على الرغم من أن الاهتمام بحروب المدن قد نما بشكل ملحوظ قبل عقود، وتحديداً منذ التسعينيات، وصارت المدن موضع تركيز للمفكرين الاستراتيجيين العسكريين ومجتمعات الدفاع الدولية؛ فإنها في واقع الأمر ظاهرة تاريخية، وكانت أحد الأنماط الأساسية لحروب العصور القديمة. لدرجة أن العديد من القواعد المُعترف بها على أنها تُميِّز حروب المدن في عالم اليوم، كانت قابلة للتطبيق إلى حد كبير في فترات التاريخ.


ويمكن القول إن حروب المدن قد استعادت زخمها في العقد الثاني من القرن الـ 21، وهو ما ظهر في الموصل بالعراق (2017)، والرقة بسوريا (2017)، وشوشا بأذربيجان (2020)، ثم جاءت المعارك في أوكرانيا (منذ فبراير 2022)، وفي غزة (منذ أكتوبر 2023)، لتؤكد على أهمية حروب المدن في الاستراتيجية العسكرية على مستوى العالم، ولتُسجّل دروساً جديدة تُضاف إلى قواعد حروب المدن الحديثة، وهي الدروس التي ربما تتطور لاحقاً لتُنتج تكتيكات وأساليب جديدة تتحدى القواعد التقليدية لحروب المدن.
في هذا الإطار، أصدر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، عدد جديد من سلسلة “دراسات خاصة”، تحت عنوان “من أوكرانيا إلى غزة: التحولات في حروب المدن الحديثة”، وهي من إعداد محمد محمود السيد، نائب نائب رئيس تحرير دورية “اتجاهات الأحداث” بالمركز.
عودة حروب المدن وقواعدها الحاكمة
تراجعت أهمية حروب المدن في العصور الوسطى والحديثة لصالح المعارك العسكرية الكبرى، والتي كانت تدور على مسارح حرب استراتيجية، متهيئة لقتال بين جيوش نظامية ضخمة، وهو ما وصل إلى ذروته في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ولكن إبان الحرب الباردة، أعادت فيتنام حروب المدن مرة أخرى إلى دوائر الاهتمام العسكري الاستراتيجي. ولكن كانت نقطة التحول الحقيقية في التسعينيات، مع وقوع سلسلة من المعارك الحضرية داخل المدن، بدايةً من معركة فوكوفار الكرواتية (1991)، وحصار سراييفو (1992-1996)، ومروراً بمعركة مقديشو (1993)، ووصولاً إلى معركتي غروزني (1994-1995) و(1999-2000). حينئذ بدأ العسكريون الغربيون في إدراك أن التضاريس الحضرية صارت أمراً لا مفر منه في الحرب الحديثة.
يرى علماء دراسات الحرب أنه مع تزايد معدلات التحضر، والنمو السكاني الهائل، وتركز القوة السياسية والمالية والاجتماعية والثقافية في المدن، صار من الطبيعي أن تتحول تلك الساحات لتصبح المسارح الأساسية للحروب، ناهيك عن صعود القوى العسكرية غير النظامية (الفواعل والجماعات من دون الدولة) بعد الحرب الباردة.
ولكن أنتوني كينج، أستاذ دراسات الحرب في جامعة ووريك وأحد روّاد دراسات حروب المدن حول العالم، رأى أن تفكيك الجيوش الكبرى وتراجع أعدادها، هو السبب الرئيسي لانتشار حروب المدن؛ فالجيوش لم تعد كبيرة بما يكفي لتشكيل جبهات أو محاصرة مدن بأكملها، أو الالتقاء بخصومها في ميادين مفتوحة. على سبيل المثال، عندما استعاد الجيش الأحمر، أوكرانيا، من النازيين، في معركة “دنيبر” عام 1943، شارك من الطرفين ما يقرب من أربعة ملايين جندي. بينما عندما بدأت روسيا حربها على أوكرانيا في 24 فبراير 2022، وكانت تهدف –وفقاً للمحللين الغربيين- إلى إسقاط الحكومة الأوكرانية، حشد بوتن ما يقرب من 190 ألف جندي فقط لهذه المهمة.
وبناءً على مراجعة الأدبيات العسكرية التي درست معارك العقود الثلاثة الأخيرة، يمكن استخلاص أربع قواعد أساسية تحكم حروب المدن في العصر الحديث، وهي:
1. اختلاف مفهوم “الانتصار العسكري” في حروب المدن عن الحروب النظامية:
يقول المُنظِّر والمؤرخ الروسي الأشهر في مجال الدراسات العسكرية، كارل فون كلاوزفيتز، في كتابه “عن الحرب”: “في الحرب، يربح الطرف الضعيف إذا لم يخسر، بينما يخسر الطرف القوي إذا لم يربح”. وهذا هو جوهر التعقيد في حروب المدن؛ إذ تثبت الأمثلة المتعددة لحروب المدن أن التفوق العسكري لا يضمن النصر بالضرورة، بل حتى إن تحقق النصر في معركة حضرية، فإن هذا قد لا يُترجَم بالضرورة إلى نجاح في الحرب بأكملها. وهو ما أكده أيضاً الخبير العسكري البريطاني، إيان ريجدن؛ إذ دفع بأن المدن هي البيئة الأكثر صعوبة للحرب، وأنه نادراً ما يكون هناك فائز واضح في الحرب الحضرية، وهي بذلك تتحدى مفهوم “الانتصار العسكري”.
2. تراجع كفاءة الاستخبارات والاستطلاع ومحدودية الاستفادة من الأصول الجوية:
تستثمر الجيوش حالياً مبالغ كبيرة من ميزانياتها في تطوير أدوات الاستطلاع الجوي والأقمار الاصطناعية، والذخائر الموجهة بدقة، والمدفعية بعيدة المدى. ولكن في حروب المدن، وتحديداً ذات الكثافة السكانية العالية، فإن العديد من مزايا هذه الأدوات وغيرها تكون أقل فعالية بكثير. كذلك، فإن استخدام الطرف المُهاجم للنيران التحضيرية والهجومية عن طريق الغارات الجوية والمدفعية وقذائف الهاون، تخلق كتل ضخمة من الركام، والذي بدوره يمنح للطرف المُدافع مزايا دفاعية إضافية، ويُراكِم التحديات التضاريسية على المهاجم.
3. عدم حياد ساحة المعركة وقدرة الطرف المدافع على التلاعب بالتضاريس:
غالباً ما تكون المدن بمزيجها من التصميم المُخطَّط والفوضوي، إلى جانب التضاريس الطبيعية، مُنحازة لسكانها، والذين يمثلون في حالة الحرب، الطرف المُدافع. وتكمن الصعوبة الرئيسية في البنية التحتية، مثل المباني والجسور، وكذلك المسافة بين الهياكل البنائية، وتأثير ارتفاعها. وهنا غالباً ما يُشار إلى البعد الرأسي في تكوين المباني، فمثلاً نجد أن المبنى المُكوّن من 10 طوابق قد يشغل نفس المساحة الخطية التي يشغلها ميدان صغير، على خريطة ثنائية الأبعاد. ولكن هذا المبنى، في حالة الحرب، يضم 11 ضعف المساحة الفعلية لهذا الميدان (10 طوابق إضافة إلى السقف)، وهو ما يجعل هذه المساحة الصغيرة تحوي 11 ساحة قتال واختباء محتملة. كذلك يكون الطرف المُدافع في موقع يسمح له بالتلاعب بالتضاريس الحضرية، وإعادة تصميمها في بعض الأحيان، وذلك لتسهيل حركته إلى أي مكان تتطلبه المعركة.
4. تمتع الطرف المُدافع بالأفضلية في حروب المدن:
لقد أدرك المنظرون العسكريون منذ فترة طويلة أن الدفاع هو الموقف التكتيكي الأقوى؛ إذ يتطلب الأمر قوة أكبر بكثير لمهاجمة وهزيمة عدو موجود في دفاع راسخ ومبني بشكل صحيح، مقارنةً بالعدو المتمركز في ساحة قتال مفتوحة. وينطبق هذا بشكل أكبر على التضاريس الحضرية؛ حيث تُوفِّر العديد من الهياكل المادية الموجودة في المدن، مواقع دفاعية، ذات جودة عسكرية للطرف المُدافع. وتتطلب حرب المدن أعدداً هائلة من القوى البشرية والموارد، بما يتجاوز معايير التفوق العددي في الحروب التقليدية، والتي يجب أن يكون فيها الطرف المُهاجم متفوق على الطرف المُدافع بنسبة 3 إلى 1، بينما توصي العقيدة العسكرية الروسية –بناءً على خبرة معركتي غروزني- بأن النسبة في حروب المدن يجب أن تكون 6 إلى 1. بجانب أن القوة المُهاجمة غالباً ما تحتاج إلى أربعة أضعاف كميات الذخيرة التي تستهلكها عادةً في الحروب النظامية.

تحولات جديدة … دروس من حربي أوكرانيا وغزة
تكاد تكون حربا أوكرانيا وغزة تجسيداً نموذجياً لحروب المدن الحديثة؛ فحرب أوكرانيا، وعلى الرغم من أنها تدور بين جيشين نظاميين بأسلحتهما الحديثة، فإنها تضمنت معارك حضرية كبرى كانت فاصلة في مسار الحرب، اتبع فيها الجيش الأوكراني تكتيكات حروب المدن، وحاربت إلى جانبه مجموعات مسلحة غير نظامية، ودارت أغلب فصول هذه الحرب في مدن أوكرانية متفاوتة الكثافة السكانية والتضاريسية. أما حرب غزة فهي بالأساس معركة حضرية كبرى، تدور بين طرفين متفاوتين في العتاد والتنظيم العسكري، بما يصب في صالح الطرف الإسرائيلي المُهاجم.
وقد أفضت المعارك الحضرية في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إلى طرح عدد من التطورات اللافتة على قواعد حروب المدن، والتي ربما تخضع لمزيد من التدقيق والدراسة خلال السنوات المقبلة، وهي كالآتي:
1. ظهور نمط جديد للتفوق الجوي:
في يونيو 2023، أشار تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية إلى أن روسيا وأوكرانيا قد أخذتا حرب المُسيّرات إلى نطاق غير مسبوق؛ إذ باتتا تستخدمان مئات منها يومياً. وقد بلغ معدل خسائر الجيش الأوكراني نحو 10 آلاف مُسيّرة شهرياً، أي أكثر من 300 مُسيّرة يومياً. وهو رقم هائل غير مسبوق في تاريخ الصراع العسكري الحديث، وليس أدل على ذلك من أن الجيش الفرنسي كان يمتلك حتى عام 2023 ما يزيد قليلاً على 3 آلاف مُسيّرة في ترسانته العسكرية.
أمّا في قطاع غزة، ومع بداية الحرب في أكتوبر 2023، بدأ الخبراء العسكريون الغربيون في الحديث عن كيفية تغيير المُسيّرات لمفهوم “التفوق الجوي”، فقد استطاعت حركة حماس، والتي لا تمتلك قوات جوية نظامية، توظيف المُسيّرات في أغراض المراقبة والاستطلاع والهجوم خلال الحرب، على الرغم من الهيمنة الجوية التقليدية لإسرائيل، حتى أنها استخدمتها في هجومها في السابع من أكتوبر 2023.
2. صعود شركات التكنولوجيا التجارية كفواعل جُدد في ساحات حروب المدن:
بعد ساعات من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في فبراير 2022، ناشدت وزارة الدفاع الأوكرانية، مالكي المُسيّرات التجارية من المدنيين، التبرع بها للمساعدة في الدفاع عن كييف، فتدفقت التبرعات وحلّقت المُسيّرات التجارية في السماء فوق القوات الروسية. عملت تلك الطائرات بالأساس على توفير قدرات استخباراتية ومراقبة استطلاعية، منخفضة التكلفة والمخاطر، وقد تم استغلال تلك المعلومات في تحديد الأهداف وتوجيه نيران المدفعية أو قذائف الهاون. وقد كانت الغالبية العظمي من المُسيّرات التجارية التي تم استخدامها في بدايات حرب أوكرانيا من إنتاج الشركة الصينية “دي جيه آي تكنولوجي” DJI Technology، وتحديداً من طراز Mavic 3.
كذلك لعبت شبكة “ستارلينك” الفضائية، التابعة لإيلون ماسك، دوراً بارزاً في حربي أوكرانيا وغزة؛ إذ كانت العمود الفقري لتوفير خدمة الإنترنت في أوكرانيا في خوض حربها. كذلك ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، في يونيو 2024، أن إسرائيل تتطلع إلى استخدام خدمات “ستارلينك”، في حالة نشوب حرب شاملة مع حزب الله اللبناني، بحيث تعمل الشركة على توفير الإنترنت للمواقع النائية، أو المناطق التي يتم تعطيل البنية التحتية العادية للاتصالات فيها.
3. التوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي:
يرى المحلل الدفاعي، بيتر دبليو سينجر، أن الحرب في أوكرانيا تؤدي دوراً مماثلاً للحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)، والتي كانت بمثابة بروفة لتقنيات وتكنولوجيات جديدة قبل الحرب العالمية الثانية. فمنذ أواخر عام 2022، بدأ جيل جديد من الآلات ذاتية التشغيل، والمعروفة باسم “الروبوتات القاتلة”، في الظهور في أوكرانيا. كذلك توسّع الجيش الإسرائيلي خلال حرب غزة، في استخدام “الكلاب الآلية”؛ من نموذج “Vision 60”.
أمّا التطور الأبرز في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في حرب غزة، فقد كشف عنه تحقيق أجرته “مجلة +972″، في إبريل 2024؛ إذ استخدم الجيش الإسرائيلي نظام الذكاء الاصطناعي المسمى “لافندر” Lavender، لتحديد عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة كأهداف للاغتيال، مع قليل من الإشراف البشري.
4. تطور تكتيكات حروب الأنفاق:
لن يكون من قبيل المبالغة الادعاء بأن الأنفاق هي المحور الرئيسي في حرب غزة. فعلى الرغم من امتلاك الجيش الإسرائيلي لوحدات عسكرية متخصصة، للعثور على الأنفاق وتحييدها، مثل وحدة “ياهالوم” التابعة لفيلق الهندسة القتالية، واستحواذها على مجموعة واسعة من الذخائر التي تخترق الأرض مثل قنبلة GBU-28، والتي يمكنها اختراق عمق 100 قدم في الأرض أو عمق 20 قدم من الخرسانة. إلا أنه وبعد عام من الحرب، بدا أن عمق وحجم أنفاق حماس في غزة يتجاوز قدرات إسرائيل المتخصصة.
تقول دافني ريتشموند باراك، الأستاذة بجامعة رايشمان في إسرائيل، ومؤلفة كتاب “الحرب تحت الأرض”، في مقالٍ لها في مجلة “فورين آفيرز”: “إن الحرب الوحيدة التي يمكن مقارنتها بحرب الأنفاق في غزة، هي الحرب العالمية الأولى”. وذكرت باراك في مقالٍ آخر لها على موقع “فورين بوليسي”: “إن الطرق المبتكرة التي استخدمت بها حماس، الأنفاق، وبقاء المجموعة تحت الأرض لفترة طويلة، كانت غير مسبوقة”.

المدن كساحات لحروب المستقبل
رسّخت الحرب الأوكرانية، ومن بعدها حرب غزة، الاعتقاد الناشئ منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، أن المدن ستتحوّل لتصبح الساحات الرئيسية للحروب في المستقبل، بما في ذلك الحروب بين القوى الكبرى والجيوش النظامية. ويعتقد الخبراء العسكريين أنه إذا توسّعت روسيا في مغامراتها العسكرية في شرق أوروبا، أو إذا غزت الصين مدينة تايبيه وهي في طريقها للسيطرة على تايوان، فقد يشهد العالم أكبر معارك حضرية في التاريخ. وربما يحمل المستقبل معارك حضرية أشد ضراوةً وأكثر اختلافاً عن تلك التي نشهدها حالياً.
ويعد الاتجاه الحضري السريع أحد الأسباب الرئيسية لتحديد حرب المدن كمجال رئيسي لمعارك المستقبل؛ حيث يرى تقرير، صدر عام 2021، عن مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، بعنوان “الاتجاهات العالمية 2040″، أن اتجاه التحضر مستمر، ويتوقع أن ترتفع حصة سكان المدن من 56% في عام 2020، إلى ما يقرب من الثلثين بحلول عام 2040. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 600 مليون شخص سيعيشون فيما يقرب من 40 مدينة كبرى بحلول الفترة 2025-2030.
وفيما بتأثير التكنولوجيا على مستقبل حروب المدن، والذي من المتوقع أن يتعاظم خلال السنوات القادمة، فغالباً ما يدور الحديث حول النقاط التالية:
أ. تكتيك استخدام المُسيّرات الذكية: أحد التطورات المهمة في تكنولوجيا المُسيّرات هو الانتشار الناشئ لما يُسمى “الأسراب”، أي “أعداد كبيرة من الأنظمة البسيطة ومنخفضة التكلفة والقابلة للاستهلاك والمترابطة”، والقادرة على تغيير سلوكها والعمل بشكل مستقل، وذلك لتحديد التهديدات والأهداف ونقل المعلومات ذات الصلة لبعضها بعضاً، والعودة إلى قواعدها العسكرية سالمة.
ا. توسيع استخدامات أجهزة الاستشعار: تعد أجهزة الاستشعار إحدى التقنيات الرئيسية لمستقبل حرب المدن، والتي توفر بيانات الموقع والملاحة والتواصل من دون انقطاع بين القوات والمُسيّرات الطائرة في ميدان المعركة، وذلك في المناطق التي تكون فيها إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ضعيفة أو غائبة.
ب. تطوير استخدام الواقع المعزز (AR): تعتمد تكنولوجيا الواقع المعزز على إسقاط الأجسام الافتراضية والمعلومات في البيئة الحقيقية للمُستخدِم، ما يُوفِّر له معلومات إضافية، وعلى ذلك سيوفر الواقع المُعزز للعسكريين في أرض المعركة، أكثر مما تُوفِّره لهم الخريطة التقليدية ثنائية الأبعاد.
إجمالاً، يمكن أن نتوقع مستقبل “أكثر وحشية” لحروب المدن؛ فلا توجد بيئة أخرى أكثر تعقيداً -من الناحيتين المادية والبشرية- مثل المدن، لذلك ستظل الحاجة إلى اختراق الجدران والتطهير من منزل إلى منزل ومن غرفة إلى غرفة، مستمرة. وربما تساعد التكنولوجيا الحديثة على تنفيذ هذه المهام، ولكن لا شك أن الخسائر ستكون أفدح وأكبر، وستكون مشاهد الحروب التي سُتنقل على الهواء مباشرةً وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، أشد قسوةً وضراوةً، وسيظل من المشكوك فيه أن الانتصار في المعارك الحضرية مستقبلاً سيضمن الانتصار في الحروب الكبرى، فالتدمير الذي تُخلِّفه حروب المدن، يقضي على أي معنى لمفهوم الانتصار.


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: على الرغم من فی أوکرانیا ما یقرب من الحرب فی فی الحرب حرب الم حرب غزة فی غزة وهو ما من الم

إقرأ أيضاً:

“بيرييلو” ومآلات الحرب السودانية

لعل من غير المستغرب أن يهرول المبعوث الأمريكي “توم بيرييلو” إلى “بورتسودان”، التي رفض من قبل أن يزورها، بحجة القلق على حياته جراء اضطراب الأمن.

ولم يَمضِ وقت طويل قبل أن يجد نفسه في مأزق؛ يائساً، محروماً من أي فرص ، بعد فشله في تقديم الإفادات الصحيحة غير المنحازة حول الأزمة السودانية ، بل ظهر كوسيط منحاز تماماً للطرف الآخر من الصراع ، هو الآن محروماً من الأموال بعد الاستثمار في قضية مشبوهة وإنفاق مبلغ ضخم في محاولة “جنيف ” الفاشلة.

في موازاة ذلك وسَّعت مليشيات “ال دقلو” حربها التدميرية، هدفُها واضح، تدفيع السودانيين ثمناً رهيباً رداً على مساندتهم للجيش الوطني ، تريد المليشيات إغراق السودان في الركام وقلق النزوح وتوتراته، حتى يتسنى لرعاتها الدوليين استصدار قرار أممي باحتلال بلادنا عبر ما يسمى ب “قوات حماية المدنيين” ، ولكن المفاجأة .. الحليف القوي “روسيا” أحبطت المحاولة باستخدام حق النقض “الفيتو” .

في الجانب الآخر ، لا يعلم “بيرييلو” ان السودان ينتظر انتقالَ المقاليد في البيت الأبيض إلى يد “دونالد ترمب” بعد شهرين، عندها مصير مهمة المبعوث الأميركي لن تنفصل عن الحديث الدائر عما سيكون عليه وضع ملف السودان في عهد ترمب الثاني، وغالب ظني سيدفع “ترمب” بملف السودان الى وكلائه في الخليج ، وستعود نغمة “منبر جدة ” من جديد .
بغض النظر عن تحالفات السودان الجديدة مع القطب الشرقي ، والتي بدأت باستئناف الشراكة الاقتصادية مع الصين ، إستعادة العلاقات مع “إيران” ،وتفاهمات ناجحة مع روسيا ظهرت جلياً في موقفها امس، فإن مماطلة الامريكان كثيراً في إدانة واتخاذ موقف حاسم يساهم في إنهاء معاناة السودانيين ، جعلت حكومة السودان غير آبهة بزيارة المبعوث الأمريكي ولم توليها الاهتمام الكافي .

في ذات السياق ، حتى وإن استئنف “منبر جدة” مرة أخرى، من يفاوض السودان؟ ، هل يملك “حميدتي” أي سيطرة على عصابات النهب التي تحارب المدنيين في الجزيرة ، سنار ، دارفور ؟ ، بالطبع (لا) ،خرجت تلك العصابات عن إمرة قادة الدعم السريع ، ولن تنتهي إلا بالقتال، إذا ما الذي يجبر “البرهان” على الخضوع لإملاءات الغرب؟ .

الرئيس “البرهان” رجل ذكي ، نجح في إنقاذ السودان من الاحتلال الأجنبي، سوى كان عبر حرب الوكالة التي يخوضها “حميدتي” أو عبر مؤامرات الغرب وامريكا التي فشلت أمس بواسطة الموقف الروسي .

أنتصر “البرهان” على الغرب ، ومن حسن الحظ أن جروحَ السنوات الماضية لم تقتلع من نفوس السودانيين بقايا مشاعر التضامن الوطني والإنساني، لذلك يجد شعبه يسانده في كل المواقف التي يتخذها.

الفترة التي تفصلنا عن تسلم “ترمب” مهامه شديدة الخطورة، وحشية المليشيات بلا حدود أو روادع.

إذا رغبت “أمريكا” في الحفاظ على قدر متوازن من مصالحها في السودان عليها اتخاذ قرارات حاسمة بشأن “ال دقلو” وحربهم ضد المدنيين ، اتخاذ القرارات الحاسمة اليوم أفضل من اتخاذها بعد الانهيار الكامل للعلاقة بين السودان والولايات المتحدة .

حسم المليشيات عبر قرارات ومواقف دولية واضحة يساهم في عودة الدولة السودانية ، الدولة وحدها التي تملك الحق في المنح والرفض ، وايضاً وحدها تستطيع تضميد جروح السودانيين وتبديد مخاوفهم وليست القوات الأممية.
محبتي واحترامي

رشان اوشي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • “البديوي”: نشيد بالجهود التي تبذلها وزارات الدفاع بدول المجلس لتبادل الخبرات والتجارب
  • “الشيوخ الأمريكي” يرفض بحث قرار يمنع شطب جزء من ديون أوكرانيا
  • فاتورة خسائر “جولاني” ترتفع.. قتيل جديد
  • “بلومبرغ”: بايدن يريد شطب 4.65 مليار دولار من ديون أوكرانيا
  • بين بدايات “بايدن” ووعود “ترامب”..هنا المقاومة!
  • “بيرييلو” ومآلات الحرب السودانية
  • في عيدها الـ89.. فيروز صورة لبنان الساحر بلا انقسامات أو حروب
  • ماكرون يندد بموقف روسيا “التصعيدي” إزاء أوكرانيا ويدعو بوتين “للتعقّل”
  • بعد مرور 1000 يوم.. ما حجم الخسائر التي تكبدتها أوكرانيا بسبب الحرب؟
  • بابكر فيصل: قائد الجيش عرّف الحرب على أنها “حرب عبثية” والدعم السريع قال إنها حرب ضد “الفلول”