فاتح زمن الانتصارات.. وبلسم جروح اليمن
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
من قال إن الشهيد الكبير السيد حسن نصر الله قد غادرنا؟ على الأقل نحن هنا في اليمن التي تعرفت على هذا القائد المجاهد العزيز من خطابات الانتصار التي تكررت على مسامع الشعوب، أنه الانتصار على العدو الصهيوني الذي عانت الأمة أمامه من الخيبات والنكسات، حتى جاء نصر الله، وفتح زمن الانتصار، وأغلق الباب بمصراعيه على زمن الهزائم.
منذ استشهاده، ملأت صوره أركان صنعاء وساحات المحافظات، رفعت في المنازل وعُلقت على السيارات، والشوراع، أصبح أكثر حضورًا، بدمه الطاهر، وتضحيته الكبيرة، وخطاباته القوية التي زعزعت أركان الكيان، لا سيما توصيفه بأنه أوهن من بيت العنكبوت.
الشعب اليمني كغيره من شعوب أمتنا، كان يتوق ليرى عبارة أخرى، غير (النكسة، والنكبة). وعندما سمع لأول مرة عن انتصار على هذا العدو، وجيشه الذي لا يقهر، التفت بكل جوارحه إلى هذا القائد الاستثنائي الذي ملأ سمع العالم وبصره، وكانت بداية الارتباط الروحي بين اليمنيين والسيد نصر الله.
ربما في بعض اللحظات ينسى الناس، أو بالأصح يغفلون عن معاني الانتصار، أو لعلهم لا يدركون عميق تلك الدلالات وعظيم الدروس التي يمكن أن تستفيدها الشعوب، ولعدة أسباب ربما أكثرها تأثيراً، هو أن الأنظمة تعاملت مع انتصارات حزب الله بشيء من التغافل وكأنها لم تكن، وبدلاً من أن تسارع لاستثمار الخروج الإسرائيلي المذل من جنوب لبنان، تحت ضربات المقاومة وحزب الله، رأينا المبادرة العربية للسلام التي حاولت أن تفرغ النصر من مضمونه، وتعاملت مع الكيان على أنه لم ينهزم.
في ذات العام الذي صدرت فيه المبادرة العربية للسلام، كان الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي يلقي محاضرات التحذير من مشاريع أمريكا وإسرائيل، يحذر الأنظمة وينذر الشعوب، ويشيع أجواء الاستعداد للخطر الداهم، كان النصر بين عينيه ماثلاً كأنه الشمس في عز الظهر، فالقرآن يؤكد، ومن لا يصدق القرآن؟!! والواقع يشهد، ومن يقدر أن يكذب الواقع؟!
الواقع الذي كان ماثلاً أمام الشهيد القائد، هو حزب الله وانتصاراته، قائده الفذ، السيد نصر الله، فالأشخاص الذين يثقون بالله، يقول الشهيد القائد: (يتكلمون بملء أفواههم بكل تحدٍّ لإسرائيل عند رأسها، حسن نصر الله، وأمثاله، بكل صراحة، وبكل قوة، من منطلق ثقته بصدق القرآن، أن هؤلاء أجبن من أن يقفوا في ميدان القتال صامدين، وجربوهم فعلاً، جربوهم في جنوب لبنان، كيف كانوا جبناء، يهربون، جندي واحد يرد قافلة، ورتل من الدبابات، الشاحنات العسكرية، أرعبوهم حتى أصبح اليهود متى ما خرج اليهودي من جنوب لبنان إلى داخل فلسطين يبكي من الفرح، ويقبِّل أسرته، خرج من بين غمار الموت).
يقارن السيد حسين الحوثي، بين خطابات السيد نصر الله، وخطابات الزعماء العرب: (هل أحد منكم شاهد [السيد حسن نصر الله] في التلفزيون وهو يتكلم بملء فمه، وبكل قوة وبعبارات تهز إسرائيل…كلمات مجاهد، كلمات شجاع، كلمات تحتها جيش من الشباب المجاهدين الأبطال، يتكلم كلمات حقيقية مؤثرة، وهو بجوارهم، وهو يعلم أن معهم قنابل ذَرِّيّة، وأن معهم صواريخ ومعهم دبابات، ومعهم كل شيء، لكن قلبه من القلوب المملوءة بتولّي الله ورسوله والذين آمنوا فأصبحوا حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، كما سيأتي عندما نصل إلى عند هذه الآية).
هذا الرجل المهم، والشخص القوي، والمؤمن، كما يصفه السيد حسين بدر الدين الحوثي، لم تكن وسائل الإعلام العربية تتحدث عنه، بل تحاول أن تصفه كما وصفت الإمام الخميني، والمقاربة هنا للسيد حسين، فهو عند الإعلام العربي رافضي خبيث!! الإعلام العربي الذي: (يهرب من الرجل القوي، بينما أولئك – يقصد اليهود الصهاينة- يبحثون عن الرجل القوي، كيف النتيجة الطبيعية لهذا؟ هو أن يكون هؤلاء ضعافاً بضعف زعمائهم، ضعافاً بضعف نفوسهم، ضعافاً لأنهم لا يحملون أي اهتمام بشيء).
أمام النموذج الذي قدمه حزب الله وقائده الملهم، وضع الشهيد القائد ذلك النموذج موضع القدوة والتأسي: (عندما نرى مثلاً حزب الله سنقول: أولئك رجال) مؤكداً: (أن بإمكاننا أن نكون رجالاً كأولئك) محذراً من البقاء في موقع الإعجاب، وعدم الانتقال إلى التأسي، لكي لا (يكون واقعنا كما قال تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}).
من هنا نقل السيد حسين بدر الدين الحوثي، حالة الإعجاب اليمنية، لدى شباب اليمن، إلى حالة التأسي، والسير على نفس الطريق، انطلاقا من ذات المنطلقات: الإيمان بالله ووعده، وتوجيهاته تعالى بالتصدي للأعداء من اليهود: فالمؤمن و(من قلبه مملوء بالإيمان، مَن قلبه سليم، لا يمكن أن يخاف على نفسه منهم؛ لأنه يثق بالله، ويعلم بأن ما يقوله الله سبحانه وتعالى عنهم حقائق، بل يكون قوياً عليهم، جريئاً عليهم).
علاقة اليمنيين بالسيد نصر الله، امتدت وتعمقت، عندما كان هو الصوت الوحيد الذي وقف إلى جانبهم، في وجه العدوان الأمريكي السعودي الشامل، واعتبره أعظم موقف وأشرف موقف، فتشرف اليمنيون بصوته وموقفه، وحتى دمعته الشريفة التي بللت خده ذات خطاب، حين انبرى زعماء عرب بصوت معربد في قمة شرم الشيخ، يستعرضون قوتهم على اليمن وأطفاله ونسائه، لن ينسى شعبنا تلك الوقفة الصادقة، والموقف العظيم.
في خضم الصراع الذي يكتنف العالم العربي، تبرز علاقة اليمن بالسيد حسن نصر الله كرابطة مميزة بين طرفين تتجاذبهما قيم النضال والثبات، متجاوزين الحدود والمسافات. اليمن، بحضارته العريقة وثورته المستمرة ضد الظلم، يجد في شخصية السيد نصر الله رمزًا للصمود، وصوتًا ينبعث من خلف الحصار والجراح، يشبههم في التحدي ولا يهاب الخصوم، ويجسد بصبره وخطابه نموذجًا للمقاومة التي تتخطى الجغرافيا، لتتوحد تحت راية الحق والعزم.
في كل خطابٍ له، كأن السيد حسن نصر الله يهمس لليمنيين بروح الإكبار والإعزاز والتضامن، مؤكدًا أن قضايا الحق لا تُهزم وإن طالت رحلتها، وأن هناك شعوبًا لا تملك سوى عزتها، فتصنع منها سلاحًا لا ينكسر، مشيراً إلى مواقف الشعب اليمني دون كلل ولا ملل، في دعم غزة، ويقدمهم نموذجاً للأمة يمكن الاحتذاء به، وهو الشعب الذي يعمل ما يعمل ويقف إلى جانب غزة، رغم ما يعانيه من العدوان والحصار، لم يتخذ من تلك الظروف جملاً لمغادرة الموقف، ولا ليلاً للاختباء في ظلامه بعيداً عن غزة.
هكذا كان الشهيد الأسمى يرى اليمن، في المقابل، يستلهم اليمنيون من تجربته في الثبات والتفاني، ويرون فيه قامة تتحدى الهيمنة والظلم؛ فتلك علاقةٌ ترسمها ملامح الجهاد المشترك وقوة الإرادة، حيث يتحول التضامن إلى طاقةٍ متبادلة تتحدى كل قيود الزمن والمكان، لا سيما وقد روى شجرتها بدمه الطاهر، ليبقى شاهداً وشهيداً من هناك من عليائه على العطاء ونقاء الموقف.
تكتسب العلاقة خصوصيتها في مستوى التناغم الكبير بين السيدين القائدين، السيد نصر الله من بيروت، والسيد عبد الملك الحوثي من صنعاء، لا سيما عندما جاء الحديث عن وحدة الساحات، ومحور القدس، والحرب الإقليمية.
تشكل علاقة التناغم بين السيد عبد الملك الحوثي والسيد حسن نصر الله رمزًا للوحدة في درب المقاومة، حيث تتلاقى رؤاهما وتتكامل، بشكل لا يمنعه تباعد المسافة، ولا ينتقص منه بعد الشقة، لتجسد روحًا واحدة تنبض بالعزيمة والجهاد. كلاهما يقف في وجه الرياح العاتية، يحملان قضايا الأمة بأمانة وإيمان لا يتزعزع، وتجد شعوب أمتنا في كل واحد منهما مرآة لصوت الحق في زمن كثرت فيه المؤامرات، والخيانة .
يتشابهان في رؤيتهما لمستقبل يقف فيه المستضعفون بكرامة، وتجمعهما لغة الصمود، حيث كل خطاب أو تصريح لهما يتحول إلى جسر يصل بين شعبيهما، ملهمًا إياهم بالمضي قدمًا في مواجهة المصاعب. بهذا التناغم، تتجاوز علاقتهما حدود السياسة والجغرافيا، لتصبح رمزيةً لأمل الأمة، في النصر وتحقيق السيادة، حيث يدركان أن قضايا الأمة لا تُحسم إلا بروح مشتركة تستمد قوتها من الإيمان والثبات.
في ظل طوفان الأقصى، إذاً، تعززت علاقة اليمن، قيادة وشعبًا، بالسيد حسن نصر الله، من خلال دعمه الصادق للقضية الفلسطينية ولكل قضية عادلة، يُجدد السيد نصر الله صدى رسالته في اليمن، معززًا الإيمان بوحدة الصف المقاوم، ومؤكدًا أن ما يجمعهم ليس مجرد المواقف السياسية بل مصير مشترك يسعى لرفع الظلم عن كل الأمة الإسلامية والعربية.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
تصنيف أمريكا لأنصار الله.. خطوة فاشلة لفرض الهيمنة على اليمن
في خطوة تصعيديّة جديدة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تصنيف أنصار الله كـ «منظّمة إرهابية أجنبية»، مبرّراً ذلك بأنّ «الحوثيّين» شنّوا هجمات متكرّرة على السفن الحربية الأمريكية واستهدفوا كيان العدو الإسرائيلي بالصواريخ والمسيّرات، فضلاً عن العمليات الدفاعية ضدّ السعودية والإمارات خلال العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن بقرابة نصف مليون غارة.
هذا التصنيف يحمل في طياته أكثر من مجرّد تحرّكات سياسية كيّدية وربما عسكرية عدوانية؛ فهو يطرح تساؤلات عميقة عن مفهوم «الإرهاب» والممارسات الأمريكية في مناطق عديدة من العالم.
لا شكّ أنّ هذا التصنيف يثير السخرية لدى الكثيرين في اليمن. كيف يُتهم من يساند المظلومين في غزة ويدافع عن أرضه وسيادته بـ «الإرهاب»، بينما «أمّ الارهاب» أمريكا التي مارست أشكالاً متعدّدة من التوحّش والقتل والدمار في فيتنام، العراق، ومؤخّراً في فلسطين، تصف نفسها بأنها «رائدة السلام»؟ هذه التناقضات تُبرز معايير مختلّة في السياسة الأمريكية التي تبرّر عدوانها تحت شعار «الدفاع عن النفس»، بينما تُشهر تهمة « الإرهاب» في وجه من يقاومون الاحتلال والعدوان. اليمن، الذي وقف مع المستضعفين في غزة ورفض الإبادة، يُصنّف بـ «الإرهاب» لمجرّد وقوفه ضدّ العدوان الأمريكي الإسرائيلي.
من يمنح أمريكا الحقّ والشرعيّة في التدخّل السافر في شؤون الدول الأخرى؟ هذا السؤال يتردّد على لسان الكثيرين في المنطقة، وخاصة في اليمن، الذي تعرّض لأكثر من نصف مليون غارة جوية، ممّا أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف من اليمنيين وتدمير بنيتهم التحتية.
وهل كان من حقّ أمريكا نشر قطعها الحربية في البحر الأحمر، لحماية ملاحة المجرم الإسرائيليّ ومصالحه، بينما تتجاهل حقّ اليمن في الدفاع عن نفسه، وحقّ أبناء غزة وفي فلسطين في الحياة وفي السيادة على أرضهم المغتصبة؟
التصنيف الأمريكي يأتي في وقت حسّاس، حيث يسعى ترامب إلى فرض مزيد من الضغوط على اليمن، خاصة على الصعيدين المالي والعسكري، بتجميد أصول «أنصار الله» في الولايات المتحدة وحظر أيّ تعاملات تجارية معهم.
لكنّ هذا القرار، بعيداً عن كونه خطوة مستهلكة وغير جديدة، لا يعدو أن يكون امتداداً للسياسات الأمريكية السابقة التي فشلت في التأثير على اليمن. فاليمن اليوم ليس كما كان في الماضي، بل أصبح قوة إقليمية لا يمكن تجاهله، قادر على فرض معادلات جديدة على الساحتين الإقليمية والدولية.
اليمنيون اليوم يدركون أنّ هذا التصنيف عديم الجدوى ولن يردعهم، بل سيزيد من عزيمتهم في الدفاع عن حقوقهم ومساندة قضايا الأمّة وفي المقدّمة فلسطين. فمن يتصوّر أنّ تصنيف اليمنيّين بالإرهاب سيؤدّي إلى تراجعهم عن كفاحهم من أجل السيادة والحرية، هو واهم.
ولن يتوقّف اليمن عن مقاومة العدوان مهما كانت الضغوط ومهما كان حجمها. أضف إلى ذلك، أنّ اليمن قد يمتلك أوراق ضغط اقتصادية وعسكرية في المقابل وستؤثّر بشكل كبير على المصالح الأمريكية، بل على مصالح حلفائها وأدواتها في المنطقة.
في الوقت نفسه، نجد أنّ التصنيف الأمريكي يتزامن مع خطوات أخرى، أبرزها إعلان ولي العهد السعودي استعداده لاستثمار 600 مليار قابلة للزيادة في أمريكا، فهل هذه الاستثمارات الضخمة في الولايات المتحدة ستكون ثمناً لهذا التصنيف؟ ما هو واضح أنّ التحرّكات الأمريكية والسعودية في هذا السياق قد تؤدّي إلى تصعيد جديد قد يعقّد الوضع اليمني والإقليمي بشكل أكبر، وخلافاً لما يخطّطون له، والتجربة خير شاهد.
في نهاية المطاف، يجب أن يعرف كلّ أعداء اليمن أنّ الحلّ الوحيد مع اليمن ليس في استعدائه وتصنيفه أو العدوان العسكري عليه. الحلّ يكمن في الحوار مع اليمن بندّية، على أساس المصالح المشتركة، ومن لا يراعي مصالح اليمن واليمنيين لن يراعي اليمن مصالحه. فعلى ترامب أن يدرك بأنّ هذا التصنيف لن يغيّر في الواقع شيئاً، بل قد يكون حافزاً أكبر لليمنيين للاستمرار في التصدّي أكثر للتدخّلات الخارجية.
إذا كان ترامب يعتقد أنّ هذه الضغوط ستؤدّي إلى إضعاف إرادة اليمنيين، فهو مخطئ. هذا القرار لن يزيدهم إلا إصراراً على الدفاع عن أرضهم وحقوقهم، ولن يغيّر التزامهم بمواصلة جهادهم ونضالهم من أجل الحرية والسيادة والكرامة.