جاء اختيار الأمم المتحدة لمصر لاستضافة الدورة الثانية عشرة للمنتدى الحضرى العالمى بمثابة تتويج لما قامت به مصر من جهد لتسريع وتيرة التحضر والاستدامة، لتعزيز حقوق الإنسان بالتزامن مع الإلتزام الوطنى لتفعيل السياسات الداعمة لتحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة، وقد تزامن ذلك مع ما أكدته وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى من قدرة الاقتصاد الوطنى على تحقيق الأهداف الإنمائية المرسومة معززة ذلك بإلقاء الضوء على 7 إصلاحات مصرية دفعتها لرفع درجة تصنيف مصر إلى «B» مع توقعات مستقبلية مستقرة، ولكن ما يجب أن نؤكد عليه أن الجهات المعنية بالمنتدى والمتمثلة فى الأمم المتحدة لم تمنح ذلك لأى دولة إلا الدول التى لديها إمكانيات وقدرات، سواء قدرات البنية التحتية، أو قدرات الكفاءة والخبرة العملية، حيث أكدت وكالة فيتش، إنخفاض درجة المخاطر وتحسين الموقف الخارجى للاقتصاد المصرى مع صفقة رأس الحكمة التى أدت إلى تحسين التدفقات الاستثمارية، ومن ثم استكمال إجراءات الانضباط المالى وتحقيق فائض أولى كبير 6,1 % وعجز كلى 3,6% من الناتج المحلى، إلى جانب تحسين المعيشة عبر تطوير البنية التحتية والمدن الذكية والتى شملت التنمية الحضرية كاملة، كذلك أشارت فيتش إلى إرتفاع إحتياطى النقد الأجنبى 11,4 مليار دولار، ليصل إلى 44,5 مليار دولار، مع التحسن الملحوظ فى صافى الأصول الأجنبية، بعد الدعم المالى القوى من بعض المؤسسات الدولية، بما فيها صندوق النقد الدولى، وتوقيع اتفاقية الاتحاد الأوروبى، مع توقع تدفقات استثمارية من بعض الدول مثل السعودية، كذلك فإن تطبيق سعر صرف مرن أدى إلى القضاء على السوق الموازية واستعادة التوازن الاقتصادى الكلى، كما أوضحت فيتش أن وضع سقف للإستثمارات العامة بـ تريليون جنيه، وتوسيع مفهوم الحكومة العامة بإدراج 59 هيئة إقتصادية بالموازنة العامة للدولة يسهم فى رفع كفاءة الإنفاق العام، وأنه من الممكن رفع درجة التصنيف الإئتمانى مرة أخرى إلى «B+» أو تعديل النظرة المستقبلية من مستقرة إلى إيجابية إذا استمر انخفاض درجة المخاطر الخارجية على الاقتصاد المصرى من خلال زيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى، وانخفاض عجز الميزان الجارى، واستمرار تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتعزيز مساهمة القطاع الخاص، والحفاظ على مرونة سعر الصرف، وخفض التضخم، وكذلك إستمرار تحقيق انضباط مالى لخفض تكلفة خدمة الدين، مع الحفاظ على مسار نزولى للدين العام، وما نؤكد عليه أن التعاون مع المؤسسات المالية الدولية والوكالات الإئتمانية والهيئات العالمية لا يغنى عن ضرورة الاعتماد بنسبة مرضية على الذات لمواجهة التضخم والديون وتقلص معدل النمو، وأن هذه المواجهة تتطلب تحسين جودة الإنفاق العام، وذلك عن طريق جعل الإنفاق العام أكثر تركيزًا على تحسين الأداء، وتخفيض دعم الطاقة غير الموجهة لفئات بعينها، كذلك زيادة كفاءة إدارة الديون من أجل تقليص تكاليف خدمة الديون، كما تتطلب المواجهة تعزيز شفافية الديون وتفادى «الديون الخفية»، وهى التى غالبًا ما تصبح معروفة فى أسوأ وقت ممكن، وذلك عندما تحدث بالفعل أزمة، كما تتطلب المواجهة تفادى «هيمنة المالية العامة» والاعتماد المفرط على البنك المركزى ونعنى بالهيمنة هنا وضعٍ يصبح من المتوقع فيه أن يتم تمويل عجز الموازنة العامة والديون الحكومية بزيادة عرض النقود بمعنى تمويلها من خلال «طبع النقود»، وأخيرًا نرى أن المواجهة تتطلب حماية الفئات الفقيرة والأكثر إحتياجًا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لعل وعسى د علاء رزق الأمم المتحدة مصر الاقتصاد الوطني
إقرأ أيضاً:
وكيل الأزهر: بناء الإنسان مسؤولية دينية ووطنية تتطلب رؤية نقدية وتوازنًا بين الروح والعقل والجسد
أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، أن بناء الإنسان والنهوض به وسط عالم متلاطم الأمواج، مضطرب الغايات والأهداف، يعد قضية أمن قومي لوطننا، وهدفًا استراتيجيًّا يتطلب تضافر جهود كل مؤسساتنا لتحقيقه، وهذا البناء ليس كلمات أو شعارات، وإنما صناعة ثقيلة في ظل ما يموج به العالم المعاصر من تغيرات وتقلبات في مجالات العلوم النظرية والتطبيقية على السواء.
وأوضح خلال كلمته اليوم السبت بالمؤتمر الدولي الخامس لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، تحت عنوان «بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة»، أن التغيرات من حولنا تحاول أن تقتحم أفكارنا وعقائدنا واتجاهاتنا، ومن ثم فإن الواجب أن نتمسك بالثوابت والأصول والأسس، وأن يُبنى إنسان هذه الأمة على أرض صلبة من العقيدة والتاريخ واللغة والقيم ومكونات الهوية. وخاصة أننا نعيش زمانًا مشحونًا باشتباكات فكرية، وتدافع سياسي، واستقطابات حادة، ومحاولات مستميتة لتدمير دول وشعوب باستخدام أساليب متنوعة، تسعى إلى قطع الإنسان عن عقيدته وهويته، وسلخه من تاريخه وحضارته. مشيرًا إلى أن هذا المؤتمر يأتي تحقيقا لمبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان» التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، والتي تهدف إلى الاستثمار في رأس المال البشري المصري، من خلال تنمية شاملة ومتكاملة للإنسان في مختلف الجوانب الحياتية، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، ورؤية مصر 2030.
وبيَّن أن الحضارة الحديثة استخدمت كل أدواتها وتقنياتها للوصول إلى ما تريد، واستحلت في سبيل ذلك كل شيء، حتى زَيَّفَت المفاهيم الشريفة الراقية، وباسم الحريات والحقوق تحاول منظمات ودول أن تعبث بأفكارنا، وأن يجعلوا القبيح حسنًا، والحسن قبيحًا، وبالغوا في ذلك جدًّا حتى أرادوا أن يجعلوا الأرض لغير أهلها، وأن يستهدفوا عقول شبابنا بأفكار تأباها قواعد المنطق، ويرفضها التاريخ، فأبناء الأمة إما مستهدَفة أجسامهم بالقتل والموت كما في فلسطين، وإما مستهدَفة قلوبهم بالشهوات والفتن، وعقولهم بالتزييف والتحريف كما في كثير من بلادنا.
ودعا وكيل الأزهر إلى التيقُّظ لعدوِّنا الذي لا يكلُّ ولا يملُّ، وأن ندركَ هذه التحدياتَ ببصيرتنا وأبصارنا، وأن نفقهَ بقلوبنا وعقولنا، وأما الأمةُ فمنصورةٌ بإذن الله، غيرَ أنَّ اللهَ يربِّيها بهذه السنن الكونية. وفي هذا السياق، هنَّأ فضيلتَه مصرَ والأمةَ العربيةَ والإسلاميةَ بذكرى تحريرِ سيناء، التي استطاعت فيها الأمةُ أن تنتصرَ، وأن تقومَ بالدفاعِ عن الأرضِ والعرضِ، يومَ فهمت عن ربِّ العالمين مرادهُ منها، ويومَ عرفت قدرَها وقدرتها، ومكانتها وأمانتها، يومَ كانت الأمةُ كالجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمى. وفي ظلِّ ما تعانيه بلادُنا الفلسطينيةُ من جرائمِ حربٍ ممنهجةٍ لم تعرفها الإنسانيةُ عبرَ تاريخِها ولا في زمنِ الغاب، تأتي هذه الذكرى فتحيي فينا آمالَ النصر، وتؤكدُ أن الأمةَ قادرةٌ على كسرِ القيودِ والأوهامِ، وإنَّ اللهَ على نصرِ الأمةِ لقديرٌ.
دعاء الصباح للرزق.. 8 كلمات تنجيك من الفقر وهم الديون
دعاء تعجيل الزواج .. مجرب للشباب والبنات
وشدد على أنه في ظلِّ ما يشهده العالم من تفككٍ قيميٍّ وأخلاقي، وتبدُّلاتٍ ثقافية، وثورةٍ معلوماتية جارفة، بات لزامًا على البشرية أن تتمسك بهدي السماء؛ إذ لا ضمان لبناء إنسانٍ متوازنٍ إلا بالثبات على القيم الربانية التي تصونه من الذوبان في غيره، وتُكسبه هويةً راسخةً لا تبهتُ مع الأيام، بل تزداد رسوخًا وأصالة. ومن هذا المنطلق، فإن إعادة بناء الإنسان وفق مقاصد الشريعة الإسلامية يُعدُّ المدخلَ الحقيقيَّ لمواجهة هذه التحديات؛ إذ تعنى الشريعة ببناء الإنسان روحًا وعقلًا، جسدًا ونفسًا، سلوكًا ومبدأ، وترسم أطرًا متماسكة لحياته الفردية والجماعية. وفي ضوء ذلك، يضطلع الأزهر الشريف بمسؤوليته التاريخية في مواجهة حملات التمييع وتزييف المفاهيم التي تستهدف الأذهان، من خلال إنتاج علمي وفكري متين، ومؤتمرات دولية مؤثرة، وجهود ميدانية واعظة، تعمل جميعها على تفكيك الاتجاهات المنحرفة، وردِّها إلى أصولها، حمايةً للشباب وصيانةً للفكر.
ونبه على أنّ بناء الإنسان مسؤولية جسيمة تتطلّب إعداد الأجيال، وتنمية العقول، وتهذيب الأخلاق، واكتشاف الطاقات الكامنة في الشباب وتوجيهها التوجيه الأمثل، على أساس من العقيدة الراسخة، والفهم السديد، والاطلاع على تجارب العالم وخبراته. وإذا كانت الأسرة تضع اللبنة الأولى في هذا البناء، فإن مؤسسات التعليم تُشكّل عقل الإنسان وضميره، وتتحمل اليوم مسؤوليات مضاعفة في ظلّ عالم متسارع يموج بالتقنيات والتحوّلات. ولم يعد كافيًا –كما شدّد – أن نقدّم المعرفة في حدود الحفظ والاستظهار، بل لا بدّ من بناء الإنسان بناءً متكاملًا يملك التفكير النقدي، والتحصين القيمي، والاتزان الوجداني، مما يقتضي مراجعة جادّة للمناهج والسياسات والخطابات، لنعرف: هل نُخرج إنسانًا صالحًا حرًّا مسؤولًا، أم مجرد نسخ مكررة لا تملك الاستقلال في الرأي ولا في المأكل والملبس؟.
وأشار إلى أنّ أهمية هذا المؤتمر تكمن في عنوانه الذي يسلّط الضوء على العلاقة بين الآمال والطموحات في بناء الإنسان، وبين المخاطر والتحديات التي تواجهه. كما أنّه سيضع لبنة جديدة في هذا البناء المنشود، وفق رؤية شاملة تستهدف بناء الإنسان من جميع جوانبه الفكرية والعقدية والاجتماعية، وترسيخ منظومة القيم والأخلاق والمثل العليا في المجتمع. وهذه رؤية تقف على جذور الماضي، وتحسن قراءة الواقع واستثمار معطياته. كما تتأكد أهمية المؤتمر في قدرته على رسم السياسات، واتخاذ القرارات المناسبة تجاه التحديات المعاصرة التي تواجه بناء الإنسان، والتعامل معها بإيجابية وواقعية لمواجهتها.
وفي ختام كلمته، نوه وكيل الأزهر إلى ثلاث إشارات مهمة: الأولى، أنّ بناء الإنسان ليس مجرد فكرة مثالية أو أمنية شاعرة أو خطبة عصماء أو حبرًا على ورق، بل هو ركن ديني وواقع تطبيقي وثمرات نافعة، ومن ثم يجب أن يكون المؤتمر بمثابة رؤية نقدية لواقع بناء الإنسان، ويقترح برامج عملية لتدارك ما يجب تداركه. الثانية، أنّ بناء الإنسان ينبغي ألا يتوقف عند حدود جغرافية خاصة، بل يجب أن يتعامل مع العالم بما فيه من تغييرات وقيم متقلبة، مع ضرورة التمسك بالهوية الوطنية والتاريخية. أمّا الثالثة، فقد شدّد على ضرورة إيجاد توازن بين متطلبات الروح والعقل والجسد في بناء الإنسان، مع أهمية الاستفادة من عطاء العصر من غير تهديد لخصوصية أو عبث بمكونات هوية، وتبني مهارات التفكير النقدي وحلّ المشكلات والتعلّم المستمر. مختتمًا بالدعاء أن ينصر الأمة على أعدائها، وأن ينشر في ربوعها العلم الذي يعصم من الجهالة، والهدى الذي يحفظ من الضلالة، والنور الذي يبدّد الظلمات.