المشهد التربوي في ظلّ الحرب.. قمة التناقض والضياع والاصرار
تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT
يواجه نظام التعليم في لبنان تحدّيات عدة، تفاقمت مع الأزمة الاقتصادية في البلاد، واستفحلت اليوم مع الحرب الاسرائيلية على لبنان وتحوّل المدارس الرسمية إلى مراكز إيواء للنازحين، مما حال دون تمكّن عدد كبير من الطلاب من متابعة دراستهم. وحرمت الحرب الإسرائيلية على لبنان قرابة ألاف الطلاب من مقاعدهم الدراسية، وأصبح مستقبلهم مرهونًا ببعض المبادرات التعليمية هنا وهناك.
ينقسم الرأي العام اليوم، حول قضية العودة تثير العودة إلى الروتين المدرسي مشاعر متضاربة. فمن ناحية، ندرك أهمية الروتين في خلق شعور بالاستمرارية وتعزيز المرونة الشخصية والاجتماعية. ومن ناحية أخرى، تنشأ مخاوف طبيعية في ظل الوضع الأمني المعقد.
وفي هذا السياق أكدت مدرسة كوليج يونيفرسال أن "قرار العودة الى المدرسة جاء بعد التشاور على نطاق موسّع مع الأسرة التربويّة بكلّ مكوّناتها، بهدف إنقاذ العام الدراسي، انطلاقًا من إصرارنا على عدم ضياع السنة الدراسيّة مهما بلغت قساوة الظروف. حيث نسعى بكل جهد كي لا تحدث فجوة بين تلامذة يتمكّنون مِن الدرس حضوريًا أو عن بعد، وآخرين لن يتمكنوا من ذلك في الوقت الحاضر".
وقالت ادارة المدرسة أن "على الرغم من كل التحديات، قررنا إعادة استكمال السنة الدراسية، لأن الوضع التربوي اليوم دقيق جداً، خصوصاً مع مروره عبر السنوات الماضية بهزات كثيرة، ولم يتم بعد وضع خطة طويلة الأمد لهذا القطاع، بالرغم من أن الحرب متواصلة منذ عام، وطلاب الجنوب معظمهم من دون مدارس".
وأشارت المدرسة الى ان قرار وزير التربية ملزم للمدارس الرسمية، ولكنه غير ملزم للمدارس الخاصة التي بدأت اعتباراً من الاسبوع الماضي بالعام الدراسي عن بعد او التعليم المدمج ما بين الحضوري و"الاونلاين"، مشيرة على ضرورة البدء بالعام الدراسي مهما كانت الصعوبات، لأن المدارس قادرة على التعليم حضورياً وعليها فعل ذلك، لكن تبقى المشكلة الأساسية في النازحين والمدارس الرسمية وكيفية معالجتها.
ولفتت المدرسة الى ان هناك العديد من المدارس في مناطق آمنة يمكن ان تفتح ابوابها للتعليم الحضوري وبدء العام الدراسي بشكل طبيعي جداً، فيما يبقى الخيار مفتوحاً للمدارس التي تقع عند خطوط التماس.
وقالت "فقد درسنا في الحرب الأهلية تحت الرصاص والقنص، لكن لم يكن من المفترض صراحة أنْ تتحوّل كلّ المدارس الرسمية إلى وجهة للنازحين، فعلى الرّغم من الظروف الصعبة، يُمكن استكمال التعليم لكن بعد تقسيم التوقيت بين دراسة قبل الظهر لأبناء المدينة، وبعد الظهر للنازحين مثلاً كيّ تسنح الفرصة للجميع للتعلّم، لكن حينما تُنسى المدارس الرسمية، فهنا بتنا نتحدّث عن كارثة تربوية قادمة وليست الأولى من نوعها".
واضافت ادارة المدرسة بأنّ "المدارس أكثر أمنًا من المنازل ومن مراكز الإيواء، وأكثر فائدة على الطالب من أي مكان آخر، ومن هذا المنطلق فإنّنا نصرّ على التعليم الحضوري في المناطق الآمنة، والخيار الأمثل بترك كلّ مدرسة تفتح أبوابها بحسب استطاعتها، على أن يتمّ البحث في وقت لاحق في كيفية التعاون مع المدارس الرسمية من أجل المساعدة في تأمين التعليم للجميع".
في الختام، قالت المدرسة انه "على الرغم من التحديات، فإن العودة إلى الروتين المدرسي هي فرصة لتعزيز المرونة الشخصية والاجتماعية. من خلال الاهتمام والتفهم والدعم، ويمكننا أن نساعد أطفالنا ليس فقط على التعامل مع الموقف، ولكن أيضًا على النمو منه. معًا سنتجاوز هذه الفترة ونخرج منها أقوياء".
وتقول معلمة اللغة العربية "ريتا انطون" أن من المهم أن نتذكر أن الحرب تؤثر على كل واحد منا بشكل مختلف. في تعاملنا مع الأطفال العائدين إلى المدرسة، يجب أن نأخذ في الاعتبار كل التغييرات في بيئتهم، تغيرات مكان الإقامة، وأكثر من ذلك. وعلى الرغم من أننا لا نستطيع منع هذه التغييرات، إلا أنه يمكننا تسهيل التعامل معها.
وبرأيها، فإن الحل الأمثل في ظروف الحروب هو استخدام كل الوسائل الممكنة من أجل تعليم الأطفال مهارات حياتية بسيطة، تساعدهم على التفريغ النفسي وتعلّمهم القدرة على دعم الذات. وتقول إنه على الجهات الرسمية حصر قوائم بأسماء المعلمين الذين بإمكانهم تنفيذ مبادرات تعليمية والإشراف عليها ودعمها قدر المستطاع.
وطالبت انطون بأن "تكون الخطة الجديدة شاملة بحسب كل شخص وكل مؤسسة بحسب حاجتها، وإيجاد حلول سريعة، ووضع التعليم ضمن الأولويات. ويمكن زيادة أشهر السنة الدراسية، وإلغاء بعض الأعطال السنوية، لتحصين أطفالنا بالعلم والعمل، خصوصاً لذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يستطيعون التعلم عن بعد بل يحتاجون إلى اختصاصيين".
وقالت أنه "كان يوم الاثنين هو يومنا الأوّل وسجّلنا غياب عشرات التلاميذ الذين لم تُرسلهم أمهاتهم خوفاً من الحرب، وربما هناك أسباب أخرى سنستعلم عنها لاحقاً".
وأكدت أن "الظروف صعبة اليوم مع استعمال 75 في المئة من المدارس الرسمية كمراكز إيواء للنازحين، ووجود 45 ألف أستاذ خارج نطاق مراكز أعمالهم أو مناطقهم، و546 ألف تلميذ نازح".
واشارت انطون أنه على الرغم من الخوف السائد، فإنّ وظيفة المعلم الأساسية ليست التدريس، بل بناء ثقافة ووعي، وعن ذلك تقول: "منذ اليوم الأول للعودة الى الدراسة رأيتُ أنّ الحديث مع الطلبة مهم وهذا ما فعلته، سألتهم عن مشاعرهم وحاولت أن أشعرهم بالطمأنينة".
"حسين ومنى" شقيقان نجحت عائلتهما برفقة طواقم الدفاع المدني في اخراجهما من منطقتهم المشتعلة بنيران الحرب، حسين الذي كان قد بدأ عامه طالبا في الصف الثاني، حزين على قرطاسيته التي لم يستطع إنقاذها من الركام.
تصف بتول انقطاع أولادها عن الدراسة بمأساة حقيقية، وتقول ان الوضع اليوم لا يسمح بفتح المدارس والتعليم، فالعدو همجي واولادنا عرضة للخطر، مشيرة الى ان العديد من الطلاب او الاساتذة قد تركوا منازلهم، سواء بفعل النزوح او الهجرة، وبالتالي من الصعب عليهم الالتحاق بالصفوف حضوريا.
واعتبرت بتول أنّ "الواقع الحربي يستنزف التعليم الرسميّ ولا يُنصف أبناء المؤسسات التعليمية الحكومية. ونحن نرفض خسارة العام الدّراسي. أما من جهة التعليم عن بعد فمشاكله لا تحصى ولا تعد ان لناحية عدم توفر الكهرباء بشكل دائم او لناحية عدم توفر الانترنت المطلوب. وما زاد الطين بلّة ازدياد أعداد النازحين الذين يحاولون تدبّر أمورهم في أماكن نزوحهم بعيداً عن منازلهم وقراهم، وعدم توفر الظروف الملائمة للعودة إلى المدرسة، إضافة إلى عدم معرفة الأهالي كم ستطول الحرب لاتخاذ قرار تسجيل أولادهم في مدرسة في منطقة نزوحهم".
وختمت قائلة: "أخطر ما في الحياة التوقف عن التعليم، فهذا أسوأ أمر يمكن أن يحصل في المجتمع، وغالباً ما يواجه الآباء صعوبة في معرفة أفضل السبل للاستجابة لأولادهم في هذه الظروف، ويمكننا البدء بالشرح للأبناء مقدار وأوجه العنف الفظيع الذي يُرتكب حولهم، مع التذكير دوماً بأنّها حالة مؤقتة، وسنتغلّب عليها ونتجاوزها".
وبين التعليم الحضوري والتعليم الافتراضي واللاتعليم، يبقى التلامذة النازحون القابعون في المدارس طلبا للأمان لا للعلم هم الخاسر الأكبر. وعليه، فإن المشهد التربوي الحالي هو قمة في التناقض والضياع وفيه من كل شيء: تلامذة عادوا إلى مقاعد الدراسة، تلامذة في المنازل ووراء الشاشات الذكية يتعلمون افتراضيا من خلال الـ"online" وتلامذة في المنازل وفي مراكز الإيواء من دون تعليم. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: المدارس الرسمیة العام الدراسی على الرغم من عن بعد
إقرأ أيضاً:
وزير التعليم: نسبة الحضور في المدارس تصل إلى 85% بعد معاناة سنوات طويلة
استعرض محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، في جلسة حوار مجتمعي عقدت بحضور رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير، جهود الوزارة والإجراءات التي تم اتخاذها لحل التحديات التي تواجه قطاع التعليم في مصر.
أبرز الوزير أن نسبة الحضور في المدارس تحسنت بشكل كبير، حيث كانت في العام الماضي تتراوح ما بين 9% إلى 15%، بينما ارتفعت الآن إلى 85% على مستوى كافة محافظات الجمهورية.
الكثافة الطلابية: تحديات وحلول مبتكرةأكد الوزير أن أحد أبرز التحديات التي واجهت التعليم في مصر كان الكثافة الطلابية المرتفعة، حيث وصلت بعض الفصول إلى 200 طالب في الفصل الواحد، مع متوسط يتراوح بين 70 إلى 80 طالبًا في الصف الواحد، مشيرا إلى أن الوزارة عملت على تخفيف هذه الكثافة من خلال بناء 150 ألف فصل دراسي خلال العشر سنوات الماضية، ما يمثل نحو ثلث إجمالي الفصول في البلاد.
حلول فعالة لتلبية الاحتياجاتكشف الوزير عن أن نسبة العجز في المعلمين كانت قد بلغت 469 ألف معلم، مما أثر بشكل كبير على سير العملية التعليمية، موضحا أن الوزارة تمكنت من التغلب على هذه المشكلة بشكل كامل، حيث لا يوجد فصل دراسي في الوقت الحالي خالي من معلمي المواد الأساسية.
العدد الإجمالي للمدارس والتطورات الجديدةأضاف الوزير أن إجمالي عدد المدارس في مصر يبلغ حاليًا 60 ألف مدرسة، موضحا أن الوزارة تعمل على رفع مستوى جودة التعليم من خلال تحسين البنية التحتية، وزيادة عدد الفصول لمواكبة الزيادة السكانية والتوسع في التعليم.
تعاون بين الوزارات لتطوير النظام التعليميوأعرب الوزير عن تقديره للجهود التي بذلها الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي، مؤكدًا على أهمية التعاون المستمر بين وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم في تطوير النظام التعليمي في مصر، مؤكدا أن هذه الشراكة تساهم بشكل كبير في تحسين جودة التعليم وتحقيق أفضل النتائج للطلاب.
دور الإعلام في تعزيز الوعي المجتمعيفي ختام حديثه، أشاد وزير التربية والتعليم بالدور المحوري الذي يقوم به الإعلام في توعية الرأي العام، مؤكدًا على أهمية الاستماع إلى مختلف وجهات النظر لتعزيز الشفافية وضمان مشاركة جميع الأطراف المعنية في اتخاذ القرارات التي تدعم مسيرة التعليم في مصر.