شبكة اخبار العراق:
2024-12-22@13:53:25 GMT

مفهوم الفلسفة.. أفكارٌ واستعمالات

تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT

مفهوم الفلسفة.. أفكارٌ واستعمالات

آخر تحديث: 7 نونبر 2024 - 11:30 صحازم رعد حينما يطلق مفهوم الفلسفة من أي مفكر، أو قائل، أو حتى كاتب، فإن هناك على الأقل ثلاثة من الاستعمالات ينضوي عليها هذا المفهوم، بمعنى آخر أنه يمكن توظيف تلك الاستخدامات كمعبر وحكاية عن هذا المصطلح في الواقع من خلال تتبع دلالاته التي يمكن استشفافها منه. فالاستعمال الأول الذي ينضوي على مصطلح الفلسفة هو للتعبير عن تاريخ الفلسفة.

وفي تاريخها نبحث عن زمان نشأتها الأول والجغرافيا التي بدأت منها والمحركات “الدوافع” التي حفّزت إلى ظهور هكذا لون من الدراسات والمعرفة، وهل كانت الحاجة إلى خطاب ورؤية عن العالم، ما دفع إلى ذلك أم هو تداول الآراء بشأن النمو الاقتصادي والسياسي أو أن الحوار الإنساني هو الحافز لذلك، ومن ثم فإن محركات فعل التفلسف كثيرة، وكل واحدة منها ترتبط بوقائع معينة وبظروف محددة كانت بمثابة المقدمات التي هيأت هذا الحقل المعرفي الكبير الذي يكاد أن يقال عنه بأنّه يختزل تاريخ البشريّة بأسرها.
فتاريخ العالم هو تاريخ الفلسفة، وتاريخ الفلسفة من دون تفلسف لا يعدو كونه معرفة بماضي جثث الفلاسفة مثل “اسمائهم، بلدانهم، ألقابهم، حياتهم، وسيرتهم، وأفكارهم” غير أننا في تاريخ الفلسفة لن نتمكن من الكشف عن الواقع أو تحليل معطى من معطياته، ولا حتى يمكننا فهم الحاضر والوقوف على حقيقته، ولا نتمكن من أن نكوّن رؤية عامة عن الكون والحياة والعام. إنّنا في تاريخ الفلسفة نقتصر على تقليب سجل أحداث الماضي على الرغم من أهمية هذا التاريخ في تعزيز تجربتنا وخبرتنا المعرفيّة وفهمنا للمنهج الفلسفي العام الذي من خلاله تطال الأشياء، والكيفيّة التي بها نتوثب على تحليل مشكلة، كما أن هذا التاريخ ينمي لدينا الحس النقدي، فمطارحة الأفكار والمقارنة بينها تنمي هذه النزعة، وكذلك لغتنا الفلسفيّة.
أما الاستعمال الثاني، فهو التعبير عن عملية “التفلسف” أو كيفية التفكير التي يمارسها الإنسان، والتي تبرز من خلال احتكاكه بأعراض الواقع وأشيائه وأحداثه، وهذا بطبيعته يفرض على الإنسان مشكلات جديدة، وأوجه عمل مختلفة تدعوه للتفكير فيها والبحث المعمّق عن الأسباب والدوافع وإيجاد حلول لها.
هذا التفكير هو بطبيعته تفلسف، أو خلال نظره بالأشياء وإجراءات التأمل والتحليل والنقد والمراجعات، بمعنى أنّ هذا الاستخدام يجعل منها كيفية في التفكير وطريقة لفهم الواقع في مختلف مستوياته السياسية والاجتماعية والأخلاقية والرؤيوية، فالتفلسف فعل يمارس كلما دعت الحاجة، وكلما حصلت الدهشة، وكلما أثارت العقل حادثة أو واقعة أو حفّزته مشكلة لحلها. هذه الطريقة لها خصوصيات تميزها عن غيرها من حيث طرق التفكير، فهي عقلية ومجردة من المسبقات، ولا تكتفي بجواب واحد عن الاشكالات والتساؤلات، فهي دائمة البحث والفحص والتقصي طلباً للمزيد من الحلول والإجابات.
أما الاستعمال الثالث، فيعنى بقيم الفلسفة أو بمفاهيم ناتجة عنها، إن الفلسفة لا تقتصر على تاريخها “الذي هو مجموعة الأفكار والنظريات والتساؤلات التي طرأت في ظروفها الخاصة ووقتها في التاريخ الذي جاءت فيه، واستلزم من الفلاسفة ابتكار وإبداع تلك الأفكار والنظريات”. وهنا ينبغي القول إنّ لكل زمان فلسفته، وهي بالتأكيد ناتجة عن وعي ومشكلات وتساؤلات ذلك الزمن في راهنيته. فهذه الفلسفة في جانب كبير منها قيم ومبادئ وطرق تفكير وممارسة، لا سيما أن هناك قيماً كلية للفلسفة تشمل كل زمان ومكان. فهي مجاوزة للتاريخ من قبيل العقلانيّة والكيفيّة في التفكير “الاستقلالية والتجرّد” والاعتراف وقبول الآخر والتسامح وغيرها من مفاهيم تعبر عن نواتج وثمار للفلسفة، وهي قيم ومبادئ تسود في كل التاريخ من دون استثناء، لأنّها قوام التفكير الفلسفي الذي لا يخلو منها على الاطلاق.
ولكن غالباً ما يلاحظ على المهتمين أو المشتغلين في هذا الحقل المعرفي المهم أنّهم يتمسّكون بأولى تلك الجوانب، وهو تاريخ الفلسفة ويمعنون النظر فيها ويطالعونها معتقدين أنّها تفلسف أو أنهم فلاسفة أو متفلسفة أو حتى مشتغلين بالفلسفة، وبذلك يتناسون الجانبين الآخرين المهمين في الفلسفة، وهما “التفلسف – التفكير” وقيم ومفاهيم “نواتج الفلسفة”.
وجاء الاستعمال الرابع تعبيراً عن رؤية المجال العام من “الفعاليات السياسية والأنشطة الاجتماعية المختلفة” بوصفها فلسفة. إذ يتشكل على وفق مساحة حرة من الحوار والنقاش الحر والهادف والبناء الذي تتكافأ فيه فرص طرح الآراء وإبداء وجهات النظر بين الذوات المجتمعة في ذلك الفضاء كفلسفة، بل لعل مشغل الفلسفة الأول في التاريخ اليوناني كان وليد اللحظات النقاشية التي جرت في الساحات العامة “الاغورا”، وكانت تفضي إلى أفكار وآراء بخصوص اهتمامات متنوعة “سياسية واقتصادية وفكرية” قائمة على الاستدلال، حيث كان الأخير نتاج “العقل الحر” الذي يقدم إسهاماً نظرياً لتدبير وتنظيم الواقع.
وأنا ممن يرى إمكانية أن تعرف الفلسفة لا سيما في مرحلتنا الراهنة من التاريخ بأنها “التفكير في المجال العام”، أي النظر العقلي بتلك القيم والاعتبارات التي تمس حياة الذوات وتلتحم مع معيشهم المشترك نظير النشاطات السياسية والاحتجاجات وطلب الحقوق والمساواة فيها والاعتراف وغيرها من مفاهيم أخرى، وكل ذلك يندرج تحت استعمال الفلسفة، فيصح أن يقال إن التفكير داخل المجال العام هو فلسفة، لأنه يولد رؤية عن ذلك المجال، وأنه استعمال فلسفي بامتياز.
وهناك استعمال خامس لمفهوم “فلسفة” وهو استخدام أكاديمي، بمعنى أنه يستخدم كإطار مرجعي منهجي يزين شهادات التخصص التي تمنح لطلبة العلم من الذين اجتازوا مرحلة الدكتوراه، فتعد هذه المرحلة بأنها “فلسفة” في أي تخصص أو حقل معرفي سواء كان اجتماعيا أم تطبيقيا، نظراً لما تقتضيه تلكم المرحلة من تفكير مختلف عن السائد والمألوف، فهو تفكير أكثر عمقاً وبحثاً في جوانب دقيقة في التخصص.
وفي هذا الأمر دلالة على أن التفكير الفلسفي يختلف تمام الاختلاف عما سواه لشموليته وموضوعيته وعقلانيته، ولذا، يمكن اعتبار أن واحدة من أسباب منح “درجة الدكتوراه في هذا الشأن” هي من باب التيمُّن بكون الفلسفة أم العلوم. فالمتعارف عليه أن جميع العلوم والتخصصات العلمية والاجتماعية، خرجت من تحت عباءة الفلسفة، فحتى التاريخ الذي بدأت فيه العلوم بالانفصال عن أمها “الفلسفة” كانت الفلسفة قبل ذلك أماً للعلوم جميعاً. ولعل هناك استعمالات أخرى لهذا المفهوم، لأنه ينفتح على مجالات عديدة، وهذا يدل على تشعب المفهوم وتنوع دلالاته.. الأمر الذي يدفعنا للبحث بشكل أكثر دقة في تشعباته والوقوف على المزيد من فهمه وإدراك معانيه.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: تاریخ الفلسفة

إقرأ أيضاً:

الأكراد بين فخ التاريخ وبؤس الجغرافيا

جغرافيا سياسية بائسة حولت الأكراد عبر التاريخ إلى أدوات بين القوى الإقليمية والدولية وكبش فداء في الوقت نفسه، وما شهده الأكراد في سوريا منذ عام 2011 آخر الشواهد التاريخية على بؤس الجغرافيا وخيانة التاريخ.

خلفيات تاريخية

بدأت المسألة الكردية منذ القرن السادس عشر نتيجة الصراع بين الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية في معركة جالديران عام 1514، كان من نتائجها الاتفاق على عدم إقامة كيان كردي مستقل، ثم الاتفاق عام 1555 على تقسيم منطقة كردستان بين الإمبراطوريتين.

استمر الوضع على ما هو عليه حتى مطلع القرن العشرين مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، فاستغل الأكراد اتفاقية سايكس بيكو الموقعة عام 1916، الخاصة بتقسيم التركة العثمانية، للحصول على كيان مستقل.

نجح الأكراد في وضع قضيتهم على بساط المجتمع الدولي والحصول على دعم دولي عبرت عنه اتفاقية سيفر عام 1920 التي ألزمت الدولة العثمانية بالتخلي عن الأراضي التي يقطنها غير الناطقين بالتركية، وحل المشكلة الكردية على مراحل تنتهي بالاستقلال.

مع قلة الخيارات الكردية، تجد "الإدارة الذاتية الكردية" و"قوات سوريا الديمقراطية" أنفسهم بين أفخاخ التاريخ وبؤس الجغرافيا، لكن هذه المرة يبدو من الخطاب الكردي أن ثمة وعي بحقائق التاريخ وواقع الجغرافيا.لكن المعاهدة بقيت حبرا على ورق مع وصول مصطفى كمال أتاتورك إلى رئاسة تركيا وتأسيسه لما عرف بتركيا الحديثة ذات الحدود القومية الواضحة، وبسبب موقع تركيا الجيوسياسي، واستعاد الدولة لتواجدها، تغاضى المجتمع الدولي عن العهود التي منحها للأكراد.

تكرر الأمر نفسه في العراق، فقد استغلت لندن ظلمهم من أجل تحريضهم ضد الدولة العراقية مطلع عشرينيات القرن الماضي، لكن التحرك الكردي أخذ بعدا آخر في ستينيات القرن الماضي، فنظموا أول تمرد عسكري عام 1961 ضد حكومة بغداد بدعم من تركيا وإيران وإسرائيل بسبب عداوتهم لبغداد، لكن هذه الدول الثلاثة تخلت أخيرا عن الأكراد وتركتهم لمصيرهم مع الدولة العراقية بعيد توقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران عام 1975.

مع الغزو الأميركي للعراق عام 1991، بدأ ما يمكن تسميته الربيع الكردي، فقد حصلوا على دعم سياسي وعسكري أميركي مكنهم من إقامة حكما ذاتيا (إقليم كردستان العراق).

في عام 2017، وبسبب الخلاف مع بغداد على عوائد النفط، نظم إقليم كردستان استفتاءً للانفصال، حصل على تأييد أكثر من 90 % من أصوات الأكراد، لكن خذلان الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والقوى الإقليمية وتعنت بغداد، أحبط المشروع الانفصالي.

ظروف الحرب السورية

استغل الأكراد انسحاب قوات النظام السوري من مناطقهم منذ عام 2012 لتشكيل قوة عسكرية سرعان ما حصلت على دعم عسكري أميركي مع نشوء "تنظيم الدولة" وتوسعه في سوريا.

نشأ لدى أكراد سوريا فورة قومية ناجمة عن قوة عسكرية ودعم من الولايات المتحدة، فوسعوا سيطرتهم في سوريا، ثم بدأوا بترتيب بيتهم السياسي على أمل استغلال اللحظة التاريخية التي تمنحهم إما حقوقا كاملة ضمن دولة سورية موحدة، أو كيانا ذاتيا على غرار إقليم كردستان العراق.

لكن الخذلان الإقليمي والدولي كان حاضرا دائما، وكان الأكراد عام ألفين وستة عشر على موعد مع بدء تركيا أولى عملياتها العسكرية في سوريا (درع الفرات)، ثم أعقبت عام 2018 بعملية عسكرية أخرى (غصن الزيتون) ثم بعملية ثالثة عام 2019 (نبع السلام)، لم تلق اعتراضا أميركيا.

أدت هذه العمليات العسكرية الثلاثة إلى قضم أراضي كانت تحت هيمنة "قوات سوريا الديمقراطية"، وجعلتهم بين فكي كماشة: قوات المعارضة السورية والجيش التركي في الشمال والشمال الغربي، وبين قوات النظام السوري في الشرق والجنوب الغربي.

واقع جديد

مع سقوط نظام الأسد وسيطرة المعارضة المسلحة على الحكم في سوريا، نشأ واقع جديد، ونشأت معه مقاربات إقليمية ودولية جديدة حيال سوريا، عنوانها الرئيس وحدة الأراضي السورية.

تغير أدركه الاكراد سريعا، فرفعوا علم سوريا على مقراتهم بدلا من علم الإدارة الذاتية، في إشارة إلى تأييد وحدة الأراضي السورية، لكن الأكراد الواعين أيضا للحظة التاريخية الفارقة ولقوتهم وتماسكهم في آن معا، أعلنوا أنهم لن يكونوا جزءا من مشروع الدولة الجديدة إلا بعد مفاوضات مع المعارضة على تفاصيل الدستور الجديد وتشكيل الإدارة الجديدة وضمان حقوق جميع المكونات السورية.

إذا كانت الحقوق الكردية قد تحولت خلال السنوات الماضية إلى مسألة وطنية يُجمع عليها كل السوريين، فإن عملية الوصول إلى هذه الأهداف قد تؤدي إلى تفجر الوضع: الأكراد يطالبون أولا بمفاوضات حول حقوقهم وطبيعة النظام السياسي المقبل، في حين تُولي فصائل المعارضة وتركيا الأولوية إلى ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية في ساحة سورية ليست مستقر ومُهددة.خطاب متناقض في الظاهر، في أحد وجوهه ليونة تعكس تراجع الوفرة القومية التي نشأت خلال السنوات الماضية في الوعي لصالح مشروع وطني جامع لكل السوريين، وفي وجهه الآخر تشدد يعكس وعي فائض بالقوة العسكرية.

وإذا كانت الحقوق الكردية قد تحولت خلال السنوات الماضية إلى مسألة وطنية يُجمع عليها كل السوريين، فإن عملية الوصول إلى هذه الأهداف قد تؤدي إلى تفجر الوضع: الأكراد يطالبون أولا بمفاوضات حول حقوقهم وطبيعة النظام السياسي المقبل، في حين تُولي فصائل المعارضة وتركيا الأولوية إلى ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية في ساحة سورية ليست مستقر ومُهددة.

هنا، يجد الأكراد أنفسهم في عنق الزجاجة، فلا واقع ميداني متناقض يمكن اللعب عليه الآن بعد سقوط النظام السوري وخروج روسيا وإيران من المعادلة، وتوجه أميركي جديد داعم لوحدة سوريا، ولا مرونة لدى حكام سوريا الجدد المدعومون من تركيا، العدو اللدود للإدارة الذاتية الكردية.

وليس معروفا حتى الآن في ظل تطورات الأوضاع في سوريا من جهة، والخذلان الأميركي للأكراد من جهة أخرى، ما إذا كانت المسألة ستحل بقوة السلاح أم بتنازل كردي عسكري.

ومع قلة الخيارات الكردية، تجد "الإدارة الذاتية الكردية" و"قوات سوريا الديمقراطية" أنفسهم بين أفخاخ التاريخ وبؤس الجغرافيا، لكن هذه المرة يبدو من الخطاب الكردي أن ثمة وعي بحقائق التاريخ وواقع الجغرافيا.

مقالات مشابهة

  • دعت إلى التفكير في سبل جديدة.. “الصحة العالمية” تحذر من مخاطر أدوية إنقاص الوزن
  • وزيرة التنمية المحلية: مفهوم الصحة الواحدة يعكس وعيا لأهمية الترابط بين النظام البيئي
  • السيسي عن العاصمة الإدارية: حولنا الأراضي التي لا تساوي شيئا إلى أموال نستفيد منها
  • أفكار مميز للاحتفال برأس السنة في المنزل
  • الأكراد بين فخ التاريخ وبؤس الجغرافيا
  • أفكار هدايا عيد الكريسماس للسيدات: اختاري الأجمل
  • لأول مرة منذ 3 عقود.. مفهوم جديد للطعام الصحي
  • غياب مفهوم التماس الأعذار بين الزوجين وجبر الخواطر.. مفتي الجمهورية يوضح
  • الفلسفة الجوانيَّة.. نحو فلسفة عربية-إسلامية أصيلة
  • رجال الأعمال المصريين الأفارقة: يجب ترسيخ مفهوم المشروعات الصغيرة لدى المواطن