قصة وزارة الاستخبارات الإيرانية التي صعدت حربها ضد الموساد وأجهزة مخابرات إسرائيلية
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
سرايا - لا تدور الحرب بين إيران و "إسرائيل" بالصواريخ والطائرات والمسيرات والوكلاء فحسب، فهناك حرب خفية تدور رحاها بين أجهزة مخابرات البلدين. ففي الفترة الأخيرة لا يكاد يمر أسبوع حتى تعلن السلطات الإسرائيلية عن سقوط شبكة تجسس إيرانية جديدة وذلك في مؤشر على تصعيد وزارة الاستخبارات الإيرانية لمواجهتها مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد والشين بيت- الشاباك والمخابرات العسكرية).
فقد قالت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي (شين بيت) في 31 أكتوبر/ تشرين أول الماضي إن قوات الأمن الإسرائيلية نجحت في تفكيك شبكة تجسس مشتبه بها داخل"اسرائيل"كانت تعمل لصالح المخابرات الإيرانية، وهي أحدث مجموعة تجسس من هذا النوع يتم الإعلان عنها خلال أسابيع.
وأوضح شين بيت والشرطة أنه في الواقعة الجديدة، اعتقل زوجين إسرائيليين من بلدة اللد قرب تل أبيب بتهمة جمع معلومات استخباراتية عن البنية التحتية الوطنية والمواقع الأمنية بما في ذلك مقر جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، إضافة إلى مراقبة باحثة أكاديمية.
انتصارات الموساد وإخفاقاته: أبرز عشر عمليات في تاريخه
ما الذي كشف عنه مقتل إسماعيل هنية في طهران حول الوضع الأمني والاستخباراتي الإيراني؟
وأضافوا أن الخلية كانت جزءاً من جهود إيران لتجنيد أشخاص ينحدرون من منطقة القوقاز.
وقال مصدر في شين بيت إن “هذه الحوادث تُضاف إلى سلسلة من المحاولات الفاشلة التي كُشف عنها في الأسابيع الأخيرة، والتي تم فيها اعتقال مواطنين إسرائيليين بتهمة العمل لصالح عملاء للمخابرات الإيرانية وتنفيذ مهام محددة نيابة عنهم”.
وكانت قوات الأمن الإسرائيلية قد قالت في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين أول الماضي إنها نجحت في تفكيك شبكتي تجسس منفصلتين لصالح إيران في القدس وشمال إسرائيل.
فما هي قصة وزارة الاستخبارات الإيرانية التي تقف وراء هذه العمليات في إسرائيل؟
التأسيس
في كتابه "وزارة الاستخبارات الإيرانية: تاريخ موجز"، يقول ستيفن آروارد إن أغلب الناس سمع عن الحرس الثوري الإسلامي في إيران، ولكن هناك جهاز آخر أقل شهرة في الغرب وهو وزارة الاستخبارات الإيرانية، وهي الجهاز السري للنظام، الذي ينافس الحرس الثوري الإسلامي على السلطة.
وعلى النقيض من نظيرتها العسكرية، لا يرتدي أعضاء هذه المنظمة الغامضة زيا عسكريا ولا يقاتلون في ساحة المعركة بل إن أنشطتهم تتعلق بالتجسس في الخارج ومكافحة التجسس في الداخل.
وشملت العمليات الإيرانية على مدى العقود الأربعة الماضية اغتيالات واختطافات وتفجيرات عشوائية وعمليات مراقبة، وقد شاركت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية في جميع هذه العمليات.
وفي الواقع كان في إيران قبل الثورة الإسلامية جهاز الاستخبارات السافاك الذي تأسس تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي عام 1957 بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد اكتسب سمعة سيئة بسبب قمعه للمعارضين السياسيين، وأصبح أداة أساسية للشاه للحفاظ على السيطرة، حيث أصبح مرتبطا بالتعذيب والمراقبة والقتل خارج نطاق القانون، خاصة ضد الشيوعيين واليساريين وجماعات المعارضة الأخرى.
ومع الإطاحة بالشاه في ثورة 1979 الإسلامية، حُلّ السافاك حيث سعى النظام الثوري الجديد إلى القضاء على كل ما يمت للنظام السابق بصلة. ومع ذلك، فإن الاضطرابات الناتجة عن الثورة، إلى جانب التحديات المتزايدة للحكم، جعلت الحكومة تدرك بسرعة حاجتها إلى جهاز استخباراتي منظم للحفاظ على الأمن وحماية الجمهورية الإسلامية من التدخلات الأجنبية.
How an ever-increasing reliance on data impacts enterprise security strateg
CIO | AMD
How an ever-increasing reliance on data impacts enterprise security strateg
إعلان
وفي السنوات الأولى للجمهورية الإسلامية، تم تنفيذ عمليات استخباراتية من قبل مجموعات ومنظمات ثورية متعددة، غالبًا ما كانت تعمل بشكل مستقل، وأدت هذه اللامركزية إلى عدم كفاءة وفي بعض الأحيان إلى صراعات بين الفصائل داخل الحكومة. ومع تصاعد التوترات مع الغرب، وحرب العراق وإيران، وانتشار الأنشطة المناهضة للحكومة، أصبح من الواضح ضرورة وجود جهاز استخباراتي مركزي.
وحول تأسيس وزارة الاستخبارات الإيرانية، نشر سعيد جولكار، الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية والخدمة العامة في جامعة تينيسي تشاتانوغا، دراسة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يقول فيها إن وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية تأسست في عام 1983 كوسيلة لتوحيد بعض وحدات الاستخبارات في عصر الثورة.
وفي عام 1989، أصبحت الوزارة مسؤولة عن تنسيق مجتمع الاستخبارات بأكمله، الذي يتألف من 16 جهازاً للاستخبارات ومكافحة التجسس.
وتخضع وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية اسمياً لسيطرة الرئيس، ولكن الوزير الذي يشرف على الوكالة لابد وأن يتم اختياره بموافقة المرشد الأعلى. وبموجب القانون، لابد وأن يكون الوزير مجتهداً ( رجل دين قادرعلى التفسير).
وتعتمد وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية في تجنيد عناصرها في المقام الأول على طلاب المدارس الدينية. وقد درس العديد من كبار أفرادها في مدرسة حقاني، وهي مدرسة دينية في قم ارتبط اسمها بالتيار المتشدد.
وفي عام 1984، أنشأت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية جامعة الإمام محمد باقر لتدريب عملاء الأمن والمحللين، وتستند عملية الاختيار الصارمة إلى المؤهلات الدينية والإيديولوجية.
اغتيال المعارضين والخطف
اغتال عملاء الاستخبارات الإيرانية رئيس وزراء الشاه السابق شاهبور بختيار في العاصمة الفرنسية باريس عام 1991
اغتال عملاء الاستخبارات الإيرانية رئيس وزراء الشاه السابق شاهبور بختيار في العاصمة الفرنسية باريس عام 1991
Getty Images
في البداية، وتحت إشراف وزير الاستخبارات محمد ريشهري في الثمانينيات من القرن الماضي، ركزت وزارة الاستخبارات والأمن على القضاء على عناصر المعارضة الإيرانية، وخاصة منتسبي حركة مجاهدي خلق، وهي المجموعة التي كانت نشطة في الداخل والخارج.
وبعد عام 1989، حولت وزارة الاستخبارات والأمن تحت إدارة علي فلاحيان، وهو خريج آخر من شبكة حقاني، انتباهها إلى اغتيال المعارضين الإيرانيين.
وقد وقعت أولى الحوادث البارزة في يوليو/تموز 1989، عندما قُتِل عبد الرحمن قاسملو في العاصمة النمساوية فيينا. وفي أغسطس/آب 1991، قُتِل رئيس وزراء الشاه السابق شاهبور بختيار في العاصمة الفرنسية باريس.
ووقعت واحدة من أكثر الحوادث شهرة بعد عام واحد في برلين، حيث اغتال عملاء وزارة المخابرات منشقين أكراد إيرانيين في مطعم ميكونوس.
وفي عام 1994، ورد أن وزارة المخابرات تعاونت مع قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني في تفجير مركز مجتمعي لجمعية التعاون الأرجنتينية الإسرائيلية في بوينس آيرس، مما أسفر عن مقتل 85 شخصاً وإصابة 300 آخرين. واستمرت هذه الموجة من العنف المستهدف حتى نهاية رئاسة علي أكبر هاشمي رفسنجاني في عام 1997.
وخلال نفس الفترة، اعتقلت وزارة المخابرات أيضًا وقتلت العديد من الناشطين والكتاب داخل البلاد، بما في ذلك وزير الصحة السابق كاظم سامي، والكاتب سعيدي سرجاني.
وفي حادثة سيئة السمعة في عام 1996، حاولت الوزارة التخلص من حافلة كان على متنها 21 مثقفًا إيرانيًا في طريقهم إلى مؤتمر شعري في أرمينيا من خلال دفعهم من على جرف، ولحسن الحظ، نجوا.
وقد برر النظام الإيراني هذه الإجراءات بوصفها جزءاً من مكافحة "الغزو الثقافي". ومن وجهة نظر النظام، كانت الدول الغربية عازمة على تقويض الثقافة الإسلامية وإفساد الأخلاق الإيرانية من خلال الترويج لثقافتها وأساليب حياتها المادية.
وفي نفس العام، حاول أحد عملاء وزارة المخابرات والأمن زرع قنبلة في تجمع لمجاهدي خلق في باريس.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2019، قتلت وزارة المخابرات والأمن مسعود مولوي فاردانجاني، وهو مسؤول سابق في الوزارة انشق وفر إلى تركيا.
وكانت عمليات الاختطاف متفشية أيضًا ففي يوليو/تموز من عام 2020، اختطفت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية المعارض جمشيد شارمهد في دبي، وبعد 3 أشهر، اختطفت حبيب شعب، وهو زعيم انفصالي عربي إيراني في تركيا.
ورغم أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية طورت درجة من التطور والكفاءة من خلال أربعة عقود من الخبرة، فإن مستوى نجاحها كان متفاوتاً.
وبشكل عام، كانت عملياتها ضد المعارضين أكثر نجاحاً في البلدان التي تعاني من فساد أكبر، أو حيث تمتلك إيران المزيد من الحلفاء والموارد.
ففي يونيو/حزيران 2020، على سبيل المثال، قتلت وزارة الاستخبارات والأمن القاضي الهارب غلام رضا منصوري في المجر بعد إغرائه بالخروج من ألمانيا. ومع ذلك، فإن سجل الوزارة ضعيف في أمريكا الشمالية وأوروبا بفضل الأجهزة الأمنية الكفؤة وسيادة القانون في هذه الدول. وذلك بحسب دراسة سعيد جولكار، الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية والخدمة العامة في جامعة تينيسي تشاتانوغا، والمنشورة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
الغطاء الدبلوماسي
وزير الاستخبارات الإيرانية الحالي إسماعيل خطيب
وزير الاستخبارات الإيرانية الحالي إسماعيل خطيب
Getty Images
في كتابه "وزارة الاستخبارات الإيرانية: تاريخ موجز"، يقول ستيفن آروارد إن ضباط وزارة الاستخبارات يعملون في الخارج انطلاقاً من منشآت دبلوماسية إيرانية وغيرها من الجبهات. وعادة ما يخدم الضباط المعينون في سفارة إيرانية لمدة تتراوح بين 3 و5 سنوات، وهو ما يسمح لهم باكتساب خبرة محلية كبيرة ويوفر الوقت اللازم لتجنيد وتطوير الجواسيس.
وكشف تحقيق أوروبي أجري في عام 2018 أنه في إحدى الحالات، عمل ضابط من وزارة الاستخبارات والأمن الداخلي انطلاقاً من سفارة إيران في فيينا لأكثر من عقد من الزمان.
وقد كشفت التحقيقات المختلفة في الأنشطة الإيرانية أن الوزارة استخدمت على مر السنين أشكالاً متعددة من الغطاء غير الرسمي، وفي بعض الحالات، أنشأت وزارة الاستخبارات والأمن قواعد استخباراتية في المنظمات الثقافية والخيرية والمساجد.
وبالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن ضباط وزارة الاستخبارات والأمن عملوا كصحفيين وطلاب وموظفين طبيين، فضلاً عن عملهم كموظفين في شركات خاصة، وفروع البنوك الإيرانية في الخارج، وشركة الخطوط الجوية الإيرانية المملوكة للدولة.
تجنيد الجواسيس
تقوم وزارة الاستخبارات والأمن بتجنيد الجواسيس من خلال الحوافز المادية، كما يستخدم ضباط وزارة الاستخبارات الجواسيس للمساعدة في تجنيد آخرين.
وتتضمن أساليب التجنيد استخدام الإنترنت وتطوير قصص تغطية مفصلة، وكشف تحقيق إسرائيلي أسفر عن اعتقال 5 مهاجرين يهود من إيران في أوائل عام 2022، وأن ضباط الاستخبارات الإيرانية استخدموا حوافز مالية لتجنيدهم حيث تم الاتصال بهم في البداية ثم توجيههم عبر الإنترنت. وأفاد الإسرائيليون أن الضباط الإيرانيين استخدموا أفراد عائلات العملاء في إيران لنقل الأموال إليهم في إسرائيل.
وفي عام 2012، جندت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية غونين سيغيف، وهو وزير سابق في الحكومة الإسرائيلية يعيش في أفريقيا وكان قد سُجن في التسعينيات بتهمة المخدرات.
وبعد أن ألقت الموساد القبض عليه، حُكم عليه بالسجن بتهمة تقديم معلومات لإيران تتعلق بمسؤولين سياسيين وأمنيين إسرائيليين ومواقع أمنية وقطاع الطاقة في البلاد.
وكشفت القضية أمام المحكمة أن عملاء وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية أحضروا سيغيف مرتين إلى إيران لحضور اجتماعات وأعطوه نظام اتصال للرسائل المشفرة.
عميل إيراني قال الشين بيت إنه جند 4 إسرائيليات من أصل إيراني من خلال فيسبوك
عميل إيراني قال الشين بيت إنه جند 4 إسرائيليات من أصل إيراني من خلال فيسبوك
وفي عام 2018، ألقى مكتب التحقيقات الفيدرالي القبض على مواطنين أمريكيين من أصل إيراني تابعين لوزارة الاستخبارات واتهمهما بالعمل كعملاء لإيران.
وكان الثنائي يقومان بمراقبة المراكز اليهودية وأعضاء المعارضة الإيرانية سراً في الولايات المتحدة.
وفي عام 2019، لجأت وزارة الاستخبارات والأمن إلى الإنترنت والعمليات السيبرانية لاختراق الهاتف المحمول لرئيس أركان القوات المسلحة الإسرائيلية السابق بيني غانتس، الذي كان وزيراً للدفاع الإسرائيلي من عام 2020 إلى عام 2022.
وزعم غانتس أنه لم يتم المساس بأي معلومات سرية، لكن المعارضين السياسيين تساءلوا عما إذا كانت معلوماته الشخصية المفقودة تجعله عرضة للابتزاز.
وفي يناير/ كانون الثاني من عام 2022 اعتقل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي 4 نساء إسرائيليات يهوديات من أصل إيراني، قال جهاز الأمن "الشين بيت"، إنه تم تجنيدهن من خلال فيسبوك بواسطة عميل ادعى أنه يهودي يعيش في إيران.
وأضاف الجهاز أن النساء حصلن على آلاف الدولارات من أجل التقاط صور لمواقع حساسة ومراقبة إجراءات أمنية وخلق صلات مع سياسيين.
وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول من عام 2023، أدرجت الولايات المتحدة اثنين من ضباط وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية في القائمة السوداء لقيامهما بتجنيد أفراد لعمليات مراقبة وعمليات قتل في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك استهداف مسؤولين حاليين وسابقين في الحكومة الأمريكية للانتقام لمقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أمريكية بطائرة مُسيرة في عام 2020.
التعاون مع منظمات إجرامية
في كتابه "وزارة الاستخبارات الإيرانية: تاريخ موجز"، يقول ستيفن آروارد إن وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية والحرس الثوري الإيراني نشروا في مختلف أنحاء العالم عملاء غير إيرانيين وحاملي جنسيات مزدوجة يسافرون بجوازات سفرهم الخاصة أو المزيفة، بما في ذلك الجوازات الإسرائيلية المزورة.
كما أسندت إيران بعض الأنشطة العملياتية إلى منظمات إجرامية، مثل عملية قتل المعارض محمد رضا كلاحي صمدي عام 2015، والذي كان يعيش تحت اسم مستعار في هولندا.
واستخدمت إيران مجرمين هولنديين في جريمة قتل أحمد مولا نيسي، وهو زعيم انفصالي عربي، خارج منزله في لاهاي أواخر عام 2017.
وعلى نحو مماثل، كان عضو في تنظيم إجرامي تركي المشتبه به الرئيسي في عملية قتل نفذتها وزارة المخابرات والأمن في اسطنبول في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ضد منتقد النظام سعيد كريميان، الذي اتُهم بنشر الثقافة الغربية والقيم المناهضة للإسلام من خلال بث برامج أجنبية مدبلجة إلى الفارسية على شبكته التلفزيونية جيم تي في.
وقد أظهرت مؤامرة اغتيال أخرى رفيعة المستوى نفذتها وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية في أوروبا في عام 2018 مهارة الوزارة حيث قام أسد الله أسدي، وهو ضابط في وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية يعمل تحت غطاء دبلوماسي بصفته السكرتير الثالث للسفارة الإيرانية في فيينا، بتجنيد زوجين بلجيكيين من أصل إيراني لزرع قنبلة تستهدف مريم رجوي، زعيمة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهي جماعة معارضة.
وكان من الممكن أن تقتل القنبلة شخصيات أخرى، بما في ذلك المحامي الشخصي للرئيس ترامب، رودي جولياني، الذي كان من المقرر أن يتحدث في التجمع الذي كانت ستحضره رجوي بالقرب من باريس.
وفي النهاية، سمح خلل أمني عملياتي في وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية للمخابرات الإسرائيلية باكتشاف المؤامرة، وبناءً على معلوماتها اعترض ضباط المخابرات البلجيكية الزوجين.
مكافحة التجسس
اغتال الموساد محسن فخري زاده الذي كان بمثابة الأب للبرنامج النووي الإيراني
اغتال الموساد محسن فخري زاده الذي كان بمثابة الأب للبرنامج النووي الإيراني
Getty Images
كما تتحمل وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية مسؤولية عمليات مكافحة التجسس على الأراضي الإيرانية، وقد أعلنت مراراً وتكراراً أنها تمكنت من اختراق شبكات التجسس التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الموجهة ضد إيران وتفكيكها.
وتستخدم وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية هذه الإنجازات المزعومة في مجال مكافحة التجسس للتفاخر بقدراتها التشغيلية والتحليلية الفعّالة، وزرع الشكوك حول صحة المعلومات التي تجمعها شبكات الاستخبارات الأجنبية، وتشويه قدرات أجهزة الاستخبارات الأجنبية.
الموساد جنّد إيرانيا لاغتيال فخري زاده - التايمز
وعلى مر السنين، زعمت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية تعطيل شبكات مختلفة للموساد، على الرغم من أن هذه الإجراءات كانت تأتي عادة بعد وقوع عمليات إسرائيلية مدمرة بالفعل.
وفي عام 2012، أعلنت وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية اكتشاف شبكة إسرائيلية مزعومة تستهدف الأنشطة النووية الإيرانية، فضلاً عن اعتقال العملاء المتورطين في اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.
واعترف أحد المتآمرين، ماجد جمالي فاشي، على شاشة التلفزيون بتلقيه تدريبًا ومبلغ 120 ألف دولار من الموساد. ومع ذلك، عانت نجاحات مكافحة التجسس المزعومة من مشاكل المصداقية الناجمة عن تكتيكات الاستجواب القاسية التي تنتهجها الوزارة.
وفي عام 2019، اعترفت وزارة الاستخبارات بأن بعض اعترافات المتآمرين تم الحصول عليها تحت التعذيب.
وفي أواخر يوليو/تموز من عام 2021، ادعت الوزارة أنها ألقت القبض على أعضاء مزعومين في شبكة استخبارات إسرائيلية على الحدود الغربية لإيران، واستولت على أسلحة كانت تهدف إلى دعم أعمال الشغب في المدن الإيرانية، وعرقلت خطة لتنفيذ "أعمال تخريبية" خلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران من ذلك العام.
وفي أوائل عام 2023، كشفت إيران عن نجاح آخر مهم لوزارة المخابرات والأمن في مكافحة التجسس.
فقبل 4 سنوات، ألقت وزارة المخابرات والأمن القبض على المواطن البريطاني المزدوج الجنسية علي رضا أكبري، نائب وزير الدفاع الإيراني السابق الذي كان مساعدًا لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، بتهمة التجسس لصالح لندن منذ عام 2004، واحتجزته وزارة المخابرات والأمن سراً لمدة 3 سنوات.
وخلال هذا الوقت، جعلوا أكبري يستخدم بانتظام جهاز كمبيوتر قدمته بريطانيا للتواصل مع مشغليه لتضليلهم. وفي يناير/ كانون الثاني من عام 2023، كشفت إدارة رئيسي عن اعتقال أكبري وإدانته وحكم عليه بالإعدام.
وفي أواخر عام 2020، أشاد زعماء النظام بوزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية بمنعها "تقريبًا" لواحدة من سلسلة اغتيالات رفيعة المستوى لعلماء نوويين إيرانيين امتدت لأكثر من عقد من الزمان ونسبت إلى"اسرائيل"وعملاء جندهم الموساد.
ويعتقد النظام أن الاغتيالات ربما بدأت في عام 2007 عندما توفي عالم نووي في مصنع لليورانيوم في أصفهان في تسرب غاز غامض.
وقد قُتل محسن فخري زاده، الذي كان بمثابة الأب للبرنامج النووي الإيراني، في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2020 في كمين لموكبه المكون من 4 سيارات على طريق ريفي على بعد 40 ميلاً شرق طهران.
ونفذ فريق الموساد، الذي ضم أكثر من 20 إسرائيليًا وإيرانيًا، عملية الاغتيال عالية التقنية بعد أشهر من المراقبة المضنية. وكشفت اللجنة المشتركة في ذلك الوقت أن الكمين استخدم مدفع رشاش يزن طنًا واحدًا يتم التحكم فيه عن بعد تم تهريبه قطعة قطعة إلى إيران وسيارة مفخخة وقناصين.
وقال المتحدث باسم الحكومة ونائب وزير الاستخبارات السابق علي ربيعي إن وزارة الاستخبارات حددت هوية الأشخاص الذين أحضروا "الأجهزة والتقنيات" المستخدمة في عملية القتل.
وكرر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي شمخاني، وهو ضابط كبير سابق في الحرس الثوري الإيراني، أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية كانت لديها معلومات عن المؤامرة، لكنه ألقى باللوم في انهيار الحماية على الفشل والتهاون في مراعاة الاحتياطات بعد سنوات من التحذيرات المتكررة.
ومن بين حالات الفشل الأخرى في الحماية التي حدثت في الفترة المحيطة بوفاة فخري زاده اغتيال الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أبو محمد المصري، في أغسطس/آب من عام 2020، والذي كان محتجزًا في طهران من عام 2003 إلى عام 2015 ، والانفجارات التي وقعت في يوليو/تموز 2020 وأبريل/نيسان 2021 في منشأة نووية في نطنز.
وقد تم تعقب الانفجار الذي وقع في نطنز عام 2020 إلى متفجرات مختومة داخل مكتب ثقيل تم وضعه في المنشأة قبل أشهر.
وأثار هجوم نطنز عام 2021 انتقادات رسمية للمجتمع الاستخباراتي والأمني بشأن "إسرائيل من الداخل"، في إشارة إلى اختراقات الموساد المزعومة للمنشآت والمنظمات الإيرانية.
وفي عام 2018، نفذ عملاء إسرائيليون غارة ليلية جريئة لسرقة نصف طن من أرشيفات البرنامج النووي السرية من مستودع في طهران.
وفي يوليو/ تموز الماضي، تم اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في أحد بيوت الضيافة الحكومية بطهران. وقال وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب إن "اغتيال هنية نفّذته"اسرائيل"بضوء أخضر من الولايات المتحدة"
وقد جاء اغتيال هنية بعد أيام معدودة من تصريح خطيب بأن "جميع أذرع الموساد الموجودة داخل إيران تمّ قطعها".
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن"اسرائيل"أبلغت الولايات المتحدة بعد العملية أنها المسؤولة عن اغتيال هنية.
وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر مطلعة قولها إنه رغم أن"اسرائيل"لم تعلق على مقتل هنية، فقد أبلغت المسؤولين الأمريكيين على الفور بأنها مسؤولة عن العملية.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين قولهم إن هذا الاختراق يمثل "فشلاً كارثياً على الصعيدين الاستخباراتي والأمني الإيراني، كما يضع الحرس الثوري الإيراني في حرج شديد".
وقد كشفت هذه العمليات عن عجز وزارة الاستخبارات والأمن عن منع الاستخبارات الإسرائيلية من إنشاء شبكات فعالة من المتعاونين داخل إيران والوصول بشكل متكرر إلى مواقع حساسة.إقرأ أيضاً : إيران: وفاة الإيراني الألماني جمشيد شارمهد قبل تنفيذ إعدامهإقرأ أيضاً : الحزب الجمهوري يفوز بالأغلبية في مجلس الشيوخ حتى الآنإقرأ أيضاً : ترامب "واثق للغاية" بالفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع صفحتنا على تيك توك
وسوم: #العالم#سيارات#بريطانيا#ألمانيا#ترامب#إيران#الشمالية#الوضع#دينية#مجلس#نيويورك#أمريكا#سليماني#العراق#تركيا#وفاة#دبي#غاز#الصحة#الحكومة#الناس#الله#العمل#القدس#الدفاع#علي#أحمد#الثاني#حبيب#محمد#رئيس#الرئيس#القوات#باريس
طباعة المشاهدات: 1454
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 06-11-2024 09:20 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: إيران الوضع إيران العمل إيران القدس الناس إيران محمد الحكومة العراق دينية محمد رئيس باريس رئيس باريس محمد علي رئيس القدس علي الصحة الثاني حبيب إيران أمريكا الشمالية إيران إيران إيران الحكومة إيران القوات الثاني الحكومة القدس العالم إيران محمد إيران أحمد الله إيران إيران علي الدفاع علي بريطانيا الثاني غاز الثاني سيارات إيران الحكومة علي الثاني محمد رئيس إيران نيويورك إيران العالم سيارات بريطانيا ألمانيا ترامب إيران الشمالية الوضع دينية مجلس نيويورك أمريكا سليماني العراق تركيا وفاة دبي غاز الصحة الحكومة الناس الله العمل القدس الدفاع علي أحمد الثاني حبيب محمد رئيس الرئيس القوات باريس وزارة الاستخبارات الإیرانیة أجهزة الاستخبارات الولایات المتحدة وزیر الاستخبارات الثوری الإیرانی مکافحة التجسس من أصل إیرانی الثانی من عام الحرس الثوری الإیرانیة ا المخابرات ا فی العاصمة یولیو تموز بما فی ذلک فخری زاده من عام 2020 فی عام 2018 فی إیران الذی کان إیرانی ا فی یولیو وفی عام من خلال
إقرأ أيضاً:
من قتل فاضل البراك مدير مخابرات صدام حسين؟
في صيف عام 1968، استولى حزب البعث العربي الاشتراكي على الحكم في العراق، وكان على رأسه وقتئذ أحمد حسن البكر وصدام حسين، وكلاهما أبناء قرية العوجة التابعة لتكريت.
ولتثبيت أقدام البعث في حكم البلاد، أسرعا البكر وصدام حسين في إشراك مئات من البعثيين من حملة الشهادة المتوسطة في دورات خاصة في كلية الضباط الاحتياط لمدة 5 أشهر، حتى إذا تخرجوا بعدها برتبة نائب ضابط تلميذ وُزّعوا على وحدات الجيش للسيطرة عليها لقلة عدد العسكريين المنتمين للبعث وقتئذ.
وكما يروي اللواء وفيق السامرائي، مدير المخابرات العسكرية العراقي الذي انشق عن نظام صدام عام 1995 في مذكراته، أنه من أجل أن يثبت صدام أقدامه في حكم العراق اعتمد على الكثيرين من أبناء تكريت بصورة واسعة.
وكان من جملة الأشخاص الذين اعتمد عليهم نظام البعث هو فاضل البراك حسين الناصري، وهو ينحدر من عشيرة البيجات أقارب صدام حسين.
ولد في تكريت عام 1942، ثم أكمل تعليمه الأساسي في سامراء قبل أن يلتحق بحزب البعث عام 1958. ولاحقا انضم إلى الكلية العسكرية عام 1962، حيث كان عضوا في التنظيم العسكري للحزب داخل الكلية.
إعلانكان فاضل البراك يجمع بين الثقافة العسكرية القوية والانتماء الحزبي، كما كان من العضد العائلي القريب من صدام، ومن جملة المقربين منذ وقت مبكر من صدام.
وبعد انقلاب عبد السلام عارف في 18 أكتوبر/تشرين الأول 1963، حُولت دفعة البراك إلى وظائف مدنية بسبب انتمائها الحزبي البعثي، ووفقا لتصريحاته التي ألقاها لاحقا لمجلة ألف باء، التقى البراك مع صدام حسين للمرة الأولى عام 1966، حين كان ملازما أول بمعسكر الرشيد في بغداد.
ولهذا السبب، كان من الطبيعي أن يلعب فاضل البراك رغم حداثة سنه دورا حاسما في أحداث انقلاب البعث في 17 يوليو/تموز 1968.
وعقب نجاح الانقلاب، وتمكن البكر وصدام من السيطرة على مقاليد السلطة، تولى البراك منصب ضابط أمن القصر الجمهوري.
ووفقا لشهادة وزير الإعلام العراقي الأسبق صلاح عمر العلي، والتي ينقلها عنه الباحث فايز الخفاجي، فإن فاضل البراك تمكن من كشف محاولة انقلابية قادها سنة 1969 داود عبد السلام الدركزلي وبعض الضباط الآخرين، مما عزز مكانته في صفوف النظام البعثي آنذاك.
وعلى إثر هذا النجاح، نُقل فاضل البراك ليشغل منصب مرافق للرئيس أحمد حسن البكر، حيث تولى بعدها قيادة قوة حماية الإذاعة والتلفزيون، وكما يذكر جواد هاشم وزير التخطيط الأسبق في حكومة البكر وصدام في مذكراته "مذكرات وزير عراقي"، فإن الضابط فاضل البراك تمكن في هذه المرحلة أيضا من كشف محاولة انقلابية كان على رأسها العقيد المتقاعد آنذاك عبد الغني الراوي ومجموعته، والتي تمكن البراك من اختراقها ببراعة، الأمر الذي زاد من رصيده ومكانته.
وربما لهذا السبب أُرسل في عام 1970، إلى روسيا في منصب معاون ملحق عسكري ومسؤول تنظيمات حزب البعث في أوروبا الشرقية، بالإضافة إلى تولي مهام التنسيق بين أجهزة الاستخبارات، وقد برزت براعته الاستخبارية عندما نجح في شق صفوف الحزب الشيوعي العراقي في الاتحاد السوفياتي عبر استهداف خليل الجزائري، أمين التنظيم هناك.
إعلانولم تتوقف براعة البراك في الجانب الأمني فقط، ففي الجانب الأكاديمي أيضا استطاع الحصول على درجة الدكتوراه من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفياتية، ونظرا لهذه المواهب، والثقة قبل ذلك التي أحرزها لدى البكر وصدام، وبعد عودته إلى بغداد عام 1976، عُين مديرا للأمن العام، ليبدأ مرحلة جديدة في مسيرته، ركز خلالها على إعادة بناء وتطوير الجهاز الأمني.
ويذكر اللواء وفيق السامرائي في مذكراته "حطام البوابة الشرقية" أن البراك وعقب اشتعال الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980 كان له دور مهم في القبض على بعض كبار الضباط العراقيين الذين ثبت تجسسهم وتعاونهم مع الخارج وقتئذ.
في عام 1983، أُقصي برزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام حسين من منصب مدير جهاز المخابرات العراقي، ليحل محله هشام صباح الفخري، ولكن بعد فترة قصيرة قرر صدام حسين تعيين فاضل البراك مديرا لجهاز المخابرات.
وخلال فترة قيادته، أحدث البراك نقلة نوعية في عمل جهاز المخابرات؛ إذ أقرّ منهجية عمل كانت بمثابة دستور شامل للجهاز، مع تطوير نظام متكامل لمعالجة المعلومات ونظام إدارة المصادر، كما وضع قواعد صارمة لتحديد الصلاحيات والمناصب القيادية بدقة، مما حوّل المخابرات إلى مؤسسة أمنية ذات هيكل رصين ومتماسك.
ويمكن ملاحقة عقلية البراك وخبرته في هذا المجال من خلال كتابه "إستراتيجية الأمن القومي، آراء وأفكار" وهو كتاب طوّره من محاضرة ألقاها في كلية الدفاع الوطني بجامعة البكر للدراسات العسكرية العليا في فبراير/شباط 1986 إبان رئاسته للجهاز. ويعد الكتاب بمثابة القاعدة الأمنية الراسخة الذي حددت عمل جهاز المخابرات العراقي آنذاك، في ظل تحديات جسيمة في ذروة الحرب العراقية الإيرانية.
ورغم انتخابه عضوا في القيادة القُطرية لحزب البعث، فقد تنازل البراك عن هذا المنصب نظرا لانشغاله بأعمال جهاز المخابرات، ليبقى عضوا احتياطيا وعضوا في المكتب العسكري للحزب، وتقديرا لجهوده وشجاعته، حصل البراك على نوطين للشجاعة في عام 1986، إضافة إلى شارة الحزب، مما عزز مكانته الأمنية والسياسية البارزة في العراق.
إعلانوقد روى سالم الجميلي الضابط الذي عمل في المخابرات العراقية زمن صدام وحتى الغزو الأميركي في عام 2003 لربع قرن في كتابه "المخابرات العراقية أسرار وأسوار" العديد من العمليات التي قام بها الجهاز في فترة الثمانينيات إبان رئاسة البراك للجهاز، وتكثيفها العمل ضد مكافحة التجسس للمخابرات الإيرانية، والرد على عملياتها ضد العراق في ذلك الوقت، ونجاحها في العديد من هذه العمليات.
ولكن في عام 1989، نُقل فاضل البراك من رئاسة جهاز المخابرات إلى ديوان رئاسة الجمهورية ليشغل رئيس الدائرة السياسية ومستشارا لصدام، وهو الأمر الذي اعتُبر بداية لتهميشه وإقصائه عن دوائر صنع القرار في العراق.
ملفات البراكوبعد احتلال العراق للكويت في أغسطس/آب 1990، روى عبد الملك الياسين أحد أبرز الدبلوماسيين العراقيين السابقين في لقاء تلفزيوني أن صدام شكّل لجنة برئاسة البراك وعضوية الياسين وعدد من أساتذة الجامعات، وكانت مهمة اللجنة تقديم توصيات حول أزمة الكويت والتصعيد الأميركي تجاه العراق، وقد أوصت اللجنة بضرورة الانسحاب الفوري من الكويت نظرا لخطورة الموقف، لكن اللجنة حُلّت لاحقا.
تولى فاضل البراك إدارة ملفات إقليمية معقدة في فترة رئاسته لجهاز المخابرات، بعضها كشف النقاب عنه، بينما ما زال الآخر طيّ الكتمان، فبحسب الكاتب محمد حسنين هيكل في لقاء تلفزيوني مع الجزيرة، اجتمع البراك في مدريد مع روبرت غيتس رئيس المخابرات ووزير الدفاع الأميركي الأسبق في اجتماع عُرف باسم مؤتمر مدريد السري، حيث طرح الأميركان إغراء العراق بضرب الثورة الإيرانية مقابل وعود بمنحه الكويت.
ولكن فاضل البراك، وكان مديرا للأمن العام في عام 1980، رفض هذا العرض، وبحسب ما يذكره الصحفي داود البصري في مقالته "الحكاية الكاملة لمؤتمر مدريد السري"، فإن البراك التقى صدام وطلب منه الأمان وأن يقول رأيه بصراحة، فوافق صدام وأعطاه الأمان، فذكر البراك الوضع الأمني، ومحاولات اختراق إيران للداخل العراقي وقتها بمختلف السُّبل، ثم قال "إن التحرك الإيراني تجاه العراق محموم وخطير ويُشكل خطرا على الوضع الأمني المستقر في العراق، إلا أنني أرى أنه تحت السيطرة التامة، ولا يدعونا لخوض غمار حرب لا تعرف عقباها أو نتائجها".
إعلانفكان البراك من الأصوات القليلة التي رفضت دخول حرب ضد إيران، لأجل وعود زائفة، وفخاخ نصبها الآخرون للعراق، وقد تكرر موقفه هذا في رفضه الغزو العراقي للكويت في عام 1990 بعد إقالته من جهاز المخابرات وعمله مستشارا لصدام حينئذ كما ذكر الدبلوماسي عبد الملك أحمد الياسين سابقا.
وقد أُوكل إلى البراك ملف إعادة العلاقات مع ليبيا، ونجح في تحقيق ذلك، محيّدا الرئيس معمر القذافي عن إيران بعد سنوات من دعمه لها، وذلك من خلال دعم المخابرات العراقية للمعارضة الليبية التي كانت تنتشر على الحدود التشادية الليبية، والتي أجبرت القذافي على الصلح والتقارب مع صدام وابتعاده عن إيران في ذلك الحين، وذلك كما يذكر الضابط في المخابرات العراقية سالم الجميلي في مذكراته المنشورة عام 2023.
وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، تمكن البراك من تعزيز دور العراق هناك من خلال علاقاته الوثيقة مع سمير جعجع والرئيس أمين الجميل، اللذين كانا يواجهان النفوذ الإيراني والسوري، وكانت سوريا بزعامة حافظ الأسد قد تحالفت مع إيران ضد صدام.
إلى جانب ذلك، كانت للبراك علاقات وطيدة بعدد من القيادات الفلسطينية، وخاصة الرئيس ياسر عرفات وأبو إياد، إضافة إلى بناء علاقات متينة مع رؤساء أجهزة مخابرات عربية ودولية، مما عزز دور العراق بالمنطقة في تلك الفترة المتوترة.
ولكن في عام 1991، أُحيل البراك على التقاعد، منهيا بذلك مسيرته السياسية والأمنية وهو لا يزال في التاسعة والأربعين من عُمره، وفي العام التالي صُدم الجميع بخبر وفاة فاضل البراك الغامضة، والتي أشير فيها بأصابع الاتهام إلى إخوة صدام غير الأشقاء.
لماذا قُتل فاضل البراك؟تعددت الروايات حول وفاة أو مقتل فاضل البراك، الأمر الذي أثار جدلا مستمرا حتى يومنا، فإحدى الروايات تقول إنه أُعدم عام 1992 بتهمة الخيانة مع ألمانيا الشرقية، كما ترددت رواية أخرى أنه تواطأ مع إسرائيل، وثالثة مع الاتحاد السوفياتي.
إعلانلكن شهادات من رجال مخابرات وشخصيات عراقية نفت ذلك كليا، منها شهادة مدير المخابرات العسكرية العراقية الأسبق وفيق السامرائي في كتابه "حطام البوابة الشرقية" تُفيد بأن سبب إعدامه كان خلافه العميق مع إخوة الرئيس صدام حسين، إضافة إلى اعتراضه على احتلال الكويت.
ونفيا لتهمة الخيانة والتعاون مع مخابرات خارجية ضد العراق أرسل مصدر استخباراتي عراقي سابق، لم يكشف عن اسمه وكان قريبا من نظام صدام حسين، رسالة مفصّلة يبدد فيها تهمة تخابر فاضل البراك لموقع روسيا اليوم، وهو الأمر الذي يؤكده فاضل العزاوي مدير المخابرات العراقية الأسبق في برنامج "شاهد على العصر" الذي تبثه الجزيرة، وكان نائبا للبراك وقد خلفه في منصبه.
ووفقا لهاتين الشهادتين، كان الصراع الشخصي بين فاضل البراك وإخوة الرئيس غير الأشقاء -سبعاوي وبرزان ووطبان- في مقدمة التوترات التي اندلعت إثر تولي البراك مسؤولية جهاز المخابرات خلفا للفريق الركن هشام صباح الفخري، الذي كان قد خلف برزان في المنصب لفترة بسيطة.
وكان إقصاء فاضل البراك لأذرع وأعوان برزان وسبعاوي من الدوائر الاستخبارية المهمة في الجهاز سببا لهذه النقمة التي حملوها له، وبهذه التحركات الدقيقة، نجح البراك في القضاء على مراكز النفوذ التي كانت تدعم برزان، المعروف بطموحه في خلافة أخيه صدام في قيادة الدولة.
ولم تتوقف تحركات البراك عند الإطاحة برجال برزان، بل واصل التنكيل ببرزان نفسه من خلال كشف تجاوزاته المالية واستغلاله لموارد الدولة بشكل فاضح، ولا شك أن هذه التطورات والتفاصيل المعقدة دفعت برزان إلى التهديد العلني بتصفية فاضل البراك في مجالسه الخاصة، معتبرا أن إجراءات البراك تستهدف سمعته وتعيق طموحه في خلافة أخيه صدام.
حماسة زائدةورغم ذكائه العام، وقع البراك في خطأ جسيم عندما توهّم أنه أقرب إلى صدام حسين من إخوته، ففي لحظة فارقة، تصالح صدام مع إخوته وعادت الأمور إلى طبيعتها، ليجد البراك نفسه معزولا، رغم أن إجراءاته كانت سليمة لكنها مشبعة بحماسة زائدة لم تراع علاقة الأخوة بين صدام وإخوته بحسب ما يذكره المصدر الاستخباراتي لموقع روسيا اليوم.
إعلانوبعد أن تمت المصالحة، بدأ الإخوة، خصوصا برزان وسبعاوي، في الترويج لفكرة أن فاضل البراك يملك طموحات تتجاوز الخطوط الحمراء، وأنه ربما يحلم بمستقبل قيادي بعد صدام، هذه الشكوك ازدادت حدة بعد مقتل عدنان خير الله وزير الدفاع العراقي الأسبق وابن خال صدام حسين إثر تحطم طائرته بسبب عاصفة، واستغلها الإخوة لصالحهم.
كان الإخوة يشيرون أيضا إلى علاقات البراك الواسعة مع شخصيات دولية وقادة عسكريين كبار، مثل الفريق نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي وقتها، بالإضافة إلى علاقته القوية مع القيادي الفلسطيني أبو إياد، الذي كان شخصية محورية في الثورة الفلسطينية وصاحب شبكة علاقات معقدة ومؤثرة على الصعيد الدولي، هذه العلاقات اعتبرها الإخوة مصدر خطر إضافي يجب التخلص منه.
كما لفت الإخوة، بحسب ما يذكر المصدر الاستخباري، انتباه صدام حسين إلى أن سفر البراك المتكرر إلى الدول الأوروبية، خاصة إلى ألمانيا الشرقية كانت تثير الشكوك، وعلاقاته مع رجل الأعمال صباح الخياط، الذي كان متجنسا بالجنسية الألمانية وكان شريكا للبراك في بعض الأعمال التجارية غير الرسمية وصديقا شخصيا له محط تساؤلات.
وأمام التعذيب الذي تعرض له، فقد وصل به الألم والمعاناة إلى درجة أنه أصبح يتمنى الموت، كما أشار ضابط شاب كان مكلفًا بالإشراف عليه أثناء احتجازه. هذا التعذيب جعل البراك يجيب بـ"نعم" على كل اتهام وُجه إليه، بعدما أصبح مقتنعا بنهايته المحتومة، وهذا ما يشير إليه اللواء وفيق السامرائي في مذكراته السابقة.
ومن اللافت أن زواج برزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام وعدو البراك من أرملة فاضل بعد إعدامه، كان بمثابة فصل آخر يعكس هذه العداوة العميقة، وهو الأمر الذي جعل مدير المخابرات العراقية الأسبق فاضل العزاوي في شهادته على العصر يرفض اتهام رئيسه السابق فاضل البراك بالعمالة للخارج قائلا "برزان التكريتي تزوج زوجته، يعني فاضل البراك ما كان ينقصه شيء، حياته ممتازة وعائلته ممتازة وإمكانياته ممتازة".
إعلانوقد أكد هذه الحقيقة معاون مدير جهاز المخابرات العراقي الأسبق العميد خليل إبراهيم سلطان الذي لم تربطه علاقة ودية بالبراك، لكنه بادر بتقديم شهادته عنه لرئيس تحرير مجلة الصوت عبر مكتبها في دمشق ونشرت بعدد المجلة 138 الصادر في يونيو/حزيران 2019.
وقال العميد سلطان "بعد إعدام البراك، الذي لا يوجد بيننا ود، تسلمتُ مهام منصبي معاونا لمدير جهاز المخابرات فطلبتُ إضبارة (ملف) قضية فاضل البراك وبعد أن اطّلعت عليها لم أعثر على أي دليل يشير إلى ضلوعه في أي عملية تجسس، ولكن القضية برمتها كانت تصفية حسابات بين إخوة الرئيس صدام مع فاضل البراك لكون العلاقة بينهم ليست ودية".