حالة تسول!!
صباح محمد الحسن
طيف أول :
يقيني أن الحقيقة وحدها من تُفقد الشكوك المتسلقة إيمانها بالصعود حتى دون أن يُحدث ذلك إفلات لأصابعها المتشبثة بحبال الوهم !!
ويشكك وزير المالية جبريل إبراهيم في نفسه وحكومته ويحاول أن ينفي مايثبته من خلال حديثه ويقول (إن مشاركاته الإقليمية والدولية كانت بهدف إثبات حضور الحكومة بمؤسساتها الرسمية لكي لايحدث لبس في من يمثل الحكومة في السودان )!!
وهذا إعتراف ضمني بعدم شرعية الحكومة وهو ايضا أكبر دليل على أن الحكومة يزعجها شعورها المُنهك أنها مولود غير شرعي مجهول الهوية
فالوزير الحقيقي والشرعي الذي ينتمي لحكومة معترف بها هو ليس بحاجة لإثبات وجوده او وجود الحكومة خارجيا لذلك أكد الرجل الحقيقة بالنفي
ولم يقف جبريل على إثبات أن حكومتهم ( لقيط) لكنه ذهب ليثبت أكثر حيث قال أنهم إجتمعوا مع ممثلين للبنك الدولي وقدموا لهم احتجاجهم على أن البنك الدولي له رأي في الإجراءات التصحيحة (إستحى أن يقول الإنقلاب) وأردف.
وجبريل هنا يثبت بعظمة لسانه للمرة الثانية أن حكومته ايضا فاسدة وأنهم لصوص، وأن صندوق النقد الدولي لايثق فيهم ولايتعامل معهم من الأساس
إذن لطالما الصندوق يرى الحكومة غير شرعية ومع ذلك فاسدة وخاينة ولاتؤتمن
إذن لماذا يمارس جبريل حالة التسول على عتبته
وسألت نفسي وبما أن النتائج جاءت مخيبة وصفرية لهذه الزيارة فلماذا يعقد جبريل مؤتمرا صحفيا لنشر هذه الفضائح اما كان له أن ( يستر على الحكومة)
ومعلوم ان صندوق النقد الدولي لايدخل اموالا الي السودان بعد إنقلاب 25 اكتوبر إلا عبر اليونسف وال ( ( WFP) وتسمي هذه اموال الطواري التي تنفق على التعليم والصحة وهي بمثابة مسئوولية اجتماعية إنسانية يقوم بها الصندوق للوقوف بجانب الشعوب حتى إن كانت حكوماتها فاسدة ولاتستحق العطاء
ولكن وبعيدا عن عودة جبريل بخُفيّه فإن الموتمر الصحفي الذي قدمه هو نسخة ثانية لأن النسخة الأصلية ماكان يريد جبريل أن يتحدث فيها عن زيارته ( المهببة) لامريكا وعودته منها خال الوفاض فالزيارة ( شوفة عينكم) خاسرة ، لكن كان يريد ان يتحرك بقراره السياسي الي الأمام ، يستند على حجة وجود قواته في الصفوف الأمامية ومن هذا يحاول ابتزاز الحكومة
ولكن الاخبار تقول أن جهات أمنية منعت جبريل من تصريحات بعينها رأت انها ستشق الصف الآن في وقت ترى فيه الحكومة أنها على قلب رجل واحد ولهذا السبب تم تأجيل المؤتمر الصحفي في اليداية وهذا يعني أن القرار مازال بيد القيادات الإسلامية فجبريل إن كان القرار بيد العسكريين لتطاول عليهم واستمر في إبتزازه ولوح بمغادرة الميدان لكن عدوله عن فكرة الطرح التي كان يريد إعلانها تعني أنه رضخ لشروط الولاء والطاعة للتنظيم
فالحقيقة تقول إن جريل طالب بحصته من الثروة والسلطة وهدد بالرحيل همسا لكنه توقف عن المطالبة جهرا وحاول بالأمس أن ينفي ماحدث واوضح أنه رغم وجود ملاحظات على أداء الجهاز التنفيذي، إلا أنها سيتم طرحها من خلال المؤسسات الرسمية. وأكد أن الحركات المسلحة لا تستطيع ابتزاز الدولة، مشيراً إلى أن الجميع يعرف تجهيزات المقاتل، وأن القتال هو من أجل الوطن وليس لإرضاء أي شخص وفق قوله
واعتراف جبريل بأن هناك ملاحظات يؤكد وجود مطالبة وسلامة معلومة إبتزازه سيما أنه اردف أن مكان هذه الملاحظات هو أن تتم عبر المؤسسات الرسمية ، وهو مايعني أن جهة اقوى رأت ليس مكانها على الملأ وعبر المنصات الإعلامية كما أن (تجهيزات المقاتل) تعني لغة واصطلاحا انه طالب بالمال أي اقتسام الثروة !!
وهنا للمرة الثانية ينفي جبريل ليثبت مايريد نفيه
وعلاقة الحركات المسلحة بقيادة الجيش هي علاقة مصالح ومكاسب مادية يدفع المواطن روحه الغالية ليحصد جبريل من موسم الحرب
ولو عاد جبريل من رحلته غانما لتلاشت كل المطالب ومظاهر الإبتزاز الرخيص أي ( الملاحظات) على حد تعبيره، لأن الوقت كان سيكون لإقتسام الغنيمة وهنا لاحاجة للمؤتمرات الصحفية ولكنه عاد الي بورتسودان بلا دولار واحد ووجد الإنقلاب يحاصره من كل إتجاه وحتى حكومة بورتسودان لو علمت أن جبريل عاد لها بالمال لإختلفت لغة الحوار معه بعيدا عن لي ذراعه وإجباره على تحويل المؤتمر من سياسي الي إقتصادي بالرغم أن لامحتوى ولامضمون إقتصادي.
طيف أخير :
غدا نتحدث عن (الترميم الوزاري) في حكومة الإنقلاب ونطالب بوزارة الثقافة للفنانة ندى القلعة لأنها ( ماقصرت كمان ) !!
الوسومالحكومة تسوّل جبريل وزير الماليةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحكومة تسو ل جبريل وزير المالية
إقرأ أيضاً:
سلوى حجازي التي رفضتها الإذاعة
تفاصيل كثيرة تدعو المرء للإعجاب بكتاب «سلوى: سيرة بلا نهاية» للباحث المصري كريم جمال، الصادر هذا العام عن مكتبة تنمية بالقاهرة في الذكرى الخمسين لاستشهاد المذيعة التلفزيونية والشاعرة المصرية سلوى حجازي، في حادثة إسقاط طائرتها المدنية القادمة من ليبيا من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في 21 فبراير 1973، في جريمة مروّعة هزت العالم آنئذ.
لكنني لضيق مساحة هذا العمود أولًا، ولرغبتي في الحديث عن اليوم العالمي للإذاعة الذي وافق يوم الخميس الماضي، ثانيًا - سأختار الحديث عن تفصيل واحد فقط استوقفني في سيرة سلوى المهنية؛ ألا وهو علاقتها بالإذاعة، التي أدهشتني في نقطتين تكادان تكونان نادرتين.
ربما كان جيلي، الذي وُلِد في سبعينيات القرن الماضي لا يعرف من هي سلوى حجازي، لكن المؤكد أن كل من وعى فترة الستينيات المهمة في التاريخ العربي يعرفها جيدا، فتلك الفترة كانت فترة المدّ القومي العروبي ومجابهة قوى الاستعمار والاستكبار العالمي، وهي أيضًا الفترة الذهبية للثقافة العربية أدبًا وفنًّا وسينما وغناءً وموسيقى، والتي أدى التلفزيون المصري دورًا كبيرًا في إبرازها، وكانت سلوى حجازي في القلب من هذا الدور، ويكفي أن نذْكُر قائمة من حاورتْهم من نجوم الفن والأدب خلال ذلك العقد المهمّ من التاريخ لنعرف حجم تأثيرها في المشهد الإعلامي العربي؛ خاصة أن بعض هؤلاء كانوا يظهرون للمرة الأولى في حوار على شاشة التلفزيون، وبعضهم كان يشترط أن تكون سلوى حجازي محاوِرتَه لا سواها؛ وتضم القائمة الموسيقار محمد عبدالوهاب والمطربة نجاة الصغيرة، والشاعر نزار قباني، والمطربة فيروز والأخوين رحباني، والشاعر والمسرحي بديع خيري، والشاعرين صلاح عبدالصبور وصلاح جاهين، والمطرب عبدالحليم حافظ والمترجم سامي الدروبي، وعشرات غيرهم، دون أن ننسى أنها كانت المذيعة التي رافقت كوكب الشرق أم كلثوم في حفلتيها في باريس عام 1967 بطلب من سيدة الغناء العربي التي خصّتها خلال تلك الرحلة بمقابلة تلفزيونية قصيرة مدتها عشر دقائق.
النقطة الأولى التي استوقفتْني في سيرة سلوى حجازي المهنية، والتي عليّ أن أذكِّر هنا أنها كانت شابة رائعة الجمال حين تقدمت لمسابقة اختيار المذيعات في صيف عام 1960 كما يسرد كريم جمال في كتابه، وكما تشهد صورة الغلاف المنتقاة بعناية، أن الذي اختارها لتكون مذيعة (مع 8 مذيعات أخريات من ضمن 1200 شابة تقدمن لهذه الوظيفة) هو خبير إذاعة لا تلفزيون، وهذا أمرٌ مفهوم؛ فحين أُعلِنَ عن المسابقة في الصحف لم يكن التلفزيون المصري قد تأسس بعد، وما هذا الإعلان إلا إحدى لَبِنات تأسيسه، وكان طبيعيًّا أن يُستعان بالخبرات الإذاعية. التفصيل المهمّ هنا أن سلوى حجازي لم تُخْتَر لجمالها فقط، بل لثقافتها العالية أيضا، وهذا ما أكّده الإذاعي المصري صلاح زكي (أحد أعضاء اللجنة المشرفة على عملية اختيار المذيعات) بعبارة كتبها في ورقة موضوعة أمامه: «قطة بلا مخالب، صوتها حلم، وثقافتها لا تقاوم»، لتطوف هذه الورقة على أعضاء اللجنة الآخرين إلى أن تصل إلى رئيسها عبدالحميد يونس فيؤشّر عليها بالموافقة، مضيفًا عبارة: «وجه جميل، ومثقف، ولائقة للعمل».
وإذن؛ قُبِلت سلوى حجازي مذيعةً تلفزيونية في 12 يوليو 1960، وهو اليوم الذي اختاره كريم جمال بذكاء ليبدأ به سرد سيرة حياتها، ورغم أنها نجحتْ في الدخول إلى قلوب المشاهدين بسهولة، إلا أنها ظلتْ خلال السنوات الأربع الأولى من عملها - وعلى عكس كثير من المذيعات في ذلك السن «لا ترى في الأضواء المبهرة، التي تحيط بها من كل جانب، إلا بريقا وقتيا زائلا» كما يروي كريم من خلال تحليله لقصائدها التي كُتِبتْ خلال تلك الفترة، و«أن تلك الشهرة المتزايدة ربما ستتلاشى قريبا، ويضيع اسمها ككثير من الأسماء التي فقدت قيمتها من قبل مع مرور الأيام»، وينقل كريم عن أستاذ علم نفس مصري وقتها أن ما عانتْه سلوى من قلق «ما هو إلا تناقض وجداني بسبب ذلك الصراع الكبير بين حساسيتها وشاعريتها المفرطة من جهة؛ ورهابها من الضوء وقيوده المتراكمة عليها بحكم دورها الإعلامي - من جهة أخرى».
وإذن، ورغبةً في الهروب من الأضواء تقدمت سلوى حجازي بطلب التحول من مذيعة تلفزيونية إلى مذيعة في الإذاعة في إبريل من عام 1964، وهذه هي النقطة الثانية التي أثارتْ اندهاشي في سيرتها المهنية، ذلك أننا اعتدنا في مشهدنا الإعلامي العربي أن يتألق المذيع أمام ميكروفون الإذاعة أولًا ويتأسس فيها، ثم ينتقل بعد ذلك إلى أضواء التلفزيون، والأمثلة على ذلك عديدة، فكثير من نجوم قناة الجزيرة على سبيل المثال - كمحمد كريشان وفيصل القاسم وسامي حداد بدأوا مذيعين في الإذاعة قبل أن يصبحوا نجومَ تلفزيون، وهكذا أيضًا بعض نجوم شاشتنا العُمانية مثل محمد المرجبي وخالد الزدجالي.
لكن سلوى حجازي قلبتْ الآية، فقد تألقتْ تلفزيونيًّا أولًا ثم سعت لأن تكون إذاعية، «وأقنعت نفسها أنها وجهة مناسبة لها» كما يشرح مؤلف الكتاب؛ «فوراء الميكروفون الإذاعي لا قيود تُفرَض على المذيعة، أو على الأقل ليس بقدر ما تعانيه من قيود الكاميرات؛ فهناك، لا قلق من الصورة، ولا مساحيق إجبارية لا مفر منها، ولا ابتسامة زائفة تخالف حقيقة مشاعرها أحيانًا».
وإذا كنا نتفهّم هذه الدوافع من سلوى للرغبة في التغيير فإننا نتفهم أيضًا رد عبدالحميد الحديدي مدير عام البرامج في الإذاعة المصرية آنئذ على طلبها: «إن الإذاعة يسعدها أن تضم مذيعة ناجحة إلى أسرتها، ولكن التلفزيون أيضًا يجب ألا يُفرِّط في نجومه اللامعين الذين أحبهم الجمهور»، لذا فإنه لا يمكن أن يقبل ذلك الطلب، ولا يمكنه أن يخطف من التلفزيون أنجح مذيعات جيلها في سنوات تكوينه الأولى.
وحسنًا فعل الحديدي، فكم من الحوارات التلفزيونية الثرية كنا سنخسر لو أن سلوى حجازي انتقلت للإذاعة في ذلك الوقت المبكِّر من مسيرتها المهنية.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني