يعيش السودان مرحلة حاسمة، حيث باتت وسائل التواصل الاجتماعي منبرًا قويًا للتعبير، وصوتًا صارخًا للمطالب الشعبية التي تطالب بإحداث تغييرٍ حقيقي في المجتمع والسياسة. أصبحت طلائع ديسمبر حركة شبابية رمزية تعبّر عن سخط السودانيين من البطش والتهميش وتسلّط النخب التقليدية على السلطة والثروة، ما يثير قلق حكومة الأمر الواقع والجماعات الإسلاموية التي ترى في وسائل التواصل سلاحًا قد ينقلب ضدها.


وسائل التواصل الاجتماعي في عصر الطلائع وسيلة مقاومة جديدة
على مدار السنوات الأخيرة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي قلب الثورة النابض في السودان، حيث تجاوزت الحركات السياسية التقليدية، وتجلّت فيها أصوات الشباب الطامح نحو الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. لم تعد هذه المنصات مجرد أدواتٍ للتعبير الشخصي، بل تحوّلت إلى أدوات فاعلة لتوجيه الرأي العام، والتحفيز على الاحتجاج، وتشكيل وعي جماعي يعكس التطلعات الشعبية. اليوم، تلعب وسائل التواصل دورًا محوريًا في تحفيز الحراك السياسي ونشر الوعي، الأمر الذي جعلها مصدر قلق كبير للحكومة والنخب المحافظة، باعتبارها تُفقدهم السيطرة على سردياتهم المعتادة وتتيح للمواطنين مساحةً حرّة لتداول الآراء والأفكار بشكل مباشر.
قلق الحكومة والإسلاميين من قوة الوعي الشعبي
يثير صعود الوعي الشعبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي مخاوف السلطات التي تسعى إلى إرساء نظامٍ قمعي شامل يرفض كل أشكال التفكير النقدي ويحاول ترويض المعارضة من خلال القمع والتنكيل. بدلًا من الاستجابة لمطالب الشعب ودراسة سبل بناء مجتمع أكثر وعيًا وقدرة على التغيير، تتمسك السلطة بتكتيكات تقليدية تعتمد على البطش واعتبار الشعبوية والبروباغندا أدواتٍ لتوجيه الرأي العام. وهنا تبرز "طلائع ديسمبر" كحركة مقاومة تستمد قوتها من هذا الوعي الشعبي، لا من الانتماء الحزبي أو العقائدي، مما يجعلها عصية على الاحتواء ويعزز من قدرة الشباب على إحداث تغيير حقيقي بعيد عن قيود النخب أو الانتماءات الحزبية.
البروباغندا: سلاح النظام لإسكات أصوات المعارضة
إن البروباغندا تمثل أحد أساليب السيطرة على العقول، حيث تستخدم الحكومة والنخب المتحالفة معها هذا السلاح لتوجيه الرأي العام نحو أهدافٍ محددة، وتُبقي المواطنين في إطار سردياتٍ مغلقة تكرر أفكارًا لا تعبر عن آمالهم وتطلعاتهم الحقيقية. من خلال وسائل الإعلام الحكومية، تُمارس السلطة تزييف الحقائق وصياغة خطاباتٍ شعبوية ترتكز على الخوف والتخويف من "الفوضى" و"التآمر"، وتبرر بذلك سياساتها القمعية وتكميم الأفواه، محاولةً تصفية أي صوت مخالف أو منتقد.
غير أن طلائع ديسمبر ووسائل التواصل الاجتماعي اليوم تفوقت على هذه الاستراتيجيات. لقد بدأ السودانيون في استخدام أدوات جديدة لكسر حاجز الصمت، فقد كشفوا عن وجوه النظام المستترة وسلّطوا الضوء على الفساد والممارسات القمعية التي تسعى إلى إسكاتهم. وقد أثبتت وسائل التواصل قدرتها على تجاوز الحواجز، وباتت منصة بديلة يثق بها الشباب كأداة للتنظيم والتعبير.
كيان شعبي بامتياز قُدرة طلائع ديسمبر على الاستقلالية
رغم الضغوط، تبرز طلائع ديسمبر كحركة شعبية تستمد قوتها من الجماهير، وليس من قياداتٍ حزبية تقليدية. هذا الكيان الشعبي الممتاز ينأى عن الانقسامات السياسية، ويتجنب الاصطفاف خلف شخصياتٍ بعينها، بل يتركز حول أهدافٍ سامية تتعلق بالعدالة والحرية وبناء مجتمعٍ ينعم بالكرامة. هذه الاستقلالية هي ما جعلت الحركة عصية على الاحتواء أو التشويه، وأكسبتها احترام الشارع السوداني الذي يرى فيها أملًا لتحطيم قيود البروباغندا والنخبوية التي أودت بالبلاد إلى الهلاك.
نحو مجتمع أكثر وعيًا وإبداعًا: حاجة السودان لتطوير نظمٍ جديدة للتفكير
في هذه المرحلة، يحتاج السودان إلى تغييرٍ حقيقي لا يُختزل في إسقاط الأفراد أو النظم فحسب، بل في ابتكار نظمٍ جديدة للتفكير والمساءلة. إن وسائل التواصل، كما أثبتت طلائع ديسمبر، هي جزء من الحل، ولكنها لا يمكن أن تكون كل الحل. لا بد من تعزيز الوعي المجتمعي وبناء ثقافة مدنية تُؤمن بالمشاركة وتحترم الاختلافات وتعزز من قدرة الأفراد على التفكير النقدي.
هذه الحركة الشبابية تُلهم النخب الجديدة وتدفعها للنظر في سبل بناء مجتمع يعي حقوقه ويسعى وراءها بطرق مدروسة، متجاوزًا عقبات التهميش الفكري والسياسي. على السودان أن يتعلم من هذه الحركة أهمية تمكين الشباب وتبني نظمٍ حرة تتيح لهم المشاركة الفاعلة في صناعة المستقبل بعيدًا عن الهيمنة الفكرية للنخب القديمة، ودون الاعتماد على القيود العقيمة أو تكتيكات التنكيل الموروثة من العهود السابقة.

وطلائع ديسمبر أصبحت رمزا لقوة التغيير الشعبي، فهي ليست مجرد حركة احتجاجية، بل صوتٌ جديدٌ يعبر عن إرادة الشارع السوداني الطامح نحو الحرية والكرامة. يترجم هذا الحراك عبر وسائل التواصل الاجتماعي الرفض الشعبي للسلطة الشمولية ولأدوات القمع الفكري والسياسي، ويجسد رغبة السودانيين في تأسيس مجتمع يتمتع بالوعي والاستقلالية. هذه القوة الشعبية التي تحررت من الهيمنة، وأصبحت قادرة على تحدي البروباغندا وتفادي الحيل التي اعتمدتها الحكومات لعقود، قد تكون هي المفتاح لتغيير مستدام يبني مجتمعًا يحقق التطلعات دون أن يرتكب أخطاء الماضي.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی

إقرأ أيضاً:

إدمان «مواقع التواصل الاجتماعي».. تأثيرات كبيرة على صحتنا العقلية والسلوكية

لا شك أن الاستخدام المستمر للوساىل التكنولوجية الحديثة والسوشال ميديا، ترك تأثيراته السلبية على صحتنا العقلية والسلوكية، ومع زيادة الإدمان على منصات “تيك توك” و”إنستغرام”، أصبحنا أكثر عرضة لتشتيت الانتباه وفقدان القدرة على التركيز.

وفي هذا السياق، قالت صحيفة “ديلي ميل”، إن “إدمان السوشال ميديا يسبب انخفاضا في القدرة على ربط الأفكار أو التركيز على أهداف طويلة المدى نتيجة للتعرض المستمر للمحتوى القصير والمجزأ على منصات التواصل الاجتماعي، وهذه التأثيرات أصبحت أكثر وضوحا، لدرجة أن المستخدمين بدأوا يناقشون آثارها على صحتهم العقلية على المنصات نفسها التي تتسبب في الإدمان”.

وأوضح البروفيسور أندرو شولي، عالم الأعصاب، أن “إدمان الشاشات ينشأ من غريزة البقاء القديمة التي كانت تدفع البشر إلى التركيز على المحفزات السلبية، مثل التهديدات المحتملة”.

واشار شولي، “إلى أن الخوارزميات التي تتحكم في منصات التواصل الاجتماعي تفضل المحتوى الاستفزازي والسلبي، ما يزيد من تأثير “تعفن الدماغ”.

وعن العلاج، رأى شولي، “أن الحل يكمن في تقليص تأثير شاشات الهواتف والأجهزة الإلكترونية على الدماغ عبر ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي والانخراط في أنشطة ترفيهية لا تسبب التوتر، مثل التأمل أو الرياضة أو البستنة. ويساعد ذلك في استعادة توازن الدماغ ويعيد تنشيطه”.

مقالات مشابهة

  • منصات التواصل الاجتماعي تمتثل لمطالب أوروبا بالحد من خطاب الكراهية
  • خدمة جديدة.. ما الفرق بين مكالمات الـ Wi-Fi واتصالات تطبيقات التواصل الاجتماعي؟
  • هيفاء وهبي تشعل مواقع التواصل الاجتماعي وشوارع باريس
  • الكويت: منع أفراد الشرطة من نشر صورهم عبر مواقع التواصل
  • لضبط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في البيئة المدرسية.. إليكم هذا التعميم من وزير التربية
  • عالم الطهي عام 2025: كيف ستعيد وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي تشكيل عاداتنا الغذائية؟
  • ياسين شيوكو حارس ميسي حديث مواقع التواصل الاجتماعي
  • خبير تكنولوجي: 80 منظمة عالمية تراقب محتوى منصات التواصل الاجتماعي
  • الآثار السلبية لإدمان مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية علاجها
  • إدمان «مواقع التواصل الاجتماعي».. تأثيرات كبيرة على صحتنا العقلية والسلوكية