كيف تبدو الحياة في أحد أكثر الأماكن النائية على وجه الأرض؟
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في أعماق الدائرة القطبية الشمالية، بين الأنهار الجليدية العملاقة وتحت كتل الجليد، وجدت المصورة وصانعة المحتوى السويدية سيسيليا بلومدال دفئًا غير عادي.
ويُعد أرخبيل سفالبارد النرويجي، الواقع في منتصف الطريق بين الساحل الشمالي للنرويج والقطب الشمالي، بمثابة موقع للمستوطنات الدائمة في أقصى شمال العالم.
وتعيش بلومدال في أكبر مدن سفالبارد، أي مدينة لونغييربين، وهي واحدة من بين 2،500 شخص تقريبا يعيشون في المنطقة.
هنا، تتناقض الكبائن الملونة مع خلفيات الغطاء الجليدي الهائل وتضيء السماء بالظواهر السماوية ذات الألوان النابضة بالحياة.
وانتقلت بلومدال إلى سفالبارد في عام 2015، وتوثق حياتها الفريدة لملايين المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي. وتستعرض جمال المكان الذي تعيش فيه، المتلألئ بظلال من اللون الأزرق، في كتاب صور جديد بعنوان "الحياة في سفالبارد".
وقالت بلومدال، التي تركت العمل بمجال الضيافة لتصبح صانعة محتوى، لـ CNN: "عندما تعيش هنا، فإنك تنغمس حقًا في الطبيعة الهادئة والمسالمة، وكل يوم تكون أقرب إلى الطبيعة؛ إنه أمر ساحر".
تحديات الحياة الجميلةورغم جمالها الطبيعي، فإن سفالبارد تُعد أكثر من مجرد مكان جميل. فمواردها الغنية، مثل الأسماك، والغاز، والرواسب المعدنية، جعلتها محط نزاع اقتصادي ودبلوماسي في الماضي، وهي الآن بمثابة مركز عالمي مزدهر للأنشطة الاقتصادية والبحث العلمي.
أما بالنسبة لأولئك الذين يأتون لقضاء بعض الوقت، فإنها وجهة سياحية ضمن قائمة أمنيات السفر.
لكن الحياة في سفالبارد ليست سهلة، إذ تنخفض درجات الحرارة أحيانًا إلى 34.4- درجة مئوية، وتتواجد الدببة والثعالب القطبية في جميع الأمكنة.
وأوضحت بلومدال: "يبدو كل يوم وكأنه مغامرة. قد يكون يومًا مجنونًا أو جامحًا أو مجرد يوم عادي، ولكن اليوم العادي هنا مختلف تمامًا؛ مثل شرب القهوة خلال مشاهدة أضواء الشفق القطبي، أو شمس منتصف الليل".
ويتشارك أفراد مجتمع سفالبارد الإحساس ذاته، حيث أن الظروف القاسية، رغم سحرها، تعني أن الناس لا يبقون في المنطقة عن طريق الصدفة. ويقيم هناك أشخاص من حوالي 50 دولة، يعملون في مجالات مثل البحث العلمي، والسياحة الموسمية.
ولكن ما الذي يدفع المرء إلى البحث عن منزل في مثل هذه الزاوية النائية من العالم؟ وفقاً لخبراء علم السلوك، فإن العديد من الأشخاص الذين يسعون إلى ظروف قاسية قد يكون لديهم رغبة في تحدي حدود قدراتهم البدنية والنفسية، أو الهروب من المشاكل الشخصية أو ملل الروتين اليومي، أو ببساطة بهدف الإثارة فقط.
وأوضحت بلومدال أن لمحة من المناظر الطبيعية التي لا مثيل لها في سفالبارد كانت كل ما تحتاجه للتخلي عن طموحاتها المؤسسية في إنجلترا والسويد، واختيار ما تصفه في كتابها بأنه "حياة مرتبطة بالطبيعة ذات وتيرة أبطأ".
وقالت بلومدال: "كل شيء هنا نقي وجميل للغاية، لدرجة أنك تعتقد أنه نوع من السحر لأنه غير واقعي تماما".
وعبر حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي، تعرض بلومدال للمشاهدين كيفية تأثير بيئة سفالبارد على حياتها اليومية. وعلى سبيل المثال، ليس من الضروري حمل معدات حماية من الدببة القطبية عند السفر خارج المستوطنات المخصصة فحسب، بل إنه مطلب قانوني.
وفي إحدى الصور المذهلة في كتابها، تظهر وهي تحمل سلاحًا ناريًا على ظهرها بينما تقف برفقة كلبها بعيدًا عن المستوطنات. حتى أن بلومدال، التي صورت جميع الصور بنفسها، تمكنت من التقاط صورة لدب قطبي بالقرب من منزلها، وقد التقطتها من مسافة لأسباب تتعلق بالسلامة.
ويتميز العام في سفالبارد بفترتين غير عاديتين من الضوء، هما الليل القطبي وشمس منتصف الليل. ويمتد الليل القطبي من منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني حتى نهاية يناير /كانون الثاني، عندما لا تشرق الشمس فوق الأفق.
أما شمس منتصف الليل، التي تستمر حوالي 18 أسبوعًا بين أبريل/ نيسان وأغسطس/ آب، فهي ظاهرة لا تغرب فيها الشمس تحت الأفق. ويمكن أن تؤثر هذه الفترات من الضوء المستمر والظلام الذي يستمر طوال النهار على الجسم والعقل.
ومع ذلك، بالنسبة إلى بلومدال فإن الليل القطبي يُعد "أحد أفضل أوقات العام"، حيث يمكنها "أن تتوحّد مع الظلام"، مشيرة إلى أنها تستمتع بالهدوء خلال تلك الفترة، مؤكدة في الوقت ذاته على أهمية الحفاظ على نظرة إيجابية والبقاء في حالة نشاط خلال ما قد يكون موسمًا خاملًا.
أما بالنسبة للحياة اليومية، فإن سفالبارد مجهزة بشكل كافٍ بسبل العيش اللازمة لإعالة سكانها. وتضم لونغييربين معظم ما تقدمه غالبية المدن في البر الرئيسي، بما في ذلك مطار، ومستشفى، ومؤسسات تعليمية والمزيد. ومع ذلك، نظرًا للعمل القائم على المهمة الذي يميز الكثير من اقتصاد سفالبارد، ناهيك عن البيئة القاسية، فإن متوسط الإقامة في سفالبارد لا يتجاوز 7 سنوات، وفقًا لإحصاءات النرويج.
ورأت بلومدال، أن تفكيرها الإيجابي وحبها لسفالبارد يصرفانها عن التفكير في عدم اليقين أو القلق، حيث تركز فقط على إنشاء محتوى تعليمي عن حياتها الممتعة في مكان مميز.
النرويجصورنشر الثلاثاء، 05 نوفمبر / تشرين الثاني 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: صور
إقرأ أيضاً:
سوريا بين شبح العقوبات وترتات إعادة التموضع الإقليمي
في أروقة الأمم المتحدة وعلى مقاعد مجلس الأمن، تتشكل ملامح مرحلة جديدة في الملف السوري، لكنها لا تخلو من التعقيد والغموض. بين مطالب أميركية صارمة بقطع طريق الإرهاب، وإبعاد النفوذ الإيراني، والتخلي عن أي دور للفصائل الفلسطينية، تقف دمشق عند مفترق طرق تاريخي، تحاول من خلاله التخفيف من العقوبات الخانقة وتلميع صورة الدولة الجديدة أمام المجتمع الدولي.
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، بلغة دبلوماسية ناعمة، أعاد التأكيد أن العقوبات لا تطال النظام فحسب، بل تساهم في تفشي اقتصاد الظل وتغذية الشبكات غير الشرعية، بينما تحرم البلاد من فرص التعافي الاقتصادي والعدالة الانتقالية.
في المقابل، لم تغفل الإدارة الأميركية عن طرح شروط تبدو، في بعض جوانبها، تعجيزية، مما يوحي بأن واشنطن لا تبحث فقط عن تغيير في السلوك، بل عن تغيير في البنية السياسية العميقة.
في الخلفية، تتسارع تحركات إقليمية غامضة. فقد شهدت دمشق، لأول مرة منذ عقود، زيارات حاخامات من أصول سورية إلى مسقط رأس أجدادهم، وسط ترحيب إعلامي إسرائيلي لافت. بالتوازي، جرت زيارات نادرة لشيوخ دروز إلى الأراضي المحتلة، في خطوات تبدو كمحاولات متقدمة لاختراق الحواجز النفسية بين مكونات الجغرافيا السورية وإسرائيل، استعدادًا لاحتمالات جديدة للتموضع السياسي.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتتوالى الأنباء عن جهود تقودها الرياض والدوحة لإنهاء ملف الديون السيادية السورية المتعثرة، مما يمهد الطريق لتحريك ملف إعادة الإعمار الذي ظل حتى الآن رهينة للصراعات الدولية والإقليمية. ومن المتوقع أن تسدد السعودية جزءًا من متأخرات سوريا لدى البنك الدولي، في خطوة قد تفتح الباب أمام تدفق منح وقروض بمئات الملايين لإصلاح قطاعي الكهرباء والبنية التحتية.
وفي كواليس هذه الترتيبات، تجري اتصالات سرية مع الجانب الروسي، الذي بدا أكثر انفتاحًا على تخفيف الحضور العسكري المباشر، مقابل ضمان مصالحه الاقتصادية والأمنية عبر صيغ جديدة للشراكة مع السلطة السورية ومؤسسات دولية، في مشهد يُراد له أن يعيد رسم خريطة النفوذ بطريقة أكثر مرونة وأقل صدامًا مع الغرب.
تبدو سوريا اليوم ساحة اختبار كبيرة: هل تنجح القيادة الجديدة في تجاوز إرث الماضي، والالتفاف على شروط الغرب الثقيلة؟ أم أن شبكة المصالح الإقليمية والدولية ستعيد إنتاج أزمات قديمة بثوب جديد؟
في كل الأحوال، لم يعد المشهد السوري شأنًا داخليًا خالصًا، بل أصبح قطعة شطرنج تتحرك فيها أيادٍ كثيرة في الخفاء، بانتظار اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن قواعد اللعبة المقبلة.
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب صحفي وباحث في الشؤون السياسية والجيوسياسية
البريد الإلكتروني: [email protected]