انتهت الانتخابات الأمريكية، والتي أعلن فيها فوز دونالد ترامب، بعد جولات انتخابية وحملات امتد فيها السجال، وصال كل طرف وجال بما لديه، وكان جل العرب في العالم العربي مجرد مشاهدين، فقد اتفق العرب والغرب ألا تكون هناك صناديق تقدر نتيجتها وتحترم، سوى في بلاد الغرب، أما في بلاد العرب فلا يحترم فيها سوى صندوق الذخيرة والدبابة التي تأتي لهم بحكامهم وساستهم.
ومنذ سنوات بدأ العرب الذين يحملون الجنسية الأمريكية والأوروبية ينتبهون لأهمية أصواتهم وقيمتها، فهي تغير وترجح في بلدان وولايات، وهو ما بدا في الانتخابات الأمريكية في ولاية ميتشجن مثلا وغيرها، والتي اتخذ المسلمون فيها قرارا حيال هاريس لمواقفها المعلنة والمعادية لهم.
لم يكن مستغربا في هذه الجولة من الانتخابات الأمريكية حضور القضايا العربية في الجولات والدعاية والمواقف، وفي قلب قضية العرب، أهم قضاياها: قضية فلسطين، والتي تمثلها حاليا: غزة، فلم يخل حوار ولا نقاش، ولا دعاية ولا مناظرة انتخابية من الحديث عن مجريات الأحداث في غزة، سواء من حيث المغازلة للكيان الصهيوني، والموقف من تسليحه، والوقوف إلى جانبه مهما كانت التجاوزات، وهي سياسة أمريكية متبعة منذ زرع هذا الكيان السرطاني في جسد الأمة.وبغض النظر عن الفرق بين المرشحين ترامب وهاريس، فإن الدرس الأهم والأبلغ ليس في من اختار العرب ورشحوا، حيث إن المقارنة والخيار كانت بين طرفين من حيث موقفهم من العرب لا يختلفان كثيرا، وهي معادلة تضع على عاتق الكتلة التصويتية للمسلمين عبئا مهما وثقيلا، يحتاج إلى مؤسسات قوية وذات حضور في أمريكا.
حضور من حيث التخطيط والعمل والعطاء، ومن حيث دراسة الواقع المعيش، الدراسة المبنية على الحقائق، والمواقف المبنية على التصورات الصحيحة، وهي معادلة كما ذكرنا صعبة، لكنها ليست مستحيلة، لمن أخذ بأسبابها، وهي ما ألمح إليه ابن تيمية رحمه الله في عبارته الشهيرة: (ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل من يعرف خير الخيرين، وشر الشرين).
ولذا لم يكن مستغربا في هذه الجولة من الانتخابات الأمريكية حضور القضايا العربية في الجولات والدعاية والمواقف، وفي قلب قضية العرب، أهم قضاياها: قضية فلسطين، والتي تمثلها حاليا: غزة، فلم يخل حوار ولا نقاش، ولا دعاية ولا مناظرة انتخابية من الحديث عن مجريات الأحداث في غزة، سواء من حيث المغازلة للكيان الصهيوني، والموقف من تسليحه، والوقوف إلى جانبه مهما كانت التجاوزات، وهي سياسة أمريكية متبعة منذ زرع هذا الكيان السرطاني في جسد الأمة.
لكن الجولة الأخيرة كانت في ظل أحداث ملتهبة، وفي ظل كسر كبرياء الكيان، بطوفان الأقصى، وما تلاه من أحداث، رغم إمداد أمريكا للكيان بكل ما لديها من قوة صلبة وناعمة، بالسلاح والسياسة والمال والفيتو، وقد كانت من قبل كل حروب الكيان مع غزة، لا تمثل ضغطا ولا عبئا عليه، فقد كان الإيلام من طرف واحد، هو طرفه.
عادت قضية فلسطين، وعادت قضية غزة، لتكون مفروضة على أجندة كل مرشح للرئاسة الأمريكية، ولم تكن مجرد ملف للاجئين، أو أشخاص يرزحون تحت الاحتلال الصهيوني، يكونون فيه رهن ما يسمح به، وما لا يسمح به، وهو ما لا يجوز إهماله، أو غض الطرف عنه، بل التفكير في تعظيم هذا الدور، وهذا الحضور.لكن هذه المرة، هناك حضور قوي، وملح، سواء على المجتمع الإسرائيلي أو الساسة الأمريكان، وهو: أسرى الكيان، والذي لم يكن لبايدن الرئيس الأمريكي، والمرشحين الأبرزين: ترامب وهاريس، سوى الحديث عن أسرى الكيان، ولا حديث عن أهل غزة، في إثبات لما لدى الغرب المتصهين ونظرته للإنسان وحقوقه، فلا يؤمن بإنسان له حقوق سوى المصطف معه، ومع منظومته للأسف.
حضرت غزة في المجال العام الأمريكي، سواء على مستوى الجامعات وطلابها، وكشفت عن العوار الذي أصاب السياسة، والحضارة الغربية التي كثيرا ما تغنى أصحابها والمفتونون من مفكرينا بها، وبينت مدى توحشها، ومدى تناقضها، فرأينا موظفا في كبرى الشركات الأمريكية يفصل من عمله، لتضامنه مع غزة، وموظفا آخر بنفس الشركة، وقد ذهب للمشاركة العسكرية في غزة، في العدوان على الأبرياء، وقد التقط صورا يحمل الأسلحة مشاركته مع جيش الاحتلال أثناء عدوانه، ولم تقم الشركة حياله بأي إجراء!
وحضرت غزة في التصويب الانتخابي، وبخاصة في الأمريكان من أصل عربي، أو من المسلمين، فكان توجه الغالبية العظمى للترجيح بين مواقف المرشحين من حيث موقفه من غزة والحرب عليها، ومن يتجه بحملته نحو إيقاف العدوان، رغم قوة اللوبي الصهيوني، وكثرة تحركه، وخوف المرشحين من التصريح بما يغضبه، ولذا لم يكن غريبا أن يكون حضور غزة على مستوى المرشحين، بل وبعد إعلان النتيجة بفوز ترامب، فالحديث الآن ليس متجها فقط إلى رؤية ترامب المستقبلية، بقدر ما ينتظر الجميع رؤيته وقراراته تجاه الحرب في غزة.
الملمح المهم في حضور غزة هنا، ليس لعدوان الكيان عليها فقط، بل لما مثلته المقاومة من صلابتها وثباتها، لفرض رؤيتها وقضيتها، وهو ما يعد ردا مهما على كل من يعيد ويزيد في قضية خطأ قرار المقاومة بخوض طوفان الأقصى، فقد عادت قضية فلسطين، وعادت قضية غزة، لتكون مفروضة على أجندة كل مرشح للرئاسة الأمريكية، ولم تكن مجرد ملف للاجئين، أو أشخاص يرزحون تحت الاحتلال الصهيوني، يكونون فيه رهن ما يسمح به، وما لا يسمح به، وهو ما لا يجوز إهماله، أو غض الطرف عنه، بل التفكير في تعظيم هذا الدور، وهذا الحضور.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانتخابات حضور فلسطين امريكا فلسطين انتخابات حضور مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة عالم الفن سياسة سياسة رياضة رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات الأمریکیة قضیة فلسطین وهو ما لم یکن فی غزة من حیث
إقرأ أيضاً:
كيف يعيد دونالد ترامب إحياء الأسطورة الأمريكية المتعلقة بـ الحدود؟
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريراً ناقشت فيه كيفية استغلال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أسطورة "الحدود" في الخطاب السياسي الأمريكي، مستحضراً روح التوسع التاريخي للولايات المتحدة لتبرير طموحاته الجيوسياسية وتبرير انتهاكاته المختلفة للمعايير الأخلاقية، مثل محاولته ضم غرينلاند.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه وفي 4 آذار/مارس، وخلال خطاب أمام الكونغرس، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة تهديدية قال فيها: "إلى شعب غرينلاند الرائع"، هذا "الإقليم الكبير جدًا" الذي يحتاجه الأمريكيون "لأمنهم الدولي": "أعتقد أننا سنحصل عليه بطريقة أو بأخرى، سنحصل عليه. سنضمن لكم الأمن، وسنجعلكم أغنياء، وسنرفع غرينلاند إلى مستويات لم تكونوا تتخيلونها من قبل".
وأشارت الصحيفة إلى أن الطموحات التوسعية المتكررة لترامب سواء تجاه غرينلاند، أو كندا أو قناة بنما يمكن تفسيرها من خلال مبررات اقتصادية وجيوسياسية واضحة. لكن هذه الطموحات تتصل أيضًا بخيال وطني قديم: أسطورة "الحدود"، التي تجعل من أمريكا دولة لا تتوقف عن توسيع أراضيها.
ترامب وأسطورة الحدود
وذكرت الصحيفة أنه من الصعب تخيل شخصية أبعد عن أسطورة "غزو الغرب" من دونالد ترامب، الذي وُلد مليارديرًا في نيويورك ويمتلك شقة فاخرة في قمة ناطحة سحاب، وكان معروفًا حتى ذلك الحين بتركيزه على تعزيز الحدود الجنوبية للبلاد بجدار.
ومع ذلك، صرح ترامب في خطاب تنصيبه: "روح الحدود مكتوبة في قلوبنا"، مؤكدًا أن "دعوة المغامرة الكبرى المقبلة" تدوي في أعماق نفوسنا. وأضاف أن أسلاف الأمريكيين حولوا مجموعة صغيرة من المستعمرات على حافة قارة شاسعة إلى جمهورية قوية تمتد على آلاف الكيلومترات عبر أرض وعرة.
وفي 14 كانون الثاني/يناير، نشر إريك تيتسل، نائب رئيس مركز تجديد أمريكا، مقالًا في مجلة "World"، حيث وضع اقتراح ترامب بشأن غرينلاند في تقاليد "المستكشفين الذين يواجهون المصاعب في السعي وراء حياة أفضل". وقال تيتسل في مقاله: "لسنوات طويلة، كانت السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة مدفوعة بمطلب السيطرة على مصيرنا من محيط إلى آخر. ترامب يعيد إحياء هذه الروح".
أسطورة الحدود والتاريخ الأمريكي
ووفقا للصحيفة؛ تعتبر "نظرية الحدود" التي وضعها المؤرخ فريدريك جاكسون تيرنر في 1893 أحد الركائز الأساسية في الفهم الأمريكي للهوية الوطنية. حيث يعتبر أن استعمار الحدود الأمريكية كان حاسمًا في تشكيل ثقافة الديمقراطية الأمريكية وتميزها عن الدول الأوروبية.
ويعرض تيرنر الغرب وأوروبا كقوى متعارضة، حيث يسعى الأول نحو الحرية، بينما الثاني يسعى للسيطرة عليها. مشيراً إلى أن "الديمقراطية الأمريكية لم تولد من حلم نظري؛ لقد وُلدت من الغابة وزادت قوتها كلما وصلت إلى حدود جديدة".
وافترضت فرضية تيرنر أن التحليل التاريخي يتجاوز ليأخذ طابع الأسطورة منذ طرحها: "الغرب هو منبع الشباب السحري الذي يعيد شباب أمريكا"، كما قال في خطاب له عام 1896، إلا أن أسطورة الحدود قد تم استبدالها بصورة قوية أخرى ناتجة عن الحرب العالمية الثانية، مثل أمريكا زعيمة العالم الحر".
الحدود كاستراتيجية سياسية
وأفادت الصحيفة أن جون كينيدي، في خطاب تنصيبه كمرشح ديمقراطي في 1960، استخدم صورة "الحدود الجديدة"، للإشارة إلى مجالات العلم والفضاء، وقضايا السلام والحرب، والفقر.
وفي عام 1993، قال الرئيس بيل كلينتون "الاقتصاد العالمي هو حدودنا الجديدة". من جانبه، استخدم ترامب هذه الصورة في أبسط صورها، كما يراها ريتشارد سلوتكين: أمريكا التي ازدهرت من خلال التوسع غير المحدود والبحث عن الطاقة الأحفورية.
وكتب المؤرخ غريغ غراندين في مجلة نيويورك تايمز. "يبدو أنه يعلم أن القومية الغاضبة والمنطوية على نفسها التي سمحت له بالوصول إلى السلطة قد تكون مدمرة ذاتيًا".
وفي عام 1787، كتب جيمس ماديسون: "وسّعوا الأراضي، وسوف تضعفون التطرف السياسي وتمنعون الصراع الطبقي"، فيما قال توماس جيفرسون في 1805: "كلما كانت أمتنا أكبر، قلّ تأثير النزاعات المحلية".
ترامب رجل الحدود
وأضافت الصحيفة أن ترامب، الذي يعيد صياغة صورته من خلال أسطورة الحدود، يستخدم هذه الصورة لتبرير خروجه عن القواعد الأخلاقية والقانونية.
كما تلاحظ عالمة الاجتماع أولينا ليبنيك، فإن تضمين ترامب في هذه الأسطورة حوّل غموضه الأخلاقي إلى دليل على أصالة بطل الحدود، حيث يتم تصوير "رجل الحدود" كرمز للاستقلال والفردية.
لكن هذه الصورة تتجاهل الحقيقة التاريخية بأن التوسع في الغرب تم بفضل دعم حكومي، من خلال بناء السكك الحديدية وحماية الجيش. ورغم ذلك، لا تزال هذه الصورة تجد صدى في بعض الأوساط، مثل وادي السيليكون، حيث يموّل رجال الأعمال مشاريع تهدف إلى الهروب من القيود المفروضة من قبل الديمقراطيات الليبرالية.
نحو حدود جديدة: الفضاء
ونوهت الصحيفة إلى أنه بالنسبة لترامب، فإن غرينلاند تمثل مجرد بداية نحو "حدود" جديدة، وهي الفضاء. وقد صرح في خطابه الافتتاحي: "سنتبع مصيرنا المحتوم حتى النجوم"، في إشارة إلى عقيدة "القدر المتجلي" التي استخدمها الأمريكيون في القرن التاسع عشر لتبرير الاستعمار الأبيض لأمريكيا الشمالية، وألهمت سياسات أدت إلى إبادة السكان الأصليين.
واختتمت صحيفة "لوموند" تقريرها بالتأكيد على قول ريتشارد سلوتكين أن فكرة ترامب تظل ثابتة: "من غرينلاند إلى كندا، ومن غزة إلى الفضاء؛ نستولي على هذه الأرض البدائية، وسنجعلها جنة، كل ما عليكم فعله هو طرد السكان الأصليين منها".
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)