السفير الذي وصف العرب بنقص العقل
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
بقلم/ عبدالرحمن الراشد
يقال إن رئيس أشهر البنوك البريطانية الدولية وأقدمها، 150 عاماً، وصَف العقول العربية بالفارغة... وتحسر على أنه تعلم اللغة العربية.
صحيح؟ تقريباً!
مع هذا على رسلكم ، قبل الحكم عليه ، لاحظوا أن معظم دعاة الانتقام أصوات متطرفة ، إيرانية وممانعية ، وجامعو المتابعات من خلال الإثارة ، وبالطبع أهل النخوة من دون تأنٍّ.
قبل أن تسحبوا حساباتكم من بنك HSBC والمشاركة في سيل الشتائم ضد الإنجليز ، هذه وصايا أربع للتعامل مع القضايا الجدلية :
أولاً ، لنتعلم أن ننام على أي دعوة لـ«الخناقة» إلى الصباح حتى نفكر بعقل واعٍ ومزاج متزن.
ثانياً ، لاحظ أنها حملة ، ومن يقودون الحملة ستجدهم من الذين هم أساساً ضدك في القضايا الأخرى ، أو من قارعي الطبول. غالباً لا يشبهونك.
ثالثاً ، كُن «شكاكاً»! مثل ديكارت ، شُكّ وابحث ، ثم صدِّق إنْ شئت. هذه خصلة مهمة لمعرفة الحقيقة أو التأكد منها.
رابعاً ، حاول أن تكون موضوعياً ومتسامحاً ، وهذه أصعب مرحلة بالتأكيد. هناك من قال رأيه ولم يعجبك ، ليس بالضرورة أن يصبح عدوك إلا إذا حمل سلاحاً ضدك ، أو سرق من حسابك. ستموت من الغم من معاداتك الناس بناءً على أقوالهم وآرائهم.
خامساً ، لكل قصة مروية تفاصيل منسية أو مغيَّبة، وبخاصة في تغريدات السوشيال العاطفية أو المسيّسة.
للعلم المتهم هو أشهر سفير، شعبياً، مر على السعودية. السفير السير كوبر كولز شيرارد، هو أبو هنري، نعم المعروف بـ«أبو هنري» شخصياً.
كان محبوباً ، ومطلوباً من الإعلام، قبل زمن «سناب» و«تويتر» وعلى شاشات التلفزيون (عمل بين 2003 و2006).
وهو، الذي بأسلوبه ، غار منه بقية الدبلوماسيين وأصبحوا يقومون بجولات في ربوع البلاد، وتغريدات لاحقاً، وظهور على الإعلام المحلي.
أبو هنري يعرف ويتحدث العربية ، تعلمها في السبعينات عندما التحق بوزارة الخارجية البريطانية ، ومعظم أصدقائه من العرب ، وفي بيته صقران سماهما وليد ونور. والأمير الراحل سعود الفيصل ، وزير الخارجية السعودي الأسبق ، أثنى عليه لتصريحاته الشجاعة التي أغاظت الصحافة البريطانية آنذاك.
أبو هنري ليس غريباً على الجدل ، سبق أن استثار أهالي نوتنغهام البريطانية ، عندما قال إن مدن السعودية أكثر أمناً من شوارعهم ، وذلك خلال هجمات «القاعدة» والأخبار الإعلامية في الصحافة البريطانية عن انهيار الأمن في المملكة.
كما أغضب الأميركيين وعدداً من الإنجليز بتصريحاته ، فهو رئيس مجلس تجاري لدعم العلاقة مع الصين ، وهذه مهمة حساسة في بلاده المعادية لبكين.
في حديث على العشاء، نفس الجلسة مع الدارسين الملتحقين بجامعة أوكسفورد، هاجم الأميركيين وانتقد سياسة بلاده وحاكم هونغ كونغ البريطاني السابق بأنه كان جاهلاً بالصين.
وعرَّج على تجربته، قائلاً إنه تعلم العربية منذ السبعينات، لم أُفد أو أستفد، ويقال إنه قال إن العقول العربية فارغة مقارنةً بالصينيين. يعني أن العرب فاشلون في شؤونهم. نفس الكلام الناقد يردده كل يوم المثقفون العرب، وليس فقط السير أبو هنري.
كلامه غير لائق، لكنّ الأمر لا يستوجب الاستنفار الشعبي والحكومي والتجاري وإعلان الحرب عليه. كل يوم أميركا وبريطانيا وفرنسا مستباحة في إعلامنا بالنقد ولم يبالِ أحد بما نقوله.
الأرجح أن يستقيل من البنك المكتظّ بالقيادات مثله، السياسيون غير المصرفيين.
من السهل دغدغتنا بالمديح أو استفزازنا بالنقد، وأصبح كل يوم هناك من يقود حملة ضد فنان بسبب أغنية، أو لاعب على تصريح، أو ممثل ، أو فيلم ، أو كتاب ، أو كاتب ، أو مؤثر ، من تجار السوشيال ميديا ، ونطالب بإنزال العقوبة بهم. لنجعل الانتقادات محفِّزة على التصحيح والتطوير لا على ملاحقة من لا تُعجِب آراؤهم أو أفلامهم أذواقنا.
نقلاً عن الشرق الاوسط
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
محاولة قراءة موازية لما بعد العقل الواعي (١)
من الحقائق التي أصبحت معترفا ً بها من الجميع , أننا البشر لا نستعمل سوى جزءا ً صغيرا ً من قدراتنا العقلية الكامنة . وقد أكد ذلك أحد العلماء قائلا ً : " في الغالب أن 99% من القدرات البشرية تضيع كليا ً وتذهب هباء , وحتى اليوم , فالذين يعتبرون مثقفين ومتعلمين بيننا , غالبا ً يسلكون في معظم الوقت سلوك الآلة الميكانيكية , ولا يتسنى لهم الفرصة للإحساس بوجود الثروات الكامنة في أعماق كيانهم إلا بلمحات خاطفة لمرة أو مرتين في الحياة .
مضى من الزمن نحو عشرة ملايين سنة من النشوء والتطور , للعقل الإنساني المثير للدهشة , والذي على ما يبدو يملك قدرات لا حد لها , غير أننا لا نستعمل سوى جزءا ً ضئيلا ً منه فحسب ونشبه في ذلك عائلة تملكت قصرا ً ضخما ً إلا أنها تفضل القبوع في ركن من أركان خارجه..
إن إصرار الحضارة الغربية على الاهتمام بالشكل الخارجي للحياة وعلى المحاولة الدائمة للسيطرة على الطبيعة وتسخيرها قد أدّى إلى تحقيق إنجازات تكنولوجية كبيرة , ولكنها كلفته ثمنا ً غاليا ً . إنها بذلك تجاهلت وأهملت تجاربنا النفسية الداخلية وأصبحت " النفسية المنكمشة " للإنسان اليوم تصرخ طلبا ً في التوسع والانبساط وهكذا نرى الآن في العالم كله حولنا اهتماما ً مجددا ً ومحموما ً بالعلوم الروحانية وأيضا ً بالعلوم النفسية والقدرات الغيبية , ومدارس التأمل والتصوف , والعقاقير المؤثرة على العقل والتنويم المغناطيسي واليوغا و .. و.. إن ظمأ البشر لعالم الغيب ولتخطي المظاهر الشكلية والتوصل إلى جوهر الأشياء قد اشتدت ويتزايد عدد القائمين "برحلات داخلية " هدفها الإدراك المتزايد لقدراتهم الكامنة , ولتنمية الطاقات الكبيرة المخفية بجوهرهم, ولكن كما قال لنا أحد علماء الأحياء المعاصرين:
" علينا أن نعرف إلى أين نذهب وكيف لنا أن نصل هناك "
إلى أين نذهب , وكيف لنا أن نصل هناك ؟ فإذا كنا في طريقنا لرحلة إلى أعماق كياننا فإننا في حاجة إلى خريطة توضح لنا المناطق أو الأشياء المراد استكشافها .
mohamed79salih@gmail.com