ليس لدي أدنى شك في أن الحرب الجارية في السودان الآن والتي اندلعت منتصف أبريل من العام الماضي ٢٠٢٣م ربما تستمر ، بكل اسف، لفترات طويلة أخرى رغم المآسي التى تسببت فيها من موت ونزوح ونهب للممتلكات العامة والخاصة والتدمير شبه الكامل للبنية التحتية.
ليس لدي شك كذلك في أن سبب الحرب يكمن في عدم قدرة الحركة الاسلامية التي حكمت ثلاثة عقود قبل اندلاع ثورة ديسمبر ٢٠١٨م، علي تقديم تنازلات تتعلق بالإصلاح من أجل شراء المستقبل بسبب ازمات بنيوية عديدة لازمت حركة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها في مصر قبل نحو مائة عام.
هذا المقال لا يهدف إلى مناقشة الاسباب الظاهرة للحرب بعاليه، فهي لا تحتاج إلى كبير عناء وتفكير ولكني وددت مناقشة الاسباب المستترة للحرب واستطالتها رغم الموت والدمار اليومي الذي يحدث. فقد اتضح أن الناس في السودان تسيطر عليهم عقلية القطيع بشكل شبه مطلق بدليل أن عشرات الالاف منهم يتحلقون حول اللايفاتية من أمثال " الإنصرافي " ، بل اكاد اجزم بانهم يتحلقون حول هذا الشخص اكثر منما يفعلون خلف الجنرال البرهان نفسه!. وهذا ما أعطى الفلول وقيادات الجيش إحساس زائف بالانتصار منعهم من المراجعة وافقدهم القدرة علي ادراك حجم المخاطر .
شيء طبيعى ان أي مجتمع إنساني يؤثر في افراده، بحيث ان هناك قيم وثقافة سائدة يلتزم الجميع بحدها الادني، ولكن الوصاية علي الأفراد في مجتمعاتنا كبيرة جدا ومهولة بحيث إنها تحدد للفرد خياراته وتشكل تجاربه وخبراته وجل إتجاهات نمو شخصيته، ويكون ذلك في العادة علي حساب التفكير المنطقي والعقل النقدي ما في ذلك شك. معظم الناس الذين يعيشون في شمال ووسط وربما شرق السودان يقبعون الآن داخل سجن معنوي كبير والخروج منه يعني الخيانة. فخيانة القطيع تعني خيانة الذات!.
السودان لم يتغير منذ الثورة المهدية حين سادت فيه روح القطيع وازعم إن المهدية لم تكن في الأساس ثورة تحررية بدليل انها كانت تسير في خطى ما عرف ب " الفتوحات الإسلامية الاولي" ، وما معارك توشكي في الشمال والقلابات وغيرها في الشرق سوى محاولات للانتقال من جهاد الدفاع عن الارض والعرض إلى جهاد الطلب، اي طلب الشهادة والموت في سبيل نشر الدعوة المهدية حتى تحقق بعد ذلك السعادة الابدية لأفراد المجتمع في جنات الله ورضوانه.
علي الرغم من دخول التعليم المدني إلى السودان قبل اكثر من مائة عام إلا إن عدد المتعلمين مازال قليلا كما ونوعا، وهو الأمر الذي أضعف مناعتنا تجاه عقلية القطيع والأضرار الضخمة الناجمة عن ذلك علي الوعي العام، مما جعلنا "مجتمع هوية" بإمتياز.
ومقابل مجتمع الهوية او المجموع Collectivism يأتي مجتمع الافراد individuality حيث تسود ثقافة الحقوق والديمقراطية وهي أساس المجتمع المدني الديمقراطي. مجتمع الهوية يتميز بوجوب طاعة الافراد المطلقة للمجتمع وسيادة التعصب والانغلاق وسطهم، بينما الفردية تميل إلي الانفتاح وبسط مساحات التسامح وهذا ما يميز ثقافة الحقوق ويفسر سر قوتها ومنعتها في الغرب حيث تتم احاطة الأفراد وحريتهم بسياج منيع من الحماية، ويتمتع الفرد باحترام خصوصيته وحقوقه ورد اي انتهاك عليها مما يساعد علي صيانة كرامة الانسان ومنع إهدار إنسانيته.
كانت المانيا وحتي عهد المفكر والفيلسوف ايمانويل كانط، كانت تسير حذرة في إتجاه مجتمع الفردانية والحقوق وذلك قبل ظهور هيجيل وماركس وغيرهم من فلاسفة " الهوية" ممن ساعد علي تهيئة المناخ والمزاج الشعبي لتقبل النازية ودعمها كما ساوضح لاحقا.
كان كانط قد أحدث ثورة فكرية حينما كتب ان المعرفة الإنسانية تتم وفقا لطبيعة العقل البشري وطبقا لشروطه وطريقة عمله، وقد أحدث ذلك ثورة في المعرفة بل أنه كان يعد بمثابة انقلاب في المفاهيم التي سادت آنذاك حول مدي قدرة الانسان علي المعرفة وكيفية حدوث المعرفة. وهي ثورة معرفية يقال عنها انها كانت لا تقل أهمية عن الانقلاب " الكوبرنكسي" وهو الخاص بإكتشاف كوبرنكس لدوران الارض حول الشمس وبأن الارض ليست مركزا لدوران الشمس والكواكب الاخري كما كان يبدو للناظر الي السماء. الانقلاب المعرفي الذى أسس له كانط يتلخص في حقيقة ان المعرفة تتم عن طريق حواسنا التي تنقل خصائص الموضوع المراد معرفته الى الدماغ، وأي شئ خارج نطاق الحواس الخمسة لا يمكن ادراكه. أي أنه لا يمكن ادراك " الشئ في نفسه" ومن ضمن ذلك لا يمكن تصور الله أو المطلق، لأن المعرفة تتم بواسطة العقل بينما الايمان موضوعه القلب والوجدان.
اواصل
talaat1706@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
تقنية جديدة للإنجاب قد تمثل ثورة في تكاثر البشر
يعمل العلماء على تطوير تقنية رائدة تعرف بـ "تكوين الأمشاج في المختبر" (IVG)، والتي تتيح إنتاج البويضات والحيوانات المنوية من خلايا الجلد أو الخلايا الجذعية.
وقد تشكل هذه التقنية نقلة نوعية في مجال الإنجاب، حيث تفتح المجال أمام الأفراد غير القادرين على الإنجاب طبيعيا، بما في ذلك الأزواج من الجنس نفسه، لإنجاب أطفال يحملون جيناتهم الوراثية دون الحاجة إلى متبرعين خارجيين.
ورغم أن الفكرة بدت قبل سنوات أشبه بالخيال العلمي، إلا أنها أصبحت اليوم محور أبحاث جادة، مع توقعات بإمكانية تطبيقها سريريا خلال العقد المقبل.
وأشارت هيئة تنظيم الخصوبة في المملكة المتحدة (HFEA) إلى أن التقنية قد تصبح قابلة للتنفيذ خلال السنوات العشر القادمة، رغم أن بعض التقديرات المتفائلة تتحدث عن تحقيقها في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام.
وتمكنت الأبحاث حتى الآن من إنتاج بويضات مختبرية في تجارب على الفئران، لكن لم يتم بعد إنتاج فئران سليمة باستخدام أمشاج من والدين ذكرين فقط. رغم ذلك، تعمل شركات أميركية مثل كونسبشن،وغاميتوعلى تسريع تطوير هذه التقنية، بفضل استثمارات ضخمة من وادي السيليكون.
ويعتقد العلماء أن هذه التقنية قد تساعد النساء اللواتي تجاوزن سن اليأس على استعادة القدرة على إنتاج البويضات، كما قد تتيح للرجال المصابين بالعقم إنجاب أطفال باستخدام خلايا أخرى من أجسادهم.
رغم التقدم السريع، لا تزال IVG تواجه عقبات علمية وقانونية وأخلاقية، إذ تحظر القوانين الحالية في المملكة المتحدة استخدام الأمشاج المختبرية في التخصيب البشري. ويحذر الخبراء من أن أي أخطاء في إعادة برمجة الخلايا قد تؤدي إلى طفرات جينية غير متوقعة تنتقل إلى الأجيال القادمة.
كما تثير التقنية مخاوف من إمكانية استخدامها في تحسين النسل، من خلال اختيار الأجنة بناء على صفات معينة مثل الذكاء أو الشكل الجسدي.
ويرى الخبراء أن هذه التقنية تعيد تعريف مفهوم الإنجاب، لكنهم يؤكدون ضرورة وضع إطار قانوني صارم لضمان استخدامها بشكل آمن وأخلاقي.