نتنياهو يقيل غالانت: مجرم يقيل مجرما
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
في ديوانه في بناية مكتب رئيس الوزراء في «القرية الحكومية» غربي القدس، والواقعة فوق أرض الشيخ بدر الفلسطينية، سلّم رئيس الوزراء الإسرائيلي، مساء الثلاثاء الماضي، وزير أمنه الجنرال المتقاعد يوآف غالانت، رسالة إقالة، ونشر فور ذلك شريطا قال فيه «الثقة تصدّعت بيني وبين وزير الأمن وأصبحت بيننا فجوات واسعة في إدارة المعركة الحربية»، ووجه إلى غالانت تهمة إطلاق تصريحات والقيام بتصرفات تتناقض وقرارات الحكومة، وأشار إلى أن أزمة الثقة أصبحت علنية «واستمع إليها الأعداء واستفادوا منها كثيرا».
وجاء في بيان نتنياهو أنّه قرر تعيين يسرائيل كاتس وزيرا للأمن خلفا لغالانت، وتولية غدعون ساعار في وزارة المالية.
لم تكن إقالة غالانت مفاجئة، وكان من الواضح في الأشهر الأخيرة أنّ نتنياهو يتحيّن الفرصة المناسبة لتنحيته عن وزارة الأمن، بسبب استقلاليته النسبية وعلاقاته الوطيدة والحميمية في واشنطن وارتباطه الوثيق بالمؤسسة الأمنية التي يتهمها نتنياهو بأنّها تناصبه العداء.
وجاء اختيار توقيت التنحية تبعا للتطوّرات الداخلية في الائتلاف الحاكم، والحاجة لإزاحة غالانت لتمرير قانون إعفاء اليهود الحريديم من التجنيد، بعد أن هددت الأحزاب التي تمثلهم، هذا الأسبوع، بإسقاط الحكومة إذا لم يجرِ سن هذا القانون في الكنيست.
كما قدّر نتنياهو أن الانشغال الإعلامي بالانتخابات الأمريكية يضعف الاحتجاج على الإقالة، التي من المتوقّع أيضا أن يخف الاهتمام بها تبعا للهجوم الإيراني المتوقّع.
يمكن القول بكل بساطة إن نتنياهو ما كان ليقدم على إقالة غالانت، لولا أنه على ثقة بأنه يستفيد منها من جهة ويستطيع تحمّل ثمن تبعاتها من جهة أخرى. ويبدو أن التبعات ليست ثقيلة، لأن الجنرال غالانت لم يحقق إلى الآن النجاح والنصر في الحرب، ولو جاء بنصر مقنع، لما تجرّأ نتنياهو على الإطاحة به في خضم المعارك الحربية.
وفي خلفية الإقالة، يبرز الخلاف حول من المسؤول في القيادة الإسرائيلية عن فشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وعن الإخفاق في تحقيق أهداف الحرب. ويبدو أن احتدام الخصومات في محافل الحكم في الدولة الصهيونية هو نتاج للارتباك والتخبّط، بعد صدمة «طوفان الأقصى» وما تلاها، والظاهر أن «الإنجازات» الأمنية والعسكرية المتتالية في الآونة الأخيرة، لم تكن كافية لإخراج القيادة الإسرائيلية من حالة اضطراب ما بعد الصدمة. في شهر مارس/آذار من العام المنصرم، قرر نتنياهو إقالة غالانت، لكنّه اضطر إلى التراجع تحت وطأة المظاهرات والإضرابات.
من الناحية السياسية، لا توجد فروق جوهرية بين نتنياهو وغالانت، فكل منهما متطرّف على طريقته، وكلاهما مسؤولان بالدرجة نفسها عن حرب الإبادة الجماعية في غزة
هذه المرة لن يتراجع، خاصة بعد أن تراكمت عنده أسباب إضافية للإقالة. من الناحية السياسية، لا توجد فروق جوهرية بين نتنياهو وغالانت، فكل منهما متطرّف على طريقته، وكلاهما مسؤولان بالدرجة نفسها عن حرب الإبادة الجماعية والدمار الشامل والتطهير العرقي في غزة، والاثنان يفاخران بالعدوان الوحشي الإجرامي على لبنان، وبجرائم الاغتيال المتكررة والمتواصلة، وهما متهمان في المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، ومن المفروض أن تصدر مذكّرة اعتقالهما قريبا. ومع أن السياق العام هو أن مجرما يقيل مجرما مثله، الّا أن هناك فروقا بينهما في عدة قضايا ومواقف، بعضها مهم وله تأثير على سير الحرب.
الفرق الأهم بينهما هو أن غالانت أيد بقوة التوصّل إلى صفقة تبادل للأسرى ولوقف إطلاق النار، وعاد وأكّد في مؤتمره الصحافي بعد الإقالة بأن الأمر ممكن وأن الجيش يستطيع تحمّل «أثمان» هذه الصفقة. نتنياهو يعارض بشدّة أي صفقة، وقد تبين مؤخّرا أن مكتبه تورّط في مخالفات أمنية خطيرة وتسريبات للصحافة الأجنبية هدفها، إظهار أن حركة حماس ويحيى السنوار تحديدا كانا ضد الصفقة، وذلك لتبرئة ساحة نتنياهو في الشارع الإسرائيلي وتخفيف ضغط عائلات المحتجزين عليه. موقف غالانت في محصّلته يفضح كذب نتنياهو بأن حماس هي العائق.
وبغض النظر عن الدوافع والحسابات، فإن هذا تباين مهم جدا في المواقف، وله أثر مباشر على استمرار حرب الإبادة في غزة، التي يتحمل الاثنان مسؤوليتها، لكن أحدهما يقبل بوقفها في إطار صفقة، والثاني يسعى لإطالتها قدر المستطاع.
لقد بسط نتنياهو هيمنة كاملة على القرار السياسي في إسرائيل، من خلال الحكومة والأغلبية البرلمانية، وهو يسعى لمد سيطرته إلى القيادة الأمنية أيضا، ويرى في غالانت عائقا أمام وصوله إلى هذا الهدف، وقرر إزاحته لأنه يبدي بعض الاستقلالية في المواقف، ولأن إقالته تسهل على نتنياهو الإطاحة بالقيادات الأمنية غير الموالية له، وفي مقدمتها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هليفي، ورئيس الشاباك رونين بار.
وعندما يتمم نتنياهو انقلابه السياسي على العسكر، فإنه يقترب من حلم السيطرة على السلطة التنفيذية بالكامل، إضافة إلى هيمنته على السلطة التشريعية، ولا يبقى له سوى مواصلة التغيير في السلطة القضائية، وقد دعا الأسبوع الماضي إلى التخلص من المستشارة القضائية للحكومة، التي تعتبر رأس الهرم في النيابة العامة، واتهمها بعرقلة عمل الحكومة. ويعتقد نتنياهو ومن حوله بأن إزاحة المستشارة ورئيس الشاباك ستؤدّي إلى وأد التحقيق في فضيحة سرقة وتسريب الوثائق السرية، خاصة أن الشاباك هو الذي يحقق والنيابة العامة هي التي تقرر في مصير الملف.
في مؤتمره الصحافي، بعد الإقالة بساعات، قال غالانت إن أحد أسباب إقالته هو إصراره على إقامة لجنة تحقيق رسمية حول السابع من أكتوبر وما تلاه. ومن المعروف أن نتنياهو يحاول بلا كلل منع إقامة مثل هذه اللجنة، ويقوم بحملة دعائية مكثّفة لتبرئة ساحته من المسؤولية وتحميلها لقيادات الأجهزة الأمنية «التي لم تكن جاهزة ولم تقم بتحذيره في الوقت المناسب».
ويبدو أن نتنياهو على قناعة بأن إبعاد غالانت عن وزارة الأمن يضعف تأثيره على مسألة التحقيق في المسؤولية عما جرى في العامين المنصرمين، إضافة إلى خلفية «حقد» نتنياهو على غالانت، جاء تهديد الأحزاب الدينية التوراتية بإسقاط الحكومة، ليضغطه للاستعجال في إقالة غالانت، الذي لم يرفض قانون إعفاء الشباب «الحريديم» فحسب، بل كان ينوي إصدار 7000 استدعاء للخدمة العسكرية لهم. ويبدو أن إقالة غالانت أحبطت هذه الاستدعاءات، وفتحت الباب أمام سن قانون الإعفاء وضمان استقرار الائتلاف الحكومي.
لا يبدو أن إقالة غالانت ستؤدّي إلى تغييرات مهمة في إدارة العدوان على غزة ولبنان، ولكنها قد تسهّل تنفيذ بعض الأمور التي عارضها غالانت مثل، قيام الجيش الإسرائيلي بتوزيع المعونات الإنسانية بشكل مباشر، كما يريد نتنياهو، الذي يسعى إلى تعميق الاحتلال في غزة وتوسيع نطاقه. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن وزير الأمن الجديد يسرائيل كاتس، قد وصل منصبه وهو قليل الخبرة، وبعد أن توصل إلى تفاهمات انسجام في المواقف والرؤى مع نتنياهو، فإن الأخير سيكون وزير الأمن الفعلي لتصل قراراته الى قيادة الجيش بلا «فلترة».
المتوقّع أن الغالبية في الشارع الإسرائيلي تعارض الإقالة، ولكن من المستبعد أن يشهد هذا الشارع احتجاجات ضخمة كالتي تلت الإقالة الأولى في مارس 2023، لأن هناك تعب وإجهاد من الحرب والخدمة الطويلة في الاحتياط، ولأن الانتخابات الأمريكية وتداعياتها تطغى على المشهد العام هذه الأيام، إضافة إلى اليأس من إمكانية التأثير على القرار.
ما يريده نتنياهو هو ضمان استقرار حكومته لمدة عامين إضافيين حتى الموعد الرسمي لانتخابات الكنيست في خريف 2026، وهو يعمل على إطالة الحرب على غزة سنة أو سنتين، ويسعى إلى تأجيل محاكمته ومثوله فيها بادعاء «الانشغال بالحرب». وهو يعتقد أن سيطرته شبه المطلقة على مفاصل الحكم كافة تسهّل عليه تحقيق ما يروم إليه.
ولعل الأهم بالنسبة له، في هذه المرحلة، أن يحقق «نصرا مطلقا»، أو أن يحرز على الأقل «إنجازات» عسكرية كبيرة تسجل لصالحه لاحقا في صناديق الاقتراع وفي كتب التاريخ. وقد آن الأوان لمساع جدية فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية لوقف الحرب وحرمانه من هذه الإنجازات. ولو كانت هناك عدالة في هذه الدنيا لما كان المشهد هو مجرم يقيل مجرما، بل مجرمان في قفص الاتهام في محكمة الجنايات الدولية.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه نتنياهو إقالة غالانت غزة الاحتلال غزة نتنياهو الاحتلال إقالة غالانت مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إقالة غالانت بعد أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
عودة الحرب على غزة.. نتنياهو يبحث عن نصر مطلق ويبعثر مسار التفاوض
منذ 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تعمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إحباط أي تقدم في أي مفاوضات تقود إلى وقف الحرب على قطاع غزة، ولجأ إلى ذرائع مختلفة في كل مرة يرى فيها نفسه بعيدا عما يسميه "النصر المطلق".
ولم يُرد نتنياهو من وراء إطالة أمد المفاوضات تحسين شروطها والإتيان بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) "صاغرة" لإعادة الأسرى وفق شروط إسرائيلية، بل أراد في حقيقة الأمر تحقيق جملة من الأهداف الإستراتيجية المرتبطة برسائل القوة للداخل الإسرائيلي وتحقيق الردع في غزة والضفة والمنطقة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 280 غارة خلال شهر.. هل حققت إسرائيل أهدافها من استباحة أجواء سوريا؟list 2 of 2تاريخ عريق وواقع متأزم.. هل تستطيع إيران "الانبعاث من تحت الرماد"؟end of listوبمساعدة الولايات المتحدة إسرائيل في تحقيق أهدافها طوال فترة الحرب، وضلوعها أيضا في تذليل عقبات التفاوض، يظهر السؤال حول مآلات الحرب والتفاوض والأهداف من ورائها، وهو ما ناقشه الباحث محمد هلسة في ورقة بحثية نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "مسارات الحرب والتفاوض في غزة وأزمة الحلول".
"الحرب فقدت جدواها"ظهر بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 نقاش في إسرائيل حول الأهداف التي يرجى تحقيقها من الحرب التي ستشن على قطاع غزة، وتعمَّق النقاش أكثر بعد الاجتياح البري، وسط تضخم مشاعر انتقامية تنادي بضرب حماس بأي طريقة.
وتلخصت أهداف الحرب التي أعلنتها الحكومة في القضاء على البنية التحتية العسكرية والحكومية لحماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين، وتبديد أي تهديد مستقبلي لإسرائيل في القطاع.
إعلانواستخدمت إسرائيل في سبيل ذلك القوة الجوية المدمرة والعمليات البرية واستهداف البنية التحتية والاغتيالات التي طالت قيادات عسكرية وسياسية، إلى جانب تشديد الحصار والتجويع الممنهج ومنع إدخال المساعدات.
ومع طول عمر الحرب، تعالت الأصوات الإسرائيلية لوقف القتال في أقرب فرصة، بدعوى أن "الحرب استنفدت أهدافها وتحولت إلى حرب مراوحة لا إمكانية لتحقيق مزيد من الإنجازات فيها"، مع المطالبة بوضع ملف استعادة الأسرى الإسرائيليين على قائمة الأولويات.
واصطدمت تلك الأصوات مع موقف نتنياهو القائل بضرورة استمرار الحرب حتى تحقيق "النصر المطلق"، من دون توضيح طبيعته أو كيفية تحقيقه.
وتمكن نتنياهو حتى اللحظة من تصفية عدد من قادة من حماس، على رأسهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ورئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف وعديد من القادة الآخرين، إلى جانب تدمير معظم القوة القتالية لحماس وترسانتها الصاروخية، واستعادة معظم الأسرى بالمفاوضات، واقتطاع جزء كبير من القطاع في الشمال لتوسيع المنطقة الأمنية العازلة، وتحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للعيش.
ورغم ذلك كله، فإن إسرائيل عجزت عن القضاء على حماس على نحو كامل بوصفها قوة ما زالت تخوض مجموعاتها حربا على إسرائيل وتفرض قوتها وسيطرتها على قطاع غزة، مانعة بذلك إسرائيل من فرض بدائلها المختلفة لحكم القطاع، واحتفاظها حتى الآن بعدد من الأسرى الإسرائيليين.
بدأت المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل في يناير/كانون الثاني 2024 في العاصمة الفرنسية باريس، ثم في القاهرة في فبراير/شباط من العام نفسه، لتستقر المفاوضات بعد ذلك في الدوحة.
وانتهت جميع الجولات من دون تحقيق اختراق في مسارها، إلى أن أعلن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عن "مقترح إسرائيلي لوقف إطلاق النار لمدة 6 أشهر والإفراج عن جميع المحتجزين"، ورغم تبني مجلس الأمن الدولي للمقترح في قراره رقم 2735 يوم 10 يونيو/حزيران 2024 وموافقة حماس، فإن نتنياهو تنصل منه وقرر الاستمرار في الحرب.
إعلانبعد ذلك، عادت مفاوضات الدوحة بمشاركة أميركية ومصرية، ثم توقفت مرة أخرى وسط تمسك نتنياهو بمحور صلاح الدين (فيلادلفيا) وتفتيش العائدين إلى شمال غزة، ليتدخل الرئيس الأميركي المنتخب حينها دونالد ترامب للدفع نحو التوصل إلى اتفاق قبل تنصيبه رسميا يوم 19 يناير/كانون الثاني 2025، وهو ما حدث، ثم خرقته إسرائيل يوم 18 مارس/آذار 2025.
ويقوم الموقف الإسرائيلي في المفاوضات على وجوب استمرار الحرب حتى بعد توقيع أي اتفاق، على افتراض أن الاتفاق لن يحقق أهداف الحرب، وهو ليس سوى مسار جزئي ووقتي لاستعادة الأسرى وحرق أوراق حماس في أي مفاوضات مستقبلية.
وخلق الموقف الإسرائيلي هذا حالة من العبث خلال المفاوضات، فالتفاوض على وقف إطلاق النار على أساس مطلب استمرار إطلاق النار لا يوحي إلا بالاستخفاف بطرف مقابل يفاوض أساسا على شروط وقف إطلاق نار مستدام وإنهاء الحصار وإعادة الإعمار.
وتتباين الجبهة الإسرائيلية بين نتنياهو وحلفائه من اليمين الذين يرون أن أولوية الحرب هي القضاء على حماس وأن الأسرى الإسرائيليين ليسوا سوى ثمن يسير في سبيل ذلك من جهة، وأحزاب المعارضة وأهالي الأسرى الذي ينادون بأن يكون الأسرى على رأس الأولويات من جهة أخرى.
تبني حماس موقفها على أساس إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من المحاور الرئيسية والمدن وعودة سكان شمال القطاع وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين تحددهم هي، وسط هيمنة إسرائيل ميدانيا وتكنولوجيا.
ورغم مرونة حماس في التفاصيل المتعلقة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، فإن نتنياهو ظل يختلق الذرائع لتفادي الالتزام بمقتضيات اتفاق وقف إطلاق النار، ويتهرب من الإعلان عن القبول بوقف الحرب والانسحاب من القطاع عبر افتعال الأزمات وتقديم شروط إضافية.
إعلانوتعاملت حماس مع المماطلة الإسرائيلية بمطالبة الوسطاء بوضع جدول زمني وتقديم ضمانات دولية لتنفيذ ما اتفق عليه، وهي تعي أن السلوك الإسرائيلي والأميركي يراد منه سحب ورقة الأسرى من يد الحركة فحسب.
أظهرت حماس بعد التوقيع على اتفاق الهدنة الأخيرة التزاما كاملا ببنود المرحلة الأولى، في حين كان واضحا أن نتنياهو لم يكن ينوي أصلا الوصول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، ناهيك على الثالثة، وهو ما يفسر قرار العودة للحرب.
وافتقرت إسرائيل للنية الحسنة على مدار المفاوضات، فقد كانت تأمل في إثارة رد فعل عنيف من جانب المقاومة يوفر لها ذريعة العودة إلى الحرب، وبينما لم ينجح الفخ، عادت إسرائيل مع ذلك إلى الحرب وألقت باللوم على حماس.
ويواجه نتنياهو وضعا داخليا يزداد تعقيدا بالتزامن مع العودة إلى الحرب، فمن المفترض أن ائتلافه سيجري تصويتا على موازنة عام 2025، وليس لديه الأغلبية اللازمة لتمريرها، وهو ما قد يودي بحكومته، خاصة مع استقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في فبراير/شباط الماضي ثم استقالة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في نهاية مارس/آذار، احتجاجا على رغبة بن غفير في حقائب وزارية أكثر للعودة إلى الحكومة بعد استئناف الحرب.
ويمكن تلخيص الأسباب غير المعلنة للعودة إلى الحرب في 3 أسباب:
1- تعمد نتنياهو استدامة الحرب على غزة لأطول فترة ممكنة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك لمعرفته أن المجتمع الإسرائيلي يستجيب للهدوء في أثناء الحروب، وهو ما يفتح الباب أمام حالة استثنائية قد تمكنه من إحداث تغييرات عميقة.
2- رفع مستوى المواجهة مع حماس كما لم يكن ممكنا من قبل، وهو ما عبّر عنه مسؤولون إسرائيليون لصحيفة نيويورك تايمز بقولهم: "نستهدف الآن قادة كبارا في حماس لم نكن نعتبرهم أهدافا في السابق"، وهو ما يعني السعي إلى انهيار حماس عمليا وتسليم القطاع إلى العشائر المحلية.
إعلان3- استكمال مشروع التهجير وتحقيق أجندة أوسع للاحتلال، مع بحث إسرائيل عن وسائل جديدة لإعادته إلى الطاولة والبحث عن بدائل لمصر والأردن قد تشمل سوريا والسودان والصومال وغيرها من الدول التي يمكن لترامب مساومتها بملفات اقتصادية أو سياسية.
4- عودة الحرب على غزة بالتزامن مع الضربات الأميركية في اليمن قد تكون مقدمة لضرب إيران وحسم المعركة معها ومع حلفائها في المنطقة، خاصة مع التحريض الإسرائيلي المستمر ضدها، ومع تصريحات ترامب عن احتمال التصعيد معها.
في ظل تهديدات نتنياهو بأن للضربات الجوية ما بعدها والدعم الأميركي الأعمى وغياب الإسناد الخارجية للمقاومة بما يكفل تغيير مسار الحرب أو إيقافه، فإن مستقبل الحرب يحتمل 3 سيناريوهات:
1- من المرجح أن تستمر الحرب في غزة إلى حين الموافقة على الميزانية، مما يعني أن الحرب قد تتوقف بعد عدة أسابيع متفاوتة الشدة.
2- قد تنجح حماس في الموافقة على مقترح مبعوث ترامب ستيف ويتكوف في تشجيع الوضع الداخلي الإسرائيلي المضطرب والرهان على إمكانية حدوث تحولات داخلية إسرائيلية تكبح جماح إسرائيل في مواصلة الحرب، لكنه رهان محفوف بالمخاطر وقد يجدد الحرب مع نهايته.
3- إذا لم ينجح ويتكوف في تقريب وجهات النظر بين حماس وإسرائيل، فإن ترامب قد يقع في مأزق "تقديم الدعم لحرب لا نهاية لها"، دون القدرة على التوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح الأسرى ووقفا دائما لإطلاق النار، في حين قد يأتي التدخل الأميركي لاحقا لوقف الحرب من دون اتفاق.
في المحصلة، لا يبدو أن هناك أي آفاق سياسية في المستقبل، فالمقاومة لا تزال صامدة رغم الخسائر، وهو ما يسبب قلقا وجوديا لإسرائيل، لأنه قد يمثل مشروعا نموذجيا لقوى أخرى في المنطقة، ويجعل الفوضى وسيلة إسرائيل الوحيدة لاستمرار الحرب إلى حين تنفيذ مشروع التهجير أو القضاء على حماس.
إعلان
[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة عبر هذا الرابط]