في السنوات الأخيرة، أضحت المليشيات في السودان قوة اجتماعية وسياسية غير خاضعة لأي أطر قانونية تقليدية، بل تعتمد على وسائل مختلفة للاستقطاب والتجنيد، خاصة بين أوساط الشباب والنشطاء على منصات التواصل الاجتماعي. تسعى هذه المليشيات، عبر إغراءات مادية وتقديم عروض نفوذ أو حماية، إلى كسب دعم فئات من الشباب الذين لا يملكون رؤية سياسية واضحة ويعيشون حالة من الضياع في زمن مليء بالتقلبات والصراعات.


تحليل الظاهرة النفسية الانجراف وراء الأوهام
ظاهرة الانضمام إلى تيارات ومجموعات ذات أهداف مشبوهة على منصات التواصل الاجتماعي تعكس أزمة نفسية لدى البعض، حيث يبحث الشباب عن الانتماء لمجتمع أو مجموعة يشعرون فيها بالأمان والتقدير. ويعمد قادة هذه المليشيات إلى استغلال هذا التوجه، فيغذّون هؤلاء بمفاهيم مشوهة عن القوة والنفوذ، مما يعمق لديهم شعورًا بالقوة المزيفة والانتماء الوهمي.
الشخصية التي تنجرّ بسهولة إلى هذه الجماعات غالباً ما تكون مترددة وتفتقر إلى القيم الثابتة أو المبادئ الوطنية، فتبحث عن القوة أو التقدير من خلال الانضمام إلى مجموعة تقدم لها وهم الاستقرار والمكانة الاجتماعية. ويجد هؤلاء في حملات التضليل فرصة لتحقيق مكاسب، في حين أنهم غالباً ما يكونون ضحية لظروفهم النفسية والاجتماعية، كضعف الثقة بالنفس والحاجة إلى الاندماج.
التوظيف الدعائي للناشطين وشراء الولاءات
من أبرز الاستراتيجيات التي تتبناها المليشيات هي توظيف بعض الناشطين المعروفين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يمتلكون جمهوراً واسعاً وقدرة على التأثير. وتستخدم المليشيات هؤلاء لترويج أجنداتها وتوجيه الرسائل التي تناسب أهدافها، حتى لو كانت قائمة على التضليل والكذب. هؤلاء الناشطون غالباً ما يكونون على استعداد للترويج للأفكار التي تُغريهم شخصياً، مع تهميش كامل للأبعاد الوطنية أو القيم الأخلاقية، مما يجعلهم عرضةً للابتذال والانحراف الفكري.
التسويق للفوضى وشرعنة الانحطاط
في هذا السياق، نجد أن خطاب المليشيات على وسائل التواصل الاجتماعي لا يقتصر على إقناع الآخرين بأجندتها، بل يتعداه إلى خلق فوضى فكرية تهدف إلى زعزعة المجتمع وتشويش مفاهيم الشباب حول معنى الوطنية والأخلاق والقيم. يتم استقطاب شخصيات تعرف بترويجها لأفكار سطحية واتباعها للموجات العابرة؛ شخصيات غالبًا ما تكون مهووسة بإثارة الجدل وزرع الفتنة، مما يجعلها أدوات فعالة في يد المليشيات. هؤلاء الأشخاص يخلطون بين الجرأة في الطرح وترويج الأكاذيب، ويقومون بتسويق أفكارهم بمنتهى السطحية، مما يؤدي إلى تدمير المعايير الاجتماعية والقيم الوطنية.
التأثير السلبي على الشباب في زمن الحرب الرمادي
في سياق الحرب، يواجه الشباب السوداني تحديات غير مسبوقة. وبفعل الطبيعة المعقدة للصراع، أصبح من السهل التلاعب بهؤلاء الشباب من خلال رسائل دعائية تخدم المليشيات فقط، دون أن تعود بأي نفع على مستقبلهم أو مستقبل الوطن. هؤلاء الشباب يعانون من انعدام الرؤية المستقبلية الواضحة ومن عدم قدرتهم على التمييز بين الحقيقة والزيف. فالحرب غيّرت مفاهيمهم، ولم يعد لديهم القدرة على قراءة الأحداث بصورة موضوعية، بل صاروا أهدافاً سهلة للتلاعب العاطفي والعقلي.
التأثير على الوعي الجماعي: محاولة لصنع واقع مشوه
يحاول قادة المليشيات ومن يدعمهم فرض واقع يخدم أجنداتهم، بالتحكم بوعي الجماهير الشبابية، وجعلهم أدوات تروج لأفكار بعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن، مستغلين بذلك انعدام فرص العمل، وسوء الأوضاع المعيشية، وتدهور الوضع التعليمي. هذا الواقع المشوه يشكل خطراً على الوعي الجماعي، فالتأثيرات السلبية تتراكم، ما يعوق قدرة المجتمع على النهوض وإعادة بناء الدولة.
الحاجة إلى بناء الوعي وقيم المواطنة
إن استمرار هذا الاستقطاب لن يؤدي إلا إلى المزيد من التشوه في القيم المجتمعية، وتفاقم أزمة الهوية والانتماء لدى الأجيال الجديدة. إن تعزيز قيم المواطنة الواعية والتربية الأخلاقية التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار هي السبيل الوحيد لحماية الشباب من الانجرار وراء الأوهام التي تبنيها لهم المليشيات وأذرعها الإعلامية.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی

إقرأ أيضاً:

"فرق حرف".. مشروع طلابي لتعزيز الصحة النفسية ومواجهة "الفومو"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 أطلق طلاب السنة الرابعة بشعبة العلاقات العامة والإعلان في كلية الإعلام، جامعة القاهرة، حملة توعوية تحت عنوان "فرق حرف"، تهدف إلى الحد من التأثيرات النفسية والاجتماعية السلبية لظاهرة "الفومو" وتعزيز مفهوم "الجومو" كبديل صحي يعزز الرفاه النفسي.

يرمز مصطلح “فومو” (Fear of Missing Out) إلى القلق المستمر من تفويت الأحداث والتحديثات على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يدفع الأفراد، خاصة الشباب، إلى متابعة المحتوى الرقمي بشكل مفرط خوفًا من فقدان فرص أو تجارب يعيشها الآخرون. وعلى النقيض، يمثل “جومو” (Joy of Missing Out) مفهومًا مضادًا، يدعو إلى الاستمتاع باللحظة الحالية والابتعاد عن الضغوط الرقمية، مع تعزيز الشعور بالرضا دون السعي لمواكبة كل ما هو رائج.

وتأتي هذه الحملة استجابة لتزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية، حيث باتت أنماط الحياة السريعة والمقارنات المستمرة تساهم في ارتفاع مستويات القلق والتوتر، خاصة بين فئة الشباب والمراهقين.

تهدف “فرق حرف” إلى نشر الوعي حول مخاطر الفومو، وأسبابه، وآثاره السلبية، مع الترويج للجومو كخيار أكثر توازنًا للحياة الرقمية. كما تسعى إلى تشجيع عادات استهلاك رقمي أكثر وعيًا، عبر تقديم محتوى تفاعلي، وتنظيم مناقشات على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب الاستفادة من آراء خبراء علم النفس والاجتماع لتعزيز رسائل الحملة.

تستهدف الحملة الشباب المصريين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عامًا، كونهم الأكثر نشاطًا وتأثرًا بالاتجاهات الرقمية، وتحرص على تقديم محتوى بسيط وجذاب باللهجة العامية لضمان وصول الرسالة لأكبر شريحة ممكنة.

يتم تنفيذ المشروع تحت إشراف الدكتورة هدى صلاح، المدرس بكلية الإعلام، ويشارك فيه 19 طالبًا وطالبة، ويأمل الفريق في أن يسهم هذا الجهد في خلق نقاشات مجتمعية بناءة وإحداث تغيير إيجابي في ثقافة التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي.

مقالات مشابهة

  • بالصورة.. في حوار مع إحدى الصحف المصرية.. الممثلة السودانية المتألقة إسلام مبارك تكشف عن النجمة المصرية التي حببتها في التمثيل
  • إلتماس أقصى العقوبة للتكتوتر “موح الوشّام” لنشره الرذيلة والإلحاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي 
  • «منصات التواصل الاجتماعي ودورها في الطلاق المبكر».. لقاءً توعوياً بالشباب والرياضة بالغربية
  • بطل الإنسانية.. مشهد بطولي لرجل يهز مواقع التواصل الاجتماعي | ماذا حدث؟
  • الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تدعو لتنظيم منصات التواصل الاجتماعي بقانون جديد
  • «اشتري أسلحة بيضاء أونلاين».. الأمن يضبط نصاب مواقع التواصل الاجتماعي
  • عطب عالمي يضرب شبكة التواصل الاجتماعي X
  • "فرق حرف".. مشروع طلابي لتعزيز الصحة النفسية ومواجهة "الفومو"
  • وزارة الإعلام: ننوه إلى وسائل الإعلام العربية والغربية التعامل بدقة ومصداقية مع الأحداث الجارية وعدم الوقوع في فخاخ الشائعات التي يتم ضخها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متصاعد وممنهج
  • 972 انتهاكا في شهر واحد.. هجمة رقمية ضد المحتوى الفلسطيني