ابن الخال لا يكف دومًا عن الإشادة بأهالي نزوى، مع العلم أن ليس له ناقة ولا جمل، كما يقال فـي المثل، بنزوى وأهلها، لكنه وكما يقول هو بأنهم «يضربون أروع الأمثلة فـي حبهم للعمل أيًا كان، ولا تجد منهم باحثًا عن عمل أو مسرحًا منه». جولة سريعة فـي أي سوق فـي العالم كفـيلة بأن تنبئك بحال أهل تلك البلاد، وهذا ما يخبرك عنه سوق نزوى حيث ترى الصغار قبل الكبار يتسابقون قبل انبلاج الفجر إلى عرصات السوق، هذا يبيع المواشي وآخر يبيع الفواكه والخضروات، وغيره الحُلي والذهب، وآخرون متوزعون فـي حارات نزوى وبين أروقتها ومقاهيها ومحالها التجارية.
إلهامات أهالي نزوى تعدت توفـير فرص العمل إلى ابتكار بيئة الأعمال، فقاموا بترميم بيوتهم الطينية فـي حاراتهم القديمة وتحويلها إلى نزل تراثية ومساكن ومقاهي، واستثمروا فـي إحياء البيوتات المتهدمة والأسوار المتداعية فرمموها وحافظوا عليها، وجعلوها وجهة سياحية للجميع من الداخل والخارج. أهالي نزوى قاموا بتأسيس شركة أهلية للتنمية والاستثمار تقوم بالاستثمار ليس فقط فـي المجالات السياحية، بل فـي اللوجستيات والتعدين والنفط والغاز والطاقة الخضراء والأمن الغذائي ككيان استثماري يهدف إلى تعزيز القيمة المحلية وتوسيع قدرات المجتمع المحلي فـي الاستفادة من الاستثمارات سواء فـي نزوى أو غيرها من الاستثمارات التي يمكن جلبها داخل سلطنة عمان أو خارجها. وتعدّ هذه الشركة من إلهامات أهالي نزوى الساعية نحو خلق نموذج اقتصادي عماني يعتمد على المجتمع المحلي بنسبة مائة بالمائة فـي الإدارة والتمويل والبناء، بدلًا من النماذج التقليدية التي تنتظر الاستثمارات الحكومية أو استثمارات القطاع الخاص فـي تشييد وبناء المشروعات الصغرى والكبرى. قد يقال لماذا نزوى بالذات؟ ولماذا أهل نزوى هم من سلطت عليهم الضوء فـي مقالك هذا دون غيرهم من المحافظات التي هي أيضًا لها إسهامات وإلهامات فـي مجالات عدة قد تفوق تجارب أهالي نزوى فـي الاهتمام بالتراث والحضارة والاستثمار وتوفـير فرص العمل؟ يكمن الجواب على هذا التساؤل المشروع فـي أن لكل محافظة وولاية فـي عمان قصة يجب أن تُروى وتُحكى وتُسمع ويُنصت لها، بحكم التنوع الطبيعي والجغرافـي والمناخي الذي يميز كل منطقة عن غيرها، وهذا ما يعد مصدر قوة لا ضعف لكل محافظة عن غيرها. فمثلًا، قصة محافظة ظفار تعدّ قصة نجاح جميلة فـي الترويج السياحي والإعلامي لسلطنة عمان كوجهة سياحية على مدار العام، وفـي استقطاب أعداد هائلة من السياح من الداخل والخارج طوال فترة الخريف، وهذا أيضًا ما ينطبق على محافظة مسندم كونها قصبة عمان وتزخر مياهها بالعديد من المقومات السياحية والبيئية وتستقطب أفواجًا من السياح، وينطبق أيضًا هذا الوصف على محافظات الشرقية وبعض أجزاء من الباطنة. غير أن ما يميز نزوى ويجعلها مصدر إلهام هو ليس موقعها الجغرافـي أو تاريخها الحضاري الضارب فـي القدم أو عمارتها أو أسواقها أو طقسها الجميل، وإنما هم أهلها؛ أهالي نزوى ممن يملكون العزيمة والإصرار لتحويل مدينتهم إلى مكان نابض بالحياة، تتوافر فـيه كل مقومات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والسكانية، وفوق كل هذا تتميز فـيه إرادة الإنسان العماني فـي الفخر بمدينته التي يسكنها، والرغبة الجامحة فـي تنميتها وتطويرها بعيدًا عن انتظار الآخر الوافد ممن يقوم بالبناء والتعمير. فـي علوم إدارة الأعمال الحديثة هنالك ما يسمى بنموذج بيئة الأعمال الناجحة أو كما يُترجم بالإنجليزية بـ«البزنس مودل»، وهو الوصف التفصيلي للقيمة الحقيقية للمنتج أو الخدمة المقدمة للجمهور، والتي يمكن أن تميز البعض عن غيرهم من المنافسين وتجعلهم ينجحون أسرع من غيرهم. وبتطبيق هذا المبدأ على الإدارة الحديثة للمحافظات، فإنه يمكن خلق بيئة ناجحة للأعمال تميز كل محافظة أو مدينة عن غيرها، مثلما هو الحال اليوم مع مدينة نزوى التي استطاعت أن تخطط لنفسها طريقًا مغايرًا عن الآخرين بفضل عزيمة وإصرار أهلها، التي وكما وصف ابن الخال أبناءها مرة أخرى بأنهم «يُولدون وهم تجار». |
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نيران الحصار .. معاناة أهالي شمال غزة في إعداد الطعام دون غاز
الثورة /وكالات
مع استمرار أزمة عدم توفر الوقود والغاز في شمال غزة، يعيش آلاف الفلسطينيين معاناة يومية تتفاقم مع غياب البدائل الضرورية، إذ يلجأ كثيرون لإعداد الطعام على النار باستخدام الحطب أو الورق والكرتون، وهو خيار يرهق الأسر ويعرضها لمخاطر صحية وبيئية.
ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة قبل أكثر من 14 شهرًا، تمنع إسرائيل بشكل مطلق وصارم إدخال غاز الطهي إلى مناطق شمال القطاع الذي يتعرض لحملة إبادة وتطهير عرقي بشعة.
المواطنون الذين رفضوا النزوح من مناطقهم في شمال غزة، رغم نار القصف وهمجية المحتل، بدأوا بالبحث عن بدائل عن غاز الطهي، فراحوا يحرقون الأخشاب والأوراق، وما يمكن استخدامه.
ماذا نحرق؟
المواطن أحمد دلول يقول لمراسلنا: لم يدخل إلينا غاز الطهي مطلقًا، واضطررنا لاستخدام الحطب والأوراق وكل ما يمكن حرقه، إلا أنه لم يعد متوفرًا حاليًّا”.
يتساءل: ماذا نحرق؟ وكيف نطهو؟ حرقنا الأبواب، واطقم النوم، والبلاستيك، والأشجار. نحن في أزمة حقيقية.
يؤكد أنهم الآن يبحثون عن بدائل لبدائل غاز الطهي، إلا أن الجميع يقف حائرًا هائمًا، وباختصار مطلق وشديد “لا يوجد شيء لحرقه”.
أداة عقاب
ومنذ بدء الإبادة تستخدم إسرائيل غاز الطهي أداة لعقاب المدنيين، فتمنع إدخاله تماما إلى شمال قطاع غزة، وتقنن إدخاله إلى وسط القطاع وجنوبه، ما يجعل الجميع في أزمة ودوامة من الترقب والحيرة.
المواطنة صابرين عفانة والتي تنزح في مدرسة غرب مدينة غزة، تقول لمراسلنا إنها وأطفالها يبحثون في كل صباح عن قطع البلاستيك، والنايلون، وكل ما يمكن حرقه، لإعداد الطعام النادر أصلًا.
تقول عفانة إنها تدرك جليا خطر استخدام النفايات في إعداد الطعام، إلا أنها تستدرك قائلة: ما في اليد حيلة، ماذا نحرق؟ وكيف نطبخ للأطفال؟.
تتابع: في كثير من الأحيان، نضطر لتناول الطعام بدون تسخين، ونقلل بشكل كبير جدا استخدامنا للنار، في ظل الأزمة الخانقة في إمكانية توفر بدائل غاز الطهي.
تفشي أمراض الجهاز التنفسي
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أفاد في تقارير بوجود مئات الحالات المصابة بأمراض الجهاز التنفسي داخل مستشفيات القطاع؛ بسبب الغازات السامة المنبعثة من إشعالهم النيران لإعداد الطعام؛ جراء تفاقم أزمة غاز الطهي.
صابرين عفانة تخرج يوميًّا في مهمة عن زوجها المصاب، في البحث عن ما يمكن حرقه في شوارع المدينة المدمرة، تحت أزير الطائرات، وأصوات الانفجارات، تقول: أشعر بالخوف والرعب يوميًّا، لكن أنا مضطرة، لا يوجد ما نحرقه لإعداد الطعام.
وناشدت العالم بالتدخل لوقف الإبادة ولجم الاحتلال عن الجرائم والقتل، مستنكرة التخاذل والتواطؤ العالمي مع الجريمة الإسرائيلية المستمرة.
تقول إنها تشعر بالاختناق جراء إشعالها النيران يوميًّا لإعداد الطعام، “أخشى أن أصاب بأمراض الجهاز التنفسي، وهو ما قد يكون قد حدث”.
حرق النفايات
أما المواطن حسن أبو زايد في منطقة الشيخ رضوان يقول إن المنطقة لا يوجد بها ما يمكن حرقه، فلا أوراق ولا أخشاب ولا قطع نايلون، يقول: “بعض الناس يضطرون لحرق النفايات، وهم يعلمون جليًّا مدى خطورتها المرعبة على صحتهم، وصحة أطفالهم”.
يتابع في حديث لمراسلنا: تتخيلون أن غاز الطهي لم يدخل إلى مناطق شمال قطاع غزة بالمطلق، والناس هنا حرقت كل ما يمكن حرقه. يتحدث بحسرة وألم: “شو ضايل ما علموا فينا، قتلونا، جوعونا، عطشونا، قهرونا”، إلا أنه بثبات وإصرار يكمل: “فشروا يكسرونا، ويهزمونا”.
أما المواطن علي أبو العراج يتحدث بنبرة حسرة وغضب: “حرقنا كل شيء، حرقنا عفشنا والنايلون والكرتون، ودورنا راحت، مش لاقيين أي شيء نحرقه عشان ناكل”.
وأشار في حديث لمراسلنا إلى أن زوجته تعاني من مشاكل صحية في الصدر والرئتين بسبب الدخان المنبعث من النار، ولا يجد أي أطباء لعلاجها في ظل انهيار القطاع الصحي.
ويتمنى أبو العراج إيجاد حل ووقف حرب الإبادة الجماعية التي طالت كل شيء في القطاع، ما تسبب في معاناة مضاعفة لدى المواطنين كافة.
إغلاق مشروع فرن لهذا السبب!
أما الشاب عدي، فقد اضطر إلى إغلاق مشروعين افتتحهما كي يعيل أسرته خلال هذه الحرب الوحشية غير المسبوقة، بسبب عدم توفر الغاز والخطب.
وافتتح عدي مشروع فرن بالحطب كي يخبز للناس الخبز في ظل الأزمة الراهنة، لكنه اضطر لإغلاقه لاحقا، ثم أغلق مشروعه الآخر لبيع الفلافل لنفس السبب وهو عدم توفر الاخشاب ولا الغاز.
ولا يقوى غالبية المواطنين، كما يتحدث عدي على شراء الحطب الذي تجاوز سعر الكيلو غرام منه 3 دولارات، لا سيما مع كارثية الأوضاع الاقتصادية في القطاع خصوصا بالشمال.
ويأمل عدي أن يتم التخفيف من معاناة المواطنين الذين أرهقتهم الحرب الوحشية التي يشنها الاحتلال، داعيا إلى الضغط على الاحتلال لإدخال الغاز والحطب للسكان خصوصا في شمال القطاع.