خالد فضل

قرأت كلمة للأستاذ حسين خوجلي، يتحسّر فيها على ما دها رفاعة من ويلات، وما أصاب الروح والبدن من انتهاكات، وقطعا ما حاق بالمباني والمقتنيات من نهب وسرقات، وبأسلوبه الأدبي المنمّق، فاضت منه الحسرات، وهو يلتزم عند كل فقرة بوصف المعتدين ب(جراد الصحراء)؛  لأنّهم عنده من طينة خبيثة.

أشارك أستاذنا حسين الرأي في وصف فضائل (رفاعة)، وأهلها الكرام الوادعين، والتنويه بإرثها الاجتماعي والإبداعي، والوطني، وتقاليدها القبلية العريقة الممتدة عبر سهول البطانة.

ولا خلاف معه البتة في إدانة تلك الانتهاكات الجسيمة، والهمجية والوحشية المفرطة التي يتعامل بها معظم عناصر قوات الدعم السريع ضد الناس والأشياء. فكل صاحب ضمير يقظ يقشعرُّ بدنه حتما لأهوال معاناة البشر في الحروب، أيّا كانت دوافعها، وأماكنها وضحاياها، ولذلك جاءت نصوص القرآن تهدي الناس، وكانت توجيهات النبي الكريم محمد (ص)، وجملة الأنبياء المرسلين والصحابة والمصلحين تحض على مكارم الأخلاق سلما وحربا، وجاءت المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان مستنبطة بنودها من الإرث البشري المتواتر، وهو إرث كما يعلم الحسين فيه خليط من توجيهات السماء وحكمة الأرض.

ومن حكمة البشرية في العصر الحديث، القانون الدولي الإنساني، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والتي تغطي معظم هواجس الإنسان، وما تزال في تطور مع تقدّم البشرية المتلاحق، الشرعة الدولية لحقوق الإنسان تشكل التزام الدول، وبالتالي إلزام الرعايا بها عبر ممارستها في كل أوجه الحياة العامة والخاصة، فمبدأ الحرية مثلا ليس مشرعا بلا حد، شرطه عدم التعدي على حق الآخرين فقط، يتداخل الخاص هنا مع العام في حدود مرعية. ذكرت ما ذكرت في مقام أستاذنا حسين، للتنبيه فقط بأنّ من حق الإنسان أن يدعى (إنسان) غض النظر عن جريمته أو فظاعته، ولأنّ البشر ليس كالجراد فصيلاً واحداً، بل هم بكل تأكيد مختلفون، والمقولة العدلية السديدة، بأن يفلت ألف مجرم بجرائمهم أفضل من إدانة برئ واحد تتسق في تصوري لمعنى النص القرآني (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، فمن قرأ وسمع، وسار في الناس حديثه، وصار في مقام المرشدين والواعظين يزن ما يقول بميزان دقيق، تحسبا لما قد يترتب على كلمته من ردود أفعال قد تبلغ حد إباحة (جز الأعناق، وبقر البطون ومضغ الأكباد) باشتباه (معاونة) جراد الصحراء، المخلوقين من طينة خبيثة، هذا إن لم يك صاحب الألوان ممن يؤيدون ويدعون (لفضيلة) الذبح من الأضان للأضان (شخّ) لآخر جنجويدي، كما قال الشاعر المرهف صديقنا محمد محمد خير. وهو ما يشار إليه بأنّه (خطاب كراهية)، ولنصر بن سيّار قول سائر مسار الحكمة منذ قرون عن النار والحرب التي أولها كلام، ولزهير الحكيم شعر مبذول في شأن (معروف القول) نسلم، وحسين خوجلي في هذا الضرب علّامة.

لست هنا في وارد الدفاع عن الجند المدججين بالسلاح، الذين تسيطر على عقولهم أدبيات الحرب أو تسري في مشاعرهم نوازع الانتقام، وأجدد موقفي الراسخ ضد انتهاكاتهم البغيضة، كموقف إنساني فكري أخلاقي، لأنني على يقين بأنّ أفضل وسيلة لوقف أو التخفيف على الأقل من ضروب الانتهاكات وشمولها وتطورها الموجع يكمن في وقف الحرب والركون إلى التفاوض والنقاش والجلوس بين الفرقاء للوصول إلى اتفاقات ملزمة مضمونة ومراقبة بآليات فعّالة مما هو معلوم في شأن هذه القضايا، ومما هو متواتر ومعروف في تجربتنا الوطنية الغنيّة بالحروب والاتفاقات كذلك، والاستفادة من التجارب السابقة بتجنب منزلقاتها وتعضيد إيجابياتها , هذا هو موقفي ونظرتي إلى الحرب الطاحنة في بلادنا، وأول خطوات هذا الاتجاه هو بالضرورة الاعتراف بأنّ هناك فرقاء (بشر) يتعاركون، مسألة مرتزقة وأجانب وخونة وعملاء وجراد وجرذان وغيرها لم، ولن تحل مشكلة أبدا، ويمكن أن يكون أستاذنا حسين نفسه قد مرّ بتجربة تصنيفه (مرتزقة وأجانب) على أيام النميري والجبهة الوطنية ومحمد نور سعد في 1976. ولربما كان بعضا من آباء أو أجداد شباب وصبية الدعم السريع اليوم، في معية شباب الحركة الإسلامية أمثال غازي العتباني وعوض جادين يومذاك، والمبذول من سيرة حسين انتمائه إلى الحركة الإسلامية!!

كنت أرجو أن ينضم قلم للأعمال وقدرات الإعلامي الكبير إلى صف دعاة وقف الحرب، وإعادة النظر الفاحص والمتأني في إعادة بناء وطن يسع جميع أهله بحق، وليس كما نزعم الآن، وأن ننظر إلى غلاظ القلب هؤلاء كضحايا قبل أن يتحولوا إلى جلادين، فالإنسان يمكن تغيير سلوكه إذا توفرت له فرص أوسع مما ولد وتدرج فيها، ومن قرأ يعرف قصة الشاعر علي بن الجهم في بلاط الخليفة العبّاسي. كما أنّ الذين قرأوا وسمعوا ما أورده الحسين في استشهاداته العذبة من إبداع أهل رفاعة لا تتوقف مسؤوليتهم عند حدود معرفتهم الذاتية، وصاحب (الألوان) محتاج لفحص عنوانه إن كان حقّا صيغة جمع أم هو (لون) واحد يسعى بكل جهده وإبداعه وحلو كتابته وسرده لكي يراه الناس (اللون الواحد الفرد الصمد) وإلا كانوا من الضالين أو جراد صحراوي من طينة خبيثة. فسيرته ومسيرته الإعلامية متاحة للنقد والتعليق، وهي على كل حال ضد قيم الديمقراطية؛ تشويها وإشانة سمعة واستخفافا ودمغا بالعمالة والخيانة، وتأييدا للديكتاتورية والشمولية وحكم الحركة الإسلامية عبر فوهة البندقية، ودور صحيفته وتأليبها المستمر إبان الفترة (86_1989) محفوظ في الأرشيف، وفضائية أم درمان لم يتجاوز أفقها صوالين أم درمان وما شابهها من ثقافات لذلك لم تصل إلى (سودان) متعدد الأعراق، متشابك الهامات، مختلف الألوان والأذواق، فما دور حسين خوجلي في تقوية وتعزيز قيم حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية ونبذ العنف والدعوة إلى السلام، وهو المستمع والقارئ والمتذوق والباحث لكل شعر ونثر وغناء وحداء جميل جلّه إن لم يكن كله ضمن ما عرف سياسيا (مثلث حمدي الشهير).

شخصياً مع تكثيف الإدانات لأي طرف ينتهك حقوق الإنسان، فالدعم السريع وممارساته من أيام تأسيسه على يدي الحركة الإسلامية جناح البشير ظل متهما بممارسة هذه الانتهاكات، وعندما انتقده الإمام الصادق المهدي، تم الزج بإمام الأنصار في السجن، يومذاك لا ندري إن كان (جراد الصحراء) في طور اليرقة أم الحسين في مرحلة كمون! ويوم كان سلف الدعامة (الجنجويد) يجوسون في ديار وخلاوي وإرث وثقافة أهلنا في جبل مرّة، وما جاوره من حواكير، لم ينبر قلم للأعمال الحسين وصوته يشق الفضاء بالإدانة، عل الداعي خير يومها! وعندما كان المدافعون عن حقوق الإنسان يطاردون ويحاكمون ويشردون، كان قلم الحسين أشدّ وطأة عليهم من جلاوزة جهاز أمن التمكين، فهم عنده الخونة ربائب السفارات متمولي الاستخبارات الأجنبية لتشويه الصورة الرائعة لـ(سودان قدر مقاس الإخوان).

نعم ذرف الدموع والبكاء والعمل من أجل كل الضحايا ومناصرتهم واجب الناس الأحرار، لذا ظل كثير من السودانيين في هذا الصف الإنساني الباذخ، من زمان وإلى يوم مناحات الحسين الآن. كامل التضامن مع جميع ضحايا الحرب من المدنيين وحتى العسكريين، دون فرز، والإدانة كاملة دون نقصان لفصائل من الدعم السريع وعناصرها التي تنتهك الحرمات، مثلما الإدانة غير ملتوية لعناصر في القوات المسلحة وكتائب الإرهاب الملتفة حولهم في أي انتهاك ضد حقوق الإنسان في مدني سنار أو مليط الجنينة أو شرق الجزيرة ورفاعة الحبيبة والهلالية الوريفة. الإدانة للفعل المنتهك _بكسر الهاء_غض النظر ممن صدر وبالطبع ليس التجريم للجميع، ففي كل فصيل من المتقاتلين من يرعى الحدود. فهل الحسين في صف الإدانة هنا والتأييد هناك أم يلتزم الصراط الإنساني القويم، مثلما يلتزمه من ظلوا على عهد الإنسانية عاكفين، وليسلم جميع السودانيين، في أي بقعة منه أو خارجه، هم جميعا شعبنا وأهلنا، ولو كان بعضهم في المحطة الخطأ من راهن الأيام.

الوسومخالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد فضل الحرکة الإسلامیة لحقوق الإنسان حقوق الإنسان الحسین فی

إقرأ أيضاً:

جابر: الإمارات تزود التمرد بالسلاح علنًا وتؤجج الحرب في السودان

اتهم الفريق إبراهيم جابر، الإمارات بمواصلة تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، مما يساهم في تأجيج الصراع بالسودان..

التغيير: بورتسودان

أكد وزير الدفاع الفريق يس إبراهيم التزام القوات المسلحة بقواعد الاشتباك وفقًا للقوانين المعمول بها، مشيرًا إلى أن الجيش السوداني يعد رائدًا في مجال حقوق الإنسان.

جاءت تصريحات الوزير خلال ورشة عمل حول التزام القوات المسلحة بالقانون الدولي الإنساني، التي أقيمت الاثنين، في قاعة مجمع الوزارات ببورتسودان.

وأوضح أن القوات المسلحة تمتلك قوانين مفصلة للتعامل مع قضايا حقوق الإنسان سواء في السلم أو الحرب، مع التأكيد على أهمية رعاية حقوق المدنيين.

وأضاف الوزير أن الالتزام بالقانون الدولي يمثل أولوية للقوات المسلحة، مشددًا على ما اسماه بسلوكها القويم مقارنةً بالدعم السريع، التي تجاوزت جميع الخطوط الحمراء في انتهاكاتها.

وأكد حرص القوات المسلحة على إنفاذ القانون وتحقيق العدالة، معربًا عن عزم الجيش على الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان في جميع العمليات العسكرية.

تدفق السلاح

وفي السياق ذاته، اتهم الفريق إبراهيم جابر، الإمارات بمواصلة تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، مما يساهم في تأجيج الصراع بالسودان.

ووصف جابر ما يجري في السودان منذ 15 أبريل 2023 بأنه “انقلاب”، مؤكدًا أن القوات المسلحة حسمت التمرد سريعًا، وأن التمرد يعتمد الآن على استراتيجية انتشار لخلق عدم استقرار.

وأعرب جابر عن رفض السودان لتوصيف الصراع بأنه “حرب الجنرالين” أو “طرفي النزاع”، مؤكداً أن المساواة بين المليشيات والقوات المسلحة أمر غير مقبول.

كما شدد على أن الجيش السوداني يتمتع بتاريخ طويل في دعم حقوق الإنسان والالتزام بقواعد الاشتباك، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة تحارب للحفاظ على استقرار الدولة.

وذكر جابر أن الدعم السريع ارتكبت انتهاكات جسيمة، بما في ذلك جرائم الإبادة الجماعية والاعتداءات الجنسية وبيع النساء في مناطق مثل دارفور والجزيرة، مؤكدًا أن هذه الممارسات تجاوزت كل الخطوط الحمراء.

تأتي هذه التصريحات في وقت يشهد فيه السودان تصاعدًا في الصراع بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع، حيث تتزايد التقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف المناطق. تهدف الحكومة إلى تحسين صورتها من خلال تعزيز الالتزام بالقوانين الدولية وتحسين ظروف المدنيين المتأثرين بالصراع.

ويتهم طرفا القتال بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، حيث يُتهم سلاح الجو التابع للقوات المسلحة بقصف المدنيين، بينما تُتهم قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات واسعة بحق السكان في مناطق سيطرتها.

 

الوسومالجرائم والانتهاكات القانون الدولي الإنساني حرب الجيش والدعم السريع

مقالات مشابهة

  • بعد إعلان إقالة جالانت وتعيين كاتس.. ماذا طلب أهالي المحتجزين؟
  • بالفيديو.. حكم الجلوس مع شارب الخمر دون الشرب معه؟
  • الحسين اربد يلتقي ناساف الأوزبكي الأربعاء
  • «مجمع البحوث» يستأنف فعاليات أسبوع الدعوة الإسلامية في أسيوط لتفنيد الأفكار المغلوطة
  • الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.. ماذا يريد بوتين من الحدث الأهم في الولايات المتحدة؟
  • نتنياهو يبعث رسالة إلى المستشار القانوني للحكومة بشأن التسربيات.. ماذا قال؟
  • آخرها الحرب على غزة.. فلسطيني يطوع حبات الزيتون في أعماله الفنية
  • ماذا يحدث لجسمك إذا تجاهلت علاج ارتفاع ضغط الدم؟
  • جابر: الإمارات تزود التمرد بالسلاح علنًا وتؤجج الحرب في السودان