"النفوذ الإيراني في القرن الإفريقي والبحر الأحمر" يرصد سياقات وتداعيات توغل طهران بشرق القارة
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
باتت منطقة القرن الأفريقي محط أنظار الكثيرين في الآونة الأخيرة، في ظل الأحداث التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، واتصالها المباشر بشرق أفريقيا التي تطل على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لذا كانت المنطقة هدفا لعدد من القوى الإقليمية والدولية لبسط نفوذها هناك وتوطيد علاقتها مع دول القرن الأفريقي.
وفي هذا السياق، أصدرت الدكتورة نجلاء مرعى أستاذ مساعد العلوم السياسية وخبيرة الشئون الإفريقية، كتاب "النفوذ الإيراني في القرن الإفريقي والبحر الأحمر: السياقات والتداعيات"، عن دار العربى للنشر والتوزيع.
ويهدف الكتاب ليس فقط لمعالجة مظاهر وحجم النفوذ الإيراني الناعم في دول شرق إفريقيا والبحر الأحمر، مع استشراف آفاق هذا النفوذ في ظل وصول الرئيس مسعود بيزشكيان في 6 يوليو 2024 بعد رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي في 20 مايو 2024.
وأبدت إيران اهتمامًا كبيرًا بمنطقة شرق إفريقيا، لا سيما القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وتحديدًا بعد وصول الرئيس أحمدي نجاد إلى سدة الحكم في عام 2005.
وتهدف من ذلك التوجه إلى تحقيق العديد من الأهداف المتداخلة والمتشابكة، مستخدما في ذلك الآليات المتكاملة لتحقيق هذه الأهداف، وفي مقدمتها ما يسمى بـ"القوة الناعمة"، في محاولة لامتلاك أوراق جديدة لكسب المزيد من التأييد الدولي لمواقفها، لاسيما أحقيتها في امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، وإرسال رسالة إلى الدوائر الغربية تحديدًا، مفادها أن لديها القدرة على الانفتاح لتغيير الصورة النمطية عنها، والتي تصفها دائما بالتشدد.
وقد أضحت منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر ساحة كبيرة للتنافس بين إيران والقوى الإقليمية، لا سيما إسرائيل وتركيا، وهو ما دفع العديد من المراقبين والخبراء إلى الجزم بأن البحر الأحمر مرشح في المرحلة المقبلة ليكون حلبة جديدة لمواجهات مسلحة إقليمية دولية، على خلفية الحراك الإيراني غير المسبوق لفتح جبهات جديدة في القرن الإفريقي، بدعم الجماعات الأصولية المتطرفة في الصومال، وعبر دعمها للحوثيين في اليمن، وشن هجمات باتجاه إسرائيل واستهداف السفن التجارية والعسكرية منذ أكتوبر 2023 ردًا على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي الخليجي خاصة والعربي عامة.
ويشكل التنافس بين القوى الإقليمية تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وربما تزداد – في تقديري - وتيرتها في المستقبل المنظور وأبرزها، ارتفاع مستوى التهديدات الأمنية في بيئة البحر الأحمر، والتي تبلورت في ثلاث ظواهر، هي: العسكرة، وتصاعد هجمات الحوثيين، والقرصنة البحرية؛ خاصة في ظل الحرب الإسرائيلية في غزة منذ أكتوبر 2023، فضلا عن تراجع تدفقات التجارة البحرية وتأثيرها على اقتصادات دول شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، وتهديد حركة المساعدات الإنسانية تجاه دول شرق إفريقيا والقرن الإفريقي عبر ميناء السودان، والتأثير في الحسابات الاستراتيجية للمصالح الإقليمية والعالمية في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
لذا، يهدف الكتاب ليس فقط لمعالجة مظاهر وحجم النفوذ الإيراني الناعم في دول شرق إفريقيا والبحر الأحمر، مع استشراف آفاق هذا النفوذ في ظل وصول الرئيس مسعود بيزشكيان في 6 يوليو 2024 بعد رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي في 20 مايو 2024، فضلا عن أبراز التوجه العربي والخليجي بقيادة مصر والسعودية بالاهتمام بمنظومة الأمن في البحر الأحمر، لما تمثله من أهمية استراتيجية للأمن القومي العربي، بل أيضا لرصد وتحليل تداعيات التهديدات والتنافس الإقليمي على الأمن الجيوسياسي للقرن الإفريقي والبحر الأحمر.
الدكتورة نجلاء مرعى، هى أستاذ مساعد العلوم السياسية وخبيرة الشئون الإفريقية، صدر لها العديد من الكتب والتقارير الإستراتيجية السنوية والدراسات والمقالات المنشورة، أبرزها، كتاب "سَدّ النهضة الإثيوبي".. الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل، وكتاب العلاقات الأمريكية السودانية: النفط والتكالب الأمريكي علي السودان، وكتاب النفط والدماء: الإستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا "السودان نموذجا".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: منطقة القرن الأفريقي شرق افريقيا النفوذ الإيراني القرن الإفریقی والبحر الأحمر النفوذ الإیرانی دول شرق إفریقیا البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
الفينيقيون ومستعمراتهم: من شمال إفريقيا إلى إيطاليا وإسبانيا (3-4)
د. هيثم مزاحم **
طرح المؤرخون السؤال عن طبيعة المراكز الفينيقية المتناثرة في جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط. وجد المتخصصون العديد من النصوص في المحفوظات المصرية وبلاد ما بين النهرين التي تتكلم عن البحارة الفينيقيين ونجد كذلك أدلة العهد القديم إذ وصف النبي حزقيال برسومه ثروات مدينة صور.
استطاع علماء الأثار العثور في حفرياتهم على ملامح متعددة عن الوجود الفينيقي وحضارتهم، من بينها القطع النقدية والنقوش التي تمثل غالبًا القوارب والسفن، والفخار والسيراميك التي تم استخدامها لنقل الأطعمة والمواد الغذائية، وبعض المجوهرات والقطع الفنية والحرفية.
انقسم المؤرخون بشأن حاجة الفينيقيين للاستكشاف والتجارة البحرية والتوسع. عزا البعض ذلك إلى صغر مساحة أراضيهم في لبنان وسوريا فيما رده البعض الآخر إلى المواقع الاستراتيجية للمدن الفينيقية(جبيل، صيدا، بيروت، صور، أرواد، صرفة، ...) وميل سكانها للتجارة والإبحار في البحر الأبيض المتوسط بحثًا عن مناجم الفضة والقصدير والنحاس.
وقد وصلت رحلات الفينقيين ومستوطناتهم إلى قبرص واليونان وسشمال إفريقيا حيث بنوا دولة قرطاج وإلى صقلية وجنوب إيطاليا وإلى الجزيرة الأيبيرية، إسبانيا اليوم.
وقد كتب المؤرخ ديودورس الصقلي يقول: "إن بلاد الأيبيريين تحتوي الأكثر عددًا من أجمل مناجم الفضة التي نعرفها. السكان المحليون كانوا يجهلون استخدامها، فعندما وصل الفينيقيون إليها للتجارة، بادلوا الكثير من الفضة الخام في مقابل كمية صغيرة من البضائع. من ثم نقلها الفينيقيون إلى اليونان وآسيا والى غيرهم من الشعوب، وباعوها واكتسبوا ثروات كبيرة".
لقد عمل الفينيقيون على إنشاء شبكة من الأسواق لبيع وتبادل سلعهم في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط. إذ أسسوا مراكز تجارية عديدة وتقع على مسافات صغيرة من بعضها البعض لتسهيل عمليات التوقف بين الرحلات والتموين وشحن اللوازم والإمدادات. وكانوا دائمًا يبحثون عن أسواق جديدة، وكانوا وسطاء العالم القديم في نقل السلع بين دول وأخرى.
هذه المغامرات البحرية كانت تتطلب الشجاعة والدوافع الاقتصادية والسياسية، وكذك المعرفة التقنية العميقة والخبرة الواسعة في حقل الملاحة، من الاستخدام الجيد للجزر، والاستفادة من التيارات البحرية والعوامل الطبيعية، إلى استعمال القوارب والسفن المتينة وسهلة القيادة.
ومن المعروف إن قدموس تتبع هذه الطريق، عندما ابحر إلى اليونان بحثا عن أخته الأميرة أوروبا التي اختطفها زيوس.
بدأت رحلات الفينيقيين أولًا باتجاه جزيرة قبرص القريبة وجزر اليونان ثم أضحت رحلاتهم أطول. واستعمل الفينيقيون علم الفلك لتوجيه سفنهم بالاستناد على مواقع النجوم، وخاصة مراقبة كوكب الدب الأصغر والنجمة القطبية، المعروفة في العالم القديم تحت اسم النجمة الفينيقية. وكان على هؤلاء البحارة التوقف بانتظام، من اجل الإمدادات الغذائية وبالتالي انتشرت المراكز والمرافئ الفينيقية في جميع مناطق البحر الأبيض المتوسط وصولًا إلى ما بعد مضيق جبل طارق الحالي، أي إلى القارة الأوروبية.
وقد اشتهر الفينيقيون بالقوارب الشراعية وسفن النقل التجارية، والسفن الحربية، وتعد سفينة القادس ذات "الخمسين مجدافًا" أقدم وأبسط السفن الحربية الفينيقية. بلغ طولها نحو 25 مترًا، وعلى متنها طاقم من 50 مجدفًا (متوزعين بالتساوي على كلا الجانبين)، إضافة إلى القائد، والسائق وباقي البحارة الذين يهتمون بالأشرعة وعددهم لم يتجاوز العشرة. أما السفينة الفينيقية الأكثر شهرة فكانت "الثلاثية المجاديف"، سيدة البحر المتوسط بلا منازع بين القرنين السابع والثامن قبل الميلاد، إذ كانت مجهزة بثلاثة صفوف من المجاديف ويمكن أن تستوعب طاقمًا من 180 رجلًا. تطورت هذه السفن الحربية مع مدينة قرطاج وأحواضها الحديثة، لتصبح "رباعية أو خمسية المجاديف". كان عدد طواقمها يصل إلى 300 بحار، وتراوحت سرعتها القصوى بين 5 و6 عقدة بحرية من خلال الاستخدام المتزامن للأشرعة والتجديف وذلك على مسافات قصيرة.
وتوصل علماء الأثار إلى معلومات عن الحياة اليومية عند الفينيقيين بفضل بقايا الفخاريات التي وجدت في بعض المساكن، وبفضل الأواني المتوفرة في المدافن. كما أدت هذه الاكتشافات إلى معرفة بعض تقاليد الفينيقيين وخاصة الطقوس الجنائزية وأنواع تجارتهم والحرف اليدوية التي مارسوها.
كانت رسومات الفينيقيين على جميع أنواع الجرار الفخارية متشابهة وجرى تزينها بطرق مختلفة سواء بطلاء أحمر أو أسود أو أبيض.
وتألف الفخار الفينيقي من أشكال مفتوحة: أكواب وفناجين، أطباق، أواني، كانت تستخدم خصيصًا للمطبخ والطعام، ومن أشكال مغلقة: جرار، وأباريق وكان الغرض منها نقل الحبوب، وزيت الزيتون، والنبيذ. والزجاجات الصغيرة للعطور والمراهم، ومصابيح الزيت.
يقول الباحث الفرنسي فنتار، في كتابه "الفينيقيون والبحر الأبيض المتوسط": "إن الفينيقيين قد استفادوا من الآثار الناجمة عن الغزو الرهيب من قبل شعوب البحر حوالي 1200 ق. م وسقوط السلطة السياسية البحرية الميسينية، حيث كان البحر الأبيض المتوسط مهجورًا. فاستغل الفينيقيون الظرف، أولئك الذين كان لديهم بحرية مميزة من خلال التقدم التقني في مجال الملاحة،.. وبعد فترة طويلة من الملاحة الساحلية، شعرت البحرية الفينيقية بقدرتها على مواجهة أعالي البحار".
أكدت الاكتشافات والدراسات التاريخية الجديدة في العديد من المراكز الأثرية الفينيقية، أقدمية التوسع والوجود الفينيقيين. وكان الغرض عند الفينيقيين اكتشاف الأراضي الجديدة والحصول على المواد الأولية لتعزيز منتجاتهم وتجارتهم. كانت هذه المراكز تقتصر على مرافق صغيرة حيث كان بإمكانهم التزود بالوقود والمؤن والمياه قبل متابعة رحلاتهم. وعلى عكس الإغريق الذين استقروا في المستعمرات، استخدم الفينيقيون هذه النقاط كمراحل خلال رحلاتهم، ولأجل تسهيل المبادلات مع السكان في المناطق المجاورة.
أول توقف حقيقي خارج الشاطئ الفينيقي حصل في جزيرة قبرص وتشير الحفريات إلى أن الوجود الفينيقي فيها يعود إلى ما لا يقل عن القرن التاسع قبل الميلاد. بعد قبرص، أبحر الفينيقيون إلى جزر بحر إيجة. يذكر الشاعر اليوناني هوميروس هذه المراكز والمرافق التجارية التي أسسها الفينيقيون. كما تتواجد بعض آثار في بعض الجزر اليونانية ويعود تاريخها إلى فجر الألفية الأولى قبل الميلاد.
وتؤكد الدراسات والحفريات أن الفينيقيين قد نقلوا أبجديتهم إلى الإغريق الذين استخدموها وعدلوها لخلق لغتهم الخاصة ونشرها.
ووصلت المرافق الفينيقية إلى ميناء تانيس، عاصمة الفراعنة الجديدة، وذلك قبل بداية الألفية الأولى. كما أن المؤرخ اليوناني هيرودوت تحدث عن وجود "معسكر" لأهالي مدينة صور ومعبد لعشتروت في ممفيس، المدينة الفرعونية القديمة.
كما أنشأ الفينيقيون مراكز تجارية ومدنًا عدة على ساحل شمال أفريقيا. في ليبيا، توجد قرب العاصمة طرابلس مقابر فينيقية تعود إلى القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد. وفي تونس، كانت مدينة قرطاج، المنافسة للإمبراطورية الرومانية، من أكبر وأقوى المدن في العالم القديم، وغيرها من المدن كمدينة لمطة، ومدينة هدروماتوم (سوسة الحالية)، وأكولا ، وهيبوأكرا (بنزرت الحالية). وفي الجزائر، كانت إكوزيوم (العاصمة الجزائر الحالية)، وإيول (شرشال الحالية)، ومدينتا الأندلسيات وسيرتا، مدنًا فينيقية. في المغرب، كان للفينيقيين مدن مثل راسدير (مليلية الحالية)، ومدينة ليكسوس على ساحل المحيط الأطلسي، ومدينة سالا وموكادور (أغادير).
كما أسس الفينيقيون في مالطا مدنًا مثل تاس سيلج وربات ومدينا، وفي صقلية، مدنًا على غرار موتيا وسولوس وباليرمو، وفي سردينيا، مدنًا مثل كالياري، وتاروس، ونور. ووصل الفينيقيون إلى إسبانيا، بلاد المعادن الثمينة (الذهب والفضة) حيث بنوا قادس وإيبيزا. ووصلت السفن الفينيقية مضيق جبل طارق لترسو في الجزر البريطانية في بريتاني وكورنوال بحثًا عن مناجم القصدير.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان
رابط مختصر