئات العائلات قد غادرت -كليا أو جزئيا- بجميع أفرادها الحياة، تحت قصف الاحتلال، ضمن إبادة واسعة شملت أكثر من 2270 لم يتبق منها سوى فرد واحد، كما أباد أكثر من 3400 أسرة لم يبق منها سوى فردين، كما هو حال عائلة أبو مهادي.
والواقع أن أبو مهدي ليس إلا صورة من آلاف الصور الدامية التي تعيد رسم حزن أبي ذؤيب، وصمود الخنساء تماضر بنت عمرو بن الشريد، فللألم والصمود ضفاف واسعة اتساع اللهب والحقد الإسرائيلي على الحياة في غزة. وأمام كل ذلك الحزن والألم والموت الدافق تنشد غزة بشموخ مع أبي مهدي وأبي ذؤيب:
وتجلدي للشامتين أريهم.. أني لريب الدهر لا أتضضع