لم يقرأوا أو يسمعوا، ماذا دها من قرأ وسمع؟
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
خالد فضل
قرأت كلمة للأستاذ حسين خوجلي، يتحسّر فيها على ما دها رفاعة من ويلات، وما أصاب الروح والبدن من انتهاكات، وقطعا ما حاق بالمباني والمقتنيات من نهب وسرقات، وبأسلوبه الأدبي المنمّق، فاضت منه الحسرات، وهو يلتزم عند كل فقرة بوصف المعتدين ب(جراد الصحراء)؛ لأنّهم عنده من طينة خبيثة.
أشارك أستاذنا حسين الرأي في وصف فضائل (رفاعة)، وأهلها الكرام الوادعين، والتنويه بإرثها الاجتماعي والإبداعي، والوطني، وتقاليدها القبلية العريقة الممتدة عبر سهول البطانة.
ومن حكمة البشرية في العصر الحديث، القانون الدولي الإنساني، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والتي تغطي معظم هواجس الإنسان، وما تزال في تطور مع تقدّم البشرية المتلاحق، الشرعة الدولية لحقوق الإنسان تشكل التزام الدول، وبالتالي إلزام الرعايا بها عبر ممارستها في كل أوجه الحياة العامة والخاصة، فمبدأ الحرية مثلا ليس مشرعا بلا حد، شرطه عدم التعدي على حق الآخرين فقط، يتداخل الخاص هنا مع العام في حدود مرعية. ذكرت ما ذكرت في مقام أستاذنا حسين، للتنبيه فقط بأنّ من حق الإنسان أن يدعى (إنسان) غض النظر عن جريمته أو فظاعته، ولأنّ البشر ليس كالجراد فصيلاً واحداً، بل هم بكل تأكيد مختلفون، والمقولة العدلية السديدة، بأن يفلت ألف مجرم بجرائمهم أفضل من إدانة برئ واحد تتسق في تصوري لمعنى النص القرآني (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، فمن قرأ وسمع، وسار في الناس حديثه، وصار في مقام المرشدين والواعظين يزن ما يقول بميزان دقيق، تحسبا لما قد يترتب على كلمته من ردود أفعال قد تبلغ حد إباحة (جز الأعناق، وبقر البطون ومضغ الأكباد) باشتباه (معاونة) جراد الصحراء، المخلوقين من طينة خبيثة، هذا إن لم يك صاحب الألوان ممن يؤيدون ويدعون (لفضيلة) الذبح من الأضان للأضان (شخّ) لآخر جنجويدي، كما قال الشاعر المرهف صديقنا محمد محمد خير. وهو ما يشار إليه بأنّه (خطاب كراهية)، ولنصر بن سيّار قول سائر مسار الحكمة منذ قرون عن النار والحرب التي أولها كلام، ولزهير الحكيم شعر مبذول في شأن (معروف القول) نسلم، وحسين خوجلي في هذا الضرب علّامة.
لست هنا في وارد الدفاع عن الجند المدججين بالسلاح، الذين تسيطر على عقولهم أدبيات الحرب أو تسري في مشاعرهم نوازع الانتقام، وأجدد موقفي الراسخ ضد انتهاكاتهم البغيضة، كموقف إنساني فكري أخلاقي، لأنني على يقين بأنّ أفضل وسيلة لوقف أو التخفيف على الأقل من ضروب الانتهاكات وشمولها وتطورها الموجع يكمن في وقف الحرب والركون إلى التفاوض والنقاش والجلوس بين الفرقاء للوصول إلى اتفاقات ملزمة مضمونة ومراقبة بآليات فعّالة مما هو معلوم في شأن هذه القضايا، ومما هو متواتر ومعروف في تجربتنا الوطنية الغنيّة بالحروب والاتفاقات كذلك، والاستفادة من التجارب السابقة بتجنب منزلقاتها وتعضيد إيجابياتها , هذا هو موقفي ونظرتي إلى الحرب الطاحنة في بلادنا، وأول خطوات هذا الاتجاه هو بالضرورة الاعتراف بأنّ هناك فرقاء (بشر) يتعاركون، مسألة مرتزقة وأجانب وخونة وعملاء وجراد وجرذان وغيرها لم، ولن تحل مشكلة أبدا، ويمكن أن يكون أستاذنا حسين نفسه قد مرّ بتجربة تصنيفه (مرتزقة وأجانب) على أيام النميري والجبهة الوطنية ومحمد نور سعد في 1976. ولربما كان بعضا من آباء أو أجداد شباب وصبية الدعم السريع اليوم، في معية شباب الحركة الإسلامية أمثال غازي العتباني وعوض جادين يومذاك، والمبذول من سيرة حسين انتمائه إلى الحركة الإسلامية!!
كنت أرجو أن ينضم قلم للأعمال وقدرات الإعلامي الكبير إلى صف دعاة وقف الحرب، وإعادة النظر الفاحص والمتأني في إعادة بناء وطن يسع جميع أهله بحق، وليس كما نزعم الآن، وأن ننظر إلى غلاظ القلب هؤلاء كضحايا قبل أن يتحولوا إلى جلادين، فالإنسان يمكن تغيير سلوكه إذا توفرت له فرص أوسع مما ولد وتدرج فيها، ومن قرأ يعرف قصة الشاعر علي بن الجهم في بلاط الخليفة العبّاسي. كما أنّ الذين قرأوا وسمعوا ما أورده الحسين في استشهاداته العذبة من إبداع أهل رفاعة لا تتوقف مسؤوليتهم عند حدود معرفتهم الذاتية، وصاحب (الألوان) محتاج لفحص عنوانه إن كان حقّا صيغة جمع أم هو (لون) واحد يسعى بكل جهده وإبداعه وحلو كتابته وسرده لكي يراه الناس (اللون الواحد الفرد الصمد) وإلا كانوا من الضالين أو جراد صحراوي من طينة خبيثة. فسيرته ومسيرته الإعلامية متاحة للنقد والتعليق، وهي على كل حال ضد قيم الديمقراطية؛ تشويها وإشانة سمعة واستخفافا ودمغا بالعمالة والخيانة، وتأييدا للديكتاتورية والشمولية وحكم الحركة الإسلامية عبر فوهة البندقية، ودور صحيفته وتأليبها المستمر إبان الفترة (86_1989) محفوظ في الأرشيف، وفضائية أم درمان لم يتجاوز أفقها صوالين أم درمان وما شابهها من ثقافات لذلك لم تصل إلى (سودان) متعدد الأعراق، متشابك الهامات، مختلف الألوان والأذواق، فما دور حسين خوجلي في تقوية وتعزيز قيم حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية ونبذ العنف والدعوة إلى السلام، وهو المستمع والقارئ والمتذوق والباحث لكل شعر ونثر وغناء وحداء جميل جلّه إن لم يكن كله ضمن ما عرف سياسيا (مثلث حمدي الشهير).
شخصياً مع تكثيف الإدانات لأي طرف ينتهك حقوق الإنسان، فالدعم السريع وممارساته من أيام تأسيسه على يدي الحركة الإسلامية جناح البشير ظل متهما بممارسة هذه الانتهاكات، وعندما انتقده الإمام الصادق المهدي، تم الزج بإمام الأنصار في السجن، يومذاك لا ندري إن كان (جراد الصحراء) في طور اليرقة أم الحسين في مرحلة كمون! ويوم كان سلف الدعامة (الجنجويد) يجوسون في ديار وخلاوي وإرث وثقافة أهلنا في جبل مرّة، وما جاوره من حواكير، لم ينبر قلم للأعمال الحسين وصوته يشق الفضاء بالإدانة، عل الداعي خير يومها! وعندما كان المدافعون عن حقوق الإنسان يطاردون ويحاكمون ويشردون، كان قلم الحسين أشدّ وطأة عليهم من جلاوزة جهاز أمن التمكين، فهم عنده الخونة ربائب السفارات متمولي الاستخبارات الأجنبية لتشويه الصورة الرائعة لـ(سودان قدر مقاس الإخوان).
نعم ذرف الدموع والبكاء والعمل من أجل كل الضحايا ومناصرتهم واجب الناس الأحرار، لذا ظل كثير من السودانيين في هذا الصف الإنساني الباذخ، من زمان وإلى يوم مناحات الحسين الآن. كامل التضامن مع جميع ضحايا الحرب من المدنيين وحتى العسكريين، دون فرز، والإدانة كاملة دون نقصان لفصائل من الدعم السريع وعناصرها التي تنتهك الحرمات، مثلما الإدانة غير ملتوية لعناصر في القوات المسلحة وكتائب الإرهاب الملتفة حولهم في أي انتهاك ضد حقوق الإنسان في مدني سنار أو مليط الجنينة أو شرق الجزيرة ورفاعة الحبيبة والهلالية الوريفة. الإدانة للفعل المنتهك _بكسر الهاء_غض النظر ممن صدر وبالطبع ليس التجريم للجميع، ففي كل فصيل من المتقاتلين من يرعى الحدود. فهل الحسين في صف الإدانة هنا والتأييد هناك أم يلتزم الصراط الإنساني القويم، مثلما يلتزمه من ظلوا على عهد الإنسانية عاكفين، وليسلم جميع السودانيين، في أي بقعة منه أو خارجه، هم جميعا شعبنا وأهلنا، ولو كان بعضهم في المحطة الخطأ من راهن الأيام.
الوسومخالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خالد فضل الحرکة الإسلامیة لحقوق الإنسان حقوق الإنسان الحسین فی
إقرأ أيضاً:
فى ذكراه.. قصة اعتزال حسين صدقي ووصيته بحرق أفلامه
تحل اليوم ذكرى وفاة الفنان الراحل حسين صدقى الـ 106 والذى قدم عددا من الأعمال الفنية التى تظل علامة فى تاريخ السينما المصرية.
وقد اشتهر حسين صدقى فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى، بأنه فتى الشاشة الأول نظرا لوسامته، كما عرف عن حسين صدقى بتدينه منذ أولى خطواته فى عالم الفن.
نشأة حسين صدقيوولد حسين صدقي في 9 يوليو 1917 بحي الحلمية الجديدة بالقاهرة، وتولت والدته التركية تربيته وتنشئته تنشئة دينية، حيث توفى والده وهو في الخامسة من عمره، وحرصت والدته أن يرتبط ابنها بالمساجد، وهو ما بدا عليه من خلال الأدوار التي أدها في السينما، والقضايا التي كان يعالجها في أفلامه.
أنشأ الفنان حسين صدقى مسجدا والذى افتتحه الرئيس الراحل محمد نجيب فى الجمعة 23 أبريل عام 1954 وذلك بحضور رئيس مجلس الوزراء وقتها جمال عبد الناصر وجموع قيادات مجلس الثورة بالإضافة إلى الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر ووزير الأوقاف وقتها.
وفى ستينيات القرن الماضى وفى عز نجاحه ومجده شعر الفنان حسين صدقى أنه فى حاجة إلى التقرب إلى الله أكثر، فتوجه إلى الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر والذى كانت تربطهما علاقة صداقة قوية لاستشارته فى ذلك الأمر، فشجعه الشيخ الجليل على الاعتزال، وبالفعل اعتزل الفنان حسين صدقى الفن.
بعد اعتزاله، طالبه أهالى منطقته بالترشح فى انتخابات مجلس الأمة، ونجح باكتساح ليصبح نائبًا منتخبًا عام 1961، وعرض مطالب أهل دائرته، كما طالب بسن قانون لمنع الخمور ولكن لم يتم الاستجابة له، وتم حل مجلس الأمة بعد عام واحد، ولم يرشح صدقى نفسه فى الانتخابات التالية، مؤكدًا أنه لاحظ تجاهل من قبل المسئولين للمشروعات التى يطالب بتنفيذها.
دعا حسين صدقي عبر مجلة "الموعد" الصادرة في يناير 1956 إلى انقلاب فني لمواجهة الغزو الفني الأجنبي بغزو مصري وعربي آخر عن طريق استخدام أحدث التقنيات في ذلك الوقت وتصدير الأفلام المصرية والعربية لهم.
أوصى الفنان حسين صدقي قبل وفاته بحرق كل أفلامه إلا فيلم واحد حيث قال لأولاده: “أوصيكم بتقوى الله واحرقوا كل أفلامي ما عدا فيلم سيف الله خالد بن الوليد".
قبل وفاته بدقائق في مثل هذا اليوم من فبراير 1976 لقنه الإمام الأكبر شيخ الأزهر عبدالحليم محمود الشهادة.