مصر تعيش أجواء الهزيمة.. فما الحرب التي خاضتها؟
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
"أنا عايز أقول لكم: اللي انتو بتشوفوه دِ الوقتي (من غير تفسير كتير وتوضيح كتير) تقريبا زي الظروف اللي كنا بنعيشها بعد هزيمة 67 في مصر"!
هذا ما قاله الجنرال المنقلب ياسر جلال، قبل أيام (بعد عشر سنوات، من الإنجاز، والرخاء، والازدهار، حسب أبواقه ولجانه) أمام حشد جماهيري سيق "قسرا" إلى ملعب المدينة الأولمبية، الكائن في قلعة "ألَموت" الجديدة، أو العاصمة الإدارية الجديدة؛ للاحتفال بذكرى نصر أكتوبر 1973، برعاية كيان يحمل اسما "رجعيا ظلاميا غامضا" ألا وهو "اتحاد القبائل العربية"، يترأسه شخص آت من المجهول، غارق في الفساد، يُدعى إبراهيم العرجاني!
ومما تجدر الإشارة إليه، أن هذا الاحتفال تأخر عن موعده (الطبيعي) نحو ثلاثة أسابيع! وفي ظني (وليس كل الظن إثم) أن الاحتفال تم تأخيره عمدا؛ مراعاة لمشاعر "أولاد العم"، أو بعبارة أدق "أولاد الخال"! فذكرى "نصر أكتوبر" المصري يسبق (بيوم واحد) ذكرى "طوفان الأقصى" الفلسطيني التي باتت "ذكرى أليمة" لهزيمة استراتيجية حلت بالكيان الصهيوني، على أيدي المقاومة الفلسطينية، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لن يتعافى من آثارها.
كان هذا السؤال يتردد على منصات التواصل الاجتماعي كافة، بصيغ مختلفة: عن أجواء أي هزيمة يتحدث ياسر جلال ومصر لم تخض حربا، منذ بضع وخمسين عاما؟!
في اليوم التالي لكلمة ياسر جلال التي لم تستغرق سوى سبع دقائق، وهو المولع بالكلام، كان هذا السؤال يتردد على منصات التواصل الاجتماعي كافة، بصيغ مختلفة: عن أجواء أي هزيمة يتحدث ياسر جلال ومصر لم تخض حربا، منذ بضع وخمسين عاما؟!
السؤال يبدو وجيها ومنطقيا جدا، غير أنه مع التأمل وإمعان النظر، يجد المتأمل أن ياسر جلال كان "صادقا" على غير عادته، لكنه لم يكن "شفافا" كعادته، وقد بدا ذلك واضحا في قوله: "من غير تفسير كتير وتوضيح كتير".. فمن غير الممكن أن يفسر أكثر، ويوضح أكثر، لكن اللبيبَ بالإشارةِ يفهمُ!
فهل كان ينتظر المصريون من ياسر جلال أن يقول لهم بوضوح: أنا كنت في حرب معكم (يا مصريين) على مدى عشر سنوات، وأنا الذي انتصرت فيها، أما أنتم فتعيشون (اليوم) أجواء هذه الهزيمة؟! بالطبع كلا..
خمسة قواسم مشتركة بين الهزيمتين!
حتى تزول الدهشة عنك (عزيزي القارئ) إليك خمسة قواسم مشتركة تجمع بين هزيمة يونيو 1967 التي هُزم فيها الجيش المصري أمام العدو الصهيوني، وهزيمة يوليو 2013 التي هُزم فيها الشعب المصري أمام سلطة الانقلاب، بعد عدوان دام عشر سنوات، ولا يزال مستمرا..
القاسم الأول: الجيش والشعب لم يحاربا في هاتين الحربين.. الحربان كانتا "عدوانا" من طرف على طرف، ولم تكن مواجهة بين طرفين!
ففي يونيو 1967، شن الكيان الصهيوني عدوانا واسعا على مصر وسوريا.. أما الجيش المصري، فتفرق في صحراء سيناء بين أسير بيد العدو، وشهيد في مقبرة جماعية، وهائم على وجهه، ومنسحب بلغ منه الإعياء مبلغه.. وأما صواريخ "الظافر" و"القاهر" التي تصدَّرت أخبارها الصحف الرئيسة حينئذ، فلم نر لها أثرا؛ ذلك لأنها لم تكن موجودة أصلا، إلا في بروباجندا عبد الناصر التي كان يدير منصاتها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل!
وفي يوليو 2013، شن السيسي عدوانا منظما (ولا يزال مستمرا) على عدة جبهات: جبهة الحريات العامة (حرية التعبير، حرية السفر والانتقال، حرية التملك)، جبهة مؤسسات المجتمع المدني (النقابات، الأحزاب، الجمعيات الأهلية، اتحادات الطلبة)، جبهة الاقتصاد الوطني (بيع الأصول، وإغراق مصر في الديون)، جبهة السيادة المصرية (التنازل عن تيران وصنافير للسعودية، توقيع معاهدة 2015 مع إثيوبيا التي حرمت مصر من حصتها في مياه النيل، بيع رأس الحكمة ورأس بناس لدولة الإمارات.. إلخ)، جبهة الحقوق الأساسية للمواطن المصري (لا أمن، لا تعليم، لا علاج، لا وظائف، لا دخل مادي يفي بأقل القليل من متطلبات الحياة)، وجبهات أخرى.
القاسم الثاني: معاداة المنفرد بالسلطة (في كلا النظامين) للدين والأزهر؛ فعبد الناصر سلب الأزهر استقلاله، ولم يعرف الشارع المصري تخلي المرأة عن اللباس المحتشم إلا في عهد عبد الناصر.. أما في عهد ياسر جلال فقد شهدت مصر انتشاراً واسعا لشتى أنواع الانحرافات، بتشجيع من الإعلام الذي تستحوذ عليه السلطة، كما شهدت تدخلا شخصيا منه (أكثر من مرة) في الأمور الدينية، وهو الذي لا يحسن قراءة آية واحدة من كتاب الله، وقد تصدى له شيخ الأزهر في قضايا كثيرة.
القاسم الثالث: نشأة المستحوذ على السلطة في كلا النظامين، ونظرته للكيان الصهيوني؛ فكلاهما (عبد الناصر وياسر جلال) نشأ في حارة اليهود، وكلاهما تثور حول أصولهما شبهات كثيرة، وكلاهما لا يرى العدو الصهيوني عدوا.. وكلاهما خطط للهزيمة (هزيمة الجيش والشعب)؛ ليتربعا على عرش مصر دون منازع!
فمن الأمور التي بات مقطوعا بها، أن عبد الناصر قام بكل ما من شأنه أن يشجع الكيان الصهيوني ويحرضه على شن عدوان يونيو 67، على مصر، رغم علمه ويقينه بأن الجيش المصري غير مستعد لرد العدوان، ناهيك عن إحراز نصر؛ نكاية في قائد الجيش عبد الحكيم عامر الذي قرر عبد الناصر تصفيته معنويا بالهزيمة؛ ليسهل عليه التخلص منه شخصيا بالنحر، ومن ثم الانفراد بالسلطة!
ومن الأمور التي بات مقطوعا بها أيضا، أن ياسر جلال لم يدع شخصا يشكل له تهديدا "محتملا" إلا وألقى به في غياهب السجن، دون سند من القانون!
القاسم الرابع: وجود الآلاف من الإخوان المسلمين، ومن المغضوب عليهم من قِبَل النظام، في السجون، بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية!
القاسم الخامس: تأميم النظامين (الناصري والسيساوي) للمنصات الإعلامية كافة؛ ليكون صوت السلطة هو الصوت الوحيد المسموع! وإذا كانت عملية التأميم قد أثمرت، في عهد عبد الناصر، فإنها لم تثمر إلا قليلا، في عهد ياسر جلال؛ لأسباب باتت معروفة بالضرورة..
عدا هذه القواسم الخمسة المشتركة بين الهزيمتين (1967 و2013) فإن كل شيء مختلف!
ففي الهزيمة الأولى (1967).. كان الجنيه المصري يساوى 3 دولارات (الدولار كان يساوي 33 قرشا، أي ثلث الجنيه).. كانت الطبقة المتوسطة هي الأكثر عددا، وكان لدى كثير من أسر هذه الطبقة "خادمة".. كان راتب الموظف يكفيه، بل ويدخر منه.. كان المصريون يحصلون بواسطة بطاقات التموين على السلع الأساسية مدعمة.. كان تلاميذ المدارس يحصلون على وجبة غداء صحية مجانا.. كانت تُصرف للفلاحين أحذية بلاستيكية وأقمشة مجانا، أو بأسعار زهيدة أحيانا، من خلال الجمعيات التعاونية.. كانت المياه العمومية التي تصل إلى البيوت صالحة للشرب.. وأخيرا وليس آخرا، كان المصريون ينادون بالحرب؛ لمحو عار هذه الهزيمة النكراء.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل هذه المظاهر، وهذه الإجراءات، لم تكن لحنكة عبد الناصر، أو لحسن إدارة وتخطيط منه، ولكن لأن مركز مصر المالي القوي (الذي ورثه من العهد الملكي البائد) كان يسمح بذلك، وبما هو أكثر من ذلك..
أما في الهزيمة الثانية (2013) التي أعلن ياسر جلال عن حلولها بالشعب المصري، قبل أيام، والتي يعيش أجواءها اليوم، فإن الجنيه المصري يساوي سِنتين اثنين (الدولار يساوي 50 جنيها).. الطبقة المتوسطة في طريقها للانقراض، والطبقة المعدمة هي الأكثر عددا، وكثير من نساء الطبقة (التي كانت متوسطة) يعملن "خادمات" في بيوت "الإيجيبتيين" أصحاب المداخيل المليونية؛ لتوفير الحد الأدنى من متطلبات أسرهن المعيشية.. راتب الموظف لم يعد يغطي نفقات أسرته لمدة أسبوع واحد.. تم حرمان ملايين الأسر من بطاقات التموين.. تم رفع الدعم عن كل السلع.. تم فرض ضريبة (إتاوة) على كل إجراء روتيني تقوم به المصالح الحكومية، لا غنى للمواطن عنه.. لم يعد هناك شيء مجاني، أو بأسعار زهيدة؛ فكل شيء يباع، حتى أرجل الدجاج وأحشاؤها.. لم تعد المياه العمومية صالحة للشرب، ولا حتى لغسل الأواني.. بات المصريون يعيشون أجواء الهزيمة، حقيقة لا مجازا، تلك الهزيمة التي يسوّقها إعلام السلطة على أنها إنجاز وطني عظيم قام به القائد المظفر ياسر جلال!
تحرير، أم تحريك، أم استسلام؟
كيف سيتعامل الشعب مع هزيمة يوليو 2013 التي ألحقتها به سلطة الانقلاب التي هي الجيش الذي يعتبر نفسه في حالة "سلام دافئ" مع "إسرائيل"، رغم كل ما ترتكبه من مجاز
بعد عدوان يونيو 67، كان المصريون (جيشا وشعبا) يتحرقون شوقا للثأر، ومحو العار الذي ألحقه عبد الناصر بمصر والمصريين، وكان على عبد الناصر أن يستجيب مرغما، لا راضيا ولا مقتنعا، فأعلن حرب الاستنزاف، ثم خلفه السادات الذي كان يريد تثبيت شرعيته التي لم يعترف بها حواريو عبد الناصر (مراكز القوى).. غير أن السادات كان يفكر تحت السقف الأمريكي.. "حرب تحريك، لا حرب تحرير"، وكان له ما أراد، وكان لأمريكا ما أرادت؛ عبَر الجيش المصري قناة السويس، وأحدث ثغرات في "جدار بارليف"، وأصبح له موطئ قدم على الجانب الشرقي للقناة، بعمق كيلومترات معدودة.. انسحبت "إسرائيل" من سيناء شكليا، وبقي نفوذها عليها عمليا، حتى اليوم.. أما السادات، فكان بوسعه أن يتكلم عن إحراز "نصر"، يعقبه "سلام"؛ ليكون "بطل الحرب والسلام"!
هكذا تعامل الشعب المصري، والجيش، والسلطة، مع هزيمة يونيو 1976، فكيف سيتعامل الشعب مع هزيمة يوليو 2013 التي ألحقتها به سلطة الانقلاب التي هي الجيش الذي يعتبر نفسه في حالة "سلام دافئ" مع "إسرائيل"، رغم كل ما ترتكبه من مجازر، وتمارسه من عربدة، في الإقليم؟!
تحرير، أم تحريك، أم استسلام؟
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر يونيو 1967 الحربين السيسي مصر الإنقلاب السيسي الحرب يونيو 1967 مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش المصری عبد الناصر یاسر جلال یولیو 2013 فی عهد
إقرأ أيضاً:
ما دلالات توقيت تتابع مناورات الجيش المصري مع الصين وتركيا وروسيا؟
أعلنت وزارة الدفاع التركية أن القوات الخاصة التركية والمصرية نفذت تدريبات مشتركة في أنقرة بين 21 و29 نيسان/ أبريل الماضي، وشملت التدريبات القتال في المناطق المأهولة، وعمليات القنص، والإسعاف الميداني، والقفز المظلي، والهجمات والإخلاء بواسطة المروحيات، والمهام الاستطلاعية الخاصة، بحسب صحيفة "زمان" التركية.
وهذه أول تدريبات ثنائية بين البلدين منذ تطبيع العلاقات تموز/ يوليو 2023.
"مصر والصين"
وفي 19 نيسان/ أبريل الماضي، ولأول مرة على الأراضي المصرية، وفي خطوة غير مسبوقة، انطلقت فعاليات التدريب الجوي المصري الصيني المشترك (نسور الحضارة-2025) بمشاركة عدد من الطائرات المقاتلة متعددة المهام من مختلف الطرازات لعدة أيام بإحدى القواعد الجوية المصرية، بحسب صفحة وزارة الدفاع المصرية.
تلك المناورات تحل في توقيت تشهد فيه العلاقات الصينية الأمريكية توترا على خلفية فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الشهر الماضي رسوما جمركية على الواردات الصينية، ما قابلته بكين بإجراءات مماثلة، ما فاقم أجواء الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وهو التوقيت الذي رأى فيه مراقبون جرأة مصرية بمواجهة واشنطن التي يفجر رئيسها دونالد ترامب من آن إلى آخر قنبلة في وجه الإدارة المصرية، بينها إعلان رغبته خلال كانون الثاني/ يناير الماضي في تهجير أهالي قطاع غزة إلى مصر، والتلويح بورقة العقوبات الاقتصادية والحرمان من المعونة الأمريكية.
كما أثارت المناورات الصينية المصرية توترا في "إسرائيل"، خاصة مع ظهور طائرات شبحية استخباراتية صينية في شبه جزيرة سيناء، بالقرب من قطاع غزة وحدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما رأت فيه تقارير صحفية إسرائيلية محاولة تجسس على تشكيلات الجيش الإسرائيلي.
"مصر وروسيا"
وفي 14 نيسان/ أبريل الماضي، أعلنت القوات المسلحة الروسية أن قوات روسية مصرية أجرت مناورات بحرية عسكرية مشتركة بالبحر المتوسط، من 6 إلى 10 نيسان/ أبريل الماضي، بمشاركة سفن وسفن دعم تابعة للبحرية الروسية والقوات البحرية المصرية.
المناورات الدورية المعتادة منذ العام 2015، شاركت فيها الفرقاطة الروسية "الأدميرال غولوفكو"، وناقلة النفط البحرية المتوسطة "فيازما"، وطائرة الهليكوبتر "كا-27"، والفرقاطة "الجلالة"، وزورقي الصواريخ "فؤاد زكري" و"محمود فهمي"، بالإضافة إلى طائرات مصرية من طراز "إف-16".
تأتي تلك التدريبات، وفق رؤية الباحث في الشؤون العسكرية محمود جمال، في وقت يكثف فيه الجيش المصري من تدريباته المشتركة في المدّة الأخيرة في ظل الوضع الإقليمي المضطرب وسعي العدو الصهيوني لتنفيذ مخططات تهجير الفلسطينيين لمصر ودول أخرى وتصفية القضية الفلسطينية.
تأتي التدريبات في وقت يكثف فيه الجيش المصري من تدريباته المشتركة، فقام الجيش المصري خلال المدّة الأخيرة بتدريبات مع روسيا والصين ثم مع الجيش التركي في ظل الوضع الإقليمي المضطرب وسعي العدو الصهيوني لتنفيذ مخططات تهجير الفلسطينيين لمصر ودول أخرى وتصفية القضية الفلسطينية.
(2) انتهى
وأيضا، تأتي تلك المناورات العسكرية في ظل إعلان ترامب السبت الماضي، رغبته مرور السفن الأمريكية العسكرية والتجارية من قناة السويس دون دفع رسوم، وبعد أيام من تسريبات صحفية عن عرض سعودي لواشنطن ببناء قواعد عسكرية أمريكية على جزيرتي "تيران وصنافير" بمدخل خليج العقبة الجنوبي، بما يهدد الأمن القومي المصري، وفق سياسيين مصريين.
"رد الفعل الإسرائيلي"
كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية عن حالة قلق متصاعدة في تل أبيب من المناورات الجوية المصرية الصينية بشكل خاص، وذلك إثر مشاركة طائرات صينية من طراز "Y-20A" والتي تحمل أكثر من 60 طن من المعدات العسكرية الثقيلة.
وفي تعليقها على المناورات المصرية الصينية، قالت صحيفة "معاريف" العبرية إن العلاقات الإسرائيلية المصرية تمر بأكبر أزمة لها منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وتوقع موقع "ناتسيف.نت" العبري أن يكون أمر تلك الطائرات العملاقة من طراز "Y-20A"، متعلقا بالترتيبات اللوجستية ونقل أنظمة أسلحة حديثة لجيش مصر، مشيرا أيضا إلى مشاركة طائرات مقاتلة صينية من طراز "J-10"، والتي تم رصدها بالمجال الجوي لسيناء.
ولفت إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها رصد هذا النوع من الطائرات الصينية الحديثة بالمجال الجوي المصري بشكل علني، ما يمثل تعاونا عالي الجودة بين الجيشين، وذلك في وقت تشهد منطقة الشرق الأوسط إعادة تشكيل للتوازنات والتحالفات وسط تصاعد المنافسة الدولية على النفوذ بها.
وكشف الموقع العبري في تقرير آخر، عن إطلاق "إسرائيل" طائرات استخباراتية بالمقابل، مؤكدا أنه على خلفية التدريبات الجوية، حلقت طائرة إسرائيلية لجمع المعلومات الاستخباراتية فوق المناطق المجاورة لقطاع غزة وجنوب سيناء، ولمراقبة وتحليل إشارات الاستخبارات الإلكترونية المتعلقة بالنشاط الجوي غير المعتاد بالمنطقة.
"البديل الصيني يقلق تل أبيب"
وفي السياق، قال تقرير لموقع "الدفاع العربي"، إن المناورات الجوية المشتركة بين مصر والصين تثير قلق تل أبيب، وتعتبرها "غطاء لتحركات استخباراتية بالغة التعقيد".
ولفت إلى أن التقارير الإسرائيلية أشارت إلى أن "طائرة الاستطلاع الصينية فائقة التطور قدّمت للقوات المسلحة المصرية صورا حية للانتشار الإسرائيلي على الحدود، مكّنت القاهرة من بناء تصور محدث ومتكامل للتحركات الإسرائيلية وطرق تنفيذها للمهام العملياتية في المناطق المتاخمة للحدود المصرية".
ونقل الموقع المتخصص في الشؤون العسكرية عن الخبير العسكري المصري اللواء محمد عبدالواحد، قوله إن "إسرائيل تتخوف من الوجود الصيني في مصر خاصة في ظل الحديث المتزايد عن صفقات مرتقبة بين القاهرة وبكين لشراء طائرات قتالية متطورة".
ومن آن إلى آخر، تسمح الولايات المتحدة للجيش المصري بصفقات سلاح، إلا أن تدخلات إسرائيلية تجري بشكل دائم للحفاظ على تفوق تسليح جيش الاحتلال، وهو ما تمثل بشكل لافت في تجميد صفقة حصول مصر على 20 مقاتلة شبح "إف-35" الأمريكية.
وفي مقابل قيام واشنطن بفرض قيود على الأسلحة المتقدمة وقطع الغيار والدعم الفني وتحديثات البرامج، وعدم تشغيل مقاتلات "F-16" دون الحصول على موافقة أمريكية لكل عملية إقلاع، ينوع الجيش المصري بشكل كبير في مصادر تسليحه.
وبين روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا هناك توجه مصري مؤخرا نحو الصين، التي باعت لمصر طائرات "جي–31" الشبحية، المنافس للطائرات الشبحية الأمريكية مثل "إف-35"، كما اشترت مصر مقاتلات "J-10C" الصينية العام الماضي.
وفي أحدث الأنباء في هذا الإطار يقوم الجيش المصري باختبار طائرة الإنذار المبكر الصينية (KJ-500) ضد أنظمة الرادار الإسرائيلية من نوع (AESA) بمحاذاة الحدود، بهدف تقييم مدى قدرتها على الكشف والتشويش والاعتراض الإلكتروني، وذلك قبل تقديم عرض لشرائها، لتعزيز قدرات مصر بمجال الحرب الإلكترونية والإنذار المبكر.
"خطوات وتوجهات حتمية"
وفي قراءته لدلالات تتابع وتوقيت إجراء الجيش المصري 3 مناورات عسكرية مع 3 جيوش قوية ومنافسة للجيش الأمريكي وهي روسيا والصين وتركيا، قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل: "من الواضح أن المنطقة بأكملها تحتاج إلى إعادة تنظيم وتوزيع لمراكز القوة، وهذا في إطار الصراعات المحتدمة حاليا في كل العالم".
رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، وفي حديثه لـ"عربي21" أضاف: "ربما من لا يستطيع التموضع بشكل صحيح خلال الفترة القادمة قد يخسر وجوده بأكلمه، أو على الأقل تتحول الدولة إلى منطقة موبوءة بالصراعات والفقر والجوع والفوضى".
ضابط الجيش المصري السابق، أوضح أنه "منذ ما يقرب من 50 عاما راهن النظام المصري على عدة مقدمات منها السلام مع الكيان الصهيوني، والانسحاب من النظام العربي والإقليمي، بل والمعاونة في تفكيكه، وأيضا العداء مع القوى الإقليمية، تركيا وإيران ومن بعيد باكستان".
ويرى أن "القضية ليست فقط قضية مجتمع إسلامي ولكن هذه القوى هي الامتداد الطبيعي للأمن القومي المصري، وحتى لو كانت هناك اختلافات بينها، فمن الضروري إقامة جسور وتحالفات أو تعاون على أقل تقدير حتى مع الاختلاف حفاظا على وحدة وتماسك المنطقة".
وكشف أن "هذا لم يحدث؛ وتحرك النظام المصري بكل أوراقه في اتجاه الغرب وأمريكا على وجه الخصوص"، معتقدا أن "هذه الخطوات الجديدة في الميل إقليميا ودوليا لتوجهات بعيدة نسبيا عن الخط الصهيوني الأمريكي كانت حتمية ولكن منذ زمن طويل".
ورغم ذلك يرى عادل أنها "الآن متأخرة للغاية بعد بداية المشروع الأمريكي الصهيوني لإعادة ترتيب المنطقة".
"هل تنجح؟"
وتساءل: "هل ستنجح تلك المحاولات المتأخرة في حماية مصر أو المجال الحيوي المحيط بها؟"، ليجيب بقوله: "هذا سؤال يصعب الإجابة عليه، ولكن يبقى صمود المقاومة الفلسطينية في غزة هو العامل الرئيسي في قدرة النظام المصري في الحفاظ على نفسه، وعلى الحد الأدنى من أمن البلاد".
وتابع: "لطالما قلنا أن دعم المقاومة في فلسطين ليس فقط بدافع العروبة أو الجوار أو الدين ولكنه وحدة المصير الحتمي".
وذهب للقول إن "النظام المصري إذا كان حقا يشعر بخطر وجودي فعليه ليس فقط تغيير سياسته الخارجية وتحالفاته وأولوياته؛ بل عليه تغيير سياساته الداخلية في التعامل مع الشعب، وسياسته في إدارة السلطة وحتمية مشاركة الجماهير بها، وفتح المجال العام حتى لو كان جزئيا".
ويرى أنه "لو كانت هذه الإجراءات تشير حقا إلى إحساس حقيقي بالخطر وليست مناورات، فهذا دليل على وجود البعض ممن يدرك خطورة الفترة المقبلة على مصر".
وختم مؤكدا أنه "عليه أن يكمل في اتجاه بناء ترميم المجتمع المصري المتداعي اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا؛ لأن المجتمعات المتداعية لا تصلح لصراع ولا قتال ولا نضال نحتاجه جميعا في السنوات القليلة القادمة".
"رسالة إلى واشنطن"
وفي رده على تساؤلات "عربي21"، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا: "في ظل الضغوط الأمريكية لتهجير أهل غزة، وطلب المرور مجانا في قناة السويس للسفن الأمريكية، يبدو أن النظام المصري يريد إرسال رسائل بأن لديه خيارات أخرى منها التقارب مع الصين".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "المناورات مع روسيا تتكرر سنويا باسم (حماة الصداقة)، منذ العام 2015 وليست جديدة، لكن المناورات الجوية مع الصين تحدث للمرة الأولى".
وبين أن "المناورات المصرية مع تركيا، بدأت تتزايد مؤخرا، لكنها لا تتجاوز في رأيي الأبعاد الثنائية للعلاقات بين البلدين".
ويرى مولانا، أن لهذه المناورات مع الصين وتركيا بشكل خاص علاقة بما يجري من تحريض إسرائيلي على تصاعد حضور الجيش المصري في سيناء، وأن بها رسالة واضحة لـ"إسرائيل"، لكنه أكد أنه ورغم ذلك فإن "إسرائيل متمادية في تغولها بالمنطقة".
ويعتقد الباحث المصري بوجود ضغوط أمريكية على مصر للمشاركة في عملياتها ضد جماعة الحوثي في اليمن، وأن القاهرة ترفض المشاركة، مبينا أن "واشنطن تضغط على القاهرة بما يلبي مصالحها"، ملمحا إلى أن الموقف لم يتعد الضغط ولم يصل لمرحلة الغضب الأمريكي من مصر، مؤكدا أن "الغضب الأمريكي كان سيتجلى في شكل آخر من التعامل".
"ليس لمواجهة إسرائيل"
وقال الخبير في الشؤون العسكرية العميد السابق بالجيش المصري عادل الشريف، إن مناورات الجيش المصري مع روسيا وتركيا والصين هي: "خطة إشغال بوجه عام وتنشيط للقوات وتجهيزها لمسرح عمليات بتخطيط أمريكي".
الشريف، وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن هذا التجهيز يأتي وفق "احتمال دفع الجيش المصري لحرب اليمن وإيران بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل".
ونفى "تصور احتمال القيام بأعمال عدائية عسكرية ضد أمريكا وإسرائيل"، واصفا إياه بأنه "تصور منحرف وليس خاطئا فقط".