كيف سيؤثر فوز ترامب على العلاقة مع إسرائيل في مختلف المجالات؟
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
قال معهد دراسات الأمن القومي إنه في نهاية حملة عاصفة، هزم الرئيس السابق دونالد ترامب نائبة الرئيس كامالا هاريس وانتخب رئيسا للولايات المتحدة، بينما تأتي عودته إلى البيت الأبيض على خلفية التوتر الشديد، من بين أمور أخرى، حول قضايا الهجرة والتضخم والجريمة.
وأكد المعهد في تقرير له أنه "من المتوقع أن يركز ترامب على القضايا الداخلية، وخاصة الأزمة على الحدود الجنوبية، فخلال فترة ولايته السابقة، نال تعاطف الجمهور الإسرائيلي بفضل دعمه لاتفاقيات أبراهام، والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومع ذلك، فإن ترامب شخصية مثيرة للانقسام في الولايات المتحدة، لذلك من المهم أن تحافظ إسرائيل على دعمها الحزبي في الكونغرس وبين الجمهور الأمريكي، بما في ذلك في المجتمع اليهودي الأمريكي".
وأكد أنه "خلال فترة الانتقال، يجب على إسرائيل أن تعمل على الحفاظ على حوار وثيق مع نظيرتها الأمريكية، وخاصة في ضوء الحرب متعددة الجبهات التي تخوضها ضد إيران، وفي حال فتحت الإدارة الجديدة والقوى العالمية مفاوضات حول اتفاق نووي جديد مع إيران، فمن الأفضل لإسرائيل أن تحاول التأثير على شروطه بدلا من معارضته تماما".
وفي نهاية حملة انتخابية عاصفة وفرز مطول للأصوات، أُعلن عن دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وهزم هاريس بعد سباق متقارب ومثير للجدل، بعد أن خاض حملة ركزت على التهديد الذي تشكله الهجرة إلى الولايات المتحدة وروجت لمواقفه بشأن الاقتصاد والجريمة والسياسة الخارجية.
وساعدت حملة ترامب في الفوز بأغلبية جمهورية في مجلس الشيوخ أيضا، في حين أنه من غير الواضح حاليًا ما إذا كان مجلس النواب سيبقى في أيدي الجمهوريين أم سينتقل إلى الديمقراطيين.
وقال المعهد إنه "خلال فترة الانتقال التي تستمر شهرين، حتى تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير 2025، من المرجح أن يسعى الرئيس جو بايدن، المتحرر من القيود السياسية والقيود الانتخابية، إلى ترسيخ إرثه، وفي سياق الشرق الأوسط، يعني هذا السعي إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس وحزب الله، وقبل كل شيء الترويج لصفقة لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس".
وأضاف أن بايدن قد "لا يتردد في ممارسة ضغوط شديدة على إسرائيل لتحقيق هذه الغاية، ومن الضروري إذن أن تحافظ إسرائيل على علاقات وثيقة مع الإدارة المنتهية ولايتها، في الوقت نفسه الذي تعمل فيه على صياغة إستراتيجية وتطوير العلاقات مع فرق انتقال السلطة في إدارة ترامب القادمة، في محاولة للتوصل إلى تفاهمات بشأن أجندة استراتيجية مشتركة، ومن المهم للغاية أن تتوصل إسرائيل أيضا إلى تفاهمات مبكرة مع الإدارة الجديدة، على افتراض أنها ستبدأ في الأيام الأولى بعد تنصيبها في تحديد أولويات السياسة".
التداعيات على السياسة الداخلية
اعتبر المعهد أن فوز ترامب، مع نائبه السيناتور جيه دي فانس من أوهايو، يرمز إلى الصعود الرسمي للجناح الشعبوي والقومي في المعسكر الجمهوري، ولقد أثار خطاب ترامب المضطرب في الحملة، والذي غالبًا ما كان ملوثًا بالصور العنصرية والعنيفة، إلى جانب أسلوبه الاستبدادي، وتسامحه مع معاداة السامية في أجزاء من القاعدة الجمهورية، ووعده باستخدام سلطات منصبه ضد أعدائه السياسيين، اتهامات ضده بنية الحكم بطريقة استبدادية.
وأضاف "في الوقت نفسه، توجد الآن في الولايات المتحدة مخاوف من احتمال حدوث اضطرابات مدنية وتحديات قانونية ودستورية غير مسبوقة، وسيواجه معارضة قوية من صفوف الديمقراطيين، لكنه يدخل ولايته الثانية بفهم أعمق للجهاز الحكومي الأمريكي، مع شبكة مخلصة من المستشارين، وسيطرة أكبر على حزبه".
وأوضح "لقد تعهد أوباما بتعيين الموالين له في البيروقراطية الفيدرالية، وبالتالي فهو في وضع مريح يسمح له بالدفع بأجندته وتشريعاته داخل الكونجرس والحكم في ظل ضوابط وتوازنات أقل من الماضي. وفي الشؤون الداخلية، ستكون الأولوية القصوى بالنسبة له هي الوفاء بوعده الرئيسي في الحملة الانتخابية ــ وقف ملايين المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم، وفرض قيود صارمة على الهجرة القانونية إلى الولايات المتحدة".
"أسئلة أكثر من الإجابات"
أكد المعهد أن "السياسة الخارجية الأمريكية ستتشكل وفقا لنظرة ترامب التجارية للعالم ونفوره من الأدوات التقليدية التي استند إليها النفوذ الأمريكي في مختلف أنحاء العالم، ويشمل نهج "أمريكا أولا" الذي يروج له التزاما بتوسيع اتفاقيات التجارة وتنفيذ التعريفات الجمركية الحمائية، بحجة أن التجارة الحرة أضرت بالعمال الأميركيين والطبقة العاملة.
ويجسد هذا النهج أيضا التشكك في السياسة الأمريكية، التي تتسم بالمشاركة العالمية الواسعة والدفاع عن النظام العالمي الليبرالي، ويشير أنصار ترمب إلى أن "أمريكا أولا لا تعني أمريكا وحدها"، وأن ولايته السابقة شملت تعزيز العلاقات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مع إسرائيل ومع دول الخليج، ومع ذلك، إلى جانب توضيح العناصر التي يكرهها في النظرة العالمية القائمة، فإن ترمب لا يحمل وجهة نظر عالم من نظامه الخاص، بل كما يزعم مستشاره السابق للأمن القومي روبرت أوبراين، فإنه يطيع "غرائزه ومبادئه الأمريكية التقليدية، التي هي أعمق من المفاهيم العالمية في العقود الأخيرة". في هذا السياق، دعونا نتذكر أن الولايات المتحدة كانت ترى نفسها لسنوات عديدة قبل الحرب العالمية الثانية غير مسؤولة عما حدث في "العالم القديم" وغير متورطة فيه.
فيما يتعلق بالعلاقة بين ترامب والنظام الدولي، فإن الافتقار إلى مبدأ تنظيمي يترك أسئلة أكثر من الإجابات وخاصة في الوقت الحاضر، الذي شهد تكثيفًا متزايدًا للمنافسة بين القوى منذ الحرب الباردة، ومن المرجح أن يتجلى التعبير الأكثر وضوحًا عن غرائز ترامب الشعبوية في مجموعة تحالفات الولايات المتحدة، وخاصة تجاه حلفائها الأوروبيين وقضية الحرب في أوكرانيا. لطالما اشتكى ترامب من "الترامبيين"، الذين لا "يدفعون حصتهم"، وطالب بشدة بأن تفي جميع دول حلف شمال الأطلسي بالتزاماتها بتخصيص 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي.
وهدد في مناسبات عديدة بانسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي، وقد تتسبب فترة رئاسية ثانية في مزيد من التوتر في صفوف الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بأوكرانيا، تحدث ترامب عن رغبته في إنهاء الحرب وانتقد الدعم المالي الأمريكي الكبير لكييف. في ضوء ذلك، من المرجح أن يخفض ترامب بشكل كبير المساعدات الأمريكية لأوكرانيا ويدعم التنازلات الأوكرانية الكبيرة لروسيا.
ومن المتوقع أن تكون الصين مصدر قلق كبير لترامب، إذا تم انتخاب أنصار إعطاء الأولوية لآسيا في أجندة واشنطن لمناصب رئيسية في الإدارة، فمن المرجح أن يتم دفع الشرق الأوسط جانبا لصالح شرق آسيا والمواجهة المباشرة مع الصين، وبدلا من ذلك، إذا كان الأشخاص الرئيسيون المعينون هم أولئك الذين يرون أن التحدي الذي تشكله الصين مرتبط بصراعات أخرى، بما في ذلك قضية إيران، فقد تظل إسرائيل والشرق الأوسط ساحة مركزية للاهتمام والموارد الأمريكية.
الشرق الأوسط
قال المعهد إن الفترة الأولى لترامب تميزت بعلاقات الدعم الوثيقة مع "إسرائيل" ودول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، والتي توجت بـ "اتفاقيات أبراهام"، وشمل دعم ترامب الاعتراف بسيادة "إسرائيل" على مرتفعات الجولان، ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وعلى هذه الخلفية، فلا عجب أن أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات أن أغلب الإسرائيليين يفضلون ترامب على هاريس.
وأضاف "فيما يتعلق بقضية إيران، يمكن للمرء أن يتوقع أن يكثف ترامب الخطاب الذي يستخدمه البيت الأبيض تجاه طهران ويستأنف فرض عقوبات اقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى ذلك، قد يأمر باستخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد شخصيات إيرانية متورطة في أنشطة إرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومع ذلك، ستمتنع إدارة ترامب عن العمل العسكري ضد القدرات النووية الإيرانية، خوفًا من تورط أميركا في حرب جديدة في الشرق الأوسط".
واعتبر أن "الدعم الذي عبر عنه في الأشهر الأخيرة للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد طهران لن يظل ساري المفعول بالضرورة خلال فترة ولايته، حيث قد تشكل عواقبها تحديًا للولايات المتحدة أيضًا. ونظراً لاحتمالية العمل الأمريكي المباشر ضد البرنامج النووي الإيراني، فسوف يتبقى لترامب وسيلتان للتعامل مع طموحات طهران النووية: العقوبات الاقتصادية، التي تكون فعاليتها في وقف البرنامج النووي محدودة، والمفاوضات من أجل تجديد الاتفاق النووي. لذلك، وعلى الرغم من ازدرائه العلني للنظام الإيراني، فقد يفتح ترامب مفاوضات مع طهران - وهي الخطوة التي دعمها علناً في الماضي، مدعياً أنه يمكن أن يتوصل إلى اتفاق أفضل مع إيران من الاتفاق الذي صاغته إدارة أوباما في عام 2015. ومن المتوقع أن تجعل مزاجية ترامب وعلاقته بالقيادة الإسرائيلية الحالية من الصعب على الحكومة الإسرائيلية معارضة مثل هذه المفاوضات علناً، على غرار محاولة منع الاتفاق النووي الأصلي مع إيران".
أما بالنسبة لـ "إسرائيل"، فإن تقلبات ترامب تثير العديد من الأسئلة في هذا السياق أيضًا، والقضية الأكثر إلحاحًا هي الحرب المستمرة ضد محور المقاومة الذي تقوده إيران في لبنان وقطاع غزة، ولقد أعرب ترامب عن رغبته في رؤية نهاية الحرب في غزة حتى قبل توليه منصبه في 20 كانون الأول/ يناير، لكنه لم يوضح علنا رؤيته لليوم التالي.
وأشار إلى أنه "إذا كان الماضي يعلمنا عن نواياه، فمن المشكوك فيه للغاية أن يحد ترامب من المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل من أجل كبح جماحها. ومع ذلك، بالنظر إلى دعمه لـ "اتفاقيات أبراهام" و "صفقة القرن" مع الفلسطينيين، فهناك احتمال واضح بأن تدعم حكومته نسخة ما من حل الدولتين (ربما نسخة تتضمن السماح بضم مساحة كبيرة من الضفة الغربية إلى إسرائيل)".
وأوضح "إذا وافقت السعودية على ذلك، فمن الممكن أن يتشكل دعم سعودي وعربي واسع النطاق لإعادة إعمار قطاع غزة، والإصلاحات في السلطة الفلسطينية، وتوقيع اتفاقيات دفاع بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبين المملكة العربية السعودية. من ناحية أخرى، وفي ضوء حقيقة مفادها أن عددا من مستشاري ترامب، فضلا عن الحكومة الإسرائيلية نفسها، قد صرحوا بأنهم لا يرون في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مفتاحا للاستقرار الإقليمي، فقد يتجنب ترامب الربط بين التقدم نحو حل الدولتين وتوسيع اتفاقيات أبراهام".
من ناحية أخرى، وفي ضوء إصرار السعودية على أن تتضمن خطوات التطبيع مع "إسرائيل" التزاما إسرائيليا بأفق سياسي للفلسطينيين، فإن الرفض الإسرائيلي للقيام بذلك قد يحبط الجهود الرامية إلى الترويج لاتفاق إقليمي جديد، لذلك من المرجح أن "يضغط ترامب على الحلفاء لمنع التحقيقات الدولية ضد القادة والجنود الإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".
وأكد أن "دخول ترامب إلى البيت الأبيض سيؤثر على قضيتين رئيسيتين في الأجندة الإسرائيلية: الموقف الأمريكي من السياسة الداخلية لإسرائيل والمساعدات الأمريكية لإسرائيل، وفيما يتعلق بالسياسة الإسرائيلية، فإن معارضة إدارة بايدن للثورة القانونية كانت من بين العوامل التي قيدت جهود الحكومة الإسرائيلية لإعادة تشكيل النظام الدستوري للبلاد. من ناحية أخرى، من المرجح أن يكون ترامب أكثر تعاطفًا من الرئيس بايدن مع التحركات التي تريد الحكومة الترويج لها في هذا الصدد. وفيما يتعلق بالمساعدات الأمريكية، فإن دعم ترامب المبدئي لإسرائيل لا يعني بالضرورة الدعم المادي".
وذكر أن "ترامب هو معارض ثابت للمساعدات الخارجية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، ويدعو إلى تحويل المنح إلى قروض، والتي يتعين على الدول سدادها، قد يكون تنفيذ هذا الموقف فيما يتعلق بإسرائيل تحديًا كبيرًا في وقت من المقرر أن يزداد فيه الإنفاق الدفاعي لإسرائيل والاعتماد على المساعدات العسكرية الأمريكية قوي، وخاصة في التحضير للمفاوضات بشأن مذكرة المساعدات الأمنية التالية خلال فترة ترامب".
توصيات سياسية
قال المعهد إنه "يتعين على إسرائيل السعي للحفاظ على الدعم الحزبي في الكونغرس، وسوف تكون أصوات الديمقراطيين حاسمة في الموافقة على مذكرة المساعدات الأمنية المقبلة والموافقة على العنصر الأمريكي في أي اتفاق إسرائيلي سعودي، لذلك، يتعين على إسرائيل أن تبذل جهودا في الحفاظ على العلاقات مع المشرعين الديمقراطيين وتقليص الفجوات القائمة في التعامل معهم".
وفي حالة تحويل التركيز الأميركي إلى الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، يتعين على "إسرائيل" أن تثبت جدارتها كحليف وشريك إستراتيجي للولايات المتحدة، حتى مع تحرك واشنطن لمزيد من الموارد شرقا.
وسوف يكون تعزيز التكامل الإقليمي لت"إسرائيل" عنصرا في إثبات قيمتها في المواجهة الأمريكية مع الصين وحلفائها في الشرق الأوسط.
وختم أنه "في حالة المفاوضات نحو تشكيل اتفاق نووي متجدد بين إيران والقوى العالمية، يتعين على إسرائيل أن تعمل مع الإدارة الأمريكية، وليس معارضتها علنا، من أجل تحسين فرص أن يساهم الاتفاق الذي تم التوصل إليه في تحقيق مصالحها".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية ترامب الإسرائيلي الولايات المتحدة واشنطن إسرائيل الولايات المتحدة واشنطن الاحتلال ترامب صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة للولایات المتحدة اتفاقیات أبراهام الشرق الأوسط من المرجح أن على إسرائیل إسرائیل أن یتعین على خلال فترة ترامب على مع إیران ومع ذلک فی ضوء
إقرأ أيضاً:
ما حجم النفط الذي يمكن أن يضخَّه ترامب؟
ترامب رجلٌ لا يُعرَف عنه أنه يركِّز بَالَه كثيرا أو يتعمَّق في الأمور. فهو يحب الصيغ البسيطة. وسكوت بيسَنْت مرشحه لتولي وزارة الخزانة لديه واحدة. إنها صيغة "ثلاثة - ثلاثة -ثلاثة". بيسَنت يريد خفض العجز في الموازنة الفيدرالية للولايات المتحدة بنسبة 3% وزيادة نموها الاقتصادي السنوي بنسبة تساوي 3% من الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز انتاجها من النفط والغاز بما يكافئ 3 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2028 من 30 مليون برميل مكافئ نفط في عام 2024. الجزء الأخير من هذه الخطة هو الأكثر تقدما. فإدارة ترامب ستفتح المزيد من مناطق الامتياز البرية والبحرية لحفر الآبار وتصادق على تراخيص لمشروعات الغاز الطبيعي المسال. وترامب يريد إيجاد مجلس وطني للطاقة لتقليل الإجراءات البيروقراطية لكل شيء من إصدار الرخص والى التوزيع. (التوزيع هنا بمعنى إنشاء البنية التحتية لنقل وتسليم النفط والغاز المسال الى المستخدمين النهائيين أو أسواق التصدير- المترجم.) إنه يتطلع الى القضاء على الدعومات المالية والضوابط الإجرائية التي سَنَّها الرئيس جو بايدن لتعزيز التحول الى الطاقة الخضراء. والهدف من ذلك هو "الهيمنة العالمية على الطاقة،" وفقا لترامب. ازدهار انتاج النفط في بلاده سيخدم العديد من أهدافه الأخرى. فتصدير المزيد منه سيقلص العجز التجاري للولايات المتحدة. وتحصيل المزيد من العائد الضريبي سيعزز موازنتها. إلى ذلك تحقيق قفزة في إنتاج النفط سيمكن واشنطن من تشديد العقوبات على إيران وفي ذات الوقت يحافظ على رخص الأسعار في محطات الوقود.
إنتاج المزيد من الغاز سيساعد أيضا على الوفاء بالطلب المتصاعد للطاقة من الذكاء الاصطناعي وفي ذات الوقت يعزز اعتماد أوروبا الاقتصادي على شريكتها في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. المشكلة هي أن رغبة ترامب في "حفر المزيد والمزيد من الآبار" ستصطدم بالحقائق الملموسة لسوق الطاقة. الرئيس المنتخب في الواقع يهيئ نفسه للفشل.
فالنفط الأمريكي، خلافا لمعظم الدول البترولية التي تهيمن فيها الشركات المملوكة للحكومة على حفر الآبار، يُضخ بواسطة شركات خاصة تتخذ قراراتها بنفسها. زادت هذه الشركات إنتاجها منذ عام 2022 عندما شرعت أوروبا في التخلي عن البراميل الروسية وذلك بكميات جعلت الولايات المتحدة أكبر بلد منتج للنفط في العالم. وفي أكتوبر سجلت إنتاجا قياسيا بلغ 13.5 مليون برميل في اليوم ارتفاعا من 11.5 مليون برميل عندما بدأت حرب أوكرانيا.
لكي تنتج شركات النفط الأمريكية المزيد منه ستحتاج الى سبب مقنع. لكنها قد لا تجد سببا واحدا يبرر لها ذلك. فالنفط الصخري الذي يشكل معظم إنتاج الولايات المتحدة كان يستخرج بواسطة آلاف الشركات الصغيرة التي لا تتحسب للأمور. وتعني موجة الاندماجات والإخفاقات وسط هذه الشركات منذ أواخر العشرية الثانية عندما تسبب فرط الإنتاج في انهيار الأسعار أن صناعة النفط تتحكم فيها شركات كبيرة وقليلة وتكره المخاطرة.
فَحَمَلة أسهمها يطالبون بتوزيع ثابت للأرباح وعائدات من رقمين (أكثر من 9%.) كما تزيد ندرة رأس المال من ارتفاع التكاليف المرتفعة أصلا. فمع ازدياد الإنتاج نضبت الآبار الأفضل إنتاجا. لذلك شركات النفط الصخري ليس لديها حافز يذكر لحفر المزيد منها ما لم تصل أسعار النفط الى 89 دولارا للبرميل، وفقا لدراسة أعدها البنك الاحتياطي الفيدرالي في مدينة كنساس سيتي. فسعر نفط غرب تكساس الوسيط وهو السعر المعياري لنفط الولايات المتحدة عند أقل من 70 دولارا للبرميل اليوم. وهو بعيد جدا عن تلك العتبة (أي 89 دولارا للبرميل.)
من المستبعد حسبما يبدو أن تتحرك سوق الطاقة في اتجاه يساعد ترامب على بلوغ هدفه. فإمدادات النفط العالمية ليست وفيرة فقط بل لدى أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) احتياطيات وفيرة أيضا. في ذات الوقت الطلب ضعيف بسبب النمو الاقتصادي العالمي الفاتر وإحلال سيارات محرك الاحتراق الداخلي بالسيارات الكهربائية. لذلك لا غرابة في أن إدارة معلومات الطاقة وهي وكالة أمريكية فيدرالية تتوقع ارتفاعا طفيفا في إنتاج النفط الأمريكي بحوالي 0.6 مليون برميل في اليوم فقط بحلول عام 2028. وفي يوم 5 ديسمبر قلصت شيفرون ثاني أكبر شركة نفط في الولايات المتحدة توقعاتها للإنفاق الرأسمالي في عام 2025.
وعلى الرغم من احتمال إلغاء ترامب الضرائب التي فرضها بايدن على شركات الطاقة كالرسوم على تسربات غاز الميثان إلا أن قيامه بذلك سيفيد في الغالب شركات استخراج النفط الصغيرة والمسؤولة عن كمية من الانبعاثات لا تتناسب مع حجم إنتاجها. وبحسب مايكل هيغ المسؤول ببنك سوسيتيه جنرال قد يزيد خفض الضرائب لشركات الطاقة الإنتاج بحوالي 200 ألف برميل في اليوم على أفضل تقدير. كما أن تقديم دعم مباشر للإنتاج سيكون ضارا بالحكومة ومناقضا لهدف آخر من أهداف بيسنت وهو خفض عجز الموازنة (بنسبة 3%.)
في الأثناء، تخطط الإدارة الأمريكية لتسريع التراخيص لخطوط الأنابيب الجديدة. ذلك قد يزيد من الجدوى الاقتصادية لاستخراج النفط من الآبار التي يصعب ربط إنتاجها بالسوق. لكن العدد الموجود من مثل هذه الآبار ليس واضحا. ومع ترجيح تولي مسؤولين جدد ليست لديهم خبرة إدارة الوحدات الحكومية التي تصدر التراخيص قد تتعثر المشروعات كما حدث في الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب عندما تخطى المسؤولون الإجراءات ما جعل التراخيص عرضة لمواجهة دعاوى قضائية.
لتحسين الجدوى الاقتصادية لمزيد من الآبار قد يحاول ترامب تعزيز أسعار النفط بفرض عقوبات على أي جهة تشتري النفط من إيران أو فنزويلا وأولئك الذين يساعدونهما. لكن من غير المؤكد كيف ستنجح هذه الخطوة. إذ من المحتمل أن يزيد أعضاء أوبك الآخرون الإنتاج لكسب حصة سوقية.
زيادة إنتاج الغاز بكمية كبيرة تبدو يسيرة على الأقل في الورق (نظريا). فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا كثرت مشروعات الغاز الطبيعي المسال التي كانت كثيرة أصلا. وتتوقع شركة ريستاد انيرجي الاستشارية أن تصل الطاقة الإنتاجية للولايات المتحدة إلى 22.4 بليون قدما مكعبا في اليوم عام 2030 إذا نفذ ترامب تعهداته في الحملة الانتخابية وذلك ارتفاعا من 11.3 بليون عام 2023. هذه الزيادة تساوي 1.9 مليون برميل مكافئ نفط في اليوم (بحسب مصطلحات الطاقة هذه الكمية من الغاز المُقاسة بالأقدام المكعبة مكافئة لكمية النفط المذكورة من حيث قيمتها الحرارية- المترجم).
ما يعنيه ذلك بالنسبة للإنتاج الفعلي غير مؤكد إلى حد بعيد. تتوقع شركة ريستاد أن يرتفع بحوالي 2.1 مليون برميل مكافئ نفط في عام 2028 مع استهلاك جزء منه محليا. أما الآخرون فأقل تفاؤلا. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة حتى في السيناريو الأكثر تفاؤلا أن يرتفع الإنتاج في المتوسط بحوالي نصف مليون برميل مكافئ نفط في اليوم في ذلك العام عن مستواه في عام 2024.
لكي يزداد الإنتاج حقا يجب أن ترتفع أسعار الغاز الى أعلى من 4.24 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، حسب منتجين استطلع آراءهم البنك الاحتياطي الفدرالي بمدينة كنساس سيتي. مع ذلك يتوقع أولئك المنتجون أن ترتفع الأسعار الى 3.33 دولار لكل وحدة حرارية بريطانية فقط خلال سنتين (من حوالي 3 دولارات اليوم.)
وعلى الرغم من أن الطلب على الغاز وهو الوقود الأحفوري الأقل تلويثا سيرتفع إلا أن كميات كبيرة من الإنتاج من أستراليا وقطر وبلدان أخرى ستصل الى السوق خلال فترة ترامب الرئاسية ، وهذا سيحدّ من ارتفاع الأسعار.
كل هذا سيسبب متاعب لطموحات ترامب وبيسنت. يقول بوب مكنالي وهو مستشار سابق للرئيس جورج دبليو بوش "الكميات التي ستنتجها الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة القادمة ستعتمد أكثر على القرارات التي تُتَّخذ في فِييَنَّا (حيث تجتمع أوبك) من تلك التي تتخذها واشنطن."
بل يمكن أن تُلحِق سياسات ترامب ضررا بالإنتاج. فرسومه الجمركية قد تجعل مواد مثل الألمونيوم والصلب أغلى لشركات النفط. وقد تردُّ البلدان الأخرى بفرض رسوم جمركية على صادرات الطاقة الأمريكية. وستُضعِف الحروب التجارية النموَّ في كل مكان وتقلل الطلب على النفط والغاز. وقد يتضح أن طموح ترامب في أن يصبح "بارون نفط بلا منافس" ليس أكثر من أضغاث أحلام.