استهلاك اليمن من القمح 3 ملايين و400 ألف طن منها 97% يتم استيراده

دشنت في محافظة ذمار فعاليات الأيام الحقلية في إقليم المرتفعات الوسطى ذمار والبيضاء والضالع والتي تم فيها زراعة 300 موقع قمح في حقول المزارعين وتحسين الحبوب والبقوليات التي تنفذها محطة بحوث المرتفعات الوسطى التابعة للهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي.

. لتسليط الضوء أكثر كان لصحيفة الثورة ان التقت بعدد من المسؤولين الذين تحدثوا في السطور التالية:

الثورة / رشاد الجمالي – ذمار

الأخ / إبراهيم المداني- نائب وزير الزراعة والموارد المائية والثروة السمكية: فرصة كبير ونحن ندشن الأيام الحقلية لمحصول القمح في المرتفعات الوسطى التابعة للهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي .. مؤكدين على ضرورة تكامل الجهود بين كافة الهيئات والمؤسسات الزراعية لتحقيق تنمية زراعية فعالة تسهم في تحقيق الأمن الغذائي وتقليص الفجوة الغذائية وصولاً إلى الحد من استيراد الغذاء من الخارج.

وأضاف نائب الوزير : نعول على القطاع الزراعي الذي يعد من القطاعات الواعدة لتحقيق الاقتصاد الوطني ونحن في الوزارة حريصون على ان يكون قطاع البحوث والإرشاد الزراعي من أولوياتنا الكبيرة وقد تم من خلالها وضع خطوط عريضة لاستراتيجية تنموية مستقبلية في كافة المجالات الزراعية، بما في ذلك تطوير دور البحوث الزراعية والمساهمة في رفد كافة المؤسسات الزراعية بالرؤى العلمية الدقيقة التي تمكّنها من الوصول إلى الهدف المنشود.

وثمن جهود الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي ممثلة بالمحطة الإقليمية لبحوث المرتفعات الوسطى في إقامة هذه الأنشطة الهادفة والتي تأتي في إطار الجهود الرامية للتوسع في إنتاج المحاصيل النقدية، وخاصة القمح والبقوليات.

لا نحتاج للاستيراد

-المهندس سمير الحناني- وكيل الوزارة لقطاع تنمية الإنتاج بوزارة الزراعة والموارد المائية والثروة السمكية : قمنا اليوم بالتدشين ووضع البداية الأولى للقفزة النوعية التي تسعى الوزارة إلى تحقيقه من الاكتفاء الذاتي من محصول القمح بأيادي يمنية وزراعة يمنية لكي نثبت للعالم اننا لا نحتاج إلى استيراد القمح وسوف نكتفي بزراعته في بلادنا مثلما كان في السابق أيام أبنائنا وأجدادنا وتحتم على الجهات الزراعية التعاون والتكامل بينها وبين المؤسسات الزراعية الأخرى لما من شأنه تحقيق تنمية زراعية قوية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وعلى تحقيق الأمن الغذائي ورفع مستوى معيشة المزارعين الشريحة الأكبر في المجتمع .

وشدد الأخ الوكيل على ضرورة وضع برنامج عمل يكون من خلاله تطوير البحوث والإرشاد الزراعي بحيث يكون رافدا خلال المرحلة المقبلة لوزارة الزراعة والتي على أساسها سيتم وضع الخطوط العريضة لاستراتيجية تنموية في كل مجالات الزراعة تقوم على تطوير دور البحوث الزراعية والمساهمة في رفد كل المؤسسات العلمية الدقيقة لتكون قادرة على تحقيق الهدف المنشود للتنمية الزراعية.

النباتي والحيواني

-الدكتور عبدالله العلفي- رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي: تعمل الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي العديد من الأنشطة البحثية في مختلف الدراسات البحوثية والدراسات والتطبيقية ليستفيد منها المزارع بشكل عام وأن أهداف الهيئة تتمثل في تخطيط وتنفيذ البحوث بحسب حاجة القطاع الزراعي في تطوير الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني من خلال البحوث والدراسات العلمية والتطبيقية في المجالات الزراعية المختلفة ودعم وتنسيق الأنشطة البحثية والإرشادية على المستوى الوطني.

وتقوم الهيئة بتطوير تقنيات محسنة وملائمة تساهم في زيادة الإنتاجية الزراعية وتعمل على استدامة قاعدة الموارد التي تدعم الزراعة ودراسة العوامل الاقتصادية والاجتماعية المحددة للإنتاج الزراعي في الأقاليم البيئية الزراعية المختلفة ووضع الحلول المناسبة لها، بالإضافة إلى وضع وتنفيذ السياسات والخطط والبرامج في مجال الأبحاث الزراعية والإرشاد الزراعي بالتنسيق مع الجهات المختصة.

إضافة إلى أن الهيئة تعمل على توثيق ونشر نتائج البحوث والدراسات وتبادلها مع الجهات المعنية محليا وخارجيا .. بالإضافة إلى تنمية العلاقات مع المؤسسات العربية والإقليمية والدولية العاملة في مجال البحوث والإرشاد الزراعي والاستفادة من إمكانياتها وخبراتها.. كما تشارك الهيئة في وضع برامج تنمية المرأة الريفية في الجانب الزراعي بالتنسيق مع مشاريع التنمية والجهات ذات العلاقة وإعداد وتنفيذ الخطط والبرامج الخاصة بتدريب وتأهيل الكادر البحثي والإرشادي وتنمية مهارته وكذا تقديم الخبرات الاستشارية للأفراد والمؤسسات المحلية والأجنبية في جوانب تخصصها.

نتائج مبهرة

الدكتور عبدالالة مجلي- مدير عام محطة بحوث المرتفعات الوسطى : جاء التدشين اليوم تنفيذا لتوجيهات القيادة الثورية والسياسية بالتوسع في زراعة الحبوب بهدف الوصول إلى الاكتفاء الذاتي حيث تم زراعة 300 موقع قمح في حقول المزارعين بهدف نشر وتقييم أصناف القمح المحسنة وهي 8 أصناف تتميز بغلتها العالية ومقاومة الأمراض وملائمة البيئة المحلية في اقليم المرتفعات الوسطى والشمالية وأشار انه تم توزيع بذور الأصناف والسماد في ست مديريات موزعة على 40 موقعاً في مديرية الحدأ و40 موقعاً مديرية جهران و34 مديرية مكيراس و36 مديرية صباح 30 مديرية الطفة 120 مديرية دمت.. وسوف نشاهد نتائج مبهرة وكما لوحظ تفاعل المزارعين في المناطق المستهدفة الذين أبدوا حرصهم على الحصول على بذور الأصناف المزروعة ونتطلع إلى أن يكون المزارعون المشاركون نواةً لنشر تلك الأصناف لغيرهم من المزارعين في إطار المناطق المجاورة .

أعلى عائد للمزارعين

-الدكتور / حسان الخولاني – مدير عام قطاع البحوث : تأتي أهمية الأيام الحقلية للوصول إلى شريحة المزارعين بشكل واسع بتعريفهم بأصناف الحبوب والبقوليات المحسنة من خلال تعريفهم بمميزات الأصناف المحسنة والخصائص الإنتاجية لها وإنتاجها العالي من الحبوب في وحدة المساحة والتي تحقق للمزارعين اعلى عائد من خلال تبني هذه الأصناف، لذلك فان الأيام الحقلية تؤدي الى اقناع اكبر قدر من المزارعين بهذه الأصناف وبالتالي تبني اكبر شريحة منهم لزراعة تلك الأصناف واستحداث مساحات جديدة في زراعتها بما يلبي رغباتهم وبالتالي زيادة المساحة المزروعة والتوسع في زراعة أصناف القمح للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من خلال تزويدهم بالخبرات والمهارات الحديثة حول صيانة وإكثار بذور الأصناف لإنتاج بذور محسنة يتم استخدامها في المواسم اللاحقة والاعتماد الذاتي لإنتاج البذور وتوسيع المساحة الزراعية بأصناف تعطي غلة عالية.

المحصول الأول

-المهندس/ احمد عبدالحبيب مالك العبسي -المدير الفني في محطة بحوث المرتفعات الوسطى : محصول القمح يُعتبر المحصول الأول بين محاصيل الحبوب من حيث الأهمية العالمية وتكمن أهميته في كونه يوفر أكثر من 25 % من احتياجات الإنسان من البروتين والسعرات الحرارية كما يمثل مصدراً رئيسياً لتأمين الغذاء لأكثر من 35 % من سكان العالم Bushuk (1998).

قُدرت المساحة المزروعة بمحصول القمح على المستوى العالمي بحوالي (266.0) مليون هكتار، وقُدر الإنتاج المُحقق من هذه المساحة بـ(734.0) مليون طن. FAOSTAT (2019) وفي الوطن العربي يُقدر أنتاج محصول القمح بحوالي 3.9 % من إجمالي الإنتاج العالمي، المنظمة العربية (2019).

وعلى مستوى الجمهورية اليمنية يحتل القمح المركز الأول من حيث الاستهلاك والذي بلغ ما يقرب من ثلاثة وأربعمائة ألف طن منها 97 % يتم استيراده، والمركز الثالث من حيث المساحة المزروعة والتي بلغت عام 2021م 60955 هكتاراً وهي تمثل 10.6 % من مساحة زراعة الحبوب، وإنتاج 138027 طناً وهذا يمثل ما نسبته 15.7 % من الإنتاج الكلي للحبوب في الجمهورية ومعدل الإنتاج 2.3 طن/هكتار (الإحصاء الزراعي 2021)، حيث تجدر الإشارة إلى أن زراعة القمح تتركز في مناطق المرتفعات الجبلية (الجنوبية ، والوسطى ، والشمالية) حيث تغطي 77.6 % من مساحة القمح 72 % من الإنتاج وذلك خلال موسمين زراعيين في السنة احديهما في الشتاء تحت ظروف الري والآخر صيفي تحت ظروف الأمطار أو الري التكميلي..

وتعمل البحوث الزراعية على تحسين محصول القمح من حيث زيادة الغلة في وحدة المساحة ومقاومة الأمراض إضافة إلى الاهتمام بالصفات الإنتاجية للمحصول وتحسين عناصر الغلة لمحصول القمح، حيث اطلقت الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعية عدد من الأصناف التي تتميز بصفات إنتاجية عالية وتحملها للضغوطات البيئية المختلفة على مدى واسع من البلاد فمنها المتحمل لظروف الجفاف وأخرى مقاومة للأمراض وأصناف لديها القدرة عل الاستجابة للمدخلات الزراعية لتعطي إنتاجية عالية في وحدة المساحة ومن هذه الأصناف: (بكيل وبحوث13 وبحوث3 وبحوث37 وبراقش واوسان وسهيل ….الخ).

وتعتبر نقل التقنيات الحديثة (نشر الأصناف وحزم التقنيات) إلى حقول المزارعين هي نهاية الحلقة بالنسبة للبحوث وبداية العملية بالنسبة للمزارع ولذلك تنشأ أهمية توصيل الصنف المحسن أو العملية المحسنة إلى حقول المزارعين وذلك بتنفيذ حقل إيضاحي في حقول المزارعين مع إكساب المزارعين المهارة والمعرفة والتدريب على التعامل مع التقنية الحديثة ومنها نشر صنف جديد من القمح مع تعريف المزارعين عن عملية انتخاب الأفضل والملائم للبيئة المحلية السائدة لديهم بما يحقق نجاح الصنف والوصول إلى أعلى غلة ممكنة منه بتطبيق العمليات الزراعية المحسنة وذلك خلال موسم تنفيذ الحقل الإيضاحي لديهم.. من خلال تنفيذ الحقل الإيضاحي في حقول المزارعين ومتابعة الباحثين والمرشدين الزراعيين بمعية المزارعين خلال موسم النمو، تبقى هناك حاجة لتعريف المزارعين الآخرين غير المشاركين بالنشاط وإكسابهم نفس المهارات التي عند المزارعين المشاركين (المتبنين الأوائل).

لذلك تأتي الخطوة الأهم وهي تنفيذ الأيام الحقلية التي يتم فيها دعوة أكبر عدد من المزارعين بحضور عدد من قيادات المجالس المحلية شركاء التنمية وصانعي القرار لتقييم التقنية أو الصنف الجديد من القمح ومعرفة رأيهم حول الصنف الجديد، وهذه الأيام الحقلية تهدف إلى:

– اطلاع المزارعين على نتائج زراعة الصنف الجديد ومعرفة خصائصه الإنتاجية في إطار المناطق المستهدفة.

– تعريف المزارعين والمرشدين على أفضل العمليات الزراعية ومقارنة الأصناف في المنطقة.

– تعريف شريحة عريضة من المزارعين وإكسابهم المهارات اللازمة لتبني الأصناف الجديدة من القمح.

– يعتبر اليوم الحقلي هو تدريب للمزارعين والمرشدين حيث يقوم الباحث بنقل احدث المهارات والخبرات اليهم عن طريق اللقاء المباشر بهم.

– توصيل الرسائل الخاصة من خلال معطيات اليوم الحقلي الى شركاء التنمية وصانعي القرار.

– مناقشة المزارعين عن مشاكلهم والتغذية الراجعة للمعلومات ووضع حلول مقترحة لها بمشاركة المزارعين ووضع برامج وخطط مستقبلية لها.

– معرفة الصفات الإنتاجية المرغوبة لدى المزارعين عند تقييم الأصناف والاهتمام بتلك الصفات وتوجيه نظر الباحث اليها.

– عملية المشاركة بين الباحث والمرشد والمزارع في تقييم وانتخاب الأصناف الجيدة .

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: الهیئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعی فی حقول المزارعین المرتفعات الوسطى الأیام الحقلیة من المزارعین محصول القمح من القمح من خلال من حیث

إقرأ أيضاً:

انقلاب صامت.. بين دستوبيا الشركات العالمية ومقاومة الجنوب

في قلب واشنطن، أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في شارع "كيه ستريت" الشهير بجماعات الضغط وشبكات النفوذ، خاضت السلفادور معركة قانونية شرسة بين عامي 2009 و2016 ضد شركة التعدين الكندية "باسيفيك ريم". لم تكن القضية مجرد نزاع على ترخيص منجم، بل عكست صراعًا أوسع على سيادة الدول في مواجهة نفوذ الشركات العابرة للقارات.

من هذه القضية، ينطلق كتاب "انقلاب صامت: كيف أطاحت الشركات بالديمقراطية"، للصحافيَين البريطانيين كلير بروفوست ومات كينارد، الذي صدر بترجمة أيمن حداد عن "منتدى العلاقات الدولية". ويغوص عبر 20 فصلًا في صراعات مشابهة، مرتكزا على بحث ميداني في 25 دولة وعلى أرشيف مكثف كان الوصول إليه معبّدا بالصعوبات.

في عملهما الاستقصائي هذا، يتتبع المؤلفان قصة تشكل نظام قانوني دولي يمنح الشركات العالمية حق مقاضاة الدول أمام هيئات دولية بعيدًا عن محاكمها الوطنية، ويفرض عليها تغيير قوانينها لصالح المستثمر الأجنبي.

قاد المحتجون حراكًا تحت شعار "لا للتعدين، نعم للحياة"، واجهوا خلاله العنف والترهيب، حتى دفع بعضهم حياته ثمنًا (الفرنسية) قصة مقاومة سلفادورية

بدأ النزاع بين "باسيفيك ريم" (أوشيانا غولد حاليًا) والحكومة السلفادورية عندما أقامت الأولى دعوى تطالب بتعويض قيمته 250 مليون دولار. ادعت الشركة الكندية أن السلفادور انتهكت قوانين الاستثمار إذ رفضت منح ترخيص لتعدين الذهب في منجم "إل دورادو" وحرمتها من الفوائد الاقتصادية المتوقعة. في حين أكدت الحكومة أن الشركة لم تستوفِ الشروط المطلوبة، وأن الموافقة كانت ستشكل خطرًا بيئيا جسيمًا، لا سيما على موارد المياه.

رغم انتصار السلفادور قانونيا، كشفت القضية عن التوتر المستمر بين اتفاقيات "التنمية" الاقتصادية والسيادة الوطنية. تحوّل "إل دورادو" إلى رمز للصراع ضد المصالح الأجنبية، حيث اعتبر السلفادوريون الشركات العابرة شكلاً جديدا من الاستعمار.

قاد المحتجون حراكًا تحت شعار "لا للتعدين، نعم للحياة"، واجهوا خلاله العنف والترهيب، حتى دفع بعضهم حياته ثمنًا. ومع ذلك، استمرت المقاومة، وأثمرت في 2017 حظر التعدين، لتصبح السلفادور أول دولة في العالم تتخذ هذا القرار.

إعلان

لا شك في أن هذه قصة مثالية للبدء في كتاب يغرق قارئه تاليًا في دستوبيا رأسمالية، فرغم أن قضية السلفادور تصوّر ترهيب الشركات للحكومات لا سيّما في دول الجنوب، وصعوبة وصول الباحثين والصحافيين إلى وثائق بشأن نفوذ هذه الشركات، فإنها تقول أيضًا إن المقاومة ممكنة وإن إخفاقها ليس حتميًا.

المصرفي الألماني هيرمان جوزيف آبس (غيتي) لحظة تأسيس نظام التحكيم الاستثماري

يعود كتاب "انقلاب صامت" إلى تأسيس نظام التحكيم الاستثماري التابع للبنك الدولي، مستعيدًا لحظة قلق الدول الاستعمارية على مصالحها بعد تهاوي كولونيالياتها تباعًا. أصبح فندق فيرمونت في سان فرانسيسكو، في أكتوبر/تشرين الأول 1957، نقطة تجمع لبعض من أقوى رجال المال والأعمال في العالم.

كان من بين أولئك الرجال المصرفي الألماني هيرمان جوزيف آبس، الذي وُصف بأنه نجم الحدث، بعد أن دعا إلى "ماجناكارتا رأسمالية" تحمي المستثمرين الأجانب في وقت كانت فيه حركات إنهاء الاستعمار والقومية الاقتصادية تكتسب زخمًا. يمثل آبس صورة المصرفي المثالي المستفيد من سياسات أي نظام يعمل تحته من النازية خلال الحرب إلى نشاطة لإعادة الإعمار والتعويضات بعد الحرب.

كانت أنباء التأميم تصل تباعًا من مستعمرات سابقة بعد استقلالها، كوامي نكروما في غانا، إلى عبد الناصر يؤمم قناة السويس، وغواتيمالا التي وضعت يدها على الحقول والمزارع التي كانت تحت سيطرة شركة "شيكيتا".

وسط هذه التحولات، استخدم آبس المؤتمر منصة لإنشاء إطار يحمي المستثمرين الأجانب من تأميم أصولهم. وتبلورت إستراتيجية النخب الاقتصادية الغربية في الحفاظ على السيطرة على تدفقات رأس المال العالمية حتى مع انهيار الهياكل الاستعمارية القديمة، مما جعل اقتراح آبس محوريًا في مؤتمر سان فرانسيسكو، وكان طموحه ممثلا في إنشاء نظام قانوني دولي يسمح للمستثمرين بمقاضاة الحكومات مباشرة، وهو ما تجسد لاحقًا في اتفاقية "آبس-شوكروس" التي شكلت أساسًا للبنية القانونية لمنازعات المستثمرين والدول اليوم.

إعلان تجارة المساعدات للدول النامية

في مشهد سريالي آخر، داخل قاعة مهندسة بفخامة هذه المرة، يقف مؤلفا الكتاب بين رجال أعمال مجتمعين ببدلاتهم الباهظة، يبحثون عن الفرص المتاحة في مجال "بزنس" المساعدات للدول النامية والمنكوبة، التي تعد أسواقًا لفرص استثمارية ضخمة تقدّر قيمة الأعمال المرتبطة بها بين 70 و100 مليار دولار، وهو رقم يوازي حجم صناعة الأمن السيبراني أو صناعة النشر الصحفي عالميًا.

على المنصة هناك من يخطب عن التنمية والشعوب، في وقت يعكس فيه الحدث واقعًا مختلفا: هذه شبكة من الشركات الخاصة تبحث عن نصيبها من عقود المساعدات الممولة من الحكومات والمنظمات الدولية.

مئات الشركات تعرض منتجاتها من الخيام إلى الخدمات الأمنية، في بيئة ترويجية لا تختلف عن معارض السيارات أو التكنولوجيا، ولا يبدو أن هناك اهتمامًا حقيقيا بقضايا الفقر أو التنمية. هذه هي أجواء معرض "إيدإي إكس" (AidEx) الذي عقد في بروكسل عام 2014.

يستعرض الكتاب الواقع المعقد للمساعدات الدولية، التي تُقدَّم للجمهور على أنها تحويلات نقدية مباشرة من الدول الغنية إلى الفقيرة، لكنها في الواقع تخضع لعمليات وسيطة معقدة تستفيد منها الحكومات والشركات الكبرى، وتصل نسبة صغيرة فقط مباشرة إلى المجتمعات المحتاجة. أما الجزء الأكبر، فيمر عبر شبكات من المتعاقدين والمنظمات الدولية، مع استخدامه في أغراض أخرى.

يضرب المؤلفان بفضيحة "سد بيرغاو" التي كانت مارغريت تاتشر عرابتها. فحين تبنى مهاتير سياسة "التوجه شرقًا" مفضلًا التعامل مع دول شرق آسيا، سعت تاتشر إلى كسب ود ماليزيا. وأشادت خلال زيارتها الرسمية لكوالالمبور عام 1985 بسياسات مهاتير محمد الاقتصادية، قائلة: أنا معجبة بشعارك "ماليزيا شركة مساهمة"، وسأقنعك بجودة شركاتنا.

آنذاك توصلت حكومة تاتشر إلى توقيع عقد مع حكومة مهاتير كان ظاهره مساعدات بريطانية لتمويل سد كهرومائي، وحقيقته عقد كلف ماليزيا شراء الأسلحة والطائرات العسكرية من شركة بريطانية، أدّت هذه الفضيحة إلى تحقيقات قانونية وصحافية وإصلاحات كبيرة في السياسات البريطانية.

يأتي البيض اليوم متظلمين بشأن من يحدد متى يكون العدل ظلمًا (الفرنسية) تظلّم البيض

في فصل آخر بعنوان "التأمين السري"، يكشف المؤلفان عن قضية رفعها مستثمرون إيطاليون ضد جنوب أفريقيا عام 2006 اعتراضًا على قوانين التمكين الاقتصادي للسود، التي أجبرت الشركات الأجنبية على تخصيص 26% من ملكيتها للمواطنين السود. رأى المستثمرون في ذلك "مصادرة غير عادلة" وطالبوا بتعويض 350 مليون دولار.

إعلان

كانت جنوب أفريقيا تحاول تصحيح إرث الفصل العنصري. بعد سنوات من المرافعات، قرر المستثمرون سحب دعواهم، لكن ليس قبل أن يعقدوا صفقة سرية غير مسبوقة مع الحكومة: تخفيض نسبة الملكية المنقولة إلى 5% فقط بدلاً من 26%.

آثرت حكومة جنوب أفريقيا "البراغماتية" لإنقاذ المنظومة الاقتصادية، وربما نجحت في تفادي هزيمة قانونية، لكنها خسرت معركة أكبر بكثير، معركة العدالة الاقتصادية والمساواة التي كانت جوهر نضالها بعد الفصل العنصري.

تتردد أصداء هذه الهزيمة المعنوية اليوم في خلفية جدلٍ سياسي على لسان إيلون ماسك الذي يصف تمكين السود بالتمييز العكسي، وترامب الذي يروّج لفكرة اضطهاد البيض. سرديات تتجاهل أن التغيير لم يكن عقوبة، بل محاولة لتصحيح تاريخ طويل من غياب العدالة. ثم يأتي البيض اليوم متظلمين بشأن من يحدد متى يكون العدل ظلمًا.

وسط هذه الصورة القاتمة لعالم تديره أذرع الشركات العابرة للقارات، يسلط كتاب "انقلاب صامت" الضوء على حركات المقاومة والاحتجاج في أنحاء العالم التي أتت أكلها؛ هنا عمّال يعيدون تشغيل فنادق وشركات في الأرجنتين، وهناك رؤية إيفو موراليس في بوليفيا لمحاربة الهيمنة الاقتصادية الغربية على الموارد الطبيعية.

ويدعو الكتاب إلى أن تستعيد الصحافة دورها في محاسبة السلطة ومراقبة الشركات والوصول إلى الوثائق والمعلومات، مثلما فعل المؤلفان الصحافيان هنا، فهذا الكتاب تجربة استثنائية في التحقيق الاستقصائي.

مقالات مشابهة

  • بدأ حصاد القمح بولاية منح مع توقعات بإنتاج 160 طنًا
  • بـ192.9 مليون دولار.. العراق يتصدر قائمة مستوري الحبوب والبقوليات من تركيا
  • العراق أكبر مستورد للحبوب والبقوليات من تركيا خلال شهرين
  • رئيس البحوث الزراعية يصدر عدة قرارات لإعادة هيكلة قطاع الإنتاج بالمركز
  • توقيع بروتوكولي تعاون بين مركزي البحوث الزراعية والصحراء والمنظمة العربية للتنمية الزراعية
  • بروتوكول تعاون بين مركزي البحوث الزراعية والصحراء والعربية للتنمية الزراعية
  • توقيع بروتوكولين للتعاون بين مركزي البحوث الزراعية والمنظمة العربية للتنمية
  • المركزي للنخيل: زراعة الأصناف من البلح ذات القيمة الأقتصادية العالية
  • انقلاب صامت.. بين دستوبيا الشركات العالمية ومقاومة الجنوب
  • أمير نجران يطَّلع على أعمال وبرامج فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمنطقة