قبل اغتيال السيد حسن نصر الله، أعلنت حكومة نتنياهو قرارها القاضي بتغيير قواعد اللعبة، وكان القصد من ذلك فتح المجال أمام إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط في اتجاه خدمة المصالح الاستراتيجية التي تضمنها المشروع الصهيوني في نسخته التلمودية. لن يقف الأمر عند احتلال غزة والضفة الغربية والهيمنة على ما تبقى من مدينة القدس، وذلك عن طريق القتل والتهجير، ولكن مساحة الطمع أوسع من ذلك بكثير؛ هم يريدون السيطرة مبدئيا وبشكل مباشر على جنوب نهر الليطاني ووضع بيروت تحت المراقبة المباشرة، وهو ما استفز فرنسا التي تعتبر لبنان من بين مناطق نفوذها الأساسية في الشرق الأوسط.
من جهة أخرى، يتجهون نحو الهيمنة على أجزاء حيوية من سوريا بعد أن سبق أن احتلوا عنوة الجولان، مستغلين حالة الضعف والشلل التي يعاني منها النظام السوري. فالبلاد مقسمة بين روسيا وتركيا وأطراف من المعارضة التي تعمل بدورها على استثمار الوضع الحالي لتكثيف تحركاتها العسكرية لمزيد استنزاف نظام الأسد. فالهدف العاجل التي تعمل على تحقيقه تل أبيب حاليا هو قطع الطريق الذي تمر من خلاله المساعدات العسكرية الإيرانية الموجهة نحو حزب الله، الذي يتلقى حاليا ضربات قوية في سوريا. ويجري الحديث الآن على شروع دمشق في فك ارتباطها العسكري والسياسي مع حزب الله،الحرب الدائرة حاليا لن تقف تداعياتها عند غزة فقط، بل تتجاوزها كثيرا، وأنها تسير في طريق التوسع والالتفاف يمينا ويسارا، وهي بصدد خلق جبهات جديدة هنا وهناك. فالخرائط المرسومة في مراحل سابقة تعود إلى مائة وثلاثين عاما على الأقل؛ فُتحت من جديد وتصاعدت الرغبة في تحقيق أجزاء هامة منها خلال هذه الفترة الصعبة والقاسية، وهذا ما يفسر تفكك الأوضاع في أكثر من بلد مع تسارع التحولات السياسية والعسكرية والاجتماعية إلى جانب النأي بنفسها عن طهران. وفي حال استمرت هذه التداعيات وتسارعت ستتعرض سوريا إلى إعادة تشكيل مراكز القوة داخلها بشكل واضح، وهو الأمر الذي تراقبه روسيا عن كثب، وتعمل على تقليص مخاطره على مصالحها الحيوية داخل بلاد الشام. فالحكومة الإسرائيلية قادرة على خلخلة نظام الأسد، وقد تفكر في إسقاطه إذا أرادت ذلك من أجل خلط الأوراق، وحرمان إيران من حليف أساسي.
بعد الضربة القوية التي تلقتها إيران، والتي خلفت أضرارا بالغة، شعرت تركيا بالخطر، وفوجئت الطبقة السياسية بتوجه الرئيس أردوغان نحو محاولة تسوية الملف الكردي الذي يعتبر من بين أخطر الثغرات التي يمكن أن تستعملها إسرائيل ضد الحكم المركزي في تركيا. ولا يعود ذلك فقط إلى العلاقات الجيدة التي تملكها تل أبيب مع بعض الفصائل الكردية المسلحة، والمدعومة من الولايات المتحدة، وإنما أيضا لما تشكله إسرائيل بقيادتها الحالية من مخاطر مباشرة على المصالح الاستراتيجية لتركيا وعلى وحدتها الترابية.
يذكر الكاتب التركي كمال أوزتورك في مقال له نشره على "الجزيرة نت" أن أردوغان يعتقد أن عدوان إسرائيل لن يتوقف، وأن الدور سيأتي على سوريا بعد لبنان "مما سيجعل إسرائيل وجها لوجه مع تركيا". وبحكم أن أردوغان سياسي محنك ومطلع، لم ينس أن "حلم إسرائيل الكبرى يشمل أجزاء من الأراضي التركية"، لهذا بدأ يستعد لعملية استباقية من خلال التلويح باحتمال إطلاق سراح عبد الله أوجلان المحكوم عليه بالسجن المؤبد، مقابل تسوية شاملة للمسألة الكردية مع حزب العمال الكردستاني.
هكذا يتبين أن الحرب الدائرة حاليا لن تقف تداعياتها عند غزة فقط، بل تتجاوزها كثيرا، وأنها تسير في طريق التوسع والالتفاف يمينا ويسارا، وهي بصدد خلق جبهات جديدة هنا وهناك. فالخرائط المرسومة في مراحل سابقة تعود إلى مائة وثلاثين عاما على الأقل؛ فُتحت من جديد وتصاعدت الرغبة في تحقيق أجزاء هامة منها خلال هذه الفترة الصعبة والقاسية، وهذا ما يفسر تفكك الأوضاع في أكثر من بلد مع تسارع التحولات السياسية والعسكرية والاجتماعية.
السنوات التي ستعقب هذه الحرب ستكون حبلى بأحداث دامية قد تشهد مزيدا من العنف وتقسيم أوطان وتغيير تحالفات وانهيار اتفاقيات سابقة
فالسنوات التي ستعقب هذه الحرب ستكون حبلى بأحداث دامية قد تشهد مزيدا من العنف وتقسيم أوطان وتغيير تحالفات وانهيار اتفاقيات سابقة، لهذا يجري الحديث عن احتمال سقوط محكمة الجنايات الدولية التي تتعرض إلى نقد من قبل عواصم غربية عديدة، لمجرد موافقتها على محاسبة الطغمة الحاكمة في إسرائيل، إلى جانب عدد من المؤسسات الدولية المختصة في حماية حقوق الإنسان؛ مثل منظمة الأونروا التي وجدت نفسها عاجزة عن أداء مهمتها داخل غزة وبقية الأراضي الفلسطينية. بل الأمر أصبح أكثر خطورة، حيث لا يستبعد عديد الخبراء والدبلوماسيين احتمال انهيار منظمة الأمم المتحدة التي فقدت بدورها قيمتها الرمزية، وعجزت عن التأثير في الأزمات وفرض قراراتها على دولة متمردة مثل إسرائيل الجبانة والعنصرية.
تكمن الخلاصة في أن منطقة الشرق الأوسط مقدمة على تحولات جذرية من لا تعرف حدودها وتداعياتها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشرق الأوسط غزة الإسرائيلية إسرائيل الشرق الأوسط غزة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
تفاصيل 3 مقترحات مطروحة على الطاولة حالياً بشأن قطاع غزة
كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، صباح اليوم الاثنين 17 مارس 2025، تفاصيل 3 مقترحات مطروحة على الطاولة في العاصمة المصرية القاهرة ضمن مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة .
وقالت الصحيفة، إن إسرائيل أرسلت وفدها إلى القاهرة لاستكمال المفاوضات التي لم تثمر إلى الآن، بالرغم من وجود ثلاثة مقترحات مطروحة على الطاولة في الوقت الحالي.
إقرأ ايضاً: حظر نشر - الشاباك يحقق بقضية كبيرة داخل مكتب نتنياهو ضد مسؤول كبير
وأوضحت الصحيفة، أن المقترح الأول هو المقترح الذي قبلت به " حماس " وروّج له مبعوث ترامب لشؤون الرهائن آدم بولر وينص على الإفراج عن الأسير الأميركي ألكسندر عيدان ومعه أربعة جثامين، وقد رفضته إسرائيل وتقدّمت عوضاً عنه بمقترح آخر.
وأضافت أن المقترح الثاني هو المقترح الذي تروّج له إسرائيل ويقضي بالإفراج عن 10 أسرى أحياء من بينهم الأسير الأميركي، مع نصف جثث الأسرى الأموات، وهو ما ترفضه "حماس".
إقرأ أيضاً: المستشارة القضائية الإسرائيلية لنتنياهو: لا يمكنك إقالة رئيس الشاباك
وأشارت الصحيفة، إلى أن المقترح الثالث الذي يروّج له مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وينص على الإفراج عن خمسة أسرى أحياء من بينهم الأسير الأميركي، مقابل 1200 أسير فلسطيني و50 يوماً من الهدوء، يجري فيها التفاوض والدفع إلى الهدوء المستدام. وقال ويتكوف، في تصريحات صحافية حملت تهديداً لـ"حماس"، إن "المقترح الذي قدّمته حماس لا يصلح أن يكون منطلقاً للتفاوض، والرد الذي قدّمته غير مقبول على الإطلاق"، مضيفاً: "أعتقد بأن هناك فرصة لكنها تتلاشى. أنصح حماس بأن تشاهد ما نفعله بالحوثيين، وأن تكون أكثر عقلانية".
وتأخذ الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة، شيئاً فشيئاً، منحى أكثر دموية؛ إذ نفّذت الطائرات المُسيّرة التابعة للاحتلال، في خلال اليومين الماضيين، عدة استهدافات أدّت إلى استشهاد نحو 15 مواطناً، وكان أبرزها مجزرة طاولت فريقاً إغاثياً أثناء توثيقه بناء مخيم في مدينة بيت لاهيا شمال غزة.
وزعم الجيش الإسرائيلي، في بيان، أن الفريق المستهدف كان يقوم بتشغيل طائرة تصوير تشكّل تهديداً للقوات المتمركزة في المنطقة العازلة، في حين تسبّب القصف باستشهاد تسعة شبان من بينهم أربعة صحافيين.
وفي اليوم ذاته، استهدفت البوارج الحربية صياداً في منطقة السودانية شمال القطاع، ما تسبّب باستشهاده. وكذلك، أطلقت الدبابات المتمركزة شمالاً النار على عائلات نازحة في مخيم القدس في محيط قرية أم النصر، ما أدّى إلى استشهاد طفل على مائدة الإفطار. ومساء أمس، استهدفت طائرة مُسيّرة أحد الشبان جنوب حي الزيتون، مرديةً إياه على الفور، في حين سُجّلت، خلال الأيام الماضية، كثافة في إطلاق النار من الدبابات المتمركزة في المناطق الشرقية للقطاع في اتجاه منازل المواطنين، توازياً مع تحليق مكثّف ومتواصل لطائرات الاستطلاع.
وجاءت هذه التطورات في ظل حديث الإعلام العبري عن توجّه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى تصعيد الغارات والعمليات المركّزة، وصولاً إلى العودة التدريجية إلى القتال، بهدف الضغط على حركة "حماس"، ودفعها إلى قبول مقترح المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، الذي تدعمه إسرائيل، بينما ترفض مقترح مبعوث الرئيس دونالد ترامب لشؤون الرهائن المقال، آدم بولر.
وعلى المستوى الإنساني، تزداد الأمور في القطاع تعقيداً، حيث تُفقَد المزيد من البضائع من الأسواق، فيما لم يتسلّم ثلثا سكان القطاع الذين يعتمدون على المساعدات في طعامهم اليومي أي طرود غذائية، كما توقّفت المئات من التكيات والمبادرات الخيرية عن العمل.
وتقدّر مصادر حكومية أن تتجه الأمور إلى نسخة أكثر فتكاً من المجاعة التي سادت خلال الحرب، بالنظر إلى أن الاحتلال يغلق الآن المعابر بشكل كامل، وعلى نحو أكثر قسوة مما كان عليه الأمر أثناء القتال.
المصدر : وكالة سوا - صحيفة الأخبار اللبنانية اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين تواصل الاحتجاجات في أمريكا للمطالبة بالإفراج عن الطالب محمود خليل وزير الشرق الأوسط البريطاني: 10% من أهالي غزة فقط يحصلون على مياه شرب آمنة تفاصيل اجتماع مركزية فتح في رام الله الأكثر قراءة محدث: وفاة الدكتور كمال الشرافي والرئيس عباس ينعاه صحة غزة: 9 شهداء و16 إصابة خلال الساعات الـ24 الماضية سلطة الطاقة: الحكومة ستتحمل 58% من زيادة أسعار التعرفة الجديدة للكهرباء السعودية تُسجّل أعلى عدد معتمرين في يوم واحد عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025