"ما معنى الغوث" وحكم إطلاقه على الولي الصالح
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
قالت دار الإفتاء إن الغوث هو اسم مصدر من الإغاثة لُقِّب به بعض من اشتهروا بالنجدة والفتوة من باب إطلاق الحدث على الذات لتمكُّن الشخص في المعنى كأنه تجسد فيه، ويُقصَد به أنه سببٌ للإغاثة، أما الله سبحانه وتعالى فإنه المغيث على الحقيقة أي المُؤَثِّرُ الخالق، والاشتراك في لفظ الوصف لا يقتضي الاشتراك في تَمَام المعنى بين الخالق والمخلوق؛
وأوضحت الإفتاء أن تلقيب الولي الصالح بالغوث سواء كان حيًّا أو ميتًا، ليس فيه معنًى سوى أنه سببٌ في إغاثة الخلق، والإغاثة مندوب إليها شرعًا، سواء في مصالح الدنيا أو في مصالح الدين.
وأضافت أنه لا يوجد مانع في الشرع من إطلاق لقب "الغوث" على بعض الأولياء الصالحين الذين اشتُهر في الناس تسبُّبُهم في الإغاثة واستجابة الدعاء، وقد أسند اللهُ إلى عيسى عليه السلام الخلقَ والإحياءَ وإبراءَ الأكمه والأبرص باعتبار أنه تعالى قد أجرى هذه الأمور والتصرفات على يديه فجعله سببًا فيها؛ فقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: 110].
وأكدت الإفتاء أن هذا الإطلاق باعتبار هؤلاء الأولياء سببًا، والفاعل على الحقيقة والمؤثر هو الله تعالى، وهو الذي أجرى على يد بعض عباده مِن الأحياء والأموات أسبابًا لإغاثة الخلق، يؤكد هذا المعنى قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ، فَلْيَقُلْ: يَا عِبَادَ اللهِ أَغِيثُونِي، يَا عِبَادَ اللهِ أَغِيثُونِي، فَإِنَّ للهِ عِبَادًا لا نَرَاهُمْ» أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
حكم إطلاق لقب "الغوث" على الولي الصالحوقالت الإفتاء إن العقيدة الإسلامية ناطِقةٌ بأمرين على السواء، وهم:
الأول: أن الخلق والتأثير في الإغاثة على الحقيقة إنما هو لله تعالى وحده دون أحدٍ مِن خَلقِه؛ حيًّا كان هذا المخلوق أو ميتًا؛ وقد ورد وصف الله تعالى "بالمغيث" كما ورد ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في عد الأسماء الحسنى عند الحاكم في "المستدرك على الصحيحين".
الثاني: أنه قد يُسنَد إلى بعض الخلائق شيءٌ أُسند للذات الإلهية مِن باب أن الله تعالى أقام هذا المخلوق سببًا في هذا الأمر على سبيل المجاز المرسل أو العقلي؛ كما أسند إلى عيسى عليه السلام الخلق والإحياء وإبراء الأكمه والأبرص باعتبار أن الله تعالى أجرى هذه الأمور والتصرفات على يديه فجعله سببًا فيها؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 49].
وفي قوله: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: 110]؛ ولذا قيدت هذه الأمور في الآيات بقوله: ﴿بِإِذْنِ اللهِ﴾ و﴿بِإِذْنِي﴾، ولذلك جاز طلب الغوث من الخلق على جهة التسبب لا على جهة التأثير؛ كما في قوله تعالى حكاية عن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: 15].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دار الإفتاء الإفتاء الغوث الله تعالى
إقرأ أيضاً:
الدعاء: نافذة الروح نحو السماء
الدعاء في الإسلام ليس مجرد طلب أو سؤال، بل هو عبادة عظيمة ووسيلة للتقرب من الله تعالى.
يُعبر المسلم من خلال الدعاء عن أمانيه وآماله، ويستشعر عظمة الخالق وكرمه ورحمته.
إنه الحبل الذي يربط العبد بربه في كل الأحوال، في السراء والضراء، ويعكس الاعتماد الكامل على الله في تحقيق الأماني ودفع البلايا والمحن.
فضل الدعاء في الإسلامالدعاء يعد من أرقى العبادات وأعظم الطاعات في الإسلام، إذ يُظهر العبد حاجته الكاملة لله واعتماده الأصيل عليه في كل شؤون حياته.
الدعاء: نافذة الروح نحو السماءيُعتبر الدعاء مظهرًا من مظاهر العبودية لله تعالى، وهو السبيل الذي يلجأ إليه المسلم ليُعبر عن رجائه وخوفه وشكره، ويقدم فيه سؤاله وتضرعه لله، الخالق والمستعان.
التقرب إلى الله من خلال الدعاءالدعاء هو جسر يصل العبد بربه، فعندما يدعو المسلم، يُظهر تواضعه وحاجته إلى الله، ويعترف بأن القدرة الحقيقية والتأثير لا تكون إلا بيد الله.
يُعلمنا الدعاء كيف نبقى متصلين بالله في السراء والضراء، ويُعزز من صلتنا بالخالق، مما يعطي الطمأنينة والسكينة في القلوب.
الدعاء وسيلة للتخفيف من الشدائدفي الأوقات العصيبة والمحن، يكون الدعاء ملاذًا وسلوى للمسلم، النبي محمد ﷺ قال: "الدعاء هو العبادة"، ورُوي عنه أنه كان يُكثر من الدعاء في وقت الكرب والشدة.
من خلال الدعاء، يستطيع المسلم أن يسأل ربه الفرج والمعونة والهداية، وأن يظهر رغبته في تجاوز الصعاب بمشيئة الله.
فضائل الدعاء وآثاره الإيجابيةالدعاء له فضائل كثيرة، منها:
الدعاء: نافذة الروح نحو السماءتفريج الهموم: الدعاء يُخفف من الهموم والغموم، كما يُعطي الأمل ويُجدد الطاقة الروحية للمؤمن.
زيادة الإيمان: يُعزز الدعاء من إيمان المسلم وثقته بربه، ويُرسخ شعوره بالاعتماد الكامل على الله.
الوقاية من الكبر: الدعاء يُذكر الإنسان بضعفه وحاجته لله، مما يحميه من الغرور أو الشعور بالاستغناء.
الدعاء في القرآن والسنة
القرآن الكريم يؤكد على فضل الدعاء وأهميته، حيث يقول الله تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر: 60).
وفي السنة النبوية، كثير من الأحاديث تشجع على الدعاء وتبين مكانته في الدين.
دعاء للأخ في يوم الجمعة المباركالدعاء ليس فقط وسيلة لطلب الحاجات، بل هو تعبير عن العبودية الصادقة لله، ومنهج حياة يُعلم المسلم الصبر والتوكل والرضا.
إنه جزء لا يتجزأ من حياة المؤمن، يُحقق الاتصال الروحي بالخالق ويُعمق الإيمان بقدرته ورحمته.