تعيش إسرائيل هذه الأيام أزمة خطيرة أساسها انعدام الثقة بين مؤسستيها السياسية والعسكرية، وتجد تعبيراتها في العديد من المواضع ومن بينها ما بات يعرف بـ"الفضيحة" السياسية الأمنية الجديدة. ورغم أن العاصفة الإعلامية الدائرة حاليا تتحدث من الناحية الشكلية عن قضية "تسريب" وثائق حقيقية ومزعومة، فإنها من الناحية الفعلية تتحدث عن "سرقة" و"خيانة زمن الحرب" ولا يقل أهمية عن ذلك التلاعب المغرض بالرأي العام الإسرائيلي لأغراض حزبية.
وتنبع أهمية القضية أصلا من أن الأنظار تتجه نحو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومقربين منه ووسائلهم "المعيبة" في إدارة شؤون الدولة والحرب.
ولا بد أولا من الإشارة إلى أن القضية تتناول أولا مسألة استعادة الأسرى، وهي واحد من 3 أو 4 أهداف للحرب، والعلاقة بين المؤسستين السياسية والعسكرية ومكانة المؤسسات وطرق الالتفاف عليها، وما يمكن لنتنياهو فعله لتحقيق أغراضه. وهنا من المهم الإشارة إلى أن المتهم الرئيس بهذه القضية شخص يدعى إيلي فيلدشتاين، وبات اسمه على كل لسان بوصف قصته من أهم عناوين الفضيحة.
فهذا الشخص الذي سبق له أن عمل في مكتب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، سرعان ما استُخدم بعدها ناطقا بلسان قيادة الضفة الغربية العسكرية. ويدل هذا التعيين على نوع من العلاقة مع المستوطنين وأوساطهم، وهو ما قاده إلى العمل ناطقا باسم الوزير العنصري الأبرز إيتمار بن غفير. ومن هذه البوابة وصل إلى ديوان بنيامين نتنياهو، حيث ينطوي ذلك على دلالة بشأن ما يجمع بين نتنياهو وبن غفير.
ومن المؤكد أن فيلدشتاين ليس عبقري عصره، ولكنه من النّوع المستعد لفعل أي شيء من أجل خدمة سيده. وهكذا ما إن استأجره ديوان رئاسة الحكومة للعمل حتى سقط في اختبار التصنيف الأمني. وهكذا رُفض رسميا تشغيله بمكتب نتنياهو كناطق رسمي باسمه للشؤون العسكرية. لكن الحاجة إليه كانت -كما يبدو- حادة لدرجة استدعت تعيينه في مكتب المدير العام للديوان رغم الرفض الأمني، وأُوكلت إليه مهمة التواصل مع المراسلين العسكريين.
ولعب فيلدشتاين دورا في التحريض على رئيس الأركان، وفي المناوشات الإعلامية بين الأخير ونتنياهو. وكما يبدو، لعب فيلدشتاين دورا مركزيا في العلاقة مع آخرين داخل المؤسسة الأمنية، ممن كانوا على استعداد لأن يكون ولاؤهم لنتنياهو أو للائتلاف الحكومي أقوى من ولائهم للمؤسسة العسكرية، وكان هؤلاء يزودون فيلدشتاين -وربما آخرون- بمواد استخبارية خام وغير معالجة يمكن استخدامها لأغراض غير رسمية.
إيلي فيلدشتاين المشتبه به في قضية تسريب الوثائق (مواقع التواصل)ومن هنا بدأت القصة. فالأمر ليس مجرد تسريب مواد من جهة يحق لها الاطلاع عليها، وإنما هي في جوهرها سرقة مواد استخبارية ثم استخدامها بأغراض خارج نطاق ما هو مطلوب رسميا. ووصف بن كسبيت كبير المعلقين السياسيين في صحيفة معاريف ما جرى على النحو التالي "المعلومات البالغة السرية التي تشكل أساس قضيتنا لم تصل إلى مكتب نتنياهو بالطريقة المعهودة: في ملف استخباراتي ضخم يحمله رئيس المخابرات معه إلى رئيس الوزراء. وهذه المادة السرية سُرقت من شعبة الاستخبارات ووصلت إلى يد أحد التابعين لنتنياهو، ومنه لوسائل الإعلام، ومنها إلى الرقابة التي رفضت نشرها، لكن هناك من أراد نشرها على أية حال، فكانت المحطة التالية وسائل الإعلام الأجنبية، وهناك نشرت بالفعل".
وترتبط هذه المواد الاستخبارية بأمرين مركزيين يتعلقان أساسا بموقف حماس من تبادل الأسرى من جهة، وتفكير حماس وزعيمها الشهيد يحيى السنوار باستخدام محور فيلادلفيا "للهرب" و"تهريب" الأسرى إلى سيناء على طريق نقلهم إلى الخارج. وأشيع أن الوثيقة الأولى بخط يد السنوار فيها تعليمات مزعومة من قيادة حماس لكيفية إدارة المفاوضات في قضية المخطوفين، ولكن سرعان ما تبين أن الوثيقة كتبها ناشط ربما بالصف الكادري الثالث من حماس، ولم تتبنها قيادة حماس وربما لا علم للسنوار أبدا بها.
وكان لتسريب الوثيقة هدفان أساسيان: الأول إظهار أن قيادة الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن كأنهما يخفيان عن نتنياهو والتابعين هذه المعلومات، بمعنى أنهم "يتآمرون على رئيس الوزراء". والثاني إيجاد انطباع بأن حركة حماس ليس لها أي مصلحة بالصفقة، وأن الادعاء بأن نتنياهو هو الذي يحبطها لا أساس له.
وفي هذا السياق، من المهم العودة إلى الظروف التي نشأت فيها هذه الفضيحة.
وقد كتب عاموس هارئيل المراسل العسكري بصحيفة هآرتس "بعد العثور على جثث المخطوفين الستة الذين قتلوا على يد حماس في رفح، حدث ضغط كبير من قبل الجمهور على الحكومة من أجل استئناف العمليات للتوصل إلى صفقة لتحرير المخطوفين الآخرين. ويبدو أن التسريب المشوّه هدف إلى صد هذا الضغط وإلقاء كل المسؤولية في جمود الاتصالات على قادة الخاطفين، أي زعيم حماس الذي قتل فيما بعد في حادثة مع قوة للجيش الإسرائيلي".
وبحسب المراسل العسكري، فإنه "منذ بداية الحرب، يخوض نتنياهو صراعا من أجل بقائه السياسي، وهو صراع تفاقم حتى مقارنة مع بداية محاكمته عام 2021، والانقلاب النظامي عام 2023. وقد استهدف الجهد الرئيسي إزاحة كل المسؤولية عن الإخفاقات التي مكنت من حدوث مذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول السنة الماضية، وتصويب كل النيران نحو قيادة الجيش الإسرائيلي والشاباك وخصوم نتنياهو السياسيين، ومن بينهم وزير الدفاع يوآف غالانت. عندما حقق هذا الجهد نجاحا نسبيا في أوساط مؤيديه، ووسّعه نتنياهو إلى قضية المخطوفين".
ويقول هارئيل إن "نتنياهو سمح بعقد صفقة المخطوفين الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني من السنة الماضية، لأنها لم تكن تنطوي على ثمن باهظ بالنسبة له. ولكن بعد ذلك، تهرّب دائما من عقد صفقة أخرى. وقد ساعد في ذلك أيضا رفض حماس، المتهمة الرئيسية بالمأساة من البداية. فأمام ناظري نتنياهو لم يكن يوجد سوى بقاء الائتلاف".
ويعارض شركاؤه في اليمين المتطرف بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، أي صفقة أيضا، لأنهم يريدون الاحتلال الدائم للقطاع وإعادة الاستيطان إليه. في حين أن ما يهم نتنياهو هو استقرار الحكومة، أكثر من حياة المخطوفين. وهذا الأمر برز في يناير/كانون الثاني الماضي وعلى الاقل حتى يوليو/تموز، عندما منعت مرة تلو الأخرى تسريبات وإحاطات ممنهجة من قبل مكتب رئيس الحكومة حدوث أي اختراق في المفاوضات.
نتنياهو حقق غايته عبر تضليل الشارع الإسرائيلي وشن حربا نفسية عليه بطرق التفافية (الأوروبية)ويواصل هارئيل فيكتب أنه "بداية سبتمبر/أيلول الماضي، ظهرت مشكلة جديدة بعد قتل المخطوفين الستة. وهنا دخلت حملة عرقلة الصفقة في عملية تسريع بسبب المظاهرات التي طالبت بإنقاذ باقي المخطوفين. وبدأ نتنياهو يتحدث في خطاباته بشكل مطول عن أن إسرائيل يجب أن تواصل الاحتفاظ بمحور فيلادلفيا على طول الحدود بين القطاع ومصر. وهكذا وضع عائقا واضحا أمام عقد الصفقة، وهو ما فاجأ رؤساء المؤسسة الأمنية الذين لم يولوا هذا المحور أهمية مشابهة".
وفي هذا الوقت بالذات، وقع تسريب لصحيفتين أجنبيتين هما صحيفة "جويش كرونيكل" البريطانية و"بيلد" الألمانية. فقد حصلت الأولى على معلومات مزورة بشأن الخشية من أن السنوار سيهرّب المخطوفين إلى مصر ومن هناك إلى إيران، لذلك ينبغي الاحتفاظ بمحور فيلادلفيا. وقد اتهم المراسل المسؤول عن هذه المعلومات فيما بعد بأنه محتال، وأقيل من الصحيفة.
أما "بيلد" فعرضت ما وصفته بأنها وثائق استخبارية سرّية من إسرائيل، تفيد بأن زعيم حماس لا يريد إطلاقا عقد الصفقة. وهذا ما برر الادعاء بأن الجيش الإسرائيلي يرتكب خطأ مزدوجا، لأنه من جهة يخفي معلومات حاسمة عن الجمهور الإسرائيلي، ومن جهة أخرى يتهم نتنياهو بأنه هو الذي يفشل الصفقة.
وكرر نتنياهو والمقربون منه هذه الادعاءات، مما ألحق ضررا كبيرا بالمظاهرات والحركة الاحتجاجية من أجل الأسرى. وبعدها تطورت الحرب مع لبنان وتراجعت قضية الاحتجاجات والأسرى إلى أسفل جدول الأعمال، وهكذا حقق نتنياهو غايته لكن عبر تضليل الشارع وشنّ حرب نفسية عليه بطرق التفافية.
وهنا يُطرح السؤال: كيف اتضحت الصورة ووصلت إلى إجراء تحقيقات أمنية في البداية، وجنائية لاحقا، مما قاد إلى اعتقال مقربين من نتنياهو وتعرّضه لأشد حملة انتقادات؟
وفي البداية أشعل المصابيح الحمراء بالمؤسسة الأمنية استخدام نتنياهو وزوجته والمقربون منه معلومات مضللة منشورة على نطاق واسع. فانتشار مثل هذه "الوثائق" في بريطانيا وألمانيا دفع شعبة الاستخبارات العسكرية للتحقيق في الأمر عبر دائرة أمن المعلومات العسكرية، وبعدها -ونظرا لتشابك الأمور- انتقل التحقيق إلى جهاز الشاباك.
بيرغمان: لقاءات سارة نتنياهو مع أهالي المجندات الأسيرات كانت مليئة برسائل تنقل مخاطر لا أساس لها (رويترز)أما رونين بيرغمان محرر الشؤون الأمنية الأبرز بصحيفة يديعوت أحرونوت، فكان أول من كشف إعلاميا جوانب اللعبة عندما دقق في مصادر كل من "جويش كرونيكل" و"بيلد" ولاحظ سرعة استخدام نتنياهو لما ينشر فيهما. وكتب أنه "سبق أن كشفنا من على هذه الصفحات كيف ظهر لنتنياهو فجأة "فيلادلفيا" كمحور أساسي، مليء بقدسية لم يشعر بها أحد في إسرائيل: لا في جهاز الأمن، ولا في أسرة الاستخبارات، ولا في طاقم المفاوضات، ولا حتى لدى نتنياهو نفسه. ولم يشعر أحد على مدى نحو 9 أشهر بأن له أي أهمية. فالأنفاق تحت فيلادلفيا أغلقها المصريون منذ زمن بعيد، وفي الحرب لم يكن ممكنا تهريب أي شيء من هناك من فوق الأرض".
ولاحظ بيرغمان أن "الجمهور الإسرائيلي أصبح ضحية لحملة متواصلة من الأكاذيب والتلاعبات مسّت بفهمه لما يجري، وكانت تنكيلا حقيقيا بعائلات المخطوفين. ورأينا أهمية كبرى لأن ننشر من على هذه الصفحات الحقائق والتفاصيل الكاملة عن المفاوضات، تلك التي بذلت الحكومة جهودا جبارة لإخفائها عن الجمهور".
وفهم من هذه المنشورات أنه عندما كانت المفاوضات في لحظة التحقق، فرض عليها نتنياهو "كتاب الإيضاحات" الذي وصفه مسؤول كبير في طاقم المفاوضات بأنه "كتاب الدماء" وأنه أوضح قليلا وخرّب كثيرا، وأضاف سلسلة عوائق وأثقال جعلت الوصول إلى أي اتفاق متعذرا.
وفي نظر بيرغمان، فإن "أهم وأصعب ما في كل هذه العقبات كانت كذبة فيلادلفيا. شخص مطلع على تسلسل الأمور يقول إنه حيال الوثائق والمكتشفات، شعر مكتب نتنياهو بأنه لا ينجح في إقناع الجمهور، فبدأ معركة متداخلة: خطاب نتنياهو الذي جاءت بعده المقابلة مع (فوكس نيوز) الودية جدا والتي كرر فيها رسائله، والخطابات العامة ولقاءات زوجته سارة مع أهالي المجندات المخطوفات التي مررت فيها أيضا رسائل كلها مليئة بمخاطر مختلقة لا أساس لها وتتعارض مع التقديرات المهنية لجهاز الأمن التي ينطوي عليها ترك فيلادلفيا. والخطابات والمقابلات الصحفية واللقاءات كانت بعد الخطاب، وستنتشر أيضا في التقارير الصحفية التي ستنشر لاحقا في وسائل الإعلام الدولية، وفيها وثائق تؤكد خطاب نتنياهو".
الفضيحة الجديدة على أهميتها لا تضيف لتاريخ نتنياهو السياسي في الألاعيب وطرق الإفلات من الحساب إلا قليلا (الفرنسية)عموما ورغم كل ما قيل ويقال، فإن الفضيحة الجديدة على أهميتها لا تضيف إلى تاريخ نتنياهو السياسي في الألاعيب وطرق الإفلات من الحساب إلا قليلا. وما يمكن قوله إن أساليب نتنياهو هذه كانت ولا تزال معروفة لكل مقربيه القدامى الذين سرعان ما كانوا يتحولون إلى أعداء حقيقيين له. واسألوا أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت وكثيرا من قادة الليكود وأحزاب أخرى. نتنياهو كان ولا يزال ميكيافيلي النهج، والغاية عنده تبرر الوسيلة، وطالما أنه يريد البقاء ملكا على إسرائيل فكل شيء متاح ومباح.
واليوم يعتقد كثيرون أن نتنياهو -الذي يدير منذ سنوات حربا داخلية باسم إصلاح النظام القانوني من أجل منع إدانته في المحكمة- قادر على مواجهة العاصفة الجديدة وتجاوز آثارها، فالحرب تتواصل بسبب إصراره على البقاء في الحكم، وليس ثمة ما يمنع التضحية ليس فقط بالأسرى وإنما أيضا بالجنود وباقتصاد إسرائيل من أجل هذا البقاء.
ومثل كثير من التحقيقات السابقة، قد يجد نتنياهو أكباش فداء. ومثلا مع الناطق باسمه فيلدشتاين، وطوال أيام، أعلن أنه لا تجمعه بديوانه جامع. ورغم الصور الكثيرة له مع نتنياهو، بما في ذلك في مداولات واجتماعات وزيارات، بقي هذا الإصرار، وليس من المستبعد أن تجد النيابة العامة وسائل لتخليص نتنياهو من آثام أفعاله.
ومن جهته، يصرّ الجيش على أن سرقة الوثائق منه تشكل خطرا جسيما على أمن الدولة، ليس بسبب أهميتها وإنما أصلا بما يمكن أن تقود إليه من كشف للمصادر. وقال أحد المسؤولين في أعلى قمة المؤسسة الأمنية نهاية الأسبوع "الذين سرقوا وأزالوا هذه المادة يجب أن تقطع أيديهم وأرجلهم". وعندما سئل عن السبب، قال: "المهم هنا ليس المادة نفسها، بل الضرر والمخاطر الهائلة على المصادر. هناك مواد إذا خرجت فإنها تسمح للعدو بمعرفة كيف أو من أين حصلت عليها إسرائيل".
وفي المستوى السياسي، هناك من يراهنون على أن الفضيحة قد تسقط رئيس الحكومة، ولذلك يصرون على مواصلة الدق على طبولها. وأهم هذه الطبول أن نتنياهو لا يتورع عن استخدام الحرب النفسية ضد شعبه وضد قيادة جيشه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجیش الإسرائیلی من جهة من أجل
إقرأ أيضاً:
“هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق
وأكمل بالقول: “معظم فترة الحرب، رفض نتنياهو مناقشة الترتيبات لما بعد الحرب في قطاع غزة، ولم يوافق على فتح باب لمشاركة السلطة الفلسطينية في غزة، واستمر في دفع سيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل تام. والآن، من يمكن الاعتقاد أنه اضطر للتسوية على أقل من ذلك بكثير”.
ورأى هرئيل أن رئيس حكومة العدو، هذا الأسبوع، قد حقق ما أراده، إذ إن حماس وضعت عوائق في طريق تنفيذ الدفعات التالية من المرحلة الأولى في صفقة الأسرى، لكن نتنياهو تمكن من التغلب عليها، على حد تعبيره، موضحًا أنه: “حتى منتصف الليل يوم الأحد، تأخر نتنياهو في الموافقة على عبور مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال القطاع، بعد أن تراجعت حماس عن وعدها بالإفراج عن الأسيرة أربيل يهود من “نير عوز””، ولكن بعد ذلك أعلنت حماس نيتها الإفراج عن الأسيرة، وفق زعمه، فعلّق هرئيل: “حماس وعدت، والوسطاء تعهدوا، أن يهود ستعود بعد غد مع الجندية الأخيرة آغام برغر ومع أسير “صهيوني” آخر، والدفعة التالية، التي تشمل ثلاثة أسرى “مدنيين” (من المستوطنين)، ستتم في يوم السبت القادم”. لذلك، قاد تعنّت نتنياهو – ومنعه عودة النازحين الفلسطينيين – على تسريع الإفراج عن ثلاثة أسرى صهاينة في أسبوع، على حد ادعاء الكاتب.
تابع هرئيل: “لكن في الصورة الكبيرة، قدمت حماس تنازلًا تكتيكيًّا لإكمال خطوة استراتيجية، أي عودة السكان إلى شمال القطاع”، مردفًا: “أنه بعد عودتهم إلى البلدات المدمرة، سيكون من الصعب على الكيان استئناف الحرب وإجلاء المواطنين مرة أخرى من المناطق التي عادت إليها حتى إذا انهار الاتفاق بعد ستة أسابيع من المرحلة الأولى”، مضيفًا: “على الرغم من نشر مقاولين أميركيين من البنتاغون في ممر “نِتساريم” للتأكد من عدم تهريب الأسلحة في السيارات، لا يوجد مراقبة للحشود التي تتحرك سيرًا على الأقدام، من المحتمل أن تتمكن حماس من تهريب الكثير من الأسلحة بهذه الطريقة، وفق زعمه، كما أن الجناح العسكري للحركة، الذي لم يتراجع تمامًا عن شمال القطاع، سيكون قادرًا على تجديد تدريجي لكوادره العملياتية”.
وادعى هرئيل أن حماس تلقت ضربة عسكرية كبيرة في الحرب، على الأرجح هي الأشد، ومع ذلك، لا يرى أن هناك حسمًا، مشيرًا إلى أن هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها “وزير المالية في كيان الاحتلال” بتسلئيل سموتريتش، المتمسك بمقعده رغم معارضته لصفقة الأسرى، بشأن العودة السريعة للحرب التي ستحل المشكلة مرة واحدة وإلى الأبد، ويعتقد هرئيل أن: “الحقيقة بعيدة عن ذلك، استئناف الحرب لا يعتمد تقريبًا على نتنياهو، وبالتأكيد ليس على شركائه من “اليمين المتطرف”، القرار النهائي على الأرجح في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن المتوقع أن يستضيف الأخير نتنياهو قريبًا في واشنطن للاجتماع، وهذه المرة لا يمكن وصفه إلا بالمصيري”.
وأردف هرئيل ، وفقا لموقع العهد الاخباري: “ترامب يحب الضبابية والغموض، حتى يقرر، لذلك من الصعب جدًّا التنبؤ بسلوكه”، لافتًا إلى أنه وفقًا للإشارات التي تركها ترامب في الأسابيع الأخيرة، فإن اهتمامه الرئيسي ليس في استئناف الحرب بل في إنهائها، وأكمل قائلًا: “حاليًا، يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي سيضغط فيه على نتنياهو لإتمام صفقة الأسرى، وصفقة ضخمة أميركية – سعودية – صهيونية وربما أيضًا للاعتراف، على الأقل شفهيًّا، برؤية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية”.
وقال هرئيل إن “نتنياهو، الذي أصرّ طوال السنوات أنه قادر على إدارة “الدولة” (الكيان) وأيضًا الوقوف أمام محكمة جنائية، جُرّ أمس مرة أخرى للإدلاء بشهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه يبدو بوضوح أنه لم يتعاف بعد من العملية التي أجراها في بداية الشهر، واستغل الفرصة لنفي الشائعات التي تفيد بأنه يعاني من مرض عضال، لكنه لم يشرح بشكل علني حالته الصحية”، مشددًا على أن نتنياهو الآن، من خلال معاناته الشخصية والطبية والجنائية والسياسية، قد يُطلب منه مواجهة أكبر ضغط مارسه رئيس أميركي على رئيس وزراء الكيان الصهيوني.