هكذا تجرع 6 ملايين مسلم أميركي مرارة الاختيار في الانتخابات
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
واشنطن- قبل 4 أعوام، جمع الناخبون الأميركيون من العرب والمسلمين قوتهم الانتخابية وراء المرشح الديمقراطي جو بايدن نكاية بالجمهوري دونالد ترامب الذي تبنى سياسات معادية للمهاجرين والمسافرين من عدة دول مسلمة.
وساهموا في هزيمة ترامب بعد تصويتهم بنسبة 65% لصالح خصمه آنذاك بايدن، مما ضمن له الفوز بولايات متأرجحة منها ميشيغان وجورجيا.
وجاءت انتخابات 2024 باختبار قاس لأكثر من 6 ملايين مسلم أميركي بسبب دعم إدارة بايدن غير المشروط للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي خلّف أكثر من 50 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف مصاب، ودمر بنية القطاع التحتية والحياتية.
وأصبح الناخبون المسلمون في مواجهة صعبة بين التصويت لبايدن وخليفته كامالا هاريس، أو لترامب، أو اللجوء لمرشحي الأحزاب الأخرى وهو ما يهدر قيمة تصويتهم.
شعور بالذنبوعقب ظهور النتائج، قال ناخب عربي يقطن في ولاية فرجينيا -فضل عدم الكشف عن اسمه- للجزيرة نت "أشعر ببعض الذنب للمساهمة في فوز ترامب رغم معرفتي الجيدة به ومواقفه السابقة تجاه المسلمين وفلسطين وإسرائيل. لكن ليس من العدل أن تربح هاريس بعد كل ما قامت به وما لم تفعل تجاه سكان غزة".
في الوقت الذي يتنافس فيه الحزبان الجمهوري والديمقراطي على نيل رضا الناخبين اليهود الأميركيين، عرف عرب ومسلمو أميركا خبرات انتخابية أليمة، من أهمها التقليل من شأنهم من كلا الحزبين، ويرجع البعض ذلك لدور اللوبي اليهودي، في حين يرجعه آخرون لانقسام كتلتهم التصويتية وغياب قيمتها الانتخابية.
وفي انتخابات 1984، أعاد المرشح الديمقراطي والتر مونديل تبرعات مالية ساهم بها أميركيون عرب في حملته ضد منافسه الجمهوري رونالد ريغان، وفي انتخابات 1988 رفض الديمقراطي مايكل دوكاكيس -للمرة الثانية- تأييد مجموعة عربية أميركية.
وشهدت انتخابات 2000 تعهدا من قادة مسلمي أميركا بدعم الجمهوري جورج بوش الابن الذي فاز فيها بفارق أكثر من 500 صوت في ولاية فلوريدا المتأرجحة، وتصور الكثيرون بدء مرحلة جديدة من علاقتهم بالانتخابات وبساكن البيت الأبيض، واعتبرهم الجمهوريون فئة محافظة يمكن الفوز بها انتخابيا.
ولكن ومنذ وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ومراقبة العرب والمسلمين، والحروب في العراق وأفغانستان، ومبادرات الجمهوريين المعادية للأجانب والإسلاموفوبيا، تحرك العرب بثبات نحو الحزب الديمقراطي.
أدرك الناخبون المسلمون عمق تمسك بايدن بدعمه غير المشروط للعدوان الإسرائيلي على غزة رغم ضخامة الخسائر البشرية والمادية. وأظهروا رفضا قاطعا لدعمه وصوت أكثر من 100 ألف منهم بـ"عدم الالتزام" في ولايات متأرجحة أهمها ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا.
إضاعة الفرصةوعندما انسحب الرئيس بايدن وأصبحت نائبته هاريس مرشحة الحزب، كان لدى الديمقراطيين فرصة لإعادة ضبط البوصلة تجاه العدوان الإسرائيلي بما يأخذ في الحسبان مشاعر وخسائر مسلمي أميركا، إلا أن هاريس وحملتها تجاهلوهم في مناسبات عدة.
ورفضت هاريس أن يلقي أي عربي أو مسلم كلمة من على منصة المؤتمر العام للحزب في أغسطس/آب الماضي رغم تكرار مناشدات الجالية المسلمة، وسمحت بحديث أهل بعض المحتجزين الإسرائيليين.
وردت المرشّحة بكل تعال على المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في الفعالية قائلة "أنا أتحدث، هل تعرفون؟ إذا كنتم تريدون أن يفوز ترامب، فاستمروا في الاحتجاج". وبعدما تدخل ترامب متوددا الجالية المسلمة، حاولت هاريس تغيير لهجتها تجاه أزمة غزة.
وقال الناخب العربي نفسه "خيبت هاريس آمالي، كنت أتطلع إلى أن تقول ما يرضيني لأصوت لها، إلا إنها أضاعت كل فرصة توفرت لها. لقد حاولت أن تنأى بنفسها عن بايدن ومواقفه وأن تدعي أنها لن تكون مثله تجاه غزة، بينما لم تتناول أي طريقة لوقف العدوان أو عقاب إسرائيل، وكررت دائما أن الجريمة الكبرى هي التي وقعت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".
واستغل ترامب الشرخ الذي حدث بين الديمقراطيين والناخبين العرب والمسلمين. وعين صهره اللبناني مسعد بولس منسقا عاما في حملته للتواصل مع هؤلاء الناخبين. وتعهد بوقف الحرب في غزة، كما غرد أنه "سيوقف المعاناة والدمار في لبنان".
وخاطب ترامب الناخبين اللبنانيين الأميركيين قائلا "يستحق أصدقاؤكم وعائلاتكم في لبنان العيش في سلام وازدهار ووئام مع جيرانهم". كما أشاد بتأييد عامر غالب عمدة هامترامك بولاية ميشيغان له، وهي مدينة ذات أغلبية مسلمة خارج ديترويت، وعقد عدة اجتماعات وأخذ صورا مع عدد من قادة الجالية المسلمة.
أربكت تحركات ترامب الكثير من أبناء الجالية المسلمة ممن أكدوا أنهم لا يستطيعون التصويت لمرشح مثله. وكان سجله تجاه الفلسطينيين شديد السوء. فهو نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس "مما جعل الولايات المتحدة تعترف رسميا بالمدينة عاصمة لإسرائيل" رغم حقيقة أن القدس الشرقية لا تزال أرضا فلسطينية محتلة، وأعلنت وزارة الخارجية في عهده أنها لن تعتبر المستوطنات في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي.
غضب كبيرويرى عدد من الناخبين العرب أن التصويت لهاريس كان سيكون تصويتا للإبادة الجماعية، في حين تمسك البعض بالتصويت لها كونها "أفضل السيئين" وقد عانوا من قرارهم، لأنها كانت جزءا من الإدارة التي مولت حرب إسرائيل. وقال ناخب عربي للجزيرة نت، إنه "اضطر للتصويت لها حيث لم يطاوعه ضميره على التصويت لترامب". بينما دعا آخرون لإعطائه فرصة، لأن ترامب 2024 -برأيهم- يختلف عنه في 2016.
غير أن عددا كبيرا من الناخبين المسلمين اعتبروا أن التصويت لمرشحي الأحزاب الأخرى مثل كرونيل ويست أو جيل ستاين، من شأنه أن يحل هذه العقدة بين بديلي هاريس وترامب، وأن اختيار المقاطعة أو التصويت لطرف ثالث هو وسيلة لتذكير الأحزاب الرئيسية بأنها لا تفعل ما يكفي لدعمها.
وكشف إعلان فوز ترامب وظفره بولاية ميشيغان عن حجم الغضب من الحرب في غزة ولبنان. وكرر عربها قول عبارة "لقد حذرناك" لهاريس التي خسرتها لصالح منافسها بأكثر من 2600 صوت، وسبق أن فاز فيها بايدن بأكثر من 17 ألف صوت عام 2020.
أما ستاين -التي ركزت على معارضة العدوان الإسرائيلي- فقد حققت قفزة من 207 أصوات في 2020 إلى أكثر من 7600 هذا العام.
تقول بهية صلاح الدين، الناخبة المسلمة بولاية فرجينيا، للجزيرة نت "وصلت إلى مكتبي ورأيت كل الناس مكفهرة الوجه، والنساء أعينهن حمراء من كثرة البكاء، وأخفيت سعادتي بفوز ترامب. هم يعتقدون أن خسارة هاريس كارثية على حياتهم ومستقبل أولادهم، في حين لم يكترثوا لحياة ومستقبل أطفال غزة".
وأضافت، "أعرف بعض الأصدقاء العرب ممن يشعرون بالذنب لأنهم صوتوا لترامب، لكن أقول لهم إذا لم تكن غزة خطهم الأحمر، فماذا سيكون؟".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجالیة المسلمة أکثر من
إقرأ أيضاً:
انتخابات غرينلاند بين مطالب الاستقلال عن الدانمارك ومطامع ترامب
نوك- من المقرر أن تعقد غرينلاند انتخابات تشريعية الثلاثاء المقبل، وسط اهتمام عالمي متزايد عقب تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب برغبته شراء جزيرة القطب الشمالي "بطريقة أو بأخرى" كما قال للكونغرس مازحا الأسبوع الماضي.
ولأن الاستقلال قضية انتخابية رئيسية في غرينلاند، تراقب حكومة الدانمارك عن كثب هذه الانتخابات التي يصفها كثيرون بـ"الحدث السياسي الأكثر أهمية في تاريخ الجزيرة" خاصة بعد سقوطها تحت أنظار ترامب الطامعة، بينما يعتبر السكان المحليون هذا التصويت فرصة تاريخية لتحريرهم من النفوذ الدانماركي.
فعلى الرغم من حصول هذه الجزيرة القطبية الشمالية على استقلالها عام 1979، فإن الوظائف السيادية، بما في ذلك الدفاع والشؤون الخارجية، لا تزال بعيدة المنال.
ومنذ صدور قانون الحكم الذاتي عام 2009، أصبح بإمكان سكان غرينلاند -البالغ عددهم 57 ألف نسمة- المبادرة وإطلاق عملية الاستقلال بأنفسهم، وهو ما يشمل التفاوض على اتفاق مع كوبنهاغن، من خلال استفتاء في غرينلاند وتصويت في البرلمان الدانماركي.
يُنظر إلى النظام السياسي بأكبر جزيرة في العالم على أنه معقد، فعلى الرغم من أنها جزء جغرافي من أميركا الشمالية، إلا أنها جزء سياسي من أوروبا، ويتأثر جزء كبير من تاريخها بالماضي الاستعماري القوي مع الدانمارك.
إعلانوتعتبر غرينلاند جزءا من الكومنولث الدانماركي، ورئيسها الرسمي هو ملك الدانمارك فريديريك العاشر، بموجب قانون الحكم الذاتي الذي دخل حيز التنفيذ في 21 يونيو/حزيران 2009، والذي حل قانون عام 1979 المعمول به كأساس دستوري لموقف الجزيرة داخل مملكة الدانمارك.
وقد صدر قانون الحكم الذاتي في أعقاب استفتاء بالجزيرة القطبية الشمالية في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وصوت لصالحه 75.5% من الناخبين، ويتمثل هدفه الأساسي بنقل المسؤولية والسلطة من السلطات الدانماركية إلى غرينلاند في المناطق التي يسمح الدستور بتنفيذها، مع التأكيد على التوازن بين الحقوق والالتزامات.
ويحق للجزيرة إعلان الاستقلال، إذ يعترف قانون الحكم الذاتي بغرينلاند كشعب أو أمة يحق لها حق تقرير المصير، ويضمن أن أي تحرك نحو الاستقلال سيكون قرارا ديمقراطيا من قبل الشعب الغرينلاندي.
وفي 8 يناير/كانون الثاني الماضي، شكك الرئيس الأميركي في الحقوق القانونية للدانمارك في غرينلاند، قائلا "الناس لا يعرفون حقا ما إذا كانت الدانمارك تتمتع بأي حقوق قانونية في غرينلاند".
كيفية التصويتوتتمتع غرينلاند بالحكم الذاتي مع ديمقراطية تمثيلية، وتُعقد فيها 3 أنواع من الانتخابات:
انتخابات برلمان غرينلاند. انتخابات البلديات والمجالس القروية. انتخابات البرلمان الدانماركي، حيث تنتخب غرينلاند عضوين.ويجب على الناخب أن يبلغ من العمر 18 عاما على الأقل، وأن يكون حاصلا على الجنسية الدانماركية ومقيما بشكل دائم في غرينلاند.
أما بالنسبة للانتخابات البلدية، فيمكن لغير الحاصلين على الجنسية الدانماركية التصويت، إذا كان الشخص مقيما بشكل دائم في كومنولث المملكة الذي يشمل الدانمارك وغرينلاند وجزر فارو، لمدة 3 سنوات على الأقل قبل الانتخابات.
وفي حال لم يتمكن الناخب من الحضور شخصيا إلى مركز الاقتراع يوم الانتخابات، فيمكنه اللجوء إلى التصويت عبر البريد، وهي طريقة معتمدة في انتخابات البرلمانين الدانماركي والغرينلاندي، وفي الانتخابات البلدية.
إعلانويمثل البرلمان السلطة التشريعية على المستوى الوطني، ويتم انتخاب الأعضاء البالغ عددهم 31 عضوا ديمقراطيا بالاقتراع كل 4 سنوات، حيث تعتبر كل الجزيرة دائرة انتخابية كبيرة واحدة.
الأحزاب السياسيةبدأت الطموحات الرامية إلى تشكيل دولة ذات سيادة في غرينلاند منذ بداية القرن العشرين على الأقل، وبات اتخاذ الخطوة التالية على الأجندة السياسية لجميع الأحزاب السياسية منذ إقرار قانون 2009، حيث لا تدور المناقشات حول الهدف النهائي، بل حول الوتيرة والوسائل اللازمة لتحقيق هذا الهدف.
ويوجد في غرينلاند 7 أحزاب سياسية، وعادة ما يتم انتخاب أكبر خمسة منها في البرلمان، وهي:
حزب مجتمع الشعب (يساري) يقوده رئيس الحكومة ميوتي إيغيدي منذ عام 2018، ويؤيد الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم في الدانمارك الذي يدعم استقلال غرينلاند عن المملكة، ويعمل من أجل الاعتراف بسكان الجزيرة كشعب مستقل لهم الحق في الأرض. حزب السيوموت (اشتراكي) يتزعمه وزير المالية المنتهية ولايته إريك ينين، تأسس عام 1977 باعتباره استمرارا لحركة سيوموت التي اكتسبت أهمية سياسية منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين، ويتلخص هدفه السياسي بإنشاء مجتمع متجانس ونشط وقابل للحياة، حيث يدرك سكانه مسؤوليتهم كشعب. حزب الديمقراطيين (ليبرالي نقابي) يترأسه فريدريك نيلسن وتأسس عام 2002، وقدم مرشحين للانتخابات الوطنية لأول مرة عام 2005، ويعتبر طيفه السياسي من الوسط ووسط اليمين. حزب التضامن الغرينلاندي (ليبرالي محافظ منحاز سياسيا إلى وسط اليمين) تأسس عام 1978، ويرأسه أكالو جيرمياسين، ويهدف إلى التضامن مع الدانمارك في سياق الكومنولث والعمل ضد الانفصال عن المملكة. حزب ناليراك (قومي وسطي) تأسس رسميا عام 2005، وهو أكبر أحزاب المعارضة، اكتسب زخما كبيرا الفترة الأخيرة بفضل صوته البارز المؤيد للاستقلال والمنفتح على التعاون مع الولايات المتحدة. حزب التعاون (ليبرالي) تأسس عام 2018 على يد النائبين الديمقراطيين سابقا مايكل روزينغ وتيلي مارتينوسين، ويسعى للتحرر الاقتصادي وخصخصة الشركات الكبرى التي تهمين على اقتصاد الجزيرة والمملوكة للقطاع العام. حزب أحفاد البلاد (انفصالي) يسعى إلى الاستقلال منذ تأسيسه عام 2017 على يد وزير العمل والتجارة والشؤون الخارجية السابق فيتوس كوياوكيتسوك. إعلان العقدة الاقتصاديةوفي حين يفضل أغلب سكان هذه الجزيرة القطبية الشمالية الاستقلال، فإن الآراء والإستراتيجيات حول كيفية الوصول لهذا الوضع عديدة، ولا سيما فيما يتعلق بتحمل المسؤولية عن ميزانيتها.
يُذكر أن السلطات في غرينلاند تولت السيطرة على وظائف تشريعية وإدارية مختلفة، وخاصة في المالية العامة، حيث يتضمن الترتيب الاقتصادي بموجب القانون إعانة ثابتة من الحكومة الدانماركية يتم تعديلها إذا كانت غرينلاند تولد دخلا من الموارد المعدنية.
ويتركز اقتصاد الجزيرة الأكبر في العالم بشكل أساسي على صناعة صيد الأسماك وقطاع السياحة المتنامي، فضلا عن بعض أنشطة التعدين بمنجمين نشطين فقط، في حين يشكل القطاع العام حوالي نصف العمالة المحلية.
كما تتلقى غرينلاند الدعم من الحكومة الدانماركية في شكل منحة مقطوعة، تشكل حوالي نصف عائدات الحكومة، وتظل معتمدة اقتصاديا على كوبنهاغن بنحو 3.8 مليارات كرونة دانماركية (428 مليون جنيه إسترليني) ترسلها الدانمارك كل عام.
وبينما يدرك الغرينلانديون والدانماركيون الثروة التي لم تُستغل بعد تحت التربة الصقيعية بجزيرة القطب الشمالي، وخاصة المعادن والوقود الأحفوري، ورغم وجود حظر على استخراجها حاليا لأسباب بيئية، يعلم الجميع أن تحرك الإدارة الأميركية الجديدة مرتبط بهذه الجبهة بالغة الأهمية على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي أيضا.