سودانايل:
2025-01-31@10:09:43 GMT

حرب السودان إلى أين؟ (١)

تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT

ليس لدي أدنى شك في أن الحرب الجارية في السودان الآن والتي اندلعت منتصف أبريل من العام الماضي ٢٠٢٣م ربما تستمر ، بكل اسف، لفترات طويلة أخرى رغم المآسي التى تسببت فيها من موت ونزوح ونهب للممتلكات العامة والخاصة والتدمير شبه الكامل للبنية التحتية.
ليس لدي شك كذلك في أن سبب الحرب يكمن في عدم قدرة الحركة الاسلامية التي حكمت ثلاثة عقود قبل اندلاع ثورة ديسمبر ٢٠١٨م، علي تقديم تنازلات تتعلق بالإصلاح من أجل شراء المستقبل بسبب ازمات بنيوية عديدة لازمت حركة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها في مصر قبل نحو مائة عام.

السبب الثاني يرتبط باسترتيجية حرب الوكالة التي إعتمدتها الانقاذ وظلت تتبعها لسحق حركات المعارضة المسلحة في الاطراف وقد سارت في ذلك الاتجاه كثيرا خاصة في دارفور لدرجة أفقدت الجيش ميزة السيطرة واحتكار القوة وفشله في الحفاظ علي الامن والنظام الإجتماعي.
هذا المقال لا يهدف إلى مناقشة الاسباب الظاهرة للحرب بعاليه، فهي لا تحتاج إلى كبير عناء وتفكير ولكني وددت مناقشة الاسباب المستترة للحرب واستطالتها رغم الموت والدمار اليومي الذي يحدث. فقد اتضح أن الناس في السودان تسيطر عليهم عقلية القطيع بشكل شبه مطلق بدليل أن عشرات الالاف منهم يتحلقون حول اللايفاتية من أمثال " الإنصرافي " ، بل اكاد اجزم بانهم يتحلقون حول هذا الشخص اكثر منما يفعلون خلف الجنرال البرهان نفسه!. وهذا ما أعطى الفلول وقيادات الجيش إحساس زائف بالانتصار منعهم من المراجعة وافقدهم القدرة علي ادراك حجم المخاطر .
شيء طبيعى ان أي مجتمع إنساني يؤثر في افراده، بحيث ان هناك قيم وثقافة سائدة يلتزم الجميع بحدها الادني، ولكن الوصاية علي الأفراد في مجتمعاتنا كبيرة جدا ومهولة بحيث إنها تحدد للفرد خياراته وتشكل تجاربه وخبراته وجل إتجاهات نمو شخصيته، ويكون ذلك في العادة علي حساب التفكير المنطقي والعقل النقدي ما في ذلك شك. معظم الناس الذين يعيشون في شمال ووسط وربما شرق السودان يقبعون الآن داخل سجن معنوي كبير والخروج منه يعني الخيانة. فخيانة القطيع تعني خيانة الذات!.
السودان لم يتغير منذ الثورة المهدية حين سادت فيه روح القطيع وازعم إن المهدية لم تكن في الأساس ثورة تحررية بدليل انها كانت تسير في خطى ما عرف ب " الفتوحات الإسلامية الاولي" ، وما معارك توشكي في الشمال والقلابات وغيرها في الشرق سوى محاولات للانتقال من جهاد الدفاع عن الارض والعرض إلى جهاد الطلب، اي طلب الشهادة والموت في سبيل نشر الدعوة المهدية حتى تحقق بعد ذلك السعادة الابدية لأفراد المجتمع في جنات الله ورضوانه.
علي الرغم من دخول التعليم المدني إلى السودان قبل اكثر من مائة عام إلا إن عدد المتعلمين مازال قليلا كما ونوعا، وهو الأمر الذي أضعف مناعتنا تجاه عقلية القطيع والأضرار الضخمة الناجمة عن ذلك علي الوعي العام، مما جعلنا "مجتمع هوية" بإمتياز.
ومقابل مجتمع الهوية او المجموع Collectivism يأتي مجتمع الافراد individuality حيث تسود ثقافة الحقوق والديمقراطية وهي أساس المجتمع المدني الديمقراطي. مجتمع الهوية يتميز بوجوب طاعة الافراد المطلقة للمجتمع وسيادة التعصب والانغلاق وسطهم، بينما الفردية تميل إلي الانفتاح وبسط مساحات التسامح وهذا ما يميز ثقافة الحقوق ويفسر سر قوتها ومنعتها في الغرب حيث تتم احاطة الأفراد وحريتهم بسياج منيع من الحماية، ويتمتع الفرد باحترام خصوصيته وحقوقه ورد اي انتهاك عليها مما يساعد علي صيانة كرامة الانسان ومنع إهدار إنسانيته.
كانت المانيا وحتي عهد المفكر والفيلسوف ايمانويل كانط، كانت تسير حذرة في إتجاه مجتمع الفردانية والحقوق وذلك قبل ظهور هيجيل وماركس وغيرهم من فلاسفة " الهوية" ممن ساعد علي تهيئة المناخ والمزاج الشعبي لتقبل النازية ودعمها كما ساوضح لاحقا.
كان كانط قد أحدث ثورة فكرية حينما كتب ان المعرفة الإنسانية تتم وفقا لطبيعة العقل البشري وطبقا لشروطه وطريقة عمله، وقد أحدث ذلك ثورة في المعرفة بل أنه كان يعد بمثابة انقلاب في المفاهيم التي سادت آنذاك حول مدي قدرة الانسان علي المعرفة وكيفية حدوث المعرفة. وهي ثورة معرفية يقال عنها انها كانت لا تقل أهمية عن الانقلاب " الكوبرنكسي" وهو الخاص بإكتشاف كوبرنكس لدوران الارض حول الشمس وبأن الارض ليست مركزا لدوران الشمس والكواكب الاخري كما كان يبدو للناظر الي السماء. الانقلاب المعرفي الذى أسس له كانط يتلخص في حقيقة ان المعرفة تتم عن طريق حواسنا التي تنقل خصائص الموضوع المراد معرفته الى الدماغ، وأي شئ خارج نطاق الحواس الخمسة لا يمكن ادراكه. أي أنه لا يمكن ادراك " الشئ في نفسه" ومن ضمن ذلك لا يمكن تصور الله أو المطلق، لأن المعرفة تتم بواسطة العقل بينما الايمان موضوعه القلب والوجدان.

اواصل

talaat1706@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

المكتب الإقليمي لمجلس العلوم الدولي في مسقط .. الأهمية والطموح

استضافت سلطنة عُمان «حوار مسقط العالمي للمعرفة» خلال الفترة من 27 إلى 28 يناير الجاري، وهو الحوار الرابع في سلسلة حوارات المعرفة العالمية التي بدأت في عام (2022م)، وجاء حوار مسقط ضمن فعاليات الاجتماع الثالث للجمعية العمومية للمجلس الدولي للعلوم (International Science Council)، والذي يُعقد حضوريًا لأول مرة منذ تأسيسه، وفي خضم هذا التجمع العلمي البارز الذي يتمحور حول تشكيل مستقبل العلوم، تم الإعلان عن إطلاق نقطة الاتصال الإقليمي للمجلس الدولي للعلوم في منطقة الشرق الأوسط لتكون في مسقط، وهي خطوة تحمل الكثير من الأهمية الاستراتيجية والطموح.

في البدء، لا بد من الإشارة إلى مقتطفات من كلمة رئيس المجلس الدولي للعلوم (بيتر جلوكمان) في افتتاح حوار مسقط العالمي للمعرفة، والتي نشرت في الموقع الإلكتروني الرسمي للمجلس الدولي للعلوم، وقد تضمنت: «تُعَد عُمان مثالًا لدولة ناشئة وطموحة أدركت أهمية المعرفة والتعليم في التنمية الوطنية، ولا بد من الإشادة بها على ذلك، وكذلك على التزامها بدعم تنفيذ هذا المنتدى، كما كانت عُمان رائدة دائمًا في مجال الدبلوماسية العلمية»، وهذه الكلمات تعكس ثقة وتقدير المجتمع العلمي الدولي للجهود الوطنية الراهنة في تعزيز مكانة سلطنة عُمان على الخريطة المعرفية الدولية، ومواصلة تحقيق الريادة الإقليمية والعالمية في مجالات دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا، وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية من إطلاق المكتب الإقليمي لمجلس العلوم الدولي في مسقط، وذلك من أجل تعزيز الجهود الحيوية في تعزيز وإبراز التعاون العلمي على المستوى الإقليمي، وذلك باعتبار العلوم داعمة للتنمية الشاملة والمستدامة، ولكونه الإرث المشترك للأجيال القادمة.

فإذا تتبعنا مسيرة المجلس الدولي للعلوم والذي يُعد من أعرق الهياكل العلمية والبحثية التي تسعى لتسخير المعرفة من أجل خدمة الإنسانية، سنجد أن المجلس بمسماه الحالي قد تأسس في عام (2018م) من اندماج المجلس الدولي للعلوم، الذي يعود تأسيسه إلى عام (1931م)، والمجلس الدولي للعلوم الاجتماعية والإنسانية، الذي أُنشئ في عام (1952م) أعقاب الحرب العالمية الثانية، ويمكن تلخيص رسالة المجلس الدولي للعلوم في أنه يمثل صوت العلوم في التنمية العالمية، ويسعى إلى تأصيل القيم في عملية إنتاج وتوظيف المعرفة، وذلك من أجل تسخير الإمكانات الكاملة للعلوم، والمعرفة، والتكنولوجيا لضمان صناعة مستقبل مستدام، وقد جاء حوار مسقط الدولي للمعرفة متزامنًا مع الحراك الدولي المتعلق بتعزيز العقد الدولي للأمم المتحدة للعلوم من أجل التنمية المستدامة (2024م-2033م)، ففي الوقت الذي تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وتتسارع التغييرات التكنولوجية، أصبحت الحاجة إلى الفهم العلمي المتوازن، وتوليد المعرفة المشتركة، والتفكير المبتكر لمعالجة هذه التحديات أكثر أهمية من أي وقت مضى، وللمجلس الدولي للعلوم نقاط اتصال إقليمية في إفريقيا، وآسيا والمحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية، والكاريبي، ويأتي المكتب الإقليمي في مسقط ليمثل الشرق الأوسط في تعزيز محور التعاون العلمي والبحثي المشترك.

وهذا يقودنا إلى الفجوة القائمة حاليًا في ممارسات العلوم والابتكار، وفي نماذج البحث العلمي التقليدية، حيث تغلب عليها سمات الانفصال عن الاحتياجات المجتمعية، مما يحول دون مواكبتها لإلحاح التحديات المعقدة والمترابطة في عصرنا الرقمي، ويتطلب ذلك تبني الممارسات العلمية كشبكة تشاركية مرنة وموجهة نحو الأهداف الموحدة، وكذلك إعادة تصميم المناهج الإجرائية للبحوث العلمية لتصبح أكثر ترابطًا مع المستفيدين منها، ومع متخذي القرارات، وصانعي السياسات، وبذلك فإن العلوم والمعرفة التي تتشكل من خلال التعاون والتكامل والشمول، يمكنها معالجة التحديات المشتركة عند تقاطع أولويات الاستدامة، والتي تطلق عليها مصطلح «العلوم التحويلية»، وكل ذلك بحاجة إلى التعاون الواسع النطاق عبر الحدود الجغرافية، والذي يسمح بإتاحة العلوم كمنفعة عامة عالمية، ويعيد للعلوم المرجعية في رفد صناعة القرار، فالتعاون والعمل المشترك ليس مجرد هدف في حد ذاته، ولكنه وسيلة لاكتساب القيمة من دمج الجهود العلمية المؤسسية والفردية، واستقطاب ذوي المعرفة والخبرة والتجارب والرأي ووجهات النظر المتنوعة لتوظيف العلوم التحويلية إقليميًا، والتي من شأنها الإسهام في تسريع التقدم على المستوى الدولي.

وبالعودة إلى أداء المكاتب الإقليمية التابعة للمجلس الدولي للعلوم، والتي لا تزال جديدة نسبيًا، إذ يعود تأسيس أول مكتب إقليمي للمجلس إلى عام (2021م)، فإن إطلاق نقطة الاتصال الإقليمي في مسقط يمكن أن يسهم بشكل كبير في تمكين المنظومة الوطنية للبحث العلمي والابتكار عبر مسارات معززة لبناء القدرات الوطنية من جهة، وإتاحة الفرصة للانفتاح على العلوم المتفردة والجهود المميزة على المستوى الإقليمي من جهة أخرى، وفي الوقت ذاته فإن وجود المكتب الإقليمي في الخريطة المؤسسية العلمية يعد بمثابة المسرع في دعم التعلم من مختلف مصادر المعرفة الإقليمية والدولية، وتوظيف هذه المدخلات للاستجابة للمتطلبات التنموية، وذلك عن طريق دمج الأدلة العلمية مع المعارف المحلية، وبناء سلاسل القيمة في الابتكار، وإتاحة الأفكار والتجارب الناجحة إقليميًا على المستوى الدولي، وذلك في سياق خلق التأثير الإيجابي على الموضوعات ذات الاهتمام العالي في الأجندة العالمية للعلوم، وبالقدر نفسه من الأهمية الاستراتيجية للمكاتب الإقليمية يأتي الطموح في أن تقوم المكاتب بدور فاعل في تعزيز الثقة المجتمعية بالعلوم والتي تناقصت بشكل كبير بعد جائحة كورونا، وكذلك في الدفع بالمحاور الأساسية في التعاون العلمي والبحثي، مثل التكامل بين العلوم الأساسية والاجتماعية والإنسانية، وحقوق الملكية الفكرية، وتيسير الوصول للتجهيزات والمعدات العلمية والتقنية المتقدمة، والتشبيك مع القطاعات الإنتاجية والصناعية الإقليمية والعالمية لترجمة المخرجات البحثية والابتكارية إلى أثر اقتصادي واجتماعي.

إن استضافة سلطنة عُمان لحوار المعرفة العالمي الرابع، وإطلاق نقطة الاتصال الإقليمي لمجلس العلوم الدولي في مسقط تمثلان فرصة استراتيجية لتوظيف دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا من أجل تعزيز التموضع الخارجي، وخلق الحراك العلمي الموجه لخدمة أهداف التنمية المستدامة محليًا وإقليميًا، واغتنام الفرص التطويرية من الأنشطة الدولية التشاركية، والاضطلاع بأدوار قيادية في دعم الممارسات العلمية والبحثية المسؤولة.

مقالات مشابهة

  • فؤاد: ثورة سوريا ستنجح لأنهم يتبعون نصائح تركيا
  • شبكة أطباء السودان: نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تشير إلى قيام الحكومة التشادية بترحيل لاجئين سودانيين
  • ثورة الكرامة.. ثورة مائة الف شهيد
  • "OpenAI" توجه اتهاما لشركات صينية بسبب "ديب سيك"
  • مغير الخييلي: «عام المجتمع» رؤية عميقة في بناء مجتمع قوي
  • المكتب الإقليمي لمجلس العلوم الدولي في مسقط .. الأهمية والطموح
  • يداً بيد نحو مجتمع مزدهر ومستقر
  • السلمية: قوة المستقبل.. ثورة ديسمبر السودانية نموذجاً
  • جامعة صحار تشارك في "حوار المعرفة العالمي مسقط"
  • الأشخاص ذوي الإعاقة .. تميز وإصرار على النجاح في بناء مجتمع ملهم