احترام الكبير، عدم إذلال كرامته وامتهان حاجته، توفير معيشة طيبة له فى مشيبه بعد أن قضى شبابه فى عمل و كد ليوفى بمتطلبات من هم فى رقبته ممن يعولهم- لهو أمر حتمى إنسانى لا يتطلب حتى النظر لتجارب الآخرين من دول تقدر وتحترم وتكرم أصحاب المعاشات، بل هو أمر حثت عليه كل الأديان السماوية، وعندما طرحت التجربة الهولندية فى التعامل مع أرباب المعاشات، كان مجرد نموذج متكرر فى معظم ولن أقول كل بلدان العالم غرب وشرق، جنوب وشمال، ويحدث فى أغلب الدول العربية حتى بإستثناء بلدنا المحروسة.
فى بلدنا يهان من بلغ سن المعاش بدءا من إتمام الإجراءات المعقدة و الممطوطة ليحصل على المعاش وصولا لقيمة المعاش الهزيل نفسه، ولو كان الشخص منتميا لنقابة ما، أو مشتركا فى صندوق زمالة، فكلها إجمالا مبالغ ضئيله لا تكفى الـ«معاشجى» ستة أشهر حتى، لأنه ينفق منها ليكمل ما انتقص من راتبه مع هذا المعاش الهزيل، الصحفى مثلا بجلالة قدره-فى المؤسسات غير القومية- يتقاضى ٣٣٠٠ جنيه بعد الزيادة الاخيرة فى المعاشات، وهو الذى كان يهدر عمره فى مؤسسته، ويراسل عدة صحف ليحقق دخلا معقولا يستره، فإذا به مع سن المعاش يجوع ولا يجد ما يستره وأسرته بجانب تراجع قدرته على العمل فى صحف خارجية، وتقلص فرص العمل أصلا فى هذه الصحف، وليس الصحفى فقط ما يواجه هذه الكارثة، بل كل موظف أو عامل كان راتبه يكفيه بالكاد هو وأسرته، فإذا بمعاشه لا يعادل حتى نصف الراتب، وعليه أن يأكل ويشرب ويدفع إيجار ومياه، غاز، كهرباء وثمن أدوية لا يوفرها له التأمين الصحى، بجانب نفقات أولاد فى رقبته لأنه تزوج متاخرا لظروف الحياة الصعبة وأنجب متأخرا ولأن أولاده ممن أنهوا الدراسة لا يجدون عملا وينتظرون مصروف يد ومساعدات فى زواجهم وغيرها الكثير.
وأمام كل هذا يقف الـ«معاشجى» مصدوما، عاجزا، مقهورا، كثيرون يتمنون الموت قبل بلوغ سن المعاش حتى لا ينكشف سترهم إمام من يعولونهم، وكثيرون يموتون بالفعل كمدا وبالجلطات وأمراض القلب والضغط والسكر بمجرد وصول سن المعاش، واستغفر الله العظيم فى موتهم رحمة لهم ومأساة لمن يعولونهم، لأن بقاءهم فى هذا العوز والحاجة والذل مع المشيب هو العذاب بعينه، عذاب لا يرحمهم منه أحد.
تطالب أصوات بأن يعادل المعاش الحد الأدنى للأجور، وأقول حتى هذا المطلب لا يوفى أبدا باحتياجات الـ«معاشجى» التى تتزايد مع تقاعده وأمراض الشيخوخة، بل أطالب ان يكون المعاش يعادل اخر راتب وصل إليه الشخص قبل المعاش وبحد أقصى تحدده الدولة، وأذكر فى هذا المقام أن قام أحد الزملاء بعمل حسبة بسيطة حول المبالغ التى تجتزئها التأمينات من راتب الموظف ومن مؤسسته طيلة سنوات عمله حتى سن المعاش مع إضافة نسب الفوائد البنكية المركبة على هذه المبالغ، وكشف لنا أن المواطن يتعرض للسرقة بجدارة، لأن ما تم خصمة واستثماره من راتبه يفوق بكثير قيمة المعاش الشهرى لأى شخص، ونصح الزميل الناس بعدم الخضوع للتأمين، وأن يودع المبلغ الذى تخصمه التأمينات والمعاشات فى حساب بنكى بالفائدة، ورغم أن الفكرة عملية جدا ومفيدة أكثر للمواطن، لكن الخوف الموروث واعتناق مقولة «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه» يجعل الناس لا تثق فى قدرتها على اقتطاع مبلغ شهرى بالبنك من راتبها دون أن تحتاج إليه يوما ما تنفقه، لذا لم يلتفت أحد للفكرة التى طبقها زميلنا على نفسه. إجمالا منظومة المعاشات تحتاج إلى إعادة نظر وصياغة، يمكن رفع سن المعاش إلى ٦٧ وترك حرية الاختيار للشخص مع هذه السنوات السبع الإضافية، إما يكمل العمل أو يتوقف،و يجب أن يعادل المعاش أخر راتب له بحد أقصى تحدده الحكومة بإنصاف ليتوافق مع الغلاء وأوضاع المعيشة، الخدمات الصحية للـ«معاشجى» تحتاج إلى تطوير بشكل خاص على أن يخصص لمن فوق الستين مستشفى خاص بكل محافظة به كل التخصصات الطبية وبه أطباء على وعى بالتعامل النفسى مع هذه الأعمار، مطلوب منح «المعاشجية» بطاقات مواصلات مجانية بكل وسائل النقل العام، ومجانية لأماكن الترفيه، أن تمنح الأندية الإجتماعية والرياضية تذاكر دخول مجانية لهؤلاء، ولو بمعدل أربع تذاكر فى الشهر، حتى يستمتعوا ببعض الحياة، مطلوب عمل مراكز إجتماعية للرعاية النفسية والاجتماعية لتلك الفئة، خاصة وأن كثيرون يعانون الوحدة وجحود الأبناء وانصر اف الأقارب، ختاما، مطلوب العدل والرحمة ثم الرحمة لتلك الفئة، فلا تقتلعوهم من جذورهم بلا رحمة وتلقون بهم فى العراء لينتظروا الموت مع الكثير من المرض والعذاب.. الراحمون يرحمهم الله.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فكرية أحمد احترام الكبير سن المعاش
إقرأ أيضاً:
"المعاشات الإماراتية" تشارك في اجتماع رؤساء أنظمة التقاعد الخليجية
تشارك الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية في الاجتماع الـ 23 للجنة رؤساء أجهزة التقاعد المدني والتأمينات الاجتماعية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي انطلقت أمس الاثنين، وتستمر 3 أيام في العاصمة القطرية الدوحة.
يترأس وفد الهيئة، فراس عبد الكريم الرمحي مدير عام الهيئة، ويضم في عضويته.. هند السويدي المدير التنفيذي لقطاع المعاشات، وسلطان المرزوقي المدير التنفيذي لقطاع الخدمات المساندة، ومحمد الخياط المدير التنفيذي لقطاع التكنولوجيا الرقمية، ومحمد صقر الحمادي مدير إدارة عمليات المعاشات، وعارف عبد الله رئيس قسم شؤون جهات العمل.يناقش الاجتماع تقرير متابعة خطة عمل اللجنة، والمؤشرات الإحصائية لتطبيق النظام الموحد لمد الحماية التأمينية، وحوكمة أعمال اللجنة الفنية، والندوات الدورية المقرر عقدها وموضوعاتها، واستعراض مستجدات جائزة صناديق التقاعد للبحوث العلمية، إضافة إلى مناقشة آليات استهداف العاملين غير المسجلين في النظام الموحد، وآليات تحصيل الاشتراكات عن المسجلين في النظام، وبحث المقترحات المقدمة من الدول الأعضاء والأمانة العامة.
بدأت أعمال اللقاء باجتماعات تمهيدية يشارك فيها أعضاء اللجنة الفنية لأجهزة التقاعد يومي 4 و5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وتناقش عدة قضايا تتعلق بالسياسات التقاعدية ودور النظام الموحد لمد الحماية في تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة لمواطني دول المجلس وضمان الاستدامة المالية لصناديقها، بينما ينعقد اجتماع لجنة الرؤساء يوم غد.
وعلى هامش الاجتماع، سيتم تكريم الشخصيات الرائدة في مجال التقاعد المدني والتأمينات الاجتماعية، تقديراً لجهودهم البارزة وإسهاماتهم المتميزة في دعم وتطوير قطاع التقاعد المدني والتأمينات الاجتماعية.