2024.. عام تجاوز فيه كوكب الأرض عتبة الخطر المناخي وفقاً للعلماء
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
أظهرت بيانات جديدة أن عام 2024 سيكون الأكثر حرارة في التاريخ المسجل، متجاوزاً لأول مرة عتبة 1.5 درجة مئوية من ارتفاع درجات الحرارة مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، وهو ما يُعد أول إنذار حقيقي لتجاوز الهدف الذي حذر منه العلماء في اتفاق باريس للمناخ. هذه النتائج تأتي في وقت يشهد فيه العالم زيادة في حدة الكوارث الطبيعية بسبب التغير المناخي، في وقت حساس على الساحة السياسية العالمية، خصوصًا في الولايات المتحدة.
اتفاق باريس، الذي وقعت عليه غالبية الدول في 2015، يهدف إلى الحد من الاحترار العالمي ليبقى تحت 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. وفقًا للعلماء، فإن تجاوز هذه العتبة سيؤدي إلى آثار بيئية مدمرة، مثل الجفاف، الحرائق، العواصف المدمرة، وارتفاع مستويات البحار، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا للبشرية والنظم البيئية على حد سواء. وتشير البيانات الصادرة عن خدمة كوبرنيكوس الأوروبية لتغير المناخ إلى أن 2024 من "المحتمل جدًا" أن يتجاوز هذه العتبة الحرارية، مما يضع العالم على شفا أزمة مناخية غير مسبوقة.
من ناحية أخرى، يزداد القلق بشأن التأثيرات السلبية لهذه الأزمة على الدول الأكثر تأثرًا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. ففي سبتمبر 2024، ضرب الإعصار هيلين ولاية كارولينا الشمالية، مسببًا فيضانات مدمرة أودت بحياة العديد من الأشخاص وتسببت في خسائر مالية ضخمة. في ذات الوقت، كانت حرائق الغابات في ولاية كاليفورنيا تلتهم الأراضي، مما أجبر السلطات على إجلاء الآلاف من السكان.
لكن التأثيرات المناخية لا تقتصر على الولايات المتحدة فقط. في إسبانيا، شهدت البلاد فيضانات مفاجئة خلفت أكثر من 200 قتيل، وفي اليابان، كانت هناك علامة مناخية مقلقة للغاية حيث سجل جبل فوجي، لأول مرة في 130 عامًا، عدم وجود ثلوج على قمته، ما يعد دليلاً آخر على التغيرات المناخية المتسارعة. كما أن العديد من الدول حول العالم، من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية، عانت من موجات حر شديدة، أعاصير، وجفاف طويل الأمد خلال الأشهر الماضية.
هذه الظواهر المناخية تتفاقم في وقت تتزايد فيه التوترات السياسية، خصوصًا في الولايات المتحدة. الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الذي سبق له أن سحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس خلال ولايته الأولى، تعهد مرة أخرى في حملته الانتخابية بإلغاء جميع السياسات البيئية، مما يهدد بتحقيق انتكاسة كبيرة في جهود محاربة التغير المناخي على المستوى الدولي.
الولايات المتحدة، باعتبارها أحد أكبر مصادر الانبعاثات العالمية، تلعب دورًا محوريًا في المفاوضات المناخية الدولية. ومع عودة ترامب إلى الساحة السياسية، يواجه العالم مجددًا خطر تراجع الجهود الجماعية لمكافحة الأزمة البيئية، في وقت يحتاج فيه التعاون الدولي أكثر من أي وقت مضى.
في المقابل، يرى الخبراء أن الدول الكبرى الأخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي ستضطر إلى تكثيف جهودها لمكافحة التغير المناخي في غياب القيادة الأمريكية، لكن هناك مخاوف من أن بعض الدول قد تستخدم مواقف ترامب المناهضة للمناخ كذريعة لتقليص التزاماتها البيئية.
في الختام، تواصل درجات الحرارة العالمية ارتفاعها، مع تحقيق الشهر الماضي ثاني أحر أكتوبر مسجل على الإطلاق، ما يضيف المزيد من الضغوط على الحكومات للاتخاذ إجراءات فورية لمواجهة التحديات المناخية المتزايدة. أليك سكوت، الاستراتيجي في مجال الدبلوماسية المناخية، شدد على أن "الوقت ليس في صالحنا"، محذرًا من أن أي تأخير في اتخاذ إجراءات من قبل الاقتصادات الكبرى سيؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل أسرع.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: درجات الحرارة التغير المناخي الولايات المتحدة الاحترار العالمي الكوارث الطبيعية الولایات المتحدة فی وقت
إقرأ أيضاً:
مـا هـي الحضـارة الحقيقيـة؟
لا بد أن تشتمل الحضارة الحقيقية على أطر مهمة جدًا، وبدونها لا تكون، ولا تُسمَّى، ولا تُعتبر حضارة. وهذه الأطر هي: العلم بأنواعه، والعمل بأنواعه، والابتكار بأنواعه، والإبداع بأنواعه، والأخلاق، والقيم السامية بأنواعها. وهي منظومة متكاملة تحتوي على مفردات كثيرة من الأعمال، والأنشطة، والتقاليد، والهوية، والمعرفة، والثقافة، والفكر المتجدد المتطور، والصناعة، والمعمار، والهندسة، والفنون، وغيرها من النواحي الإيجابية المعززة للنمو الحضاري.
للسعي من أجل إنشاء حضارة حقيقية من خلال الاجتهاد في الرقي بجميع المجالات، لا بد أن يكون هناك تخطيط مبني على أسس متينة وراسخة ومستدامة، أي أن يكون التخطيط في أسمى وأروع مظاهره، وقوته، وفاعليته. وفي المقابل، يجب التخلي عن الأفكار الدخيلة الهدامة التي تُثبط وتُعرقل مسيرة التقدم الحضاري، والتحلي دائمًا بالأفكار البناءة التي تدفع بالرقي الحضاري إلى أعلى مراتبه.
وبعد أن توضع الخطط والاستراتيجيات لبناء حضارة ترفع من شأن مؤسسيها، لا بد أن تتقدم التأسيس والنمو الحضاري الأخلاقُ والقيمُ والمبادئُ، لأنها هي التي تضمن الثبات والتماسك والرسوخ والاستمرارية على مدى بعيد جدًا.
ونظرًا لما يشهده العالم من تغيرات، فإن الحضارة المادية أثبتت فشلها، ولنقل إنها ناقصة وتخدم مصالح فئات معينة همها استعباد البشر، والتعالي عليهم، والتمييز بين جنس وآخر، وعرق وآخر، وبسط أنواع من الهيمنة على شعوب العالم، وتجرد هذه الحضارة المزعومة من الإنسانية والعدالة والكرامة.
والحضارات المبنية على الديانات السماوية والكتب المقدسة، وقيادة الأنبياء، والمبنية على شرع الله وتعاليمه الإنسانية العادلة الرحيمة، هي الجديرة بأن تعود وتسود العالم وتبقى لصالح البشرية جمعاء.
وبالرجوع إلى أسس الحضارة الحقيقية، فإن أول ما يجب التمسك به هو الدين من ربنا -عز وجل-، الذي يصنع الحضارة الإنسانية العظيمة بكل أسسها، ويحمي البشرية من أنواع الظلم والقهر والاستبداد والعنصرية البغيضة.
وبالتمسك بدين الإسلام العظيم، نضمن رضا المولى -عز وجل-، وعونه، ومدده، وهدايته، وبدون عبادته -جل في علاه- لا يتأتى صنع الحضارة المرجوة، ففي الدين كل تفاصيل الحياة الإنسانية العظيمة الكريمة.
وتأتي بعد عبادة الله وتعظيمه، الأخلاقُ السامية النبيلة الراقية، ومنبعها الإسلام من خلال القرآن والسنة النبوية المطهرة.
ولك أن تعدد الأخلاق الإسلامية التي إن تمسك بها الفرد والمجتمع ساد الرقي الإنساني والحضاري، فمنها: الصدق، والتواضع، والإخلاص، والكرم، والحياء، والأمانة، والعدل، والسماحة، والتعاون، والشجاعة، والإيثار، والمساواة، والتسامح، والصبر، وبر الوالدين، وحق الجار، والقائمة تطول ببقية الأخلاق العظيمة التي تؤسس الحضارة العظيمة.
فأين العالم المعاصر والحضارة المادية الجافة من هذه الأخلاق؟ وبالشكر المستمر والحمد للمولى -عز وجل-، يُغدق -جل جلاله- على المؤمنين من نعمه التي لا تُحصى ولا تُعد، ويمكن لهم في الأرض من خلال العلم، والعمل، والصناعات، والزراعة، والتجارة، واستكشاف ثروات باطن الأرض من نفط، وغاز، ومعادن، وغيرها، ومن القدرة على الاستكشاف، والتصنيع، والاختراع، ومن ثم الاستغناء عن الغير بتوفر الكوادر المؤهلة للبناء والتعمير.
وتُستكمل المنظومة الحضارية من خلال التأليف، والكتابة، والبحوث، وإنشاء النظريات، والبناء عليها، وإفادة العالم من العلوم الأخرى المتعلقة بالجبال، والصخور، والبحار، والمحيطات، والأنهار، والحيوانات، والحشرات، والنباتات، والطيور، وغيرها.
فالعلم لا يزال بحاجة إلى العلوم المتجددة والمتطورة، ولنا باع طويل على امتداد الحضارة الإسلامية عبر التاريخ، فالمسلمون أولى بقيادة العالم بسبب القاعدة الصلبة التي يجب أن يقفوا عليها وينطلقوا منها.
والحضارة الغربية أضرَّت بالبشرية، فيجب أن ترجع الحضارة الإسلامية العملاقة من خلال عودة المسلمين لدينهم العظيم، والتمسك بالقرآن والسنة النبوية الشريفة.
ولا يخلِّص البشرية من الطغاة والعُصاة والمستبدين وأعداء الإنسانية إلا الإسلام بحضارته المتجددة، لأن الحضارة البشرية المادية المعاصرة ناقصة، ويجب تخليص البشرية منها.
وعمليًا، يمكن الانطلاق مما نملكه من مواردنا الطبيعية، ومن الأراضي الخصبة، والبحار، والمضايق البحرية، ومن التجارة فيما بين المسلمين، ومن هم في صف المسلمين من الأحرار الأسوياء، ومن اتحاد الصناعات في الدول الإسلامية، ومن التكامل بين الدول الإسلامية لتكون دولة واحدة تمثل الحضارة بكل تفاصيلها، وحتى تعيد المجد المفقود، وتصنع الحضارة المرتقبة التي تجمع بين التمسك بالدين، واستثمار العلم، والقدرات البشرية المبعثرة في أرجاء الأرض لخدمة البشر وحفظ كرامتهم في كل مكان.
وعلى المسلم ألا ينجرف خلف الحضارة الناقصة التي لا تلتفت للبشر وإنسانيتهم، ولا تقيم وزنًا لكرامة الإنسان وفطرته السليمة، والتي تترك خلفها معظم شعوب العالم يئنون تحت وطأة الجهل، والفقر، والأمراض، والتخلف بشتى مظاهره، وتحرِّض على التفرقة بين البشر، وتجبر شعوب العالم على التبعية، وتحوِّل دولهم إلى مستهلكة تقتات شعوبها على الفتات.
وكذلك، فإن الدول التي تدَّعي أنها متقدمة تريد أن تتحكم في مصير البشر من خلال اختلاق الأمراض لتمرير أدويتها ولقاحاتها المصنَّعة المضرَّة من أجل المال، وافتعال الحروب والأزمات مع الدول وبين الدول لبيع أسلحتها الفتاكة الباهظة الثمن، وزعزعة الدول من الداخل، وإثارة القلاقل والصراعات فيها للتدخل في شؤونها، وتسيير هذه الشعوب نحو المصائب الدائمة رغبة في الهيمنة بعيدة المدى، لاستنزاف ما تملك، وتحجيم قدراتها الحقيقية، وتحوِّلها إلى مستعمرة بشتى أنواع الاستعمار المعروفة.
عودة الإسلام هي عودة الحضارة الحقيقية، لينعم البشر بالخير، والرحمة، والاستقرار في شتى أنحاء الأرض.
وقد تحدث عدد كبير من الكتَّاب، والأدباء، والمتخصصين في أنحاء العالم عن الإسلام ورسالته السامية العظيمة المتكاملة للبشرية جمعاء، وهم بحق أنصفوا الإسلام، والمجال لا يسع لذكرهم جميعًا، ومنهم: بارتولد، وتوماس كارلايل، وهنري دي كاستري، وآدم ميتز.
وكذلك جوستاف لوبون، الذي ذكر في كتابه الشهير «حضارة العرب» ما تتميز به من أخلاق، ومُثُل، وقيم عليا مستمدة من الدين الإسلامي العظيم.
ومنهم من تحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كقائد، وشخصية تتمتع بأعظم الصفات والأخلاق، ومن أعظم العظماء في التاريخ البشري، مثل: بوشكين، وجوته، وجورج برنارد شو، ووليام مونتجمري، وآخرين تحدثوا عن أخلاق المسلمين، وكيف أثرت في نفوس غير المسلمين في السلم والحرب.
ويقول المفكر الفرنسي المسلم روجيه جارودي: «إن شرط نمو الغرب إنما كان سببًا في تخلُّف الآخرين، وهم من جعل ما نسميه العالم الثالث متخلفًا».