المتضررون في حرب لبنان: من سيعوضنا؟
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
مع استمرار الحرب في جنوب لبنان، تتصاعد مشاعر الغضب والاستياء بين الأهالي الذين خسروا بيوتهم وسبل معيشتهم، حيث لا تبدو لهم أيّة نهاية واضحة لمعاناتهم. في ظل تصاعد الخسائر اليومية، أصبح الجدل قائمًا بين من يحمّل الدولة مسؤولية تقاعسها عن دعم المتضررين، ومن يوجه اللوم للأطراف الحزبية المشاركة في النزاع، والتي، بحسب رأيهم، تسهم في تدمير ما تبقى من البلاد.
في أحد الأماكن المؤقتة لتواجد النازحين، يجلس سعيد، أحد سكان الضاحية المهجّرين، يسرد قصته بنبرة منكسرة ممزوجة بغضب عارم. يقول في حديث لموقع الحرة: "لم نتخيل يومًا أن نُجبر على ترك منازلنا، عشنا هنا حياتنا كلها، والآن نحن لاجئون في أرضنا."،متسائلاً بمرارة: "أين الدولة؟ أين الحكومة؟ لقد تركونا وحدنا نواجه هذا المصير." إلا أن سعيد، وغيره من الأهالي، لا يعتبرون الحكومة وحدها المسؤولة. يضيف بانفعال: "لم نكن جزءاً من هذا الصراع، لكنهم جلبوا الحرب إلى عقر دارنا. نحن ندفع الثمن، ولا أحد يتحمل معنا المسؤولية.
تسببت الحرب في لبنان في دمار هائل وأضرار واسعة النطاق. حجم الخسائر الاقتصادية بين التقديرات والتحذيراتتسببت الحرب في دمار هائل وأضرار واسعة النطاق، قدّرها الخبير الاقتصادي د. جاسم عجاقة في حديث لموقع "الحرة" بأكثر من عشرة مليارات دولار، وهو ما يشمل خسائر مباشرة وغير مباشرة. ويوضح عجاقة قائلاً:" الخسائر المباشرة تشمل المباني المدمرة والمحاصيل التي تلفت، بينما تتمثل الخسائر غير المباشرة في نفقات الدولة والناس على الرعاية الصحية والخدمات الأساسية. نحن أمام أزمة مرعبة ستؤدي حتماً إلى شلل اقتصادي شامل".
ويعقّب عجاقة قائلاً: "لقد رأينا ردة فعل عسكرية إسرائيلية ضخمة وغير متوقعة، وهذا زاد من حجم الكارثة. حجم الدمار يفوق التوقعات ولا يمكن لأي بلد تحمله بمفرده، ولبنان تحديداً غير قادر على ذلك".
من جهة أخرى، يذهب الباحث الاقتصادي د. محمود جباعي في حديث لموقع "الحرة"إلى أن تقدير الخسائر في هذه المرحلة غير دقيق بسبب الوضع المتأزم والمتغير باستمرار. يقول جباعي: "الخسائر اليومية للاقتصاد اللبناني تتراوح بين 30 و40 مليون دولار، مما يعني أن إجمالي الخسائر منذ بداية النزاع قد يتجاوز المليار ونصف المليار دولار. نحن نتحدث عن انهيار سريع ومباشر في الناتج المحلي. الزراعة، الصناعة، السياحة، كلها قطاعات مشلولة تمامًا، ولا يبدو أن هناك حلولاً تلوح في الأفق".
ويشير جباعي إلى أنه من دون تدخل دولي عاجل، ستكون خسائر لبنان غير قابلة للتعويض، مضيفاً: "نحن بحاجة إلى مؤتمر دولي لإعادة إعمار لبنان، دولة واحدة لا يمكنها تحمل هذه المسؤولية وحدها، ولا يمكن للبنان الاعتماد على مساعدات محدودة. الوضع يتطلب تدخلات دولية ضخمة ومنسقة".
تسببت الحرب في لبنان في دمار هائل وأضرار واسعة النطاق. عجز الدولة ومطالب التعويضاتنسرين، أم لثلاثة أطفال، اضطرت للنزوح بعد أن دُمر منزلها، تقول: "تركنا كل شيء خلفنا. أين الدولة التي من المفترض أن تحمينا."
هذا الشعور العام بالخذلان يتردد بين الأهالي المتضررين الذين يرون أن الدولة اللبنانية عاجزة عن توفير أبسط الاحتياجات.
لكنّ الخبراء الاقتصاديين لهم وجهات نظر متضاربة حول قدرة الدولة على التعامل مع الأزمة. يرى د. جاسم عجاقة أن "الفساد المستشري هو السبب الأساسي لغياب الدعم الدولي رغم بعض المساعدات التي قدمتها قطر والإمارات والمملكة العربية السعودية لكن الحاجة كبيرة"، ويضيف:" في حرب 2006، جاءت المساعدات من دول عربية عديدة كالسعودية وقطر والكويت، لكن اليوم الوضع مختلف. لا يمكن للدول أن تقدم مساعدات لدولة غارقة في الفساد. حتى فرنسا، التي طالما دعمت لبنان، أعطت رسالة واضحة: لا مساعدات دون إصلاحات. على الحكومة اللبنانية أن تواجه واقعها، وإلا سنبقى في دوامة من الدمار المتكرر".
أما جباعي فيرى أن الأزمة أبعد من مجرد قضية فساد، مشيراً إلى أن "لبنان بحاجة إلى إصلاحات سياسية وجذرية في بنيته الاقتصادية. لا يمكن الاستمرار في الاعتماد على المساعدات، فالاقتصاد بحاجة إلى هيكلة جديدة تتجاوز الإصلاحات التقليدية." ويضيف: "الدولة اللبنانية لا تستطيع تحمل هذا العبء بمفردها، لكنّها أيضاً لم تتخذ خطوات فعّالة لطلب المساعدة بشكل جاد من المجتمع الدولي".
تسببت الحرب في لبنان في دمار هائل وأضرار واسعة النطاق. دور إيران والمساعدات الخارجيةفي سياق البحث عن حلول، تثار تساؤلات حول إمكانية حصول لبنان على مساعدات من إيران، الحليفة لبعض الأطراف الحزبية اللبنانية. غير أن عجاقة يستبعد هذا الاحتمال، موضحًا: "إيران نفسها تعاني من ضغوط اقتصادية شديدة بفعل العقوبات الأمريكية، ما يحدّ من قدرتها المالية على تقديم دعم كبير للبنان، وحتى لو أرادت، فإن العقوبات تعيق أي تعاملات اقتصادية." ويرى عجاقة أن دول الخليج هي الأكثر قدرة على تقديم الدعم، لكن بشروط واضحة تتعلق بمحاربة الفساد وإجراء إصلاحات جادة.
من جانبه، يرى جباعي أن بإمكان إيران تقديم مساعدة للبنان دون شروط سياسية، لكنه يضيف: "نظراً لحجم الخسائر، لا تستطيع دولة واحدة تحمّل هذا العبء وحدها. نحن بحاجة إلى مؤتمر دولي لدعم لبنان وإعادة إعماره".
تسببت الحرب في لبنان في دمار هائل وأضرار واسعة النطاق. استياء الأهالي ومطالب الاستقرار الدائموسط هذا الدمار والمعاناة، يرفع الأهالي المتضررون صوتهم مطالبين بحلول جذرية تضمن لهم استقرارًا دائمًا. يعبّر سعيد في حديث لموقع الحرة عن هذا الإحباط قائلاً: "لن نبني منازلنا من جديد لكي تأتي حرب أخرى وتدمرها. نريد حلولاً سياسية توقف هذا النزاع المستمر. تعبنا من دفع ثمن صراعات لا علاقة لنا بها".
يؤكد سعيد وغيره من النازحين أن عودتهم إلى منازلهم ستكون بلا قيمة إن لم تكن مصحوبة بضمانات سياسية تُنهي النزاعات المتكررة. هذا الشعور يعكس مطلبًا أساسيًا:" لن نقبل بالعودة إلى حياة غير مستقرة. نحن بحاجة إلى دولة تحمينا وتضمن لنا حق العيش بكرامة".
يبقى الوضع في لبنان خطيرًا ومعقدًا، بين تقاعس الدولة وتورط الأحزاب. ويرى الخبراء أن أي محاولة لإعادة الإعمار ستفشل إن لم تترافق مع حلول سياسية جادة تضمن استقرار البلاد. كما أن الحاجة إلى دعم دولي لا يمكن التغاضي عنها، سواء من الدول العربية أو المجتمع الدولي، لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب وللتأسيس لمستقبل أكثر أمانًا.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: بحاجة إلى لا یمکن
إقرأ أيضاً:
عدوانُ الكيان الصهيوني على لبنان
د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
كانت الحربُ على لبنان لا بُـدَّ أن تحدُثَ، ولكنها كانت في حُكم المؤجَّلة، وكل طرف كان يستعدُّ لها، وما حدث في غزةَ خلالَ (طُـوفَان الأقصى) خلط الأوراقَ وأرغم الكيان الصهيوني على دخول الحرب قبل أن يستعدَّ لها بشكل كامل، وكان هدف الكيان الصهيوني من حربه على لبنان هو القضاء على قدرات حزب الله الممثِّلِ الرئيس للمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، ولكن على مراحل، وفي هذه المرحلة من الحرب يطمحُ الكيان الصهيوني إلى دفع المقاومة الإسلامية إلى خلف نهر الليطاني، خَاصَّةً بعد عملية تفجير (البيجرات) وأجهزة المنادَاة ثم قتل العديد من قادة الحزب وعلى رأسهم أمينه العام السيد حسن نصر الله، ولكن المفاجأة التي تلقاها العدوُّ خلال هذه المرحلة هي صمودُ المقاومة على أرض المعركة ومنعُها جيشَ العدوّ من التوغل داخل جنوب لبنان، وكذلك كمية الصواريخ والمسيَّرات التي تنطلقُ يوميًّا نحو الأراضي المحتلّة؛ مَا دفع العدوَّ إلى أن يلجأ إلى التدمير الممنهج لمنازل المواطنين وللمؤسّسات الخدمية في الجنوب وفي الضاحية الجنوبية؛ بهَدفِ الضغط على بيئة المقاومة حتى تقدم تنازلات.
ويراهن الكيان الصهيوني على المجتمع الدولي وعلى المعارضة اللبنانية لتحقيق أهدافه التي فشل في تحقيقها من خلال الحرب؛ ولذلك بدَأَ المجتمعُ الدولي -وخَاصَّة أمريكا وفرنسا- بتقديم المبادرات لإنهاء الحرب بما يتلاءمُ مع أهداف العدوّ وبشروط مجحفة في حق المقاومة وفي حق لبنان؛ مما دفع الحكومة َاللبنانية ورئيسَ مجلس النواب إلى رفض تلك المبادرات والاكتفاء بالموافقة على تطبيق القرار الدولي رقم 1701 من قبل الطرفَينِ، وكان العدوّ يعتبر تحَرُّكُ المجتمع الدولي جزءًا رئيسًا من خُطَّةِ الهجوم العسكري على لبنان، وفي البداية رفع المجتمعُ الدولي سقفَ التفاوض؛ باعتبَار أن المقاومةَ في طريقها إلى الانهيار، وعندما لم يتم ذلك بدَأ بالتنازل عن بعض الشروط، وأهمُّ شرط يركِّزُ عليه العدوُّ هو فرض انسحاب المقاومة إلى جنوب نهر الليطاني، على أن يعملَ في المستقبل على تجريدها من السلاح، وإبقاء لبنانَ من دون درع واقٍ.
وكانت المقاومةُ تعي مخطّطاتِ العدوّ الصهيوني من خلال تحَرّكات المجتمع الدولي، وتعلم أن ما سيمنعُ العدوَّ من تحقيق أهدافه هو الصمودُ في الميدان، والعملُ على إيلامه، من خلال القصف اليومي للمناطق المحتلّة، والعمل مع جبهة الإسناد؛ لإرباك العدوّ وإجباره على وقف عدوانِه في لبنان وفي غزة.