قالت شهرزاد: رواية مريم قدّورة من جباليا
تاريخ النشر: 6th, November 2024 GMT
ولما كان اليوم الرابع والأربعون لحرب الإبادة الجماعية على غزة الأبيّة، وفي صبيحة يوم الأحد، التاسع عشر من تشرين الثاني، من العام ألفين وثلاثة وعشرين ميلادي، والخامس من جمادى الأولى، من العام ألف وأربعمائة وخمسة وأربعين هجري، وبعد أن انطلقت القذائف الناريّة التي أطلقتها القوات الإسرائيلية باتجاه الأراضي الزراعيّة، وواصلت الطائرات الحربيّة القصف بمئات الصواريخ على المنشآت الخدميّة والمباني السكنيّة من محافظات غزة الشماليّة والشرقيّة، حدَّثتني مروة يوسف قائلة: حدّثتني مريم عبد المنعم قدّورة، ابنة جباليا، عن هول اليوم الذي عاشته، والمرّ الذي تجرعته، حين استشهد زوجها وأبناؤها الأربعة، وشقيقتها وأولادها، وأصيب جسمها بحروق بليغة؛ إثر قصف قذيفة صاروخيّة هدمت البيت فوق رأسها ورؤوس أفراد عائلتها، وقذفتها من الطابق الثاني بعيداً إلى الشارع، ثم أفقدتها الوعي لتجد نفسها داخل المستشفى الإندونيسيّ، الذي كان يتعرَّض لحزام ناريّ جعل أطباء المستشفى يُعجِّلون بنقلها إلى مستشفى غزة الأوروبيّ.
وكان أيها الجمهور «السعيد»، ذو الرأي الرشيد، أن حمل الأطباء مريم الجريحة، وركضوا بها إلى المستشفى لإسعافها بسرعة كبيرة؛ بسبب إصابتها الخطيرة. لم يعرف الأطباء اسمها أو أي معلومات عنها، حتى استفاقت وباعتزاز قالت: أنا مريم زوجة «رائد قدّورة». وحين بلغ الخبر أهلها، جاؤوا لمساندتها، ولم يقووا على إخبارها باستشهاد زوجها، أو أولادها أحمد وهدى وسما ولما، خاصة أن الأطباء أبلغوهم أن إصابتها مميتة، وأن نجاتها تكاد تكون مستحيلة.
ولما كان من الصعب إخفاء الحقيقة مدة طويلة، يا سادة يا كرام، عرفت مريم ما حدث لعائلتها من طبيبة ماليزية كانت صديقتها، تعرّفت عليها، حين كانت وأولادها ترافق زوجها، الذي كان يتابع دراسته العليا لنيل درجة الدكتوراه من جامعات ماليزيا.
لم تستطع مريم استيعاب ما حدث، أو وصف ما حدث، كان زوجها وأولادها حياتها التي أحبَّت، والحصن الذي استندت، والمستقبل الذي خطّطت.
فُجعت الصبية، الوردة النديّة، ولم تصدِّق اختفاء عائلتها، فكادت تفقد عقلها؛ ضحكت وبكت وانهارت، وفي غرفة العناية المركزة عشرة أيام بقيت، لتخرج بعدها وتسلَّم بقدرها، وتشكر ربها، الذي أكرم بالشهادة أحباءها.
روت مريم قدورة، والألم يعتصرها، والوجع يفتِّتها، عن آلام حروقها التي تضاعفت، ليصبح جرحها جرحَين، وألمها ألمَين، ومصابها مصابَين، وعن انتظارها ثلاثة شهور في المستشفى الأوروبي، حتى جاءت الموافقة على علاجها في الخارج، رغم أن الأطباء كتبوا تقارير منذ إصابتها، تفيد بأهمية الإسراع في علاجها.
وكان، أيها الأفاضل، أن وصلت مريم الجريحة إلى مصر، يوم الثاني من شباط، من العام الحالي، بصحبة والدتها، وأحد إخوتها، لتبدأ رحلة علاجها في مستشفى السلام التخصصيّ للحروق بالقاهرة، وتركت والدها المريض، وبقية أشقائها ومن ضمنهم أطفال، في دير البلح، ليتنقلوا من خيمة إلى أخرى، ومن عذاب إلى عذاب، ومن تهجير إلى تهجير.
ولم تنفرج أسارير مريم، أو يضيء وجهها، إلا حين تحدّثت عن أطفالها: أحمد الذي كان قد بلغ عشر سنوات والتحق بالصفّ الخامس، وهدى التي كانت قد أنهت صفّ الروضة والتحقت مدة شهر في الصفّ الأوّل، و»سما» و»لما»، «التوأمان»؛ اللتان وُلدتا وقُتلتا خلال حرب الإبادة، بعد أن أنهتا شهراً واحداً من عمرهما.
تحدَّثت عن فخرها واعتزازها ببناتها وولدها. بدأت بأحمد قرّة عينها، الذي كان يتابع باهتمام كبير ما حدث ويحدث في فلسطين، وما يحدث بالتحديد من اعتداءات على الأقصى، ما جعله يستمع باستمرار إلى أنشودة: «إيدي بإيدك نحو الأقصى»، وينظر بإعجاب إلى صور الشهداء، ويعرف عن حياتهم وطريقة استشهادهم، ويعبَّر عن رغبته أن يكون مستقبلًا واحداً منهم.
أحبّ الكرة وأحبّ السباحة، حتى أنه سجَّل في نادٍ للكرة، ونادٍ للسباحة. وكان متمكناً في اللغة الإنجليزية، بسبب إقامته ثماني سنوات في ماليزيا، الأمر الذي جعل أستاذه في المدرسة يكلّفه شرح الدرس في حصة اللغة الإنجليزية.
أثنت على شجاعة أحمد، وشخصيته القيادية، والذي مشى على خطى والده/ صديقه ذي الشخصية الريادية.
وأسهبت حين تحدّثت عن ابنتها هدى والتوأمين سما ولما. كانت هدى مهجة روحها، وصديقتها، الفتاة الذكيّة، ذات الطلّة البهيّة، التي تميَّزت بجمال خطّها وروحها وصوتها، أما التوأمان سما ولما، فكانتا في البيت مصدراً للسعادة، رغم أنهما لم تشهدا سوى حرب الإبادة. لم تنسَ الرحلة المرعبة التي عاشت وهي في سيارة الإسعاف، والساعات الطويلة التي انتظرت للوصول إلى المستشفى للولادة تحت وابل قصف مجنون ومتواصل، أو الليلة المرعبة التي شهدت بعد الولادة القيصرية في المستشفى، الذي تعرَّض لقصف همجيّ ومتواصل، جعلت كل من فيه يختبئ تحت الأسرّة بمن فيهم الممرِّضات والمرضى.
تتساءلون عن حياة مريم بعد اقتلاعها من بيتها، وفقد زوجها وأبنائها الأربعة، يا سادة يا كرام؟!
جافى النوم مريم، وصاحبتها الأحزان والآلام والخوف من فقد المزيد من الأحباب، وبقيت طازجة في ذاكرتها صورة الزوج والبيت والأولاد.... وووووو.
ووووو أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام الجراح!
(الأيام الفلسطينية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة جباليا فلسطين فلسطين غزة جباليا مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
انسحاب لواء غفعاتي من جباليا بعد 470 يوما من القتال
أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت، مساء السبت، بسحب الجيش الإسرائيلي لواء غفعاتي من منطقة جباليا شمال قطاع غزة.
اقرأ ايضاًمقتل وإصابة 3 بعملية طعن في تل أبيب.. وإطلاق النار على المنفذمن جهتها، قالت القناة 14 الإسرائيلية إن عناصر لواء غفعاتي خرجوا مساء السبت من قطاع غزة، وإخراجه بعد 470 يوما من القتال.
ويأتي سحب لواء غفعاتي على خلفية التفاهمات التي تم التوصل إليها في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، وتشمل إعادة انتشار وتخفيف قوات الجيش الإسرائيلي على أن تنسحب القوات كليا من القطاع بعد إتمام جميع مراحل الصفقة.
وقاتل لواء غفعاتي تحت قيادة الفرقة 162، في معارك عديدة بمناطق متفرقة في أنحاء القطاع منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
إلى ذلك، قال الجيش في بيان إن قواته "ستبقى منتشرة في مناطق محددة داخل قطاع غزة" بناء على الاتفاق، وأضاف محذراً، "يجب عدم الاقتراب من قوات جيش الدفاع في المنطقة حتى إشعار آخر.. الاقتراب إلى القوات يعرضكم للخطر".
في المقابل، أعلنت الحكومة الفلسطينية في غزة الانتهاء من إعداد "خطة شاملة" للتعامل مع اتفاق وقف إطلاق النار، وشددت وفق بيان، على "جاهزية مؤسساتها لتنفيذ هذه الإجراءات".
اقرأ ايضاًالمرحلة الأولى ستشمل 296 أسير مؤبد.. معظمهم من "فتح"ويدخل اتفاق وقف إطلاق النار صبيحة الأحد 19 يناير كانون الأول بعد 467 يوما من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، خلفت أكثر من 157 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة.
المصدر : الجزيرة + الأناضول
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
محرر البوابةيتابع طاقم تحرير البوابة أحدث الأخبار العالمية والإقليمية على مدار الساعة بتغطية موضوعية وشاملة
الأحدثترند انسحاب لواء غفعاتي من جباليا بعد 470 يوما من القتال أوساط سياسية تتحدث عن حكومة لبنان القادمة.. 24 حقيبة وزارية والمالية بيد "الشيعة" 117 مليون دولار دعم أميركي للجيش اللبناني وقوى الأمن موسكو تهاجم وسط كييف بأسراب من الطائرات المسيرة ووابل من الصواريخ مقتل وإصابة 3 بعملية طعن في تل أبيب.. وإطلاق النار على المنفذ Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTubeاشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن
اقرأ ايضاًمهيرة عبد العزيز بأحضان محمد رمضان مُجدداً.. وفيديو القبلة الجريئة إلى الواجهة مُجدداً! © 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter