كتبت ميسم وزق في" الاخبار": الصدمة الكبيرة لم تمنع حزب الله من التصرف على قاعدة أن لدى العدو فكرة واسعة عن كل المراكز والهيكليات، فباشر بتنفيذ خطة جديدة لتموضع القيادات. في هذه الأثناء، بادرت الوحدات العسكرية في الجنوب احتياطاً إلى التخلّي عن كمية كبيرة من التقنيات الموجودة في حوزتها. وقبل استشهاده (الذي أعلنه حزب الله رسمياً في ٢٣ تشرين الأول)، نقل رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين الحزب إلى مكان آخر، حيث عمل على:
-إخلاء كامل المقرات المعلنة وإلغاء جزء من الأماكن البديلة التي كانت مقرّرة في خطة الحرب السابقة.


- وقف العمل بشبكة الاتصالات الخاصة بالحزب بعدَ أن تبيّن وجود خرق إسرائيلي فيها.
لكنّ الفريق الأمني لم يتنبّه إلى أن المقر الذي توجّه إليه السيد صفي الدين نفسه، كان مشخّصاً أيضاً لدى العدو. فكان القرار بالتخلي عن كل خطة الأماكن السابقة. ورغم الضربات القاسية، بادر الحزب إلى عملية هدفها الأولي لملمة الفوضى والتأقلم مع الوضع الجديد، آخذاً في الاعتبار أن العدوان الجوي المعادي على الجسمين المدني والعسكري أصاب جانباً من مقدرات الحزب إلى جانب القيادات الأمنية والعسكرية.
خلال أيام فقط، عاد التواصل بين القيادات الأساسية ومسؤولي الوحدات العسكرية الذين وضعوا خططاً سريعة لإدارة الميدان ربطاً بالوقائع الجديدة. وبعد ١٥ يوماً، تمّ عملياً تشكيل لجنة تقود العمليات العسكرية، بالتزامن مع عودة التواصل بين القيادات العليا، خصوصاً أعضاء الشورى الذين اتخذوا قراراً بتعيين أمين عام في أقرب وقت، علماً أن الشيخ نعيم قاسم كان بدأ بتولي المسؤولية انطلاقاً من موقعه، إلى جانب قيادة جماعية تدير الشقين السياسي والعسكري، قبل أن يصار إلى خلق آلية لتفعيل الجهاز التنفيذي الذي يدير بعض الملفات، تحديداً قضية النازحين.
في ٢٨ تشرين الأول، أعلنَ حزب الله رسمياً انتخاب الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً له. وعلى الفور، بدأ مناهضو الحزب، بطلب من الأميركيين وبعض العرب، حملة سياسية تركّز على فكرة أن الحزب كقوة وكوحدة تنظيمية مرتبط عضوياً بشخص السيد نصرالله وأن لا بديل عنه. وتولّى الاميركيون، بواسطة جماعاتهم من اللبنانيين والعرب، اعتبار انتخاب قاسم خيار الضرورة، وأنه لن يتمكن من ملء فراغ السيد. وهو كلام تثبّت على شكل «تعليمة» عمّمتها السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون على صبيانها من الساسة والإعلاميين بالقول لهم إن «العد العكسي لانتهاء حزب الله بدأ ويجب التحضير لفترة ما بعده»، طالبة التركيز على ثلاثة أفكار:
أولاً: إن حزب الله لم تعد لديه قيادة سياسية أو عسكرية.
ثانياً: إن الإيرانيين هم من يتولون قيادة الحزب سياسياً وعسكرياً وتنظيمياً.
ثالثاً: إن حزب الله دخل حالة من الشلل والانهيار على صعيد البنية التنظيمية.
من يعرف حزب الله جيداً، يدرك أن أهم ما أعاده الحزب، هو آلية التحكم والسيطرة. لكنّ هذه الالية أخذت شكلاً أكثر متانة، انطلاقاً من كون الضربات التي تلقّاها الحزب، دفعته إلى مستوى جديد فيه الكثير من الحزم والتشدد والصرامة وملاحقة الأخطاء. كما بدأ الجميع يلمس وجود عقلية جديدة على صعيد صناعة القرارات، وبما يمنع الاجتهادات.
لكنّ اللافت في الحديث عن شخصية الشيخ قاسم أنه مجهول الكثير من الجوانب. ومن يعرفه عن قرب، يعرف من أن تجربته الدينية تعود إلى سنوات طويلة سابقة على قيام حزب الله، وهو كان واحداً من البيئة القريبة من الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وهذا الأمر له تأثير على مقارباته. وهو لا يُصنف على الإطلاق في خانة «المحافظين» دينياً. لكن ما لا يعرفه كثيرون عن الشيخ قاسم، وعلى عكس ما حاول الجهلة إشاعته، استناداً إلى إملاءات أو رغبات، فإن تحولاً كبيراً طرأ على الفكر السياسي للرجل، بعد انضمامه إلى الفريق المؤسس لحزب الله، وإعلان ولائه للخط الذي قاده الإمام الخميني، علماً أن الجانب الآخر من شخصيته، يتمثّل في دوره الإداري، وهو الذي كان يتولى مهام تنفيذية تتطلب مهارة إدارية، إلى جانب ما تفرضه من آليات عمل في حزب جهادي. وفي حين يجري الحديث عن أنه شخصية مرنة أو ضعيفة، فما لا يعرفه كثُر أنه من الشخصيات الأكثر تشدداً داخل الحزب، من الناحيتين التنظيمية والإدارية، استناداً إلى خبرة ٤٠ عاماً في العمل الإداري الذي أشرف عليه، خصوصاً في مجال الموازنات والإنفاق. إضافة إلى أنه من أكثر المسؤولين معرفة بأحوال الدولة ومؤسساتها، من المجلس النيابي إلى الحكومة إلى المشاريع المدنية. وهو امتلك خبرة كبيرة في بواطن القوى السياسية كافة.
وما لا يعرفه كثيرون أيضاً عن الشيخ قاسم، نظراً إلى كون القرار كان يتمثّل في ما تقرره الشورى وما يعبّر عنه الأمين العام الراحل، هو أن قاسم على الصعيد الشخصي، كما على صعيد رأيه داخل الهيئات القيادية، من الأكثر تشدداً حيال طريقة التعامل مع القوى الخارجية الداعمة لإسرائيل، خصوصاً الأميركيين والأوروبيين. كما أنه من أكثر قيادات حزب الله تشدداً تجاه القوى الداخلية المعروفة بخصومتها للمقاومة. وهو ليس من الفريق القابل للمساومة حول الكثير من الأمور، ويشعر اليوم بأن مسؤوليته كبيرة جداً في حماية الحزب، ويعرف أنه الآن متفرغ لملف الحرب والمواجهة، لكن عينه على الداخل مرتبطة بأصل موقفه من التدخلات الخارجية واستسهال بعض القوى للتفاعل مع هذه التدخلات.
وعلى من يقرأ الحزب بشكل خاطئ أن يتنبّه إلى أن حزب الله، بعد الضربات التي تلقّاها والتحديات التي فُرضت عليه، سيعيد بناء نفسه ويضع برامج كما كان عليه في فترة الثمانينيّات. ولن يكون حزب الله على المستوى نفسه من التساهل، وهو يقدّر عالياً جداً سلوك اللبنانيين الإيجابي الذي ظهر في التعامل مع ملف النزوح، لكنّ الحزب بقيادة الشيخ قاسم، يميز بين سلوك الناس، وسلوك القوى والشخصيات التي انتقلت من مرحلة الرهان على العدو الإسرائيلي إلى مرحلة إبداء الاستعداد للتعاون مع المشروع الأميركي، والتي تضع نفسها في قلب حملة سياسية وإعلامية تُلاقي إسرائيل في منتصف الطريق.

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الشیخ قاسم حزب الله

إقرأ أيضاً:

غياب حلفاء حزب الله: تحوّلات في المشهد السياسي اللبناني

شهد "حزب الله" في السنوات الأخيرة تراجعاً حادّاً في تحالفاته السياسية الداخلية، ما دفعه الى عزلة نسبية، باستثناء تحالفه التقليدي مع "حركة أمل". هذه العزلة تعكس تحوّلاتٍ عميقةً في الخريطة اللبنانية، مرتبطةً بعوامل داخلية كالضغوط الاقتصادية والعقوبات الدولية، وأخرى خارجية كتغيّر موازين القوى الإقليمية، إضافةً إلى تراجع الشرعية الشعبية الوطنية  للحزب بعد فشله في تقديم حلول للأزمات المتفاقمة. 

كان التحالف مع "التيار الوطني الحر" (بقيادة جبران باسيل) أحد أهم الركائز السابقة، لكنه بدأ بالتصدّع مع تصاعد العقوبات الأميركية على الحزب وحلفائه، وخصوصاً تلك المُوجَّهة ضد باسيل شخصياً. خشية الأخير من تبعات الاستمرار في التحالف دفعته إلى التوجه نحو خطاب معادٍ، بل ومُجاراة خصوم الحزب، رغم كل الدعم السابق الذي قدّمه له. تحوّل باسيل إلى جزء من المعسكر "المُعارض" في لبنان، سعياً لتحسين صورته الدولية، ما أضعف قدرة الحزب على الاحتفاظ بحلفاء خارج إطار طائفته. 

من ناحية أخرى، لم يُفلح الحزب في تعويض هذا الفقدان عبر التقارب مع القوى السنيّة، رغم محاولاته المبكّرة خلال الحرب وبعدها . فاندلاع الأزمة السورية عام 2011، ودعم الحزب للنظام السوري ضد المعارضة - التي تضمّنت فصائل سنيّة - أعاد إحياء هواجس الطائفة السنيّة، خاصةً مع دخول الحزب عسكرياً خارج الحدود. اليوم، تُفاقم التبعات الأمنية والاقتصادية للأزمة السورية من انقسام المشهد السني، وتُشلّ قدرة زعاماته على المناورة سياسياً، ما يحوّل العلاقة مع الحزب إلى جدار عدم ثقة متبادل. 

أما تحالف الحزب مع وليد جنبلاط، زعيم الطائفة الدرزية، فلم يكن أكثر من هُدنة هشّة سرعان ما انهارت. فبعد سنوات من التعاون في البرلمان والحكومة، عاد جنبلاط إلى خطابه التاريخي المُنتقد لـ"هيمنة الحزب".

هذا التحوّل حوّل الجنبلاط من شريكٍ في اللعبة السياسية إلى خصمٍ علني، مُضعفاً فرص الحزب في كسر عزلته الطائفية. 

يُعزى هذا التراجع إلى أسبابٍ متشابكة، أبرزها تآكل شعبية الحزب الوطنية بسبب الأزمات الداخلية، وفشله في تحقيق انتصارات سياسية تُبرّر تحالفاته السابقة، إضافةً إلى تحوّله إلى عبءٍ على حلفائه المحتملين بفعل العقوبات الدولية. اليوم، لم يعد الحزب قادراً على تشكيل كتلة نيابية أو حكومية فاعلة خارج الواقع الشيعي، ما يدفعه للاعتماد على حركة أمل كشريك وحيد. هذه العزلة تُعيد طرح أسئلةٍ مصيرية عن مستقبله كقوة سياسية، في ظلّ تحوّله من لاعبٍ قادر على جمع تحالفات متنوّعة، إلى كيانٍ فاقد للإجماع الوطني، في مشهدٍ يزداد انقساماً.
  المصدر: خاص لبنان24

مقالات مشابهة

  • رئيس البرلمان الأردني يشكر مصر لدعمها الملك عبد الله: "مكانكم في القلب محفوظ"
  • تحولات حزب الله اللبناني مع نصرالله وبعده
  • القسام تسلم هشام السيد دون مراسم.. وقاسم: الكتائب أجبرت الاحتلال على تجاوز خطوطه
  • سرّ جديد عن اغتيال نصرالله.. من الذي خطط لذلك؟
  • حزب الامة يقع في شر اعماله! نحو اصلاح حزب الامة!
  • غياب حلفاء حزب الله: تحوّلات في المشهد السياسي اللبناني
  • هذا ما يتجنبه حزب الله داخليا
  • حزب الله مأزوم مالياً؟
  • رباح المهدي: آخر كلام في مسألة عبد الرحمن
  • هذا هو مستقبل حزب الله.. 3 ركائز تكشف المصير