الجيش والمستقبل السياسي في السودان
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
يعتبر عقدي السبعينات و التسعينات في القرن الماضي الأكثر تأثيرا في التغييرات التي طرأت على القوى السياسية في السودان، و غيرت المعادلات السياسية التي ما تزال مؤثرة في السياسة حتى الآن.. عقد السبعينات شهد توقيع "اتفاق بورتسودان" 1977م بين الرئيس نميري و الصادق المهدي رئيس الجبهة الوطنية، و الاتفاق ليس أتفاقا بين متحاربين فقط بالسلاح و أرادا الاحتكام للعقل بالتوافق على التبادل السلمي للسلطة.
ساعد اتفاق بورتسودان 1977م، الحركة الإسلامية أن تتحول من حركة صفوية محصورة في قطاع النخب الصفوية إلي قوى سياسية تتمدد في القطاع الشعبي، باعتبار أن قيادتها السياسية استطاعت أن تستثمر حالة الهدنة في تشييد صروحها المالية التي ساعدتها على اتساع حركتها السياسية.. في هذه الفترة ضعفت القوى السياسية الفاعلة في القطاع الطلابي حيث ظهر تنظيم " الطلاب المستقلين" الذي أثر تأثيرا مباشرا في الحراك السياسي الطلابي و تنمية قدراته، خاصة أن الحزب الشيوعي كان يعاني من تأثير الانقسام عليه و ما تزال قياداته تعمل تحت الأرض، و كانت الحركة الإسلامية تشعبت أهتماماته في ذلك الوقت.. كان الاتحاديون الذين رفضوا الاتفاق قل عطأهم السياسي بعد موت الشريف حسين الهندي، الذي كان يراهن على قطاعين الطلاب و العمال.. الأمر الذي اعتمد التغيير في إبريل 1985م على نقابات القوى المهنية " التجمع النقابي " و ليس على القوى السياسية، هذه التغيير غيب فكرة رؤية كيفية تتم عملية التحول الديمقراطي..
عقد التسعينات فقدت فيها بعض القوى السياسية أهم دعائمها في ذلك الوقت، إضعاف نظام صدام حسين الذي كان داعما لحزب البعث العربي الاشتراكي في السودان له أثر في ضعف حزب البعث في السودان، و اكان نظام صدام يوفر للحزب في السودان التمويل المالي للحركة، و مئات الفرص التعليمية في الجامعات العراقية كواحدة من أهم أداة للحزب في الاستقطاب وسط الشباب.. الثاني سقوط حائط برلين و سقوط الاتحاد السوفيتي، حيث كانوا يفروا للحزب الشيوعي التمويل المالي و مئات المنح الدراسية الي تتيح للحزب الاستقطاب وسط الشباب و النخب المثقفة، الأمر الذي أثر سلبا على أحداث تغييرات جوهرية داخل الحزب من الناحيتين التنظيمية و الفكرية، الأمر الذي أدى إلي تراجع كبير لدوره وسط القوى الجديدة في المجتمع.. هذه التأثيرات بالضرورة لها انعكاساتها على العمل السياسي في السودان.. و في هذه الفترة استطاعت الطائفية أن تقبض على مفاصل الحزب الاتحادي الديمقراطي، و هي طائفة محافظة منكفئة على مصالحها الذاتية، فقط تريد أن تجعل من الحزب أداة حماية لتلك المصالح، فهي لا تهتم بعملية تطوير الحزب من الناحيتين التنظيمية و الفكرية لأنها تعتقد أن ذلك ضد مصالحها.. لذلك هي تعتمد على عناصر الولاء للطائفة و هذه الفئة ذات قدرات محدودة و متواضعة، همها أن تكون متواجدة صوريا في المسرح السياسي دون التأثير فيه، لأنها لا تملك الأفكار التي تؤهلها أن تدفع بها في الساحة..
هذه التحولات التي حدثت في عقدي السبعينات و التسعينات لها أثر مباشر في إضعاف القوى السياسية، و حتى القوى الجديدة التي ظهرت بعد ثورة ديسمبر 2018م ، هي قوى سياسية مصنوعة صناعة، حيث استطاع الخارج أن يصنعها من خلال الورش و الندوات التي كانت تقام في كل من كمبالا و نيروبي منذ عام 2004م، و هي ليست قوى سياسية ذات تأسيس فرضته ظروف أجتماعية، و تأسست على أفكار يمكن محاكمتها عليها، هي قوى ذات طبيعة ظرفية لحالة الضعف التي تعاني منها القوى السياسية التقليدية الأربعة.. لذلك تجدها رمت حملها على الخارج، في اعتقاد أن الخارج سوف يشكل لها رافعة للسلطة في مقابل أن تكون أداته لتنفيذ الأجندة المطلوبة، و لإنها ولدت خارج رحم المجتمع لا تثق فيه و توليه أية أهمية..
أن وقف الحرب حتى بعد انتصار الجيش لا يعني أن القوى السياسية قادرة على إدارة الأزمة، بل هي تحتاج إلي معالجات مطلوبة من خلال قوانين خاصة قانون الأحزاب الذي يجب أن يفرض بشكل صارم على الأحزاب قيام مؤتمراتها بشكل دوري، و تحدد فترة زمنية للقيادة أن لا يمكث أي قيادي لأكثر من دورتين بهدف التغيير في القيادات بصورة مستمرة الأمر الذي يدفع الأجيال الجديدة أن تنتمي للأحزاب.. أن التجديد و تعاقب الأجيال في الأحزاب بصورة مستمرة هو الذي يضخ الدم في هذه الأحزاب و يحدث فيها التغيير.. و هذا يقع عبء على القوات المسلحة التي يجب أن تخلق البيئة الصالحة لعملية تبادل السلطة سلميا، و الحرب أظهرت حالة الوهن و الضعف التي تعاني منها القوى السياسية.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى السیاسیة الأمر الذی فی السودان
إقرأ أيضاً:
قائد الجيش: لبنان يحمي الطوائف وليست الطوائف هي التي تحميه
التقى قائد الجيش العماد جوزاف عون تلامذة ضباط السنة الأولى في الكلية الحربية بحضور قائد الكلية والمدربين، وتوجّه إليهم بكلمة هنّأهم فيها على نجاحهم في مباراة الدخول إلى الكلية نتيجة جهدهم وتصميمهم، وانضمامهم إلى مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء. وقال العماد عون في كلمته: "اتخذتم قرار الدخول إلى الكلية الحربية عن إيمان واقتناع، ما يحمّلكم مسؤولية كبيرة بخاصة في هذه الظروف الصعبة. ستبقى المؤسسة إلى جانبكم لمساندتكم بجميع إمكاناتها". وأضاف: "لا تعبؤوا بالشائعات الهادفة إلى النيل من الجيش، فهو من المؤسسات القليلة التي لا تزال صامدة، وهو صخرة لبنان وأحد أهم عوامل استمراره. ابذلوا قصارى جهدكم لأن مساركم في الكلية الحربية صعب، لكنه ليس مستحيلًا، وهو ضروري لبناء مستقبلكم". وتابع: "نفتخر بكم لأنكم تمثلون مستقبل الجيش والوطن، وتذكّروا أن الجيوش تبنى لأوقات الشدائد، وأن التضحية قدرُنا حتى الشهادة إذا دعانا الواجب. ليَكن حزبكم لبنان وطائفتكم البزة العسكرية. لبنان يحمي الطوائف وليست الطوائف هي التي تحمي لبنان. بعد ثلاث سنوات ستُقْسمون يمين القيام بالواجب حفاظًا على علم البلاد وذودًا عن الوطن، فابقوا أوفياء للقسم". ولفت إلى أن هناك ثلاثة يقسمون اليمين في الدولة اللبنانية، رئيس الجمهورية والقاضي والعسكري، لأن مهمتهم مقدسة". واعتبر العماد عون أن" التلامذة سيشكلون عند تخرجهم عامل قوة للوحدات العسكرية المنتشرة على مساحة لبنان، وسيساهمون في تعزيز أدائها الاحترافي الذي نال ثقة اللبنانيين والدول الصديقة". وختم مهنئًا التلامذة بمناسبة الأعياد المجيدة ومتمنيًا لهم "التوفيق وصولًا إلى التخرج".