د. محمد بشاري يكتب: هل يحمل الذكاء الاصطناعي الأمانة في سبيل عمارة الأرض وحمايتها؟
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
في ظل التحديات البيئية الحادة، يبرز تعاون جديد بين قادة الأديان وخبراء التكنولوجيا، بهدف تعزيز الاستدامة البيئية وتحقيق توازن جديد يحافظ على كوكب الأرض. وفي قمة عُقدت تحت شعار “أديان العالم من أجل كوكب أخضر” في باكو، يومي ٥-٦ نوفمبر اجتمع ممثلو الأديان والعلوم التقنية لتأكيد ضرورة تضافر الجهود لمواجهة أخطار تغير المناخ وتهديدات التلوث التي تلقي بظلالها على الأجيال المقبلة.
تأتي هذه القمة كصدى لمبدأ أصيل في كل الأديان، فالتعاليم السماوية ترى أن الأرض أمانة في يد الإنسان، وأن واجبنا كمستخلفين في الأرض هو عمارتها وحمايتها. قال الله تعالى في محكم تنزيله: “إني جاعل في الأرض خليفة” [البقرة: 30]، مشيرًا إلى أن هذه الخلافة تفرض على الإنسان مسؤولية الرعاية والحرص على الموارد. كما تأكد الآية الكريمة “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها” [الأعراف: 56] أهمية الحفاظ على البيئة وعدم الإضرار بها. هذه القيم الدينية العميقة تتقاطع مع ما يسعى إليه العلماء في حقل التكنولوجيا اليوم، حيث تتطلع الأديان إلى دور جوهري للعلم والتقنية في حفظ هذا الكوكب.
ومع تطور الذكاء الاصطناعي، تزداد قدرته على تحليل البيئات المعقدة وتقديم حلول فعالة لإدارة الموارد، لكن السؤال الجوهري يظل: هل يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق عمارة الأرض دون أن يصبح هو ذاته عبئًا عليها؟ هنا يأتي دور القادة الروحيين، الذين يمكنهم تقديم إطار أخلاقي يحكم هذا التوجه، ويضمن توجيه التقنية لتخدم الاستدامة لا أن تهددها.
فالقادة الدينيون يمتلكون قدرة كبيرة على التأثير في وعي الشعوب، حيث يرتبط خطابهم بالقيم العميقة التي تتجاوز المصالح الضيقة، فيرسخون في نفوس الناس شعورًا بالمسؤولية تجاه الأرض بوصفها أمانة. بهذا يمكنهم دعم تطور الذكاء الاصطناعي ليكون جزءًا من حل الأزمة البيئية، وليس مجرد أداة تستنزف الموارد. حين يلتقي الخطاب الديني مع الابتكار التكنولوجي في هذا السياق، يظهر نموذج جديد للعمل الجماعي يوازن بين الروح والعلم، بين التقدم واحترام النظام الطبيعي.
وتأتي قمة باكو لتأكيد هذه الرؤية المشتركة، حيث يسعى قادة الأديان وخبراء التقنية إلى بناء إطار عالمي للتضامن البيئي، ينطلق من مسؤولية الجميع عن عمارة الأرض، كما أمرنا الله. فالخطاب الديني يزرع في الأفراد وعيًا عميقًا، ويمنحهم دافعًا أخلاقيًا تجاه قضايا البيئة، ما قد يتيح للتكنولوجيا أن تكون أداة إيجابية في سياق هذه القيم.
لكن يبقى السؤال مطروحًا: هل سينجح هذا التحالف الروحي-التقني في تحقيق أهداف الاستدامة دون أن يكون سببًا لمشكلات جديدة؟ وهل يمكن توجيه الذكاء الاصطناعي ليخدم قضية عمارة الأرض بروح منسجمة مع المبادئ الدينية التي ترى في الطبيعة أمانة وجب صونها؟ هذه القمة قد تكون بداية لمرحلة جديدة، مرحلة تُجمع فيها جهود العلم والإيمان لتحقيق مستقبل أخضر وآمن للأجيال المقبلة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی عمارة الأرض
إقرأ أيضاً:
الإمارات نموذج عالمي في تبني الذكاء الاصطناعي
تعد دولة الإمارات نموذجاً عالمياً رائداً في تبني وتطوير الذكاء الاصطناعي، إذ نجحت بفضل رؤية قيادتها الطموحة وبنيتها التحتية الرقمية المتقدمة في تطبيق هذه التكنولوجيا في مختلف القطاعات الحيوية، مثل التعليم، والصحة، والاقتصاد، وأصبحت أول دولة عربية تُنشئ وزارة مخصصة للذكاء الاصطناعي، كما أنها عملت على تعزيز الابتكار وتطوير الكفاءات الوطنية، ما جعلها مركزاً إقليمياً للتكنولوجيا المتقدمة، ومثالاً يُحتذى به في توظيف الذكاء الاصطناعي لبناء مستقبل مستدام ومزدهر.
أكد الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي في دبي ومستشار الأعمال الرقمية، أن دولة الإمارات تعد نموذجاً رائداً على المستوى العالمي في تبني وتطوير الذكاء الاصطناعي.
وأوضح أن الإمارات كانت من أوائل دول المنطقة التي وظفت الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم، الصحة، الاقتصاد، الأمن، والبحث العلمي، كما أنها أول دولة عربية تُنشئ وزارة خاصة بالذكاء الاصطناعي.
وأشار الدكتور النجداوي، عبر 24، إلى أن الإمارات أطلقت استراتيجية طموحة للذكاء الاصطناعي 2031 بفضل توجيهات القيادة الرشيدة ورؤيتها المستقبلية. كما ساهمت البنية التحتية الرقمية المتقدمة، مثل تقنيات الجيل الخامس ومراكز البيانات الكبرى، في تعزيز الابتكار التكنولوجي. وأكد أن الدولة حرصت على عقد شراكات استراتيجية مع الشركات العالمية لتعزيز الاستثمار والبحث العلمي، مما جعلها مركزاً إقليمياً للذكاء الاصطناعي.
وقال: الجامعات تلعب دوراً محورياً في تأهيل الكوادر الوطنية بمهارات تقنية ومعرفية تمكنها من قيادة المستقبل الرقمي. وتميز الإمارات يكمن في تكامل الرؤية والاستثمار في الإنسان، ما يضعها في طليعة الدول التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحقيق مستقبل مستدام ومزدهر.
من جهته، أوضح الدكتور حمد العضابي، نائب مدير جامعة أبوظبي للشؤون الإدارية والمالية، أن الإمارات تعمل على بناء اقتصاد رقمي قائم على المعرفة والتقنيات المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، انطلاقاً من رؤية مستقبلية تهدف إلى تعزيز الابتكار وتحقيق التنمية المستدامة. وأكد أن الدولة تدرك أهمية الذكاء الاصطناعي كعنصر أساسي في الاقتصاد الرقمي الحديث وتسعى لتوظيفه لتحسين جودة الحياة وتعزيز مكانتها العالمية.
وأشار الدكتور العضابي إلى أن القيادة الإماراتية وضعت الذكاء الاصطناعي كأولوية وطنية، مع الاستثمار في البنية التحتية التقنية، مثل مراكز البيانات وشبكات الاتصال الحديثة. وأوضح أن الدولة عملت على بناء شراكات دولية لنقل المعرفة وتطوير الكفاءات الوطنية من خلال برامج تعليمية ومراكز أبحاث متخصصة. كما ساهمت البيئة الداعمة للابتكار وريادة الأعمال في جعل الإمارات مركزاً إقليمياً للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
وأكد أن دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات يسهم في تعزيز كفاءة الأداء وجودة الخدمات، ما يضع الإمارات في مقدمة الدول التي توظف التكنولوجيا لبناء مستقبل مستدام ومزدهر، ويعزز مكانتها العالمية في هذا المجال.