لا أحد ينكر أهمية الاكتتابات في تنشيط تداولات بورصة مسقط وزيادة حجم الأسهم المدرجة والقيمة السوقية للبورصة وتوفير خيارات أكثر تنوعًا أمام المستثمرين، غير أن ما يحدث الآن يشير إلى وجود خللٍ ما لا بد من التنبه له حتى تحقق الاكتتابات أهدافها وتنعكس إيجابًا على بورصة مسقط والمساهمين في شركات المساهمة العامة والمستثمرين في البورصة بشكل عام.
تدفعنا هذه المقدمة إلى الحديث عن اكتتاب «أوكيو للاستكشاف والإنتاج» الذي طُرِح فيه مليارا سهم للاكتتاب العام، وتم طرح الأسهم للمستثمرين العمانيين الأفراد بسعر 351 بيسة، وللمستثمرين الأجانب والشركات بسعر 390 بيسة، وتم إدراج الشركة في بورصة مسقط في 28 أكتوبر الماضي بسعر 390 بيسة، غير أن السهم هبط دون ذلك وأغلق في تداولات الاثنين على 361 بيسة، متراجعًا 29 بيسة عن سعر الإدراج ومحققًا مكاسب طفيفة للمستثمرين العُمانيين من الأفراد عند 10 بيسات، مع الإشارة إلى أن المكتتبين من خلال التمويل المصرفي قد لا يحققون أي مكاسب. المشكلة الأساسية في طرح «أوكيو للاستكشاف والإنتاج» من وجهة نظري هي تجزئة السهم إلى 10 بيسات، أي أن علاوة الإصدار هي 380 بيسة، وهو تقييم مبالغ فيه بشكل كبير جدًا، ويبلغ رأسمال الشركة 80 مليون ريال عُماني، غير أن تجزئة السهم أسفرت عن رفع رأسمال الشركة إلى 8 مليارات سهم، وتم طرح ملياري سهم للاكتتاب العام بما يعادل 25% من رأسمال الشركة، وهذه الكمية الكبيرة لم تستطع بورصة مسقط استيعابها على الرغم من الصورة الإيجابية التي رسمتها «أوكيو للاستكشاف والإنتاج» عن نفسها عند طرح الأسهم للاكتتاب العام، والتقييمات التي أصدرتها شركات الوساطة العاملة في بورصة مسقط التي توقعت أن يكون سعر السهم فوق 400 بيسة على أقل تقدير. التراجع الذي سجّله السهم يفرض علينا تساؤلًا مهمًا: هل الهدف من الاكتتاب هو التوزيعات التي تدفعها الشركة للمساهمين؟ أو أن الهدف هو تحقيق ربح من خلال بيع السهم في الأسابيع الأولى من الإدراج؟ وعلى الرغم من أهمية التوزيعات التي سوف تدفعها الشركة إلى المساهمين، إلا أنه في هذه الحالة -أي الاكتتاب بهدف الحصول على التوزيعات- سيجعل مستوى الإقبال على السهم ضعيفًا، لأن كثيرًا من المكتتبين الأفراد وضعوا جميع السيولة التي لديهم في الاكتتاب، وكثيرٌ منهم أخذوا تمويلًا من المصارف لتمويل مشترياتهم، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي أسهمت في تغطية الاكتتاب بأكثر من الأسهم المطروحة للاكتتاب العام، ولكن لو كان الهدف هو الاكتفاء بالتوزيعات؛ فلن يضخ المستثمرون جميع أموالهم في السهم ولن يلجأوا إلى البنوك لتمويل مشترياتهم لأنهم -في هذه الحالة- مستثمرون طويلو الأجل، وهو ما سوف يؤثر دون أدنى شك في مستوى الإقبال على السهم وحجم التغطية. واليوم إذ تعلن شركة «أوكيو للصناعات الأساسية» رغبتها في طرح 49% من رأسمالها للاكتتاب العام، يبرز لدينا تساؤل مهم: هل تستطيع بورصة مسقط استيعاب طرح جديد في الوقت الذي لم يحقق فيه المكتتبون الأفراد أهدافهم من الاكتتاب في «أوكيو للاستكشاف والإنتاج»؟ نعتقد أن وجود برنامج واضح يتم الإعلان عنه في مطلع العام عن الشركات التي سيتم طرحها للاكتتاب العام، وتحديد تاريخ الطرح وعدد الأسهم التي سيتم طرحها للاكتتاب، وتنظيم طرحها بمعدل شركة واحدة كل ربع سنة أو كل نصف سنة، سوف يحقق الكثير من النتائج الإيجابية لبورصة مسقط والمكتتبين، وسوف يجعل بورصة مسقط واحة استثمارية قادرة على استيعاب إصدارات كبيرة، أما ما يحدث الآن من تسريع طرح الشركات دون جدول زمني ودون أن يكون هناك فارق زمني بين كل اكتتابٍ وآخر، وتضخيم عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب العام من خلال تجزئة السهم إلى 10 بيسات؛ فسوف يقلّص المكاسب المتوقعة من الاكتتابات سواء للمساهمين أو لبورصة مسقط. هذه النقاط التي نطرحها في مقال اليوم هي هاجس العديد من المستثمرين في بورصة مسقط الذين يرون أن الاكتتابات هي فرص استثمارية لزيادة عوائدهم من الاستثمار في البورصة، وعليه فإنه من المهم إعادة دراسة وتقييم الأمر من كل جوانبه؛ لأن الهدف في النهاية هو تعزيز مكانة بورصة مسقط وتمكينها من أن تكون مصدرًا أساسيًا لاستقطاب الاستثمارات وتوفير سبل نجاحها وازدهارها. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أوکیو للاستکشاف والإنتاج للاکتتاب العام بورصة مسقط
إقرأ أيضاً:
في رمضان فقط..
1 - تبدو الشوارع قبل نصف ساعة من الإفطار أشبه بحلبة سباق، يتنافس في شوارعها سائقون صائمون للوصول قبل أذان المغرب لتناول الإفطار مع أهلهم في إحدى نواحي محافظة مسقط.. منذ سنوات وسرعة المتسابقين تسفر عن حوادث مؤسفة.
2 - رغم أن من بين أهم حِكم فرض صوم شهر رمضان المبارك تهذيب النفوس وتقنين نزواتها وتعويدها الصبر وتحمل مشاق الجوع والعطش بما يرفع من مستوى صحة الإنسان، إلا أن الشهر مع مرور الوقت أصبح نافذة تتسلل منها الأمراض والعِلل إلى الأبدان، ويُدمّر تحت شعارات الاحتفاء بقدومه نظام التغذية الصحية.
في رمضان فقط تزدحم الموائد بالوجبات المُشبعة بالسكر والدهون وتتكدس على سطوحها المعجنات بكافة أشكالها بعد اختفاء مُريب امتد لأحد عشر شهرًا.. في أيام رمضان فقط يجد أي صائم يُفضّل النأي بنفسه عن هذه النوعية من الطعام معزولًا عن العالم فأينما يولي ثمة أطباق تُورِث السقم.
3- لا يختلف اثنان على أن أول أهداف فرض الصوم هو الإحساس بمعاناة المُعوزين والمحتاجين والفقراء لكن الواقع يقول غير ذلك تمامًا؛ إذ تتنافس الأسر المُقتدرة في شهر رمضان لإظهار قدراتها على الإسراف.
أُسر كثيرة لا تستنكف قبل قدوم الشهر من استبدال أواني الطبخ وتغيير فُرش المنزل والمبالغة في نصب الزينات وإدخال كل جديد لا يرتبط بروحانية شهر رمضان وغاياته مما تجود به مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئية.
4 - وضع الشوارع العامة في أيام شهر رمضان جدير بأن يُدخِل أي شخص حليم قادر على ضبط انفعالاته وأعصابه في حالة من التوتر والعصبية؛ فالمشوار الذي كان من المفترض أن يستغرق ساعة من الوقت يمتد إلى ثلاث ساعات.
ولأن البعض مُصرّ على قطع مسافة ٢٠٠ إلى ٣٠٠ كيلومتر يوميًا لتناول الإفطار في ولايته تزدحم شوارع محافظة مسقط الرئيسية قبل صلاة الفجر وبعد انتهاء فترات الدوام المختلفة التي أعلنت عنها الحكومة للتخفيف من احتقان الشوارع.
مئات السيارات القادمة من الولايات والعائدة إليها تتقاطر على مرمى البصر كل يوم. اختناقات مرورية مملة تُعطل مصالح العديد من الأفراد والمؤسسات الحكومية والشركات.
5 - الذي يخرج من ولايته البعيدة كل فجر رمضانيّ قاصدًا مقر عمله في مسقط سيظل مسكونًا منذ لحظة عبوره عتبة بيته بقلق الوصول متأخرًا إلى مكتبه، وعندما يعود إلى بيته بعد انتهاء ساعات العمل سيصاحبه قلق العودة متأخرًا على الإفطار وهكذا يستمر قلق التأخير الذي لا يرغب البعض في تهدئته مدة ثلاثين يومًا.
النقطة الأخيرة..
بحلول شهر رمضان نشعر أن عامًا انقضى، نتذكر أحبة وأصدقاء كانوا بيننا وقد اختفوا للأبد، نسترجع صخب آخرين هم الآن مرضى، لم يعودوا قادرين على إتيان الصخب، رمضان للتأمل فيما فات، رمضان لإيقاظ النفس ومحاسبتها، رمضان من أجل العودة لله سبحانه وتعالى.
عُمر العبري كاتب عُماني