هل أدبنا العربي متخلّف لعدم خرقه المحظورات الثلاث الشهيرة؟
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
يرى بعض الأدباء العرب الذين هاجروا في السنوات العشر الأخيرة بسبب الحروب في بلادهم، إن الأدب العربي متخلّف بالقياس بالأدبين الأوروبي والأمريكي اللاتيني، بسبب عدم استطاعته خرق المحظورات الثلاث ( الدين، الجنس، السياسة)، إلاّ فيما ندر.
فعرضنا تلك المقولة على ثلاثة نقاد من مصر والمغرب وسوريا، لنعرف رأيهم بهذا الاتهام، ولنعرف إن كان الأدب يتطوّر بالمضمون أم بالمقاربة والشكل أيضاً.
كشف المسكون عنه
أشارت أولاً الناقدة المصرية د. أماني الصيفي إلى أنه من الضروري النظر إلى تطور الأدب من منظورين أساسيين: المضمون والشكل. فالمضمون يمثّل تعبيراً عن تفاعل الأدب مع التحولات الاجتماعية والهموم المعاصرة، بينما يسعى الشكل إلى تقديم تقنيات سردية وأساليب رمزية جديدة، مما يمكّن الأدباء من تناول المحظورات بطرق إبداعية وعميقة.
ووظيفة الأدب في نظر د. أماني ليست مجرد نقد المحظورات في المجتمع لذاتها، بل هي وسيلة نقدية تهدف إلى كشف المسكوت عنه والمكبوت في المجتمع، لتحقيق واقع اجتماعي أكثر عدالة وتعددية. لذلك، من المهم التأمل في وصف الأدب العربي بأنه "متخلف" لعدم تجاوزه المحظورات الثلاث (الدين، الجنس، السياسة) مقارنة بالأدب الأوروبي وأدب أمريكا اللاتينية.
قيود ثقافية واجتماعية
وعطفاً على ذلك التأمل، ترى الناقدة د. أماني أننا من جهة، يجب الاعتراف بالقيود الثقافية والاجتماعية والقانونية، بالإضافة إلى سياسات النشر وتأثيرات السوق، التي تحد من قدرة الأديب على التعبير بحرية وانتقاد المسكوت عنه، على الرغم من أن حرية التعبير تُعتبر من أهم سمات العمل الأدبي.
ومن جهة أخرى، فإن هذا الوصف للأدب العربي لا يعكس تعقيد التجربة الأدبية وثراءها في مواجهة التحديات. فقد استطاع العديد من الأدباء استغلال طرق غير تقليدية للتعبير عن القضايا الشائكة، مثل اعتماد تقنيات الرمزية والتجريب، مما أتاح لهم تناول قضايا إنسانية وسياسية معقدة بأساليب غير مباشرة تراعي الواقع الثقافي وتتفادى الاصطدام بالقيود المفروضة.
تجليات
ومضت د. أماني بالإشارة إلى تجليات ذلك في أعمال أدبية بارزة، فأشارت إلى روايات نجيب محفوظ التي تتناول قضايا سياسية واجتماعية برمزية فنية، و"الخبز الحافي" لمحمد شكري، و"عائد إلى حيفا" لغسان كنفاني، بالإضافة إلى العديد من الأعمال المعاصرة للأدباء العرب داخل المجتمع العربي وخارجه، التي تعتمد على الترميز لتمرير رسائل أخلاقية وسياسية. هذه الأعمال تعد أمثلة واضحة على قدرة الأدب العربي على معالجة قضايا حساسة بأسلوب يتجاوز القيود المفروضة على الكاتب ويثري الحوار الاجتماعي.
وتختتم د. أماني مساهمتها بالقول: لكن، لتقدير هذا العمق وفهم طبقات المعاني المتعددة في العمل الأدبي، يحتاج الأدب إلى تلقي نقدي جاد يدرك التعقيد والإبداع الكامن فيه، ويساهم في خلق حوار ونقاش حول الرسائل المطروحة. هذا الوعي يُثري تجربة القارئ العادي بطريقة لا تستدعي التصادم بالضرورة، مما يخلق تحدياً إضافياً أمام الأديب.
الهوية السردية لروايتنا
ورأى من المغرب الناقد د. عبد المالك أشهبون أنه: "في كل هذا المسار المتحول لأدبنا العربي، ظلت الرواية العربية ـــ على سبيل المثال ـــ تسعى إلى تحقيق هويتها الخاصة، كما هو الشأن في تجارب روائية عالمية مأثورة، ولكنه حتى اليوم ما يزال يبحث عن تحقيق مفهوم "الهوية السردية".
وتابع: "فمن منظورنا الشخصي إن هذه الخصوصية لم تمتلكها بعد الرواية العربية، بكل ما راكمته من نصوص وتجارب وأسماء، فمنذ نشأتها حتى يومنا هذا لم تصل بعد إلى فرض ذاتها، كما هو حال الرواية في أمريكا اللاتينية مع تيار "الواقعية السحرية"، أو في فرنسا مع موجة "الرواية الجديدة"، أو في روسيا مع تيار "الرواية الواقعية ذات النزوع الاشتراكي".
روايتنا ليست تياراً
والناقد د. عبد المالك يرى بكل صراحة أننا لم نصل بعد إلى مستوى تأصيل تيار روائي عربي، له جمالياته التي تميزه. رغم أن هناك كل سنة روايات جديدة تُنشر. وفي ظل ذلك يرى أن الرواية العربية ما تزال رواية مشاريع، ومغامرات أفراد كنجيب محفوظ وغيره، وليست تياراً أو حركة روائية لها تميزها وبصمتها على الصعيد العالمي، بحيث لا توجد لدينا دينامية روائية جماعية، تسمح بأن تصبح الرواية العربية لها فرادتها على المستوى الجمالي، ولها سوق على المستوى التلقي، ولها صدى مسموع على المستوى العالمي... إلخ.
غياب أو صمت
أما على مستوى المغامرة في تمثيل الثالوث المحرم (الدين والسياسة والجنس) روائياً، فإن حالة الكاتب العربي في نظر د. عبد المالك تبدو غالباً مزرية، ويمضي قائلاً: "ففي بلدانٍ مأسورةٍ بين حواجز الحرمان والقهر والاستبداد، فإنه لن يجدي أمام هذه الوضعية إلا احتمالين: إما الغياب أو الصمت، حيث يَكبِت الكاتب روحَه ولا يصرُخَ أو يحتجَّ، فتغدو حالته كحالة "النعامة تدفن رأسها في الرمال"؛ وإن تجرأ الواحد منهم فعمد إلى المساس بهذه التابوهات والنبش في تفاصيلها، فإنه عادة ما يجرّ على نفسه الويلات، وهو يغامر في عملية فضح المسكوت عنه، وهذا ما تجليه الحياة الاجتماعية للإنسان العربي، وهي حياة يمارس فيها الأفراد كثيراً من الأشياء سراً.
لغة القضاة
أمّا الشاعر والناقد السوري د. سعد الدين كليب فقد استهجن فحوى الاتهام لصيغة التعميم فيه، وقد أشار إلى أن الأدب العربي الحديث ليس جنساً أدبياً واحداً حتى نستطيع الحديث عنه بوصفه نمطاً محدّداً، وكذا هي الحال في الأدبين الغربي والأمريكي اللاتيني، اللذين يتنوّعان أجناساً وبلداناً في الوقت نفسه، وهو ما يجعل الاتهام فارغاً من المعنى، أو يجعله مردوداً شكلاً وموضوعاً بحسب لغة القضاة.
لكن أليس ثمة اختلافات؟ يقول د. سعد الدين: نعم إنّ ثمة اختلافات بدهية بين الآداب عموماً، تفترضها طبيعة اللغة وطبيعة المشاغل الاجتماعية والأذواق الجمالية والاهتمامات الثقافية، وهي جميعاً ذات تأثير حاسم في الميول الأدبية لكلّ أمة من الأمم، ولكلّ مرحلة من المراحل الثقافية- الجمالية لكلّ أمة على حدة. وهو ما يعني أنّ الاختلاف أو التنوّع بين الآداب ليس شأناً عرضياً يمكن تلافيه أو غضّ النظر عنه، إنه ضرورة مجتمعية وثقافية وجمالية، صحيح أنّ ثمة مشتركات إنسانية عامة، كما أنّ ثمة مشتركات فنية لها علاقة بطبيعة الأجناس الأدبية، ولكن صحيح أيضاً أنّ الخصوصية إثراء للمشترك العام لا العكس، وما من أدب لا يتمتّع بخصوصية تميّزه من سواه تحت الفضاء الإنساني العام.
يختلف ولا يتخلّف
وإشارته تلك يريد د. سعد الدين منها القول: إنّ الأدب العربي الحديث يختلف بدهياً عن سواه وفق ما ذكرناه، ولكنه ليس متخلّفاً على الإطلاق. إنه يختلف ولا يتخلّف. أما مسألة التابوهات أو المحظورات الثلاثة (الدين والجنس والسياسة) فهي مسألة نسبية بحسب كلّ أديب على حدة، فمن الأدباء من يميل إلى خرق المحظورات كلها، ومنهم من يميل إلى خرق هذا أو ذاك منها، ومنهم من لا يميل إلى الخرق إطلاقاً، وليس خرق المحظورات في ذاته أمراً مهمّاً على الصعيد الأدبي، وإنما المهم هو الكيفية الفنية والجمالية في تناول تلك المحظورات. فالذي يجعل الأدب فنّاً هو الكيفية التي يتعامل بها مع الظواهر والأشياء والمسائل والقضايا المختلفة.
حرية الإبداع
ويتقاطع د. سعد الدين مع ما قالته د. أماني حول حرية الإبداع إذ يقول: "لا شكّ في أنّ الحرية أصل مكين في الأدب والإبداع عامة، وبدونها لا نكون إلا أمام قوالب شكلية وتقليدية جاهزة، وأيّ محاولة لتحجيم الحرية في الأدب هي محاولة لنفي الأدب من أساسه، ولكن من الحرية أيضاً أن لا نشترط على الأدب اشتراطات مسبّقة، فنفرض عليه رغباتنا وأيديولوجيتنا الخاصة، وإلا فقد فشل في الامتحان!
تقدير عالمي
ويختتم د. سعد مساهمته قائلاً: لست في مجال الدفاع عن الأدب العربي بأجناسه المختلفة، ولكن أستطيع الزعم أنّ هذا الأدب يمتلك من الخصوصية الفنية والجمالية، ما يجعله جديراً بالتقدير العالمي، وإن تكن صفة العالمية غالباً ما ترتبط بالهيمنة الاقتصادية- السياسية وأجهزتها الثقافية والإعلامية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية أمريكا روسيا ثقافة وفنون أمريكا روسيا الروایة العربیة الأدب العربی سعد الدین فی الأدب
إقرأ أيضاً:
شرطة هولندا تلقي القبض على مشتبه به في سرقة لوحات وارهول الشهيرة
أعلنت الشرطة الهولندية عن إلقاء القبض على شاب يبلغ من العمر 23 عاماً للاشتباه في تورطه بمحاولة سطو فاشلة على معرض فني في جنوب هولندا، استهدفت أربع لوحات للفنان الأمريكي آندي وارهول.
اعلانوتأتي عملية الاعتقال في أعقاب حادثة اقتحام معرض "إم بي في" الأسبوع الماضي، حيث قام اللصوص بتفجير باب المعرض وسرقة لوحتين من سلسلة وارهول الفنية التي تصور ملكات سابقات من المملكة المتحدة وهولندا والدنمارك وإيسواتيني (سوازيلاند سابقاً).
وقد تم العثور على لوحتين إضافيتين مرميتين في الشارع وقد تضررتا بعد فرار اللصوص من الموقع.
Four artworks depicting Margrethe II of Denmark, part of a series titled Reigning Queens by Andy Warhol (1985).Credit: AP Photoوأوضح مارك بيت فيسر، مالك المعرض، أن كاميرات المراقبة وثقت عملية السطو التي جرت في مدينة أويسترفيك، واصفاً العملية بـ"الهواة". وفي بيان مقتضب، لم تكشف الشرطة عما إذا كانت الأعمال الفنية المسروقة قد استُعيدت خلال سلسلة المداهمات التي نُفذت في أويسترفيك والمدن المجاورة، بما فيها مدينة في بلجيكا.
Relatedحكومة جديدة في هولندا رئيسها رجل الاستخبارات الأول ووزراؤها من اليمين المتطرف ومهمتها تقييد الهجرة عملية سرقة جريئة.. تفجير باب معرض فني وسرقة أعمال شهيرة للفنان آندي وارهول في هولندابوتين وشرشبيل والبيتلز.. قرية بلغارية تجمع بين شخصيات كرتونية وقادة العالم في لوحات جداريةوتم توقيف المشتبه به، الذي لم يُكشف عن هويته وفقاً لقواعد الخصوصية الهولندية، في بلدة بيركل-إنسخوت التي تبعد ستة كيلومترات فقط عن أويسترفيك، كما أكد فيسر أن الأعمال المسروقة لم يتم العثور عليها بعد، وأن خبيراً في الترميم يقوم حالياً بتقييم حالة اللوحتين المتضررتين.
مع الإشارة إلى أنّ متحف هيت لوو بالاس في هولندا كان قد أعلن الشهر الماضي عن استعداده لاستضافة معرض "الملكات الحاكمات" التي رسمها وارهول عام 1985، والتي تضم 16 مطبوعة نادرة للملكات الأربع: إليزابيث الثانية، بياتريكس، مارغريت الثانية، ونتومبي تفوالا.
منتج شريط الفيديو • Theo Farrant
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظار في لندن فيديو: قرية بلغارية تجذب السياح بلوحات فنية لمارلين مونرو وترامب وأينشتاين وغيرهم من المشاهير عملية سرقة جريئة.. تفجير باب معرض فني وسرقة أعمال شهيرة للفنان آندي وارهول في هولندا سرقة أسلحة توقيف Andy Warhol معرض اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الرئيس الـ 47.. ترامب يتربع على عرش البيت الأبيض مجددًا بعد فوزه بـ 277 صوتًا في المجمع الانتخابي يعرض الآن Next عاجل. الحرب بيومها الـ397: إسرائيل تعلن "تطهير" شمال غزة وحزب الله يقصف قاعدة تسرفين قرب مطار بن غوريون يعرض الآن Next من الشرق إلى الغرب.. زعماء العالم يتسابقون لتهنئة ترامب يعرض الآن Next الجمهوريون يستعيدون السيطرة على مجلس الشيوخ الأمريكي وينتزعون مقعدًا إضافيا في مجلس النواب يعرض الآن Next مباشر. نتنياهو إلى "العزيز" ترامب: عودتك بداية جديدة اعلانالاكثر قراءة حملة اعتقالات واسعة في صفوف اليمين المتطرف في ألمانيا بتهمة التخطيط لانقلاب على نظام الحكم هل تحسم بنسلفانيا السباق الرئاسي بين هاريس وترامب؟ حب وجنس في فيلم" لوف" دراسة: ممارسة الجنس جزء أساسي في حياة من هم فوق 65 عاما أحكام بسجن "نجوم تيك توك وأنستغرام" في تونس بسبب خرق قواعد "الأخلاق الحميدة" اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024دونالد ترامبكامالا هاريسفيضانات - سيولالحزب الديمقراطيكامالا هاريسالحزب الجمهوريإسبانياإسرائيلغزةالشتاءضحاياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024