سودانايل:
2025-03-18@13:32:36 GMT

برعي محمد دفع الله (1-3): الألمعية والأناقة..!

تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT

مجموعة طيبة من الأحباب السودانيين غصّت بهم إحدى القاعات الفسيحة بالنادي الثقافي العربي بمدينة الشارقة...تقاطرت في هذه الأيام الحزينة للاحتفاء بالوطن من خلال أحد رموز إبداعه؛ ولتوقد شمعة في مشكاة لطيفة رمزاً لهوياته المتنوعة..حتى ترسل إشارة تذكير وتنبيه لمن يحاولون التقليل من شأن بلادنا الحبيبة ..تفاؤلاً بأيام قادمات سوف تشرق على السودان بالعافية.

.حيث أن الانحياز للحياة والتفاؤل من لوازم (الحصانة النفسية والوجدانية)..ومن صميم الهدي الرباني والشعائر الإنسانية..!
كانت وجهة الملتقى التذاكر والاحتفاء بمشروع الموسيقار الكبير (برعي محمد دفع الله) وسيرته العامرة في دنيا الثقافة والفنون والموسيقى والإبداع..!
برعي يخدعك منه هدوئه العجيب..ونشأته الحضرية وسماته المدينية و(هندام الأفندية) وكأنك تستبعد عنه أن يكون غوّاصاً في الأنغام الشعبية التي تذخر بها التربة السودانية..تلك الأنغام والألحان التي تتجمّع وتتكاثف مثل السحائب الحبلى من لدن الحضارات القديمة.. ثم عبر الممالك والفدراليات والسلطنات وأزمنة سنار والعهد التركي والحكم الثنائي.. بكل محمولات الأهازيج الدينية والتعبيرات الصوفية والإيقاعات الفولكلورية..من دارفور وأقصى الشمال..ومن كردفان والوسط والجنوب والشرق والنيل الأزرق والفونج والانقسنا والوطاويط..ومهاد الوازا والبالمبو والنقارة وأم كيكي...ثم التجديدات العصرية..وإلى التراث النغمي في الإقليم ودول الساحل وبحيرة تشاد والغرب الإفريقي والشمال العربي والمشرق الأوسطي والتراث الموسيقى العالمي..!
**
"التم تم" كان أيضاً حلقة من الحلقات التي تشتمل عليها فنون الغناء والموسيقي والإيقاعات في السودان..وبرعي كان من العارفين بهذا الميراث ومن المجتهدين ذوي الدأب في تطويره وتقنينه عبر منجزاته الموسيقية المتعددة والمتنوّعة..وهو إيقاع تنوعّت فيه الاجتهادات النظرية والعملية من لدن "تومات كوستي" وأشجان "الرديف" وأغاني المرحاكة والسباتة والنفرة والشكرة..إلى توقيعات الحصاد ورقصات الفرح و(فرقة البساتين)..!
وهناك حلقة لاحقة من "رابحة تم تم" وصويحباتها، كان من روّادها إسماعيل عبد المعين ثم فضل المولى زنقار وإبراهيم عبد الجليل قبل أن تنتهي هذه الحلقة الأخيرة إلى عبد العزيز محمد داوود فيكون منها العجب..!
**
كان "أبو داوود" يكن إعجابا كبيراً بفضل المولى زنقار.وفي أحد الحوارات ذكر احد أبناء عبد العزيز أن والده أخذ فكرة استخدام (الكبريتة) في ضبط الإيقاع من زنقار..! وحين وصلت هذه المعلومة إلى "محمود أبو العزائم" سأل أبو داوود في لقاء إذاعي قائلاً: (إنت الكبريته دي اخدتها من زنقار)؟! غلبت النكتة على أبوداوود فرد عليه (لا..أخدتها من الدكان)..!
ومن طرائف "رابحة تم تم" ما جاء في موقع لحقيبة الفن وموقع آخر باسم "وثائق سودانية" أن لرابحة أثر وتقدير عند الفنان الكبير والموسيقار التاج مصطفى..وأنها كانت شديدة الاعتداد بنفسها..فقد رفضت الانخراط في تسجيل الاسطوانات وقيل أنها قالت: أنا ما بسجل اسطوانة عشان أي واحد صعلوك يجي القهوة ويشنّق طاقيتو ويطلب شاي بي تعريفة ويقول (شغلوا لي رابحة)..!
**
الكلام عن برعي معناه الكلام عن الغناء والموسيقى في السودان؛ والمؤسسة الموسيقية الغنائية في السودان هي المؤسسة التي ظلت متماسكة ومُنتجة ومُزهرة ومزدهرة..مقارنة بجميع مؤسسات الدولة الأخرى بما في ذلك المؤسسة السياسية والمؤسسة الاقتصادية والمؤسسة العسكرية والمؤسسة التعليمية والمؤسسة العدلية..إلخ وجميعها ظل في حالة تراجع وانحلال أقرب إلى الانهيار...!
هناك حالة وصفتها بـ "مظلومية الموسيقى السودانية" وقد كان برعي من أكبر "مظاليم الهوى" حيث أن إبداعه وريادته وفي التلحين وفي الموسيقى البحتة - إذا جاز التعبير- كانت من السعة بحيث كانت لتضعه في مصاف الموسيقيين العظام على المستوى الإقليمي والعالمي..!
وعند المقارنة يتضح مدى الفارق (لصالح برعي) عند مقارنة إنتاجه كماً وكيفاً بدهاقنة الموسيقيين في المنطقة وعبر العالم...وقد أخذنا المثال الأقرب من مصر؛ التي عرفت الفنون الموسيقية المؤسسية منذ أيام الخديوي إسماعيل، وشهدت قاعات الأوبرا ومعاهد الموسيقى وتقديم الأوبريتات والأوبرات والكونشيرتات والباليهات والسيمفوني والموسيقى التصويرية والروائية...الخ
المبدعون المصريون في المجال الموسيقي يجدون الاهتمام الأوفر من الدولة التي تغدق عليهم العطاء وتتكفّل عنهم بمؤونة العيش بل تقترب بهم من حياه الرفاه، بجانب الصيت والمرتبة الاجتماعية..وكانت تنحت لهم التماثيل وتصك باسمهم الأوسمة..!
ومن هؤلاء على سبيل المثال (أبوبكر خيرت وأحمد الحفناوي ويوسف جريس وميشيل المصري وعمر خيرت ومحمد حسن الشجاعي وعبدالحليم ابو نويرة ومحمد عبدالوهاب).. ومنهم من أساطين التلحين مثل الموجي وكمال الطويل ومحمد القصبجي وبليغ حمدي ورياض السنباطي..إلخ
كم لهؤلاء من المقطوعات الموسيقية البحتة؟ وكم لهم من الألحان..؟! وكم لبرعي ولزميله وتلميذه بشير عباس..؟!
**
يُضاف إلى مظلومية برعي مظلومية مُجمل الموسيقيين السودانيين ملحنين ومؤدين وعازفين..!
ومن صور هذه المظلومية: انعدام الدعم من الدولة ومؤسساتها والتجاهل وغمط الحق الأدبي والمعنوي والحق في الاعتراف والاعتبار Recognition..ثم ضعف المكافأة المالية مقارنة باستحقاقات المُطربين، مع ضمور الاهتمام الإعلامي بالفن الموسيقي، والتجاهل في مجال النقد والتقويم والمتابعة والرصد..ثم غمط حقوق الملحنين حتى من (مجرد ذكر أسمائهم) في القنوات الإعلامية مقرونة باسم الشاعر والمُطرب المؤدي حتى ولو تذيّلت الترتيب..!
وبالنسبة لبرعي وأضرابه في مجال الموسيقى البحتة هناك مظلومية أخرى داخل (المظلومية العامة)..! من شواهدها الظلم البيّن في وضع المقطوعات الموسيقية ضمن البرمجة العادلة في الأجهزة الإعلامية، والاهتمام المُسرف بالأداء الغنائي (على حسابها)..!
**
أمر محيّر..! كيف تسنّى للموسيقيين السودانيين عزف أي أغنية تعرض عليهم والقيام بأداء الإلحان بمصاحبة المُغني أو بدونه كما هي بالسماع والاستذكار ومن غير نوتة موسيقية أمامهم..؟
كيف يحفظون كوبليهات مئات بل آلاف الأغنيات بتنويعاتها المختلفة بل أن بعض الأغاني قد يكون بها نشاز يفارق القواعد اللحنية...بخروج مقصود عن الإيقاع يسمونه (سنكوب) وهو "خروج عن الدوم" كما يقولون..وكسر للرباط الإيقاعي اللحني والزمني ومفارقة الـ ((click بين "كروش" وآخر..؟!
ذلك في حين أن العازف هو الذي يسبق المُغني بمقدمة اللحن وببداية الكوبليهات والنقلات..!!..فأنظر إلى هذه الصعوبة المركّبة التي يواجهها الموسيقيون ..خاصة وأن كثير من الألحان الغنائية السودانية فيها الكثير من الانتقالات (العفوية التلقائية) التي تخالف السياق المنطقي التراتبي..؟ حكاية عجيبة..!!

مرتضى الغالي

murtadamore@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

بالفيديو.. محمد مختار جمعة: يوم بدر به دروس عظيمة ورمضان شهر النصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف السابق، إن شهر رمضان هو شهر النصر، فيه يوم بدر وفتح مكة ويوم العاشر من رمضان الذي سطر جيشنا المصري العظيم ملحمة عظيمة في الفداء والتضحية في سبيل الوطن والدفاع عنه واستعادة عزة وكرامة الأمة فيه.

وأضاف "مختار" خلال تقديمه لبرنامجه "الصراط المستقيم" على فضائية "تن"، أن القرآن الكريم علمنا أن من كان مع الله كان الله معه، مستشهدًا بقول الله تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، و: "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم".

وتابع، أن في يوم بدر دروسًا عظيمه أهمهما معية الله مع عبادة المؤمنين، مستشهدًا بقول الله تعالى: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون"، فهنا الله لم يقل قلة أو ضعفاء بل أنهم كانوا في غاية الضعف، والله نصركم.

وأردف، أن الله ألقى السكينة على عباده المؤمنين يوم بدر ليربط على قلوبهم ويثبت بهم الأقدام.

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. محمد مختار جمعة: يوم بدر به دروس عظيمة ورمضان شهر النصر
  • لقاء بين الجميّل وصدي ركّز على الاشكاليات التي تواجه قطاع الكهرباء
  • ما هي أشهر عبارات التهنئة بعيد الفطر التي يتبادلها الناس؟
  • الولايات المتحدة: الطبيبة التي تم ترحيلها إلى لبنان لديها صور للتعاطف مع حزب الله
  • رئيس الدولة يستقبل عدداً من العسكريين الإماراتيين الفائزين بمسابقة القرآن الكريم التي أقيمت في السعودية
  • لقطات لبعض الذخائر والأسلحة والحبوب المخدرة التي عثرت عليها قوات الجيش داخل أوكار ميليشيا حزب الله بقرية حوش السيد علي بريف القصير غرب حمص
  • محمد بن زايد يستقبل العسكريين الإماراتيين الفائزين بمسابقة القرآن الكريم التي أقيمت بالسعودية
  • رائد الموسيقى في مصر والعالم العربي.. ذكرى رحيل فنان الشعب سيد درويش
  • نائب رئيس مجلس السيادة يلتقي وفد منظمة الموسيقى من أجل السلام
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الوزارة تضع آليات لضمان استفادة الجيش من خبرات الضباط المنشقين بالشكل الأمثل وتعتبرهم جزءاً أصيلاً من المؤسسة العسكرية ومن الواجب تكريمهم وإعطاؤهم المكانة التي يستحقونها