تونس.. فنون الخط العربي تستعيد جمالياتها العريقة
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
حين تتجول في أحد القصور القديمة للبايات (الأمراء) في تونس، أو داخل أعرق المساجد في المدن العتيقة، تلحظ تلك الزخارف والخطوط العربية المنقوشة في كل ركن من أركان المعمار القديم، لا سيما وأن رواد الخط العربي في تونس لم يقتصروا في أعمالهم الفنية على المحامل الخشبية أو القماش، بل أبدعوا في تخليد فنهم خصوصا في المعمار القديم حتى في بعض البنايات الحديثة.
فالعديد من المساجد ما زالت تحمل أشكالا فنية زخرفية ومخطوطات، حتى إنها جسدت الهوية الثقافية التي خلدها فن الخط العربي في تونس، الذي أبدع فيه عشرات الخطاطين.
ونقشت أجزاء من أسقف وجدران بعض المتاحف الكبيرة بأنواع مختلفة من الخطوط العربية، مما جعل تونس تسجل الخط العربي عام 2021 ضمن قائمة التراث اللامادي للإنسانية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو".
خطوط عثمانية وأندلسيةوقال الخطاط عمر الجمني إن فصول حركة الخط العربي في تونس بدأت بظهورها على النقوش بين القرنين الثاني والثالث للهجرة في عهد الأغالبة بالقيروان، ثم جاءت مرحلة بني زيري وأضافت العديد من الكتابات الرائعة على الخشب والرق الأزرق والرق الأبيض بخطوط كوفية متنوعة وكذلك في عهد الحفصيين الذين وظفوا أيضا الخط الكوفي المربع المستورد من المشرق على العمارة في سنة 910 هجرية، ثم جاء العهد الأندلسي وبعده العهد العثماني حافلين بأساليب حضارتيهما، إذ رسخ العثمانيون أساليبهم في خطوط الثلث والنسخ التي تعلو أبواب المساجد والمداخل والتكايا والمدارس.
وأوضح في حديث لوكالة الأنباء القطرية أنه كان "للأندلس خطوط منها المبسوط الأندلسي، والمجوهر والثلث المغربي وكانت قيد الاستعمال في تونس إلى حين استبعاد التدريس الإسلامي من جامع الزيتونة في أوائل ستينيات القرن الماضي. أما الخط التونسي الذي يعد من مشتقات الخط الأندلسي والمغربي فكان من ضحايا هذا الاستبعاد وتم تعويضه بخطوط مشرقية لسد الحاجات المطبعية والجرافيكية فقط ومنها خط النسخ الذي تم توظيفه في المناهج المدرسية واستبعاد الخط العربي كمادة فنية من مدرسة الفنون الجميلة مما تسبب في ركود على المستوى الفني والإبداعي امتد إلى حدود العشرية الأولى من هذا القرن حيث بدأ الخطاطون التونسيون يستعيدون تراثهم وهويتهم الخطية ابتداء من تعلم كتابات القرن الخامس الهجري إلى كتابات هذه المرحلة التي نعيشها مرورا بمخرجات المراحل المذكورة ومواكبة للحركة الفنية العالمية ذات الأسلوبين التقليدي والمعاصر".
وتنافس الخطاطون في تونس في تجويد الخط العربي الذي استعمل في البداية خصوصا في المساجد والقصور والمتاحف لا سيما في عهد العثمانيين، ذلك أنهم كتبوا المصاحف الشرقية بأجمل الخطوط ونبغوا في الخط العربي. وظهر التأثر البالغ بالنسق التركي في مختلف الكتابات التي ظهرت في المساجد والجوامع خاصة الحنفية بالعاصمة تونس، وبالمنابر والقباب. حيث إن هذا التأثر أفرز ظهور بعض الخطاطين التونسيين الذين تميزوا بتقليد الخط المشرقي.
ويبرز هذا الفن في تونس جيدا في الاهتمام بخطوط المصحف الشريف على الأخص وبعض البراعات والأختام ومصحف المملوك زهير المخطوط والمحفوظ في أصله بالمكتبة الوطنية بتونس.
ومن بين أبرز الخطاطين في العصر الحديث، السيد محمد صالح الخماسي مدرس الخط العربي سابقا في جامعة الزيتونة وبالمدرسة الصادقية وصاحب مؤلف "المنهج الحديث لتعليم الخط العربي"، حيث يعد رائدا ومجددا في هذا الفن بتونس، وقد أبهر الجميع بما قدمه من أعمال فنية راقية.
فن عالميوتوجد في تونس حاليا هيئة رسمية مرجعية واحدة للخط العربي، هي "المركز الوطني لفنون الخط"، الذي أنشئ في العام 1994، ومن أهدافه حماية فن الخط العربي وتطويره وترويج أساليبه في العالم العربي والإسلامي.
وتمسك بعض الخطاطين بهذا الفن، جعل فنهم يصل إلى العالمية على غرار نجا المهداوي الذي سافر في ستينيات القرن الماضي لدراسة الفنون الجميلة بأكاديمية الفنون بجامعة سانت اندريا بروما وتخرج منها، ليتحول فيما بعد إلى باريس لتلقي تدريبات أكاديمية بالمدينة الدولية للفنون.
وترك نجا لمساته الفنية في عدة معالم على غرار واجهة مسجد الجامعة بجدة. كما أنجز أعمالا قيمة لعدد من الشركات العالمية.
أما لوحاته وجدارياته فهي مقتناة ضمن مجموعات أهم المتاحف في العالم على غرار المتحف البريطاني ومتحف سنيثونيان في العاصمة الأميركية واشنطن.
وأصدر المهداوي العديد من المؤلفات من بينها "كتاب الألف"، وهو عمل على نص ثنائي اللغة لإدوارد مونيك وعزالدين المدني، كما أصدر كتاب "فن الكوليغرافيا"، وغيرها.
فيما اختص الخطاط محمد نجيب الزعلوني في كتابة القرآن. وهو من مواليد 1962، ظهرت موهبته منذ الصف الابتدائي، واكتشف موهبته المدرسون حتى تجاوز مرحلة الثانوي، فنصحه مدرس العربية عبد الحميد نور بالالتحاق بمعهد الفنون الذي كان يدرس فيه محمد الخماسي.
وتخصص نجيب الزعلوني في رسم الخرائط التي تتناغم مع الخط. ونظرا لموهبته تلك تم إرساله إلى معهد تاريخ العسكر والثقافة والإعلام، ليكمل فيه تدريبا مدته سنتان، إلى أن تحصل على شهادة، ليلتحق فيما بعد بكلية القيادة والأركان ليتولى رسم الخرائط.
وغادر الزعلوني الحياة العسكرية واتجه إلى بعض الصحف. وباشر فيها أيضا كتاباته بالخط العربي، ثم التحق بالعمل الإداري في عدة إدارات مركزية، ودور نشر.
اقتدى الزعلوني بعدة خطاطين مثل موسى عزمي وهاشم البغدادي، وتعلم موازين الحروف ومواقعها، والتزم بالقواعد وضوابط الخط العربي كخط النسخ وخط الثلث والخط الفارسي والخط الكوفي الذي يتفرع عنه المورق والخط القيرواني والخط المغربي، وغيرها من الخطوط الأخرى.
كتب محمد نجيب الزعلوني دستور 2014 بخط يده، والذي استغرق منه 3 أشهر وهو أول دستور يكتب بخط اليد. كما كان يخط بيده الشهادات والتكريمات. وصار اليوم متخصصا في كتابة القرآن، من خلال تطويره للخط من حيث الشكل والحجم والجودة، وطريقة الكتابة بأسلوب يسهل على القارئ فك حروفه.
وأشار إلى أن كتاب القرآن بالخط العربي قليلون جدا في تونس. وتخضع تلك المصاحف التي تكتب بخط اليد إلى لجنة مراجعة نص المصاحف بشكل دقيق.
وأكد الزعلوني وجود مصاحف كتبت في تونس بالخط العربي يدويا. وقد تتطلب كتابة سورة واحدة في ورقة ذات حجم كبير سنتين وأكثر. فقد استغرق الخطاط الزعلوني 4 سنوات لكتابة سورة البقرة بشكل مبدع.
خطوط تونسيةلم تتوقف أعمال الخطاطين عند اللوحات أو المحامل الخشبية بل تجاوزتها إلى محامل أخرى على غرار الجدران والسجادات والأثواب وحتى الجلود والأواني الفخارية. ويعد سامي غربي من بين أشهر الخطاطين في تونس اليوم، وهو خطاط عربي تشكيلي يبدع على جميع المحامل مهما اختلفت. سواء الورق أو الجلد أو الآلات الموسيقية، مستعملا الخط المغربي والخط الكوفي المستنبط من النبطية، إضافة إلى بعض الرسوم الشرقية لإضفاء الطابع الشرقي على بعض أعماله. كما ابتكر خطا خاصا به سماه "الخط البنزرتي" نسبة إلى مدينته بنزرت شمالي تونس.
لم يكن سامي الغربي متفرغا للخط العربي إلا بعد بلوغ سن الأربعين. فقط كان موسيقيا وممتهنا لبعض المهن البعيدة عن الفن التشكيلي والخط العربي. ولكنه اختار العودة إلى هوايته التي باتت تشغل كامل وقته اليوم. يتنقل بين المدن التونسية ويسافر إلى بعض الدول لرسم لوحاته بالخط العربي على جميع المحامل. كما أنه باحث في جميع الزخارف والخطوط على امتداد العصور والفترات، لاكتشاف جميع تلك الخطوط التي مرت على الإنسانية وتم توثيقها.
درس سامي الغربي الفنون الجميلة في بعض المعاهد الخاصة، كما درست بعض أعماله في جامعة إسطنبول. وأبدع في تطويع الخط العربي لإنتاج لوحات تشكيلية على عدة محامل.
وقد أبدع الخطاطون في تونس كل حسب هوايته وشغفه، بين من تمسك بالخط المقروء الذي يقدم معنى، وبين من طوع الخط لإنتاج لوحات فنية تراجيدية.
المدرسة الزيتونيةلم يحظ الخط العربي في تونس سابقا بالعناية الكافية، نظرا لارتباطه بالمدرسة الزيتونية. لكن منذ مارس/آذار 2023 تم الإعلان عن مشروع المركز العالمي لفنون الخط بتونس ليكون أحد أهم المراكز في العالم التي تهتم بالخط بمختلف اللغات خاصة أن العديد من الجهات أبدت استعدادها للمساهمة في تنفيذ هذا المشروع الرائد.
وسيمكن هذا المركز من المساهمة في النهوض بالبحث والتجارب وإنجاز الدراسات وجمع البيانات والتوثيق في مجال الخط العربي على وجه الخصوص، وسائر الخطوط الأخرى عموما، إلى جانب إقامة المعارض وتنظيم الملتقيات والندوات.
وسيشتمل المركز على قاعات للمؤتمرات وفضاءات للتكوين والورشات إضافة إلى متحف للخط العربي ولعديد الخطوط الأخرى، وذلك بهدف إعادة إشعاع الخط العربي كفن وجزء من الحضارة العربية الإسلامية، والحفاظ على الموروث الثقافي الوطني، إلى جانب أنه سيكون قبلة لكل من يهتم بالثقافات الأخرى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بالخط العربی على غرار هذا الفن
إقرأ أيضاً:
شهادة حول عصر مضطرب من تاريخ تونس المعاصر.. كتاب جديد
صدر مؤخرا عن الدار المتوسطية للنشر بتونس كتاب من الحجم الكبير، من 550 صفحة، يحمل عنوان: "أقواس من حياتي" للكاتب والاعلامي والناشط السياسي والحقوقي التونسي المستقل صلاح الدين الجورشي. وقد برز الجورشي منذ عقود بحضوره الفكري والإعلامي العربي وبمساهماته في القنوات التلفزية والمجلات والصحف التونسية والعربية عديدة بينها مجلة 15*21، التي أسسها مع المفكر احميدة النيفر ورفاقه من مجموعة "الإسلاميون التقدميون في تونس" في الثمانينات، وصحيفة "الرأي" المعارضة وجريدة الصباح اليومية ثم مجلتي حقائق والمغرب الأسبوعيتين..
هذا الكتاب اختار له مؤلفه أسلوب "كتاب المذكرات والشهادات"، وهو يقدم سردية شخصية عن أكثر من نصف قرن من الحراك الفكري والثقافي والحقوقي والسياسي في تونس وفي كامل المنطقة العربية الإسلامية .
وبحكم خصوصية التجارب الفكرية والسياسية والإعلامية التي مر بها الجورشي خلال الخمسين عاما الماضية، قدم الكتاب قراءة نقدية وتأليفية للأدوار التي لعبها مع عدد من رموز النخب التونسية من عدة تيارات وانتماءات في قطاعات الإعلام والنضال من أجل الحريات وحقوق الإنسان والتعددية الفكرية والسياسية .
كما قدم الكتاب شهادات مكتوبة شخصية نادرة عن دوره وعدد من رفاقه مرحلتي التأسيس والتفعيل لـ "التيار الإسلامي التونسي الحركي الجديد" ثم تيار "الإسلاميين التقدميين" و"اليسار التونسي والعربي الحقوقي المعتدل" وجمعيات ثقافية وحقوقية محلية وإقليمية ودولية كان من بينها جمعية منتدى الجاحظ والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وشبكات للديمقراطيين في العالم العربي والفضاء الأورومتوسطي.
رسائل إلى النشطاء الإسلاميين والعلمانيين
وإذا كان كتاب الجورشي حاول أن يقترب أكثر من القارئ بأسلوبه الجميل والخفيف وتجنب تعقيدات الدراسات الفكرية المعمقة، فقد بدأ واضحا أنه حرص على أن يبلغ رسائل ثقافية وسياسية بالجملة أغلبها موجه إلى النخب التي كان قريبا جدا منها أو خاض معها معارك فكرية وإعلامية وسياسية أي النخب الإسلامية وخاصة "الاخوانية" و"السلفية" من جهة، والنخب والماركسية اللينينية والتيارات "الحداثية الاستئصالية" التونسية والعربية من جهة ثانية.
كان كتاب "أقواس من حياتي" للجورشي وثيقة فكرية سياسية تأريخية تأليفية حاولت "توظيف الشهادات الشخصية ذات الصبغة التاريخية" لتقديم قراءة لتطورات تونس والمنطقة بعد انتفاضة شبابها في العقد الأول من القرن الحالي وخاصة أواخر 2010 ومطلع 2011 ضمن ما عرف بـ "ثورات الربيع العربي".ولعل من أهم ما قد يفيد الباحثين والأجيال القادمة في هذا الكاتب خصص فقرات عديدة لتقديم "سردية نقدية" لتجاربه وعدد من الزعماء "المؤسسين" للحركات الإسلامية التونسية من جماعة الدعوة والتبليغ إلى الجماعة الإسلامية ("الإخوانية") وحركات الاتجاه الإسلامي والنهضة و"اليسار الإسلامي" و"التيار الإسلامي التقدمي" في تونس ومصر والمنطقة منذ تأسيس مجلتي "المسلم المعاصر" ثم "اليسار الإسلامي" في مصر وبروز كتابات ومفكرين مثيرن للجدل بينهم فتحي عثمان وجمال الدين عطية وحسن حنفي ومحمد عمارة وغيرهم من المتحفظين على "القراءات المحافظة والماضوية والسلفية المتشددة للاسلام دينا وتراثا وفكرا"..
تأسيس المعارضات في تونس والمنطقة
لكن الكتاب قدم في نفس السياق معلومات وشهادات مهمة عن جوانب عديدة في مسار تأسيس المعارضة التونسية والمغاربية والعربية الليبيرالية واليسارية والإسلامية المعتدلة خلال العقود الماضية، مع التوقف عند بعض مظاهر"الانغلاق الفكري والسياسي والحزبي" التي برزت في نفس الوقت داخل بعض الحركات والأحزاب الإسلامية واليسارية المتشددة والمجموعات "الحداثية الاستئصالية ".
وكانت هذه المجموعات بقية أسيرة "العقل الحزبي" و"القوالب الأيديولوجية الجاهزة". ولم ينجح بعضها في التحرر من عقدة "المدرسة اللائكية الفرنسية المتشددة" التي برزت مطلع القرن العشرين ولا في الانخراط في القيم التعددية الكونية التي تبنتها "العلمانية الديمقراطية الانقلوسكسونية".
طرائف.. واستنتاجات
ومن بين ما ميز الكتاب أن مؤلفه تعمد، على غرار ما عرف به في بعض كتاباته الصحفية ومداخلاته، أن يمزج الجد بشيء من الهزل وتقديم بعض "الطرائف والنوادر"، بدءا من حديثه عن "الفأر" الذي اكتشفه في مستودع للأرشيف في شركة النقل التي بدأ مساره المهني فيها شابا، قبل أن ينتقل إلى عالم الصحافة. وكان وقتها مكلفا بكتابه تقرير عن أوضاع الحافلات العمومية كان مطالبا بتسليمه لمسؤول الأرشيف .
فتساءل بينه وبين نفسه: هل قدر له أن يقضى حياته في تلك المهنة يوفر" للفأر" ما يحتاجه من ورق ليقضمه ويعيش؟
كما تعمد الكاتب نشر بعض "طرائف" الأستاذ عبد الفتاح مورو في مراحل عديدة من مشواره داخل الساحات الإسلامية والحقوقية والسياسية والبرلمانية، رغم الصبغة المثيرة للجدل لبعض تلك "الطرائف"، وبينها التمرة التي أهداه إياها آية الله الخميني، عندما التقاه في باريس مع بعض القيادات الإسلامية السنية، أو روايته عن "الرصاصة" التي أطلقت عليه في مستوى القلب يوم المواجهات الدامية بين قوات الأمن التونسي والعمال والعاطلين عن العمل يوم 26 يناير 1978، في سياق الصراعات العنيفة على خلافة "الرئيس المريض" الحبيب بورقيبة .
لقاءات مع مفكرين عالميين
وإذا كان القارئ المتابع لتطورات الحياة السياسية ومسارات حركات "الاحتجاج الشبابي" الإسلامية واليسارية في تونس والمنطقة يمكن ان يجد في شهادات صلاح الدين الجورشي ما يشفي غليله جزئيا من معلومات وأفكار، فإن من بين أبرز إضافات المؤلف أنه قدم "إضافات فكرية" مهمة، بعضها في شكل شهادات عن قراءاته ولقاءاته ومناظراته مع نخبة من المفكرين والكتاب والسياسيين العرب والتونسيين من مدارس مختلفة.
وهنا تبرز جوانب مهمة من الإشكاليات التي أثارها الكاتب والكتاب، لا سيما عندما عرض أو ناقش بعض أفكار وكتابات أعلام بارزين بينهم هشام جعيط والطيب التيزيني وحسن حنفي ومحمد أركون ومالك بن نبي ومحمد عمارة وسعد الدين العثماني وعصمت سيف الدولة ويوسف القرضاوي ومنير شفيق ومحمد الطالبي واحميدة النيفر ومصطفى النيفر وزياد كريشان فاطمة المرنيسي وبرهان غليون وطارق البشري ورضوان السيد وعدد من علماء الشيعة المعتدلين...
التيار الإسلامي "الثوري" والتيارات الإصلاحية
يضاف إلى هؤلاء عدد من كبار رموز الفكر والسياسة و"الإسلاميين الثوريين" وزعماء الحركات السياسية الإسلامية الشيعية والسنية بعد ثورتي إيران وأفغانستان أواخر سبعينات القرن الماضي ،بينهم محفوظ النحناح وقيادات جزائرية والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ محمد حسين فضل الله من لبنان وقياديين ومثقفين وسياسيين إيرانيين بينهم زوجة المفكر الإيراني والكاتب "الإسلامي التقدمي" الشهير علي شريعتي الذي اغتالته مخابرات الشاه الإيراني الإيرانية في بريطانيا، فساهم اغتياله في تفجير الثورة الكبرى التي أطاحت بحكمه.
قدم الجورشي سردية حول جلسات حوار ومناظرات جمعته بعدد كبير من السياسيين والمثقفين في تونس والمنطقة، بينهم الرئيسين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي ورفاقهم وقيادات حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وحمادي الجبالي والمقربون منهم في الحكومة والبرلمان .في نفس الوقت قدم الكتاب عروضا عن حوارات فكرية سياسية خاضها مع عدد من الحكام والسياسيين التونسيين والعرب بينهم الرئيسان الباجي قائد السبسي والحبيب بورقيبة ومعمر القذافي ورئيس البرلمان التونسي السابق راشد الغنوشي ورئيس الحكومة التونسية الأسبق محمد الغنوشي.. كما شملت الحوارات أجيالا من رواد الحركات المعارضة الليبيرالية والإسلامية واليسارية في تونس بينه راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو والفاضل البلدي وصالح كركر ووزراء وبرلمانيون سابقون في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي بينهم رواد حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ورابطة حقوق الانسان التونسية وصحف المعارضة الليبيرالية مثل احمد المستيري وحسيب بن عمار وخميس الشماري محمد الشرفي ..
شهادات عن "الاستثناء الديمقراطي التونسي"
في السياق نفسه كان كتاب "أقواس من حياتي" للجورشي وثيقة فكرية سياسية تأريخية تأليفية حاولت "توظيف الشهادات الشخصية ذات الصبغة التاريخية" لتقديم قراءة لتطورات تونس والمنطقة بعد انتفاضة شبابها في العقد الأول من القرن الحالي وخاصة أواخر 2010 ومطلع 2011 ضمن ما عرف بـ "ثورات الربيع العربي".
في هذه الشهادات قدم الجورشي سردية حول جلسات حوار ومناظرات جمعته بعدد كبير من السياسيين والمثقفين في تونس والمنطقة، بينهم الرئيسين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي ورفاقهم وقيادات حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وحمادي الجبالي والمقربون منهم في الحكومة والبرلمان.
وكشف الجورشي في كتابه جوانب مما جرى في الكواليس في العشرية الماضية، التي يعتبر أنصار الديمقراطية التونسية بكونها قدمت " صة نجاح" وأنها "قدمت نموذجا عربيا وإسلاميا للتعددية والتعايش بين الفرقاء رغم ثغرات الدستور الجديدة والسياسات المتبعة والفشل في تحقيق استقرار سياسي امني يضمن حماية " الاستثناء الديمقراطي التونسي "..
مراجعات.. توسيع الآفاق
إجمالا يستحق الكتاب القراءة المتأنية والفهم ثم المناقشة والنقد، خاصة أن مؤلفه قدمه في شكل "شهادة" غضت الطرف عن حقائق كثيرة يمكن تناولها في دراسات معمقة، بما في ذلك فيما يتعلق بمسارات تجديد الفكر الديني والخطاب السياسي الإسلامي والحداثي في تونس والتجارب العديدة "للإسلاميين التقدميين" و"الإسلاميين المستقلين" و"التيار الإسلامي الديمقراطي المستنير" وحركات "الإصلاح" التي لا يجب أن تختزل في تجربة واحدة، على أهميتها ..
إذن فالكتاب قدم محاولة فكرية سياسية تأليفية مهمة جدا، لكنه يحتاج إلى متابعة القضايا التي أثارها في كتب ودراسات أخرى، تقرأ بدورها التاريخ المعاصر والواقع بنية البناء والإصلاح واستشراف مستقبل أفضل..