باقحوم.. من طفل هاوٍ إلى مصور محترف ينقل لنا جمال الدراما وروعة الفن
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
بينما كان يستغرق في تفاصيل اللقطة التي أوشك على التقاطها أعادته تلك اللحظات إلى بدايات حياته كطفل تملكه شغف التصوير، ورافقته الكاميرا منذ أن كان في السابعة من عمره.
ولد محمد في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت عام 2001، ونشأ في أسرة بسيطة تحب الفن والثقافة. كان والده يعمل في مكتبة عامة، وكان يأخذ محمد معه إلى العمل، حيث كان يستمتع بقراءة الكتب والمجلات، خاصة تلك التي تحتوي على صور جميلة ومعبرة.
في عيد ميلاده السابع، أهدته والدته كاميرا رقمية بسيطة، وكانت أجمل هدية حصل عليها في حياته، بدأ محمد في استخدام الكاميرا لتصوير كل شيء يلفت انتباهه: أصدقاءه، أسرته، حارته، طبيعته، كان يشعر بالسعادة عندما ينظر إلى الصور التي التقطها، وكأنه يروي قصصا صغيرة عن حياته.
في أحد الأيام، شاهد محمد إعلانا عن مسابقة لأفضل فيلم قصير، فأحضر أصدقاءه، وقرر أن يصور فيلما، عن قصة "الدينار" التي قرأها في إحدى المجلات.
استخدم محمد الكاميرا التي أهدتها له والدته، وأخذ دور المخرج والمصور في نفس الوقت، اختار زوايا التصوير بعناية، وأخضع المشاركين لبروفات مكثفة، استغرق تصوير الفيلم ثلاثة أيام، ثم قام بالمونتاج باستخدام برنامج بسيط على جهاز الكمبيوتر.
أرسل محمد فيلمه إلى المسابقة، وانتظر بفارغ الصبر نتائج التحكيم، لم يكن يتوقع أن يفوز بأي جائزة، فكان يشارك من باب المتعة والتجربة، لكن لحظات قبل إعلان الفائز، سمع اسمه كثالث فائز في المسابقة.
كان هذا صدمة سارة لمحمد، الذي انطلق إلى المنصة بفرحة عارمة، واستلم جائزته، وهي كاميرا احترافية جديدة.
كانت هذه اللحظة بداية مشوار محمد في عالم التصوير الفني، فانضم إلى فرقة السنابل للدراما عام 2012، كمساعد مصور ثالث، تعلم خلالها من خبرات المصورين الأكبر منه سنا وخبرة، وحلم بأن يصبح مصورا محترفا يشارك في إنتاج أعمال درامية كبيرة، لكن الحظ لم يكن في صالحه، حتى وجد الفرصة لإثبات نفسه.
يقول محمد لنيوزيمن، في ذلك اليوم، غاب المصور الأساسي ومساعده عن التصوير لظروف خارجة عن إرادتهما، كان المخرج في حيرة من أمره، فلا بد من استكمال التصوير.
كان ينظر إلى الطفل الهاوي للتصوير، الذي كان يقف في زاوية الموقع، وهو يحمل الكاميرا بيديه بنظرات يغالبها الشك وكأنه يقول هل هو بالفعل قادر على تنفيذ هذا العمل.
وفي لحظة تفكير رأى في عينيه نور الطموح والثقة، وقرر المخرج أن يجازف، وسلم الكاميرا للطفل المبتدئ ذي الرابعة عشر عاما.
لم يخذل باقحوم ثقة المخرج. بل بدأ في اختيار زوايا التصوير ببراعة وإبداع، والتقط لقطات ممتازة تجسد المشهد بأفضل صورة.
كان عملا مبهرا يروي "باقحوم" لنيوزيمن لحظات الثناء التي حصل عليها، وأثبت أنه مصور موهوب وجدير بالثقة، ومن تلك اللحظة انطلقت نجوميته في سماء التصوير، وأصبح المصور الأول لفرقة السنابل.
ولم يتوقف عن التطور والتعلم بل واصل في صقل مهاراته، وشارك في تصوير عدة أفلام قصيرة وطويلة مع فرقة السنابل، ولاحقا انضم إلى فريق الفنان والمخرج الشهير زيدون العبيدي، الذي اكتشف موهبته وساهم في بروزها وتألقها.
كان للعبيدي دور كبير في تشجيع الطفل الموهوب، إلهامه وتوجيهه ووضعه تحت إشرافه، فأبدع محمد في تصوير ثلاثة مسلسلات درامية، هي العالية، خارج التغطية، ودنيا العجب.
ولم يكن هذا كل شيء، فقد حالف الحظ باقحوم بأن يلتقي بالمخرج الكبير ومجدد الدراما اليمنية فلاح الجبوري، الذي اختاره ليكون مصورا في مسلسل "الحجل والزفين"، و كانت هذه فرصة ذهبية لباقحوم للتعرف على أسرار التصوير والإضاءة من خلال التعامل مع المخرج الأسطورة.
في عام 2022م، شارك محمد باقحوم في تصوير مسلسل العاصفة الذي جمعه بالخبير السوري جعفر البيطار، أحد أشهر المصورين في الوطن العربي، فتعلم الشاب اليمني من خبرة البيطار، ونال منه لقب مدير تصوير، وهو أعلى منصب في هذا المجال.
قصة محمد باقحوم هي قصة نجاح ملهِمة، تروي كيف استطاع شاب يمني أن يحقق حلمه بالتصوير رغم صغر سنه وضعف إمكانياته، من خلال الإصرار والجد والإبداع، فأصبح محمد اليوم عين الكاميرا المبهرة التي تنقل لنا جمال الدراما وروعة الفن.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: محمد فی
إقرأ أيضاً:
محمد رضا «معلم السينما» الذي أضحك الأجيال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تحل اليوم الجمعة، ذكرى وفاة الفنان محمد رضا، الذي يعد أحد أبرز نجوم الكوميديا في تاريخ السينما والمسرح المصري، والذي استطاع أن يضفي على الشاشة روحًا فريدة تجمع بين الدعابة والإنسانية، تاركًا بصمة خالدة في قلوب الجماهير بأدواره المميزة وشخصيته المحبوبة.
بداياته متواضعة لكنها مشبعة بالحماسفي الحادي والعشرين من ديسمبر عام 1921 ولد محمد رضا في بيئة بسيطة بمدينة أسيوط، حيث نما في أجواء تنضح بالثقافة الشعبية والتراث المصري، وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهها في طفولته، حملته شغفه بالفن إلى السعي وراء تحقيق أحلامه، فكانت بداياته متواضعة لكنها مشبعة بالحماس والتصميم على الوصول إلى القمة.
درس محمد رضا الهندسة في البداية قبل أن يتحول إلى عالم التمثيل، فلم يكن الطريق إلى الشهرة مفروشًا بالورود، فقد بدأ مسيرته بتجارب فنية متعددة قبل أن يتجه رسميًا إلى عالم المسرح والسينما، التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية كان خطوة فاصلة، حيث تدرب وتعلم أصول الأداء المسرحي الذي مهد له الفرصة لتطوير أسلوبه الفريد، فقد استغل كل فرصة صغيرة ليثبت موهبته، ما أكسبه ثقة مخرجي الأفلام والمسارح في تلك الحقبة الذهبية للفن المصري.
فيلم 30 يوم في السجنانتقل محمد رضا إلى الشاشة الكبيرة في فترة ازدهار السينما المصرية، وسرعان ما أصبح رمزًا للكوميديا الراقية، فقد شارك في أكثر من 300 عمل فني، منها أفلام أصبحت من كلاسيكيات السينما مثل: «30 يوم في السجن»، الذي جمعه مع كبار نجوم عصره أمثال فريد شوقي، أبو بكر عزت، نوال أبو الفتوح، مديحة كامل، ميمي شكيب، وثلاثي أضواء المسرح سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد، والعمل من إخراج نيازي مصطفى، «حكاية بنت اسمها محمود»، «سفاح النساء»، «البحث عن فضيحة»، «رضا بوند» و«السكرية»، حيث برع في تقديم الأدوار التي جمعت بين الفكاهة والدراما، كما أبدع على خشبة المسرح في أعمال مثل «زقاق المدق» التي خلدت صورة الممثل الماهر والمرح.
اشتهر محمد رضا بأداء شخصية «المعلم» في العديد من الأفلام والمسرحيات، حتى أصبحت أيقونة راسخة في ذاكرة الجمهور، فلم يكن مجرد ممثل كوميدي، بل امتلك قدرة على تقديم الكوميديا الراقية الممزوجة بالعمق الإنساني، ما جعله واحدًا من أكثر الممثلين شعبية في السينما المصرية.
لم يكن محمد رضا فقط فنانًا على الشاشة، بل كان شخصية ذات حضور كاريزمي استثنائي، فقد امتلك حسًا فكاهيًا يعتمد على السخرية الراقية والذكاء في المواقف، مما جعله محبوبًا من قبل جماهير واسعة، إضافة إلى قدرته على التفاعل مع المواقف الاجتماعية والسياسية في عصره، دون المساس بجوهر الكوميديا، أكسبته احترام وإعجاب مختلف فئات المجتمع، فكان يتميز بإيماءاته المميزة، وتوقيته الكوميدي الذي خلق له مكانة خاصة بين زملائه وفي قلوب محبيه.
فيلم البحث عن فضيحةتجاوز تقدير محمد رضا كونه مجرد ممثل، فقد أصبح رمزًا ثقافيًا يمثل روح الدعابة المصرية وقدرتها على تخطي صعوبات الحياة بابتسامة، وقد عبر الكثير من الفنانين والمثقفين عن امتنانهم لمساهماته التي فتحت آفاقًا جديدة في تقديم الفن الكوميدي بطريقة راقية وإنسانية، فكانت لمساته الفنية تعكس حالة اجتماعية واجتماعية مر عليها المجتمع المصري، مما جعل أعماله وثائق ثقافية تعبر عن روح عصرها.
على الرغم من رحيل الفنان محمد رضا في 21 فبراير عام 1995، إلا أن إرثه الفني لا يزال حيًا، فقد ترك خلفه مجموعة ضخمة من الأعمال التي تدرس في معاهد الفنون ويستشهد بها في حلقات النقاش السينمائي، لذا يعد دوره في تشكيل الوجدان الجماهيري وابتكار صيغة الكوميديا المصرية من العوامل التي أسهمت في استمرار تأثيره على الأجيال الجديدة، وتعاد عرض أعماله القديمة في قنوات التلفزيون السينمائي والمهرجانات الفنية، ما يؤكد مكانته كواحد من أعمدة الكوميديا في مصر والعالم العربي.